أخبار عالميةمقالات

الصحفي و القانون

بقلم: الدكتور جابر غنيمي

مدرس جامعي

المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسوسة

الصحفي كلمة عربية قديمة، كانت بالسابق تقال لمن يجلب المعلومات من الكتب دون معلم، فكانوا عند المناقشات الأدبية يعيبون على من ليس له شيخ أو معلم وينعتونه بكلمة صحفي.وهناك اتجاهين لمدلول الصحافة، الاتجاه الضيق الذي يرى أصحابه أن الصحافة تشمل الصحف بمختلف أشكالها سواء كانت صحف يومية أو دورية، أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الموسع يرى مدلول الصحافة لا يقتصر على الصحف بل يشمل الإذاعة و التلفزيون و المسرح و السينما و كل وسائل الإعلام الأخرى.

و لقد تم تعريف الصحفي في القوانين الوطنية، فلقد عرف القانون التونسي الصحفي ضمن الفصل 7 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر على انه: “يعدّ صحفيا محترفا طبقا لأحكام هذا المرسوم كل شخص حامل على الأقل للإجازة أو ما يعادلها من الشهائد العلمية يتمثل نشاطه في جمع ونشر المعلومات والأخبار والآراء والأفكار ونقلها إلى العموم بصورة رئيسية ومنتظمة في مؤسّسة أو عدة مؤسّسات للصحافة يومية أو دورية أو في وكالات الأنباء أو في مؤسّسة أو عدة مؤسّسات للإعلام السمعي البصري أو للإعلام الإلكتروني بشرط أن يستمد منها موارده الأساسية.

ويعدّ أيضا صحفيا محترفا المراسل بتونس أو بالخارج بشرط أن تتوفر فيه الشروط التي اقتضتها الفقرة السابقة.يلحق بالصحفيين المحترفين المشار إليهم بالفقرة الأولى أعلاه المساعدون لهم مباشرة، كالمحرّرين والمترجمين والمحرّرين والموثقين والمخبرين بالتصوير اليدوي أو الشمسي أو التلفزي باستثناء أعوان الإشهار وجميع من لا يقدم إلا مساعدة عرضية مهما كان شكلها”.

و قدمت المادة 28 من قانون الإعلام الجزائري رقم 90- 7 لسنة 1990 تعريفا للصحفي بالقول : “الصحفي المحترف هو كل شخص يتفرغ للبحث عن الأخبار و جمعها و انتقائها، و استغلالها، و تقديمها خلال نشاطه الصحفي الذي يتخذه مهنته المنتظمة و مصدرا رئيسا لدخله”.وتعرف المادة 2 من القانون اليمني رقم 25 لسنة 1990 بشأن الصحافة والمطبوعات الصحفـي بأنه كل:” من يمارس بصفة مستمرة مهنة الصحافة المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو في وكالة أنباء يمنية أو أجنبية تعمل في اليمن وذلك كمورد رئيسي للرزق”.

و عرف القانون رقم 185 لسنة 1955 المتعلق بتنظيم نقابة الصحفيين المصري الصحفي: ” هو من يحترف مهنة الصحافة – المقصود بالاحتراف هو أن يتقاضى الصحفي من مهنته أجراً يستمد منه الجزء الأكبر اللازم لمعيشته “.

و يعرف قانون تنظيم الصحافة و الإعلام و المجلس الأعلى المصري لعام 2018 الصحفى بأنه: ” كل عضو مقيد بجداول نقابة الصحفيين”.

و عرف مجلس الدولة المصري الصحفي بأنه: “هو من يحترف مهنة الصحافة – المقصود بالاحتراف هو أن يتقاضى الصحفي من مهنته أجراً يستمد منه الجزء الأكبر اللازم لمعيشته”.وتعرف المادة 1 من قانون حماية الصحفيين العراقي الصحفي بأنه:” كل من يزاول عملاً صحفياً وهو متفرغ له”.و تعرف تعليمات قانون النقابة الأردني الصحفيَّ بأنه: “عضو النقابة المسجّل في سجل الصحفيين الممارسين واتخذَ الصحافة مهنة له”. و تعرف المادة 1 من القانون رقم ( لسنة 1979 القطري بشأن المطبوعات والنشر الصحفي بأنه:” كل من اتخذ الصحافة مهنة أو مورداً للرزق ويشمل عمله الكتابة في المطبوعات الصحفية أو مدها بالأخبار والتحقيقات وسائر المواد الصحفية مثل الصور والرسوم وغيرها”.

ونص نظام المطبوعات والنشر السعودي على تعريف الصحفي في الفقرة (و) من المادة (2) كالتالي: ” الصحفي .. هو كل من أتخذ الصحافة مهنة له يمارسها على سبيل الاحتراف أو شبه الاحتراف.

ويشمل العمل الصحفي: التحرير في الصحف وإخراجها، وتصحيح موادها وإمدادها بالأخبار والتحقيقات والمقالات والصور والرسوم”.

و تعرف المادة 3 من مرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 البحريني بشأن تنظيم الصحافة و الطباعة و النشر الصحفي بأنه: ” من مارس مهنة الصحافة بصفة منتظمة في صحيفة يومية أو دورية أو وكالة صحفية أو عمل مراسلا لإحدى وكالات الأنباء أو الصحف العربية أو الأجنبية أو لأية وسيلة إعلامية أخرى متى كان عمله الكتابة فيها أو مدها بالأخبار و التحقيقات و سائر المواد الصحفية كالصور و الرسوم أيا كان نوعها”.

و عرف القانون العماني بمقتضى المرسوم السلطاني رقم 94/49 المتعلق بإصدار قانون المطبوعات والنشر الصحفي بأنه:” كل من اتخذ الصحافة مهنة أو مورد رزق، وشمل عمله الكتابة في المطبوعات الصحفية ووسائل الإعلام المختلفة أو مدها بالأخبار والتحقيقات الصحفية وسائر المواد الصحفية، مثل: الصور والرسوم وغيرها، ويدخل تحت هذا الاسم المراسلون والمندوبون والمحررون على اختلاف جنسياتهم وجنسيات المؤسسات العاملين فيها”.

و بناء على ما سبق ذكره يمكن القول أن مفهوم الصحفي يشمل الأشخاص الذين يقومون بالكتابة والجمع و النشر لأخبار في الصحافة المكتوبة أو وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية على سبيل الاحتراف دون غيره، و لا يدخل في مفهوم الصحفي الأشخاص الذين يقومون بجمع و نشر الأخبار بصفة عرضية و بصفتهم كهواة.

إن الصحفي يستخدم في عمله عدة وسائل تسمى وسائل الإعلام. و يمكن تحديد أهم هذه الوسائل في ما يلي:

_ التلفزيون:

حيث يعتبر الوسيلة الأكثر تأثيرا في الأفراد ،و قد أكدت الدراسات على القوة الدعائية الكبيرة التي يلعبها التلفزيون، فقد وصفته “مارغريت ميد” بأنه القوة التي يمكن أن تغير طبيعة المجتمع. و يرى “بلومر” أن اعتماد التلفزيون على حاستي السمع و الأبصار تدفع الأفراد على جعلهم أكثر إقبالا عليه._

الراديو:

حيث كانت له أهمية كبيرة إبان الحرب العالمية الثانية، و عوض المناشير التي لعبت دورا دعائيا قويا في الحرب العالمية الأولى ، و يظهر تأثير الراديو على الجمهور المستقبل عن طريق عرض الخبر ثم التعليق عليه و عن طريق الصحيفة الناطقة و الأحاديث الصحفية و غيرها من البرامج الإذاعية.

_الصحف و المجلات:

إذ تعتبر هذه الوسيلة من أقدم وسائل الدعاية.وعلى المستوى الدولي، لم يتم التطرق لتعريف الصحفي في كل الاتفاقيات التي تعرضت لحماية الصحفي ، فلم تعرف اللوائح الخاصة بقوانين و أعراف الحرب الملحقة باتفاقيتي لاهاي لعام 1899 و 1907 من هم مراسلي الصحف الذين يرافقون القوات المسلحة المنصوص عليها في المادة 13، و نصت المادة 81 من اتفاقية جنيف لعام 1929 على المراسل الصحفي دون أن تعطي أي تعريف له . كما نصت اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 في المادة 4/أ4 على المراسلين الحربيين الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزء منها.

و لم يرد في المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول بيان مفهوم الصحفي.ويعمل خلال النزاعات المسلحة ثلاثة أصناف من الصحفيين يختلفون من حيث مواد ونطاق الحماية:

_ مراسل حربي ملحق بالقوات المسلحة: هو صحفي مدني يرافق القطعات دون أن يكون جزءا منها بناءا على تصريح من القطعات التي يرافقها ويتبع تعليمات هذه القوات٬ وهذا النوع يتمتع بوضع أسير حرب إذا تم إلقاء القبض عليه٬ وهذا وفقا لما نصت عليه المادة 13 من اتفاقيات لاهاي1907 والمادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 والمادة 4/أ4 من اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 والفقرة 2 من المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1979.

ونشير في هذا الصدد إلى أن المبادئ التوجيهية لوزارة الدفاع البريطانية فيما يتعلق بالإعلام تكفل للصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة وضع أسرى حرب إذا ما وقعوا في الأسر، عكس السلطات العسكرية الفرنسية التي تعتبر أن هذا الصنف هم على غرار المستقلين ليس لهم الحق إلا في وضع المدنيين، كما تنص المادة 79 من البروتوكول الأول.

_ الصحفي المستقل:

هو كل صحفي ينتقل بمعزل عن القطعات العسكرية وليس جزءا منها ويعتبر مدنيا وفق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول والبرتوكول الثاني لسنة 1977 الخاص بالنزاعات غير ذات الطابع الدولي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لسنة 2006.

_ الصحفي العسكري:

هو عسكري يعمل في مجال النشاط الإعلامي للجيش وينطبق عليه ما يقع على أفراد القوات المسلحة وهو لا يتمتع بأية حصانة خاصة. رغم أن المشرع الدولي لم يغفل التطرق لقواعد حماية الصحفيين في النزاعات الدولية إلا أنه لم يأتي على ذكر للصحفيين في المعاهدات التي تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، ولكن يعتبر الصحفيين في هذه الأحوال مدنيين أو أشخاصا لا يشاركون مباشرة أو كفوا عن المشاركة في العمليات العدائية٬ وتسري عليهم وعلى طاقمهم كل الحماية المطبقة على المدنيين.

و جاء في مشروع المادة 2/أ من اتفاقية الأمم المتحدة لحماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة في مناطق النزاع المسلح لعام 1973، تعريف للصحفي كما يلي :”إن كلمة صحفي تعني مراسل ، مخبر، مصور فوتوغرافي ، و مساعديهم الفنيين في الصحف ، الراديو و التلفزيون ، و الذين يمارسون بشكل طبيعي أي من هذه النشاطات كعمل أصلي”.

و جاء في الفقرة الأخيرة من مشروع ديباجة الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين في مناطق النزاع المسلح التي أعدتها منظمة شعار الصحافة عام 2007 أن: “الصحفي في مشروع الاتفاقية يتعلق بالمدنيين الذين يعملون كمخبرين ، مراسلين ، مصورين ، و مساعديهم في مجال الصحافة المطبوعة ، الراديو ، السينما ،التلفزيون ، و الصحافة الإلكترونية الذين ينفذون نشاطاتهم على أساس منتظم أو بدوام كامل أو بدوام جزئي أيا كان جنسهم أو دينهم”.

وقد تطور العمل الصحفي خلال القرن العشرين، فمنهم المتخصص في الكتابة عن الاقتصاد أو التحليل السياسي أو العلوم أو الطب أو الفلك، ومنهم من يغامر وينقل الأخبار من مواقع الأحداث ويعرض نفسه لأخطار في ميادين القتال والثورات. وأصبح الصحفي يشكل مجتمعه ويفتح له نوافذا واسعة في نطاقات التفكير الحر والحرية والمساواة والخلاص من قيود الفئوية والعشائرية والتفكير الضيق.

و تجدر الإشارة إلى انه برز ما يعرف بأخلاقيات العمل الصحفي. وكانت أول محاولة فرنسية سنة 1918 ، حيث عملت فرنسا على وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة الصحفية بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة ، نظرا للدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام في تلك الفترة ، كما كانت هناك محاولات أخرى في مختلف أنحاء العالم ، حيث في 1926 وضع ” قانون الآداب ” الذي عرف تعديلات عديدة نسبة إلى النقابة أكثر تمثيلا للصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعرف الأخير التفافا واسعا للصحفيين حوله ، ويتضمن هذا الأخير ثلاث فصول هي :

الآداب ، الدقة الموضوعية وقواعد التسيير. أيضا في سنة 1936 كانت محاولة ثالثة في المؤتمر العالمي لإتحاد الصحافة في مدينة براغ التشيكوسلوفاكية حيث تم التطرق إلى ما يجب على الصحافة فعله.

و تم وضع قانون من طرف النقابة الوطنية للصحافيين عام 1938 ببريطانيا، وقد تضمن القواعد المهنية التي يجب على الصحف تبنيها، هذا إلى جانب محاولات أخرى كانت لها أهمية في تاريخ المهنة الإعلامية ، ففي سنة 1939 ببوردو في المؤتمر السابع للاتحاد العالمي للصحفيين انبثق ما يسمى ب ” عهد شرف الصحفي “، الذي ركز على ضرورة تحلى الصحفيين بالموضوعية كما حدد مسؤولياته إزاء المجتمع المتمثل في القراء واتجاه الحكومة وأيضا اتجاه زملاءه في المهنة، وعلى غراره في سنة 1942 بمدينة المكسيك، المؤتمر الأول للصحافة القومية للأمريكيين انتهى إلى أن الصحافة الكفاءة الأمنية تتطلب الموضوعية والصدق واحترام السرية المهنية ، كما تطرق إلى العقاب والمسؤولية التي تلقى على الصحيفة وكذا مسؤولية اتحاد الصحفيين، وعلى الصحيفة أن تعتذر للأشخاص الذين أساءت إليهم في القذف والسب وأن تبتعد عن نشر الانحرافات والعنف وتحمي الحياة الخاصة للأشخاص.و عرف قاموس الصحافة والإعلام أخلاقيات المهنة على أنها: ” مجموعة القواعد المتعلقة بالسلوك المهني والتي وضعتها مهنة منظمة لكافة أعضائها ، حيث تحدد هذه القواعد وتراقب تطبيقها وتسهر على احترامها ، وهي أخلاق وآداب جماعية وواجبات مكملة أو معوضة للتشريع وتطبيقاته من قبل القضاة “.

فالأخلاق المهنية ليست مرتبطة ببساطة بممارسة السليمة للمهنة فحسب، بل تنبع أساسا من الأهداف السامية للكلمة. وقد عرف جون هوهنبرج (John honbreg) الأخلاقيات الصحفية على أنها: ” تلك الالتزامات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل صحفي و المتمثلة أساسا بضرورة العمل من أجل الوصول إلى تغطية منصفة وشاملة ودقيقة، صادقة وواضحة مع مرعاه حماية المصادر وتحقيق الصالح العام لا غير، عن طريق احترام القانون وحقوق الحياة الخاصة للأشخاص وتصحيح الأخطاء في حال وجودها “.

ولقد وردت الأخلاق المهنية للصحافي في الصحافة الاشتراكية ” لبروخوف ” lberkhove على أنها: ” تلك المبادئ والمعايير الأخلاقية لم تثبت قانونيا بعد ولكنها مقبولة في الوسائل الصحافية ومدعومة من قبل الرأي العام و المنظمات الشعبية و الحزبية “.

إذن فأخلاقيات المهنة الصحفية هي مجموعة القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة أو هي مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أداءه لمهامه أو بعبارة أخرى هي تلك المعايير التي تقود الصحفي إلى القيام بعمل جديد يجد استحسانا عند الجمهور، كما أنها أيضا جملة المبادئ الأخلاقية الواجب على الصحافي الالتزام بها بشكل إرادي في أداءه لمهامه كمعايير سلوكية تقوده إلى إنتاج عمل ينال به استحسان الرأي العام .

وقواعد السلوك المهني تختلف من بلد إلى بلد، كما تتباين بدرجة كبيرة في شكلها ونطاقها ، في طبيعتها ومصدرها ، حيث توجد في بعض البلدان قواعد مختلفة لتنظيم كل من الصحافة و الإذاعة و التليفزيون وحتى السينما …

و العمل الصحفي خاضع لمبدأ “الخبر مقدّس والتعليق حر”، ومضمون هذه القاعدة بسيط، فيقصد بها أن الخبر يجب أن ينقل من منابر الإعلام إلى المتلقي كاملا وصحيحا كما هو في الواقع، لا يعتريه أي تحريف مهما كان نوعه، أما بالنسبة للتعليق على هذا الخبر، فهو حر ولا يلزم إلاّ المعلق، فهو يدخل في باب صحافة الرأي، واتباع هذه القاعدة من قبل العاملين في مجال الإعلام سيعكس حتما مهنيتهم وحرفيتهم وحسن أداء مهنة الصحافة.

و النظام القانوني للصحفي يقتضي التعرض إلى حقوق و واجبات الصحفي( المبحث الأول) و الحماية القانونية للصحفي ( المبحث الثاني)

المبحث الأول: حقوق و واجبات الصحفي العمل الصحفي يقتضي تمتع الصحفي بجملة من الحقوق ( الفقرة الأولى) و التزامه بجملة من الواجبات ( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:

حقوق الصحفي:

تتمثل هذه الحقوق في:- ضمان حرية الإعلام والصحافة : يرى الانجليزي ” شريدان “:” خير لنا أن نكون بدون برلمان من أن نكون بلا حرية صحافة ، الأفضل أن نحرم من المسؤولية الوزارية ومن الحرية الشخصية ومن حق التصويت على الضرائب على أن نحرم من حرية ا لصحافة وذلك انه يمكن بهذه الحريات وحدها إن عاجلا أم أجلا أن تعيد حريات الأخرى ، حيث تلعب حرية الصحافة دورا كبيرا ليس في الوصول إلى الحقيقة فحسب بل أنها تشعر الصحفي بالارتياح والطمأنينة، وتكون بمثابة الغذاء بالقياس إلى أجسام البشر”.

ويمارس الحق في حرية الإعلام و الصحافة وفقا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وبقية المواثيق الدولية ذات العلاقة مثال: المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10-12-1948 : ” لكل شخص الحق في التمتع بحرية الرأي والتعبير”، و كذلك المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16-12-1966 ودخل حيز التنفيذ في 23-03-1976 ونصه: ” لكل شخص الحق اعتناق الآراء دون مضايقة”.

– حرية الوصول إلى مصادر المعلومات الموضوعية : إن من مطالب الصحفيين الوصول إلى المعلومات الموضوعية ، والعمل على بثها ونشرها والحق في حرية التعبير عن أرائهم.ويتمثل هذا الحق في حق النفاذ للمعلومات و الأخبار والبيانات والإحصائيات وحرية تداول المعلومات وتكافؤ الفرص بين مختلف مؤسسات الإعلام في الحصول على المعلومات.

– حماية المصدر:

حماية مصادر الصحفي عند قيامه بمهامه كحماية مصادر كل الأشخاص الذين يساهمون في إعداد المادة الصحفية حماية الصحفي من الضغوطات و عدم جواز تعريض الصحفي لأي نوع من أنواع الضغوط من طرف السلطة، و ضمان سرية المصادر وحمايتها من كل اعتداء مباشر أو غير مباشر باستثناء تلك المتعلقة بأمن الدولة أو الدفاع الوطني أو القضاء.

ويعتبر اعتداء على سرية المصادر جميع التحريات وأعمال البحث والتفتيش والتنصت على المراسلات أو على الاتصالات التي قد تتولاها السلطة العامة تجاه الصحفي للكشف عن مصادره أو تجاه جميع الأشخاص التي تربطهم به علاقة خاصة. ولا يجوز تعريض الصحفي لأي ضغط من جانب أي سلطة كما لا يجوز مطالبة أي صحفي أو أي شخص يساهم في إعداد المادة الإعلامية بإفشاء مصادر معلوماته إلا بإذن من القاضي العدلي المختص وبشرط أن تكون تلك المعلومات متعلقة بجرائم تشكل خطرا جسيما على السلامة الجسدية للغير وأن يكون الحصول عليها ضروريا لتفادي ارتكاب هذه الجرائم وأن تكون من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.

و تكريسا لهذا المبدأ قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 14 سبتمبر 2010 بعدم أحقية الشرطة في تفتيش مباني وسائل الإعلام أو الاستيلاء على المادة الصحافية ، و الحفاظ على حقوق الصحافيين في حماية مصادرهم، حسب المادة 19 للجمعية العالمية للصحف وأخبار الناشرين ولجنة حماية الصحفيين والاتحاد الدولي للصحفيين بعد ان مارست الشرطة الهولاندية ضغوطا شديدة على ناشر مجلة، واعتقلت رئيس تحريرها لفترة وجيزة، مما اضطر الناشر لتسليم معلومات حول مصادر المجلة للشرطة كي تحقق في جريمة أخرى.

و اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن ما حدث كان انتهاكا لمبدأ حماية المصادر المنصوص عليه في المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأن تدخل الشرطة غير منصوص عليه في القانون. ورأت المحكمة الأوروبية أن الشرطة لا يمكنها تفتيش مواد الصحافيين ما لم يكن ذلك في حالات الضرورة القصوى للتحقيق في جريمة خطيرة وبعد الحصول على إذن قضائي.

وقد عززت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بدرجة كبيرة من قدرة الصحافيين على جمع وتقديم الموضوعات التي تشتمل على معلومات تتعلق بالمصلحة العامة.و قد أقرت الدولة الفرنسية أيضا حماية قانونية لسرية مصادر الصحفيين و ذلك بإصدار قانون يقضي بحمايتها (LOI n° 2010-1 du 4 janvier 2010) المنقح لقانون 29 جويلية 1881 ، إذ أصبح نص فصله الثاني: “إن سرية مصادر الصحفيين محمية في إطار ممارستهم لمهامهم في إيصال المعلومة للعموم”.

و في رأي استشاري صادر عن اللجنة الاستشارية الفرنسية لحقوق الإنسان (CNCDH)بتاريخ 25 افريل 2013 قدمت عددا من التوصيات لمعالجة أوجه القصور في القانون رقم 2010-1 المتعلق بحماية مصادر الصحفيين و منها ضرورة ضمان حرية الصحافة من خلال إصلاح سرية المصادر والعودة إلى أسس القانون و أولها المادة 11 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 التي تنص على أن “حرية التعبير عن الأفكار والآراء هي واحدة من أكثر الحقوق قيمة” و المنسجمة مع أحكام المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق ألإنسان التي تنص على أن “لكل فرد الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء وحرية تلقي ونقل المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة ودونما اعتبار للحدود […] “.

– الحرمة الجسدية و المعنوية للصحفي: لا يجوز الاعتداء على الحرمة الجسدية والمعنوية للصحفي بسبب المعلومات التي لديه أو التي ينشرها .

– بند الضمير: يتمثل في حق الصحفي في مغادرة المؤسسة الصحفية مع الحصول على تعويض مالي إذا حصل تغيير ملحوظ في صبغة أو اتجاه الصحيفة أو تغيير خطها التحريري إذا احدث هذا التغيير حالة من شانها المس بشرف الصحفي أو سمعته أو مصالحه الأدبية.

الفقرة الثانية:

واجبات الصحفي:

و تتمثل هذه الواجبات في:

-الدقة والصدق وعدم تحريف عرض الحقائق: إن الحصول على ثقة القارئ هو أساس الصحافة المتميزة والحق، وبذل كل جهد لضمان أن يكون المحتوى الإخباري للصحيفة دقيقا خاليا من أي تزييف وتغطية جميع الجوانب وتنشر بعدالة.

– الموضوعية وعدم الانحياز: تعتبر أفضل طريق للوصول إلى الحقيقة النهائية ، فالموضوعية هي نقيض الذاتية ، ونعني أن يعبر عن الموضوع المراد إيصاله إلى الجمهور من دون تأثر مباشرة بأمور الذات وقضياها واهتماماتها ، ولا بالعواطف والتصورات ، فالصحافي الحق يتجرد من أهواءه الحزبية والفكرية ، الاجتماعية والسياسية حين يصوغ الخبر .

– المسؤولية إزاء الرأي العام وحقوقه ومصالحه اتجاه المجتمعات القومية و العرقية والدينية والأمة والدولة والدين والحفاظ على السلام : يرى الدكتور مختار تهامي : ” في الصحافة والسلام العالمي نحن نلقي على عوامل الأسرة الصحافية العالمية مسؤولية ضخمة ونطالبها باسم شرف المهنة الصحافية ، وباسم الإنسانية ، وباسم الشعوب التي وقفت فيها واعتمدت عليها أن لا تخون هذه الشعوب في المرحلة الحرجة من تاريخ مجتمعنا الدولي الحديث ، بل من تاريخ الجنس البشري أبجمعه ، وأن تتقدم إليه بالحقيقة الكاملة عن الأوضاع والتيارات التي تسيطر على مجتمعنا الدولي المعاصر وتتحكم في حياة الملايين ، ورفاهيتهم وطمأنتهم دون مجاملة لأحد أو رهبة من أحد “.

– النزاهة والاستقلالية : إن الاستقلالية عبارة عن معيار أخلاقي مهني متعلق بالسلوك الفردي وعليه استقلالية المهنة ونزاهة العامل في جمع ونشر الأنباء و المعلومات و الآراء على الجمهور ، ينبغي مد نطاقها لا لتشمل الصحفيين المحترفين وحدهم ، وإنما لتشمل أيضا كل العاملين الآخرين المستخدمين في وسائل الإعلام الجماهيري.

– ضرورة الامتناع عن التشهير و الاتهام الباطل و القذف و انتهاك الحياة الخاصة: الصحفي حقيقة مطالب بالامتناع عن نشر أي معلومات من شأنها أن تحط من قدر الإنسان أو تنقص من اعتباره أو تسيء إلى كرامته وسمعته ، فكل منا حياته الخاصة التي يحرص أن تظل بعيدة عن العلانية والتشهير، فحياة الناس الخاصة وأسرار عائلته ومشاكلهم الشخصية كلها أمور لا تهم الرأي العام ، ولا تعني المصلحة العامة بل أن الخوض فيها يمس حقا مقدسا من حقوق الإنسان وهو حريته الشخصية في التصرف والقول والعمل بغير رقيب إلا القانون والضمير ، ويترتب على مخالفة هذا المبدأ في بعض الأحيان الوقوع في الجرائم التي ترتكب من خلال الوسائل العلانية وهي جريمة القذف والسب.

– احترام السرية المهنية : السرية المهنية هي حق وإلزام في الوقت نفسه ، وهدفها هو حماية الصحفيين وحرية الإعلام على حد سواء و تيسير الوصول إلى مصادر المعلومات تجنب خداع ثقة الجمهور بعدم إعاقة الصحفي بممارسة مهنته باللجوء إلى أي ضغط أو ترويع أو نفوذ لحمله على تقديم رواية غير صحيحة أو محرفة عن الحقائق .

وهكذا فالصحافي ملزم بأن يمتنع عن نشر المعلومات الزائفة أو الغير المؤكدة .

– العدل والإنصاف :

العدل والإنصاف من السمات الإنسانية و أكثر أمور ارتباطا بالمهنة، لان الصحفي هو العين المبصرة و الأذن الصاغية للناس كافة ، ولذا عليه أن يكون عادلا ملتزما بالحقائق الفعلية.

– الحفاظ على الآداب و الأخلاق العامة: يقصد بالآداب و الأخلاق العامة كل ما يتصل بأسس الكرامة الأدبية بالجماعة وأركان حسن سلوكها ودعائم سموها المعنوية وعدم الخروج عليها أي مواجهة اعتبارات المجتمع على وجوب رعايتها في العلنية على الأقل.

المبحث الثاني: الحماية القانونية للصحفيللصحفي حماية دولية ( الفقرة الأولى) و حماية وطنية ( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:

الحماية الدولية للصحفي:تعددت النصوص الدولية التي تضمنت حماية الصحفي، و لعل أهمها:- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: نصت المادة 19 على أن: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية”.

– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966: نصت المادة (19) على أن ” لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود”.

– اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين: إذ تضمنت الاتفاقية الثالثة منها ضمن المادة (4الفقرة 4) اعتبار الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزء منها كالمراسلون الحربيون أسرى حرب.

– البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية لعام 1977: اعتبر الصحفي مدني لأغراض الحماية ومنع التعدي عليه بأي شكل من الأشكال، حيث ورد في المادة 79 انه يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50، يجب حمايتهم بهذه الصفة شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين، وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ – 4) من الاتفاقية الثالثة، أي اعتبارهم أسرى حرب.

– البروتوكول الإضافي الثاني المؤرخ في 8 جوان 1977: و الذي منع في المادة (4) الاعتداء بأي صورة على المدنيين الذين لا يشتركون في النزاع المسلح أو الذين كفوا أيديهم من الاشتراك بالنزاع وهو الأمر الذي يشمل به حتماً الصحفي.

– إعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978: نصت المادة الثانية على أن ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين.

– إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات: أيد الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.

– الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004: يضمن الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبارا للحدود الجغرافية.

و تضمن التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير لعام 1993 “أن حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات”.

و اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2010 انه:” يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام.”و صدر قرار عن مجلس الأمن القرار رقم 1738 في 23/12/2006، الذي ألزم جميع الأطراف في النزاعات المسلحة حول العالم بتنفيذ التزاماتهم إزاء الصحفيين وفق القانون الدولي.

كما صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 68/163 في 18/12/2013، الذي أكد على ضرورة توفير الحماية للصحفيين لتحقيق سلامتهم وتضمن القرار إعلان يوم 22 جانفي يوماً دولياً لإنهاء إفلات المجرمين من العقاب عن جرائمهم المرتكبة ضد الصحفيين.

الفقرة الثانية:

الحماية الوطنية للصحفيأقرت اغلب القوانين الوطنية مثل أمريكا و انكلترا و فرنسا و تونس و الجزائر و العراق ومصر… حماية خاصة للصحفيين. و فقد أقرت هذه القوانين حماية الصحافيين من الإهانة أو التعدي عليهم بالقول أو الإشارة أو التهديد حال مباشرتهم لأعمالهم.

ففي تونس حضر الفصل 12 من المرسوم 115 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 والمتعلّق بحرّية الصحافة والطباعة والنشر أي اعتداء على كرامة الصحفي أو على حرمته الجسدية بسبب الرأي الذي يصدر عنه أو المعلومات التي ينشرها.ويعاقب الفصل 14 من هذا المرسوم “كل من أهان صحفيا أو تعدى عليه بالقول أو الإشارة أو الفعل أو التهديد حال مباشرته لعمله بعقوبة الاعتداء على شبه موظف عمومي”.

و في الجزائر نصت المادة 126 من القانون العضوي رقم 12-05 المؤرخ 12 جانفي 2012، المتعلق بالإعلام :” يـعـاقـب بغرامة من ثلاثين ألف (000.30 دج) إلى مائة ألف دينار (000.100 دج) كل من أهان بالإشارة المشينة أو القول الجارح صحفيا أثناء ممارسة مهنته أو بمناسبة ذلك”.و ساوى القانون العراقي المتعلق بحقوق الصحفيين رقم (21) لسنة 2011 بين الصحفي والموظف في حرمة الاعتداء في المادة (9) أي اعتبار الاعتداء ظرفاً مشدداً للعقوبة، وأكمل المشرع نطاق الحماية بإقراره حقوق الشهيد للصحفي الذي يلقي حتفه بسبب عمله بمنح عياله راتباً تقاعدياً والحقوق الأخرى المقررة بمقتضى القوانين ذات العلاقة.

لكن تجدر الملاحظة أن قائمة الجرائم والمخالفات التي يمكن أن تنشر ضد الصحافيين طويلة، حيث يمكن للصحفي أن يلاحق قضائيا من أجل عديد التهم مثل القذف و الثلب و الاعتداء على الأخلاق الحميدة ….

وقد أظهر التقرير الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود حول مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 بلدًا حول العالم. من بينهم 22 دولة عربيّة، تزايد الكراهية والعداء للصحافيين، حيث أصبحت “فوبيا وسائل الإعلام” واضحة جدًّا، لدرجة أنّ الصحافيين يواجَهون بشكل روتيني تُهم متعلقة بالإرهاب، ويتعرّض الذين لا يُظهرون الولاء للأنظمة للسجن التعسفي، فلم يعد يُنظر إلى الإعلام باعتباره جزءً من الدّعامة الأساسيّة للديمقراطيّة، بل خصمًا يظهرون نفورهم منه علنًا.وقد تصدّرت النرويج التّصنيف بحصولها على 7.63 نقطة، فيما حلّت السويد في المركز الثاني بحصولها على 8.31 نقطة، وجاءت هولندا في المركز الثالث بحصولها على 10.01 نقطة، فيما تذيلته كوريا الشّمالية، وعربيًا حافظت جُزر القمر على تصدّرها للترتيب، فيما حافظت سوريا على تذيله، مع وجود ثلاث دول عربيّة في ذيل القائمة.

ويستند هذا التصنيف لحرية الصحافة إلى مجموعة من المؤشرات هي: التعددية، استقلالية وسائل الإعلام والبيئة، الرقابة الذاتية، الإطار القانوني والشفافيّة والبنية التحتيّة والتجاوزات.إنّ الصّحافة في الدّول الديمقراطية تمثّل سلطة رابعة بالفعل، فهي تبصّر الناس بأمور حياتهم وتطرح القضايا الساخنة على بساط البحث وتسقط الحكومات وتكشف عن الفساد في منابعه، على عكس الصّحافة في الدول العربيّة، إذ يميل أغلبها إلى تقييد هذه الحرية للحد منها، فضلاً عمّا تكشف عنه الممارسات الفعلية في العديد من الدول، من انتهاكات مستمرة سواء بإغلاق بعض الصّحف أو ضبطها ومصادرتها أو بعدم توفر الضمانات الكافية للصحفيين لممارسة عملهم، فهم يتعرضون في كثير من الدول العربية للحبس وتغليظ العقوبات في قضايا الرأي والنشر والتوقيف عن ممارسة المهنة، ممّا جعلها لا تزال محدودة التأثير في الحياة السياسية والاجتماعيّة بسبب القيود الكثيرة التي تكبلها، والتي بعضها حكومي فيما البعض الآخر اجتماعي تُمليه التقاليد العفنة البالية الضّاغطة، وبسبب الرقابة المنظورة وغير المنظورة التي تحاصرها من كل جانب، يضاف إلى هذا ما تمارسه رؤوس الأموال المالكة للصّحف من تحكم في تدفق المعلومات وتداولها وتواطؤ مع أصحاب المصالح الذين يزوّدون الصحف بالإعلانات التي تُعدّ العصب الأساسي لأرباح الصّحف في الدول العربيّة.

ثمّ إنّ ضعف البيئة الإعلامية المحفزة والممكّنة للمعرفة في المجتمعات العربية يشير إلى أنّ الإعلاميّين العرب يواجهون وبدرجات مختلفة، صعوبات جمة في الوصول إلى المعلومات والحصول عليها والاطلاع على الوثائق والبيانات، والرجوع لمصادر الأخبار الرسمية وغير الرسمية على السواء، حيث تتذرع السلطات غالبًا بأمور غامضة مثل الحديث عن أسرار رسميّة أو معلومات تمس الأمن القومي.إنّ هذه الرقابة على الصحافة ووسائل الإعلام تفتك بالعمل الإعلامي وتُعيق تطوره ووصوله إلى ما وصل إليه الإعلام في العالم المتقدم، كما أنها تعيق تطور المجتمعات العربية السياسي والاجتماعي، فحرية الصحافة لا تعني الصحفيين فقط وإنما تعني المجتمع كله بما فيه من أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات مدنية وتنظيمات مهنية.

فمثلاً بسبب الحروب الأهلية التي تعيشُها كلٌّ من سوريا واليمن والعراق، تأثّر مؤشّر الصّحافة سلبًا وذلك لاستمرار تدهور الوضع الأمني، الذي يمنع الصحافيين من الوصول إلى العديد من المناطق المتنازع عليها، وبسبب الاعتقالات والإعدامات العديدة التي نفّذت في حق الصحافيين والنّاشطين محليين كانوا أو أجانب لتُهم مختلفة، إضافةً إلى قضايا التشهير التي رفعت ضد آخرين، فتنوعت عقوباتهم بين السّجن والغرامات المالية الطائلة.

ختاما و لمزيد تدعيم العمل الصحفي و حماية الصحفيين نقترح:- مراجعة كافة التشريعات الوطنية وتعديلها وفق ما يتماشى مع الالتزامات الدولية المتعلقة بتعزيز حرية الصحافة والتعبيـر وإيجاد التشريعات المناسبة التي تحمي الصحفيين وتكافح ثقافة الإفلات من العقاب .

– التعجيل في دراسة الوضع القانوني لوسائل الإعلام المختلفة ووضع القوانين الوطنية المُنظمة للمهنة وتراخيص العمل بما لا يتعارض مع المواثيق الدولية أو يُقيد حق تأسيس الوسائل السمعية والبصرية أو المطبوعة .

– وضع خطة أمنية تضمن الحماية الجسدية لكافة الصحفيين الذين يتعرضون للمضايقات والتهديدات بالتصفية الجسدية لضمان سلامتهم .- دعم كافة الجهود الوطنية والدولية المبذولة لأجل الدفاع عن الصحفيين وتوفير المساعدة والمناصرة لقضاياهم.

– تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة اللازمة للصحفيين من قبـل المنظمات الإعلامية المحلية والدولية وخلق تعاون وشراكة مثمرة .

– خلق مبدأ التضامن بين الصحفيين وتعزيز الثقة فيما بينهم وفتح الحوارات المشتركة في مناقشة قضايا المهنة والتحديات والصعوبات التي يواجهونها .- مطالبة أطراف النزاع بضرورة الالتزام بقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني لحثهم على احترام إشارة الصحفي أثناء أدائهم لأعمالهم الميدانية .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى