مقالات قانونية

جرائم النساء

 

 

تقديم: الدكتور جابر غنيمي

قاضي رتبة ثالثة

 

تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية عاصرت جميع المجتمعات قديمها وحديثها.

والجريمة ظاهرة اجتماعية قانونية، والمقصود بذلك انها تمارس داخل جماعات ومجتمعات، وينطلق تحديدها من منطلقات اجتماعية تتعلق بثقافه المجتمع الى جانب انها ترتبط من حيث طبيعتها ونوعها وكثافتها ومسارها بظروف المجتمع وبنائه الاجتماعي ونظمه الاجتماعية كالنظام السياسي والاقتصادي والديني والقيمي وبتاريخ المجتمع وتقاليده واعرافه وعادات ابنائه .

و يمكن تعريف الجريمة بانها كل فعل او امتناع عن فعل ، مخالف للقانون، ويقرر القانون عقوبة على مرتكبه.

ولكي تقوم الجريمة قانونا ينبغي أن تجتمع لها عدة أركان ، أولها الركن الشرعي أو القانوني ، وثانيهما الركن المادي أما ثالثهما فهو الركن المعنوي .

أولاً – الركن القانوني:

لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون .

ثانياً – الركن المادي:

يقع الركن المادي بحق شيء يحميه القانون ويكون عبارة عن أي اعتداءات أو إنتهاك يقع بحق الغير اي الأشياء المادية والملموسة مثل إزهاق روح أحد الأفراد بعد إطلاق الرصاص عليه او  كذلك الامتناع عن فعل مثل عدم الانجاد القانوني.

 

ويتكون الركن المادي من ثلاث عناصر وهي:

  • الفعل:  وهو السلوك الجرمي.
  • النتيجة:  وهي ردة الفعل الناتجة عن الفعل .
  • العلاقة السببية:  وهو وجود الرابطة بين الفعل والنتيجة .

ثالثاً – الركن المعنوي:

وهو توافر الإرادة الآثمة والقصد الإجرامي لدى الجاني من أجل إحداث نتيجة سيئة مع العلم بماديات الجريمة .

ولم تخل المجتمعات المختلفة في جميع مراحلها من وجود الجريمة ، إلا أنها ارتبطت تاريخياً في أذهان الناس بالذكور ، لشيوع ارتكابهم لمختلف أنواع الجرائم ، ولقد كانت للجريمة التي يقترفهـا الرجل حظ الأسد من جل الدراسات.

وكانت البداية الحقيقية للاهتمام بجرائم النساء سنة 1906م بصدور كتابين أحدهما للعالم الفرنسي جرانييه Grannier بعنوان المرأة المجرمة والآخر للعالم الايطالي الطبيب لمبروزو Lombroso بعنوان المرأة المجرمة والعاهرة ولم تنشر مؤلفات في هذا الموضوع فيما عدا دراسة العالم الأمريكي بولاك Pollak عن إجرام النساء وبعض المقالات والبحوث المنشورة في المجلات العلمية المتخصصة، أو المقدمة للمؤتمرات المنعقدة لمناقشة الظاهرة الاجرامية بصفة عامة,

في عصرنا الحاضر, نجد أن المرأة دخلت مختلف ميادين الحياة ونافست الرجل فيها , بما في ذلك ميدان الجريمة , فلم يعد الإجرام ظاهرة ذكورية ولم يعد السجن للرجال فقط كما يقال على ألسنة العامّة وإنما وللأسف الشديد دخلت المرأة المجرمة السجون , وذلك بفعل تضافر عوامل مختلفة أدّخلت المرأة في أتون الإجرام وأوقعت بها في حبائل الجريمة , وقد نشأ عن هذا الواقع المؤلم مصطلح جرائم النساء , الذي هو من مصطلحات علم الإجرام ,

ان لاعتقاد السائد بأن الجريمة يرتكبها الرجال وأن طبائع النساء التي تتسم بالنعومة لا تساعد على ارتكاب الجريمة. من المؤكد أن هذا الانطباع خاطئ حيث إن الجريمة ومنذ الخليقة ارتبطت بالإنسان، وبصرف النظر عن جنسه، وإن كانت نسب الذكور تفوق النساء.

إن نوعية الجرائم التي يمكن أن نطلق عليها جرائم النساء هي تلك الجرائم المتميزة التي تختص بها المرأة , أو هي تلك الأنواع من الجرائم التي يزداد ارتكابها من قبل النساء , أو هي بمعنى آخر جرائمهن الرئيسية أو جرائمهن الشائعة أو جرائمهن الغالبة.

وتتفاوت نسب جرائم النساء بين دول العالم ، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يبلغ عدد الذين يقبض عليهم سنوياً من مرتكبي الجرائم من الذكور عشرة أمثال من يقبض عليهن من الإناث .
وفي الدانمرك بلغت نسبة النساء المجرمات إلى إجمالي المجرمين 14% .
أما بالنسبة للدول العربية التي توافرت لدينا إحصاءات بشأنها فقد تبين إن المرأة في الجزائر ترتكب جريمة واحدة مقابل كل 2744 جريمة يرتكبها الرجل ، وهي نفس النسبة تقريباً في كل من المغرب وتونس .
في بعض الدول العربية تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الجرائم التى ترتكبها المرأة تصل الى 6 في المائة فقط من حجم الجريمة وان جرائم المرأة في الدول الاوروبية تفوق الدول العربية .

وجرائم النساء تقتضي التعرض الى دوافعها ( المبحث الأول) و أنواعها ( المبحث الثاني).

 

 

 

المبحث الأول: دوافع جرائم النساء

إن عوامل إجرام المرأة هي تلك الأسباب التي تقف وراء ارتكابها للجريمة، وبمعنى آخر هي مجموعة من الحالات والوقائع التي تؤثر على المرأة على نحو ما، بحيث تدفعها إلى طريق الجريمة .

وهذا يعني أنه لا يمكن إرجاع إجرام المرأة إلى سبب معين أو إلى عامل وحيد ، فإجرامها يعود إلى تضافر مجموعة من العوامل، سواءً كانت عوامل ذاتية او داخلية مرتبطة بشخص المرأة ، أي بتكوينها العضوي أو النفسي ( الفقرة الأولى) أو كانت عوامل خارجية متعلقة بالبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:  العوامل الذاتية او الداخلية لإجرام المرأة :
وتعني مجموعة من الصفات والخصائص المرتبطة بشخص المرأة، أي بتكوينها العضوي والنفسي والعقلي والتي يؤدي تفاعلها مع العوامل الخارجية المحيطة بها إلى وقوع الجريمة، ومن أهم هذه العوامل الداخلية ما يلي: العوامل الوراثية و التكوين البيولوجي والتكوين النفسي و السن.

  • العوامل الوراثية :

إن المقصود بالوراثة في هذا الموضوع هو انتقال خصائص وصفات معينة ، سواءً كانت عضوية أو نفسية ، كالعاهات الجسمية أو الأمراض العضوية والنفسية أو الإعاقات العقلية…الخ من الأصل إلى الفرع فتلك الصفات والخصائص الوراثية قد تدفع حاملها إلى ارتكاب الجريمة.

وهذا يعني أن الوراثة ليس عامل حتمي في خلق السلوك الإجرامي، وإنما تعتبر عامل احتمالي.

فهذه الصفات أو الخصائص لا تعني أن من يحملها يكون بالضرورة مجرماً إذا  كان سلفه مجرماً، فهي عبارة عن إمكانات لا تولِّد الجريمة نفسها وإنما تولِّد نسبة استعداد إجرامي يهيئ الشخص إذا صادف ظروف بيئية واجتماعية معينة إلى سلوك طريق الجريمة. إلاَّ أن هذه النتيجة لا تعني وجود صلة قطعية للوراثة بارتكاب هؤلاء النساء للجرائم، فالأمر قد يعود إلى البيئة السيئة والظروف المعيشية الصعبة التي نشأ وعاش فيها أفراد تلك الأسر.
ولمعرفة صلة الوراثة بالجريمة، فقد أجريت كثير من الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على بعض الأسر المجرمة، أي تلك الأسر التي أشتهر أفرادها بالإجرام، وذلك لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أفرادها، وخاصة انتقاله من الآباء إلى الأبناء والأحفاد خلال أجيال متعاقبة، حيث توصلت تلك الدراسات إلى أن الاستعداد الإجرامي هو الذي ينتقل عن طريق الوراثة، فيظل كامناً في نفس حامله إلا أن يصادف الفرد ظروفا بيئية اجتماعية مهيئة، فيتفاعل عندئذ ذلك الاستعداد الإجرامي مع هذه الظروف فيدفع بصاحبه إلى ارتكاب الجريمة.
ويتضح من ذلك أن للاستعداد الإجرامي الذي ينتقل بالوراثة دور كبير في دفع الأشخاص، ومنهم المرأة نحو السلوك الإجرامي متى ما حصل على ظروف اجتماعية مهيئة، قد تكون هذه الظروف مشاكل أسرية أو مستوى معيشي متدني، صعوبات مادية، جهل، بطالة، عادات وتقاليد…الخ.

2- التكوين البيولوجي :

ونقصد به التكوين العضوي للمرأة والذي يحتوي على الصفات الخلقية المتعلقة بشكل أعضاء جسمها الخارجية ووظيفة أجهزة الجسم الداخلية.
إن النضوج البدني المبكر للمرأة وما يصاحب ذلك من ظهور علامات الأنوثة عليها وبروز مفاتنها قد يدفع أصحاب النوايا السيئة من المحيطين بها، إما إلى التحرش بها جنسياً وهتك عرضها أو اغتصابها أو استخدامها في مرحلة مبكرة من عمرها في أفعال لا أخلاقية مما تنتج عنها جرائم الزنا والبغاء والدعارة، خاصة وأنها تعاني من قصور في القدرات الذهنية لعدم اكتمال نضوجها النفسي والعقلي في هذه المرحلة وقلة خبرتها في أمور الحياة ، كما قد تقع نتيجة لذلك فريسة سهلة في جرائم هتك العرض والزنا، بحيث تصبح بعدها، وفي فترات لاحقة من عمرها معتادة على ارتكاب الجرائم الأخلاقية كالبغاء والدعارة خاصة في ظل نشأتها وعيشها في ظروف بيئية اجتماعية سيئة.
إضافة إلى ذلك، فإن المرأة تتعرض بحكم تكوينها البيولوجي إلى تغيرات فسيولوجية تؤدي إلى اضطرا بات تؤثر على حالتها النفسية والعصبية كحالة الحيض وانقطاعها عند بلوغها   ( سن اليأس ) وحالة الحمل، وحالة الوضع ، وحالة الرضاعة، فهي في هذه المراحل التي تمر بها تكون أكثر انفعالية ومزاجية مما يجعلها أكثر قابلية للإثارة وسهلة الاستجابة للمؤثرات الخارجية، وبالتالي قد تندفع في ظروف معينة إلى ارتكاب الجرائم، مثل السب والقذف والضرب والجرح والسرقات الخفيفة والبلاغ الكاذب.

وبالرغم من قلة الدراسات في الوطن العربي بشكل عام حول ذلك لكن يمكن القول بأن هناك صلة بين التكوين الفسيولوجي للمرأة وبين الجريمة، إلاَّ أنه يمكن التأكيد على هذه الصلة بصورة غير مباشرة من خلال تلك الدراسات التي أجريت على مرتكبات الجرائم في بعض الدول الأوروبية، لكون التكوين الفسيولوجي للمرأة العربية لا يختلف عن مثيلاتها في تلك الدول.

فقد أشارت الدراسات العلمية إلى أن 41% من جرائم النساء في إنجلترا قد ارتكبت وهن في حالة حيض ، وأن 63% من النساء اللواتي ارتكبن سرقات من المحلات التجارية في فرنسا كن في حالات حيض. كما أن الخلل أو الاضطرابات التي تصيب إفرازات الغدد عند المرأة ، من حيث زيادتها أو نقصانها عن المعدل المألوف قد يدفعها إلى الوقوع في الجريمة ، خاصة الغدة الدرقية ، إذ عند زيادة إفرازاتها تؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، والتي تعتبر عاملاً مؤدياً إلى ارتكاب الجريمة، كما أن زيادة إفرازات الغدة الكظرية يؤدي إلى تكوَّن شخصية ذات مزاج عنفواني، تميل إلى الشراسة والحدة في الطبع وإلى العدوان والتهور، ونتيجة لذلك قد تقع المرأة في هاوية الجريمة بارتكابها جرائم الإيذاء الجسماني أو القذف والسب.
وإلى جانب ذلك، فإن الاضطرابات أو الخلل الذي قد يصاحب إفرازات الغدة التناسلية عند المرأة يؤثر إلى حد كبير في غريزتها الجنسية. فزيادة إفرازاتها، وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب قد يدفع المرأة إلى تلبية رغباتها الجنسية بطرق غير مشروعة ، وذلك تحت تأثير قوة غريزتها الجنسية، وفي ظل وجود عوامل اجتماعية مهيأة مثل البيئة الأسرية السيئة و العنوسة ، والعادات والتقاليد التي تكرس دونية النساء ، وبالتالي تنشأ عن ذلك الجرائم الأخلاقية كالزنا والبغاء والدعارة .

3- التكوين النفسي :

تتميز المرأة عن الرجل بتكوينها النفسي الخاص. فهي تحمل صفات معينة كالرقة والحنان والعاطفة والأمومة…الخ وإن كانت هذه الصفات وحدها لا تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجرائم ، إلاَّ أن تميز المرأة بها قد يؤدي إلى سرعة استجابتها وتأثرها بالمؤثرات المختلفة المحيطة بها، بحيث يؤثر ذلك على شدة انفعالاتها وعواطفها، مما يؤدي بدوره إلى فقدان توازنها النفسي والعصبي والذي قد يدفعها إلى ارتكاب الجريمة.
فالمرأة أكثر عاطفية من الرجل، ولذا فإن وقوعها في عاطفة الحب الشديد قد يؤدي بها إلى الشعور بالغيرة الجارفة ، والتي بدورها قد تؤدي بها تحت ظروف معينة إلى الانتقام عن طريق ارتكاب الجريمة . كما أن عاطفتها الشديدة قد تجعلها تحمل الكراهية الزائدة لشخص ما أثر فيها أو أساء إليها، وبالتالي قد يدفعها ذلك إلى إيذاء ذلك الشخص بارتكابها أخطر الأفعال الإجرامية مثل القتل والإيذاء البدني الجسيـــــم ، إضافة إلى ذلك، فأن تميُّز المرأة بعاطفة الأمومة قد يجعلها تخاف على كيان أسرتها وأطفالها بشكل غير طبيعي ، وبالتالي قد تندفع نتيجة لذلك للدفاع عن أسرتها وأطفالها ضد أي محاولة للاعتداء عليهم ، عن طريق ارتكاب الأفعال الإجرامية كالسب والقذف والضرب والجرح… الخ.

4- السـن :

ونقصد به المرحلة العمرية التي تمر بها المرأة المرتكبة للجريمة ، سواءً كانت مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب أو مرحلة النضوج ، فالسن عامل مساعد في دفع المرأة إلى ارتكاب الجريمة، حيث يؤثر على حجم ونوعية جرائمها ، ويتضح ذلك من حيث أن لكل مرحلة عمرية تمر بها المرأة لها خصائصها ومميزاتها ، سواءً تعلق الأمر بتكوينها العضوي (البدني) والنفسي والعقلي أو اتصل بالبيئة الاجتماعية المحيطة بها.
إن هذه الدراسة تبيِّن أن أكثر الجرائم، وخاصةً الزنا والقتل الخطأ والسرقة ترتكب في مرحلة المراهقة والشباب (15- 25 سنة) ، ويرجع ذلك إلى ما تتميز به المرأة في هذه المرحلة العمرية من صفات وخصائص بدنية ونفسية معينة، وذلك من حيث ظهور علامات الأنوثة لديها وبروزها ، وزيادة غريزتها الجنسية ، مما يجعلها عرضة للإغراءات المختلفة والتحرش الجنسي من قبل الرجال، فهذه الظروف قد توقعها في حالات كثيرة في جرائم الزنا ومن ثم البغاء والدعارة، وخاصةً في ظل عدم نضوجها النفسي والعقلي، كما أن تهورها وعدم مبالاتها وحب المغامرة فيها وتقلب مزاجها وعدوانيتها وقلة خبرتها في الحياة في هذه المرحلة العمرية، إضافة إلى سوء ظروفها المعيشية قد تدفعها في حالات عديدة إلى ارتكاب جرائم القتل الخطأ، والإيذاء الجسماني، والسرقة .
أما المراحل العمرية الأخرى كمرحلة النضوج والشيخوخة التي تمر بها المرأة العربية فتقل فيها الجرائم مقارنة بمرحلة المراهقة والشباب، إلا أنه يلاحظ أن جرائم القتل عند النساء تزداد في مرحلة النضوج (36 سنة وأكثر)، وهذا يعود غالباً إلى محاولة الدفاع عن النفس نتيجة المشاكل الأسرية التي تعانيها المرأة وما يمارس من عنف ضدها، وخاصةً المتزوجة ، إضافة إلى النزاع داخل الأسرة حول الإرث (خاصة الأراضي الزراعية)، وما يترتب عنه من ظلم يقع عليها، بحيث تلجأ المرأة، وخاصة في الأرياف إلى السلاح ومن ثم ارتكاب جرائم القتل أو الشروع فيها .

الفقرة الثانية:  العوامل الخارجية لإجرام المرأة :
نقصد بالعوامل الخارجية لإجرام المرأة مجموعة الظروف أو الوقائع التي لا تتصل بشخص المرأة، أي بتكوينها العضوي أو النفسي وإنما ترجع إلى الوسط الذي تعيش فيه أو البيئة الاجتماعية التي تحيط بها. بحيث تدفعها إلى ارتكاب الجريمة. وهذه العوامل مختلفة ومتنوعة منها العوامل الطبيعية كتأثير المناخ أو المكان، ومنها العوامل الاجتماعية كالبيئة الأسرية وبيئة الأصدقاء…الخ، ومنها العوامل الاقتصادية وأهمها الفقر والبطالة، إضافة إلى العوامل الثقافية كمستوى التعليم (الأمية)، وتأثير وسائل الأعلام، والعادات والتقاليد.
وبما إن هذه العوامل متعددة ومختلفة، إلاَّ أننا سنستعرض أهمها، وذلك لتأثيرها الكبير على إجرام المرأة ، وأهم هذه العوامل ما يلي: العوامل الاجتماعية و العوامل الاقتصادية و العوامل الثقافية و العوامل الجغرافية.

1– العوامل الاجتماعية :
وهي عبارة عن مجموعة من العلاقات والروابط والصلات التي تنشأ بين المرأة وبين غيرها من الناس في البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها. فالمرأة منذ ولادتها تمر بمجتمعات صغيرة في نطاق مجتمعها الكبير، وذلك خلال مراحل عمرها المختلفة، حيث تختلط بهذه المجتمعات الصغيرة اختلاطاً وثيقاً وتتفاعل مع أفرادها عبر علاقات اجتماعية وطيدة ، فيتأثر سلوكها بها إيجاباً وسلباً. ومن أهم هذه المجتمعات البيئية التي قد يكون لها تأثير سلبي على سلوك المرأة بوجه عام، ومنه السلوك الإجرامي، بيئة الأسرة، وبيئة المدرسة، وبيئة الصديقات، فالبيئة هي التربة التي تنمّي الأفراد وتكسبهم خصائصها والإنسان هو ابن بيئته .

– الاسرة: أوضحت بعض الدراسات بان اضطراب العلاقات داخل الاسرة دور كبير في انحراف المرأة و التي قد تسبب الوقوع في الجرائم.

–  المدرسة: تعتبر المدرسة أول مجتمع أجنبي يتصل به الطفل بعد مجتمع الاسرة،  و في مجتمع المدرسة يلتقي الطفل بغيره ممن هم في سنن أو سن قريبة من سنه      و يلتقي كذلك باساتذته و مدرسيه ، و بقدر ما تنجح المدرسة فني أداء دورها التعليمي و التربوي بقدر ما تقدم للمجتمع فردا قادرا علي التكيف مع المجتمع و ما يسوده من قيم و مبادئ أخلاقية و علي العكس فن فشلت المدرسة في القيام بهذا الدور يشكل أحد العوامل الدافعة إلي الجريمة.

– الصديقات و رفيقات السوء: ان محاكاة المرأة لصديقات منحرفات يهيئ لها القوة المحركة لارتكاب سلوك الجريمة لان المرأة إذا كان لديها استعداد نفسي للجريمة و ارتبطت بصديقة منحرفة تزيد رغبتها في الجريمة و الانحراف فقد أكدت بحوث العلماء مثل healy.cho.Cluck علي أن ظاهرة الجنوح ظاهرة جماعية و ليست فردية.

2 – العوامل الاقتصادية :
للعوامل الاقتصادية دوراً كبيراً في الدفع نحو ارتكاب الجريمة وبأي شكل من الأشكال، وأهم هذه العوامل التي لها أثر واضح في دفع المرأة نحو السلوك الإجرامي عامل الفقر وعامل البطالة.
– الفقـر : يقصد بالفقر قلة الموارد المادية التي تمكن المرء من الاستمرار في الحياة أو عدم وجود هذه الموارد أصلا , والفقر يخلق عند المرأة شعور بانعدام العدالة الاجتماعية فتندفع في السلوك الإجرامي غير آبهةٍ بالقيم الاجتماعية فقد تلجئ إلى السرقة أو إلى ممارسة البِغاء للحصول على المال .
-البطالــة : نعني بالبطالة هنا فقدان المرأة العاملة لعملها لأي سبب كان أو عدم حصولها على عمل رغم قدرتها على العمل بما تملكه من معارف علمية أو خبرة عملية. فالبطالة لها أثر كبير في الزج بالمرأة في حمأت الجريمة

3 – العوامل الثقافية:
نقصد بالعوامل الثقافية مجموعة القيم والمبادئ والعقائد والتقاليد والعادات والمعارف السائدة في المجتمع، والتي يمتلكها الفرد أو يتأثر بها.
وبالرغم من إيجابيات العوامل الثقافية كالدين والتعليم ووسائل الإعلام والعادات والتقاليد ، كونها وسيلة فعالة ضد الإجرام ، حيث تعمل على تهذيب الغرائز وضبطها وتزيد من حسن التعامل بين الناس وتساعد على إرشادهم بالأنظمة والقوانين، إلاَّ أن لها تأثير سيئ في حالات معينة، بحيث تدفع بعض الأشخاص ومنهم المرأة إلى ارتكاب الجريمة. وأهم هذه العوامل ما يلي:

ضعف الوازع الديني :
أن الدين عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ السامية التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتستمد قوتها من مصدر غيبي هو الله سبحانه وتعالى. وعليه فإن ضعف الوازع الديني عند المرأة يعني غياب أو ضعف قيَمِها الدينية والأخلاقية ومبادئها السامية. فتمَسُّك المرأة بتعاليم دينها يعتبر مانعاً حصيناً يبعدها عن ارتكاب الجريمة، حيث أن الدين يمثل جزءً من المقاومة النفسية التي تعترض الدوافع الإجرامية لدى الشخص فتحد من تأثيرها .

التعليم :
إن التعليم يسهم في بناء شخصية المرأة وفي توجيه سلوكها في المجتمع على النحو المطلوب، فالتعليم يهذب المرأة ويغرس في نفسها حب النظام والطاعة وتقدير الأمور وقيمة الحياة الاجتماعية. وهذه العوامل تساعد كثيراً المرأة على الابتعاد عن طريق الجريمة وحل مشاكلها المختلفة بوسائل عقلانية وبطرق مشروعة.
ولذلك سنحاول توضيح العلاقة بين المستوى التعليمي للمرأة (أمية، متعلمة) وبين سلوكها الإجرامي، وذلك على النحو التالي:
و تشير الإحصائيات الجنائية أن نسبة الأمية ترتفع بين النساء السجينات بشكل واضح، حيث أن عدد الأميات يفوق كثيراً عدد المتعلمات من السجينات حيث تبلغ نسبتهن 63% من إجمالي السجينات.

وهذه الزيادة ربما ترجع إلى الأسباب التالية:
– أن المرأة الأمية تكون قليلة المعرفة لا تدرك عواقب الأمور بالشكل المطلوب، مما يجعلها سهلة الانحراف والوقوع في الجريمة أو سريعة التأثر بالمؤثرات الخارجية والاستجابة لتحريض معين يمارس عليها، مما قد يدفع بها إلى ارتكاب الجريمة.
– أن المرأة الأمية تكون إمكانياتها وخبراتها ومواهبها قليلة، فتكون اقل حظاً في الحياة الاجتماعية، إذ قد لا تجد فرصاً للعمل والكسب الشريف والذي قد يعينها على إشباع حاجاتها الضرورية في الحياة، مما قد يدفعها ذلك إلى ارتكاب الجريمة للحصول على المال.
إن المرأة المتعلمة ليست معصومة من ارتكاب الجريمة فقد يعينها تعليمها العالي أو التخصصي على ارتكاب أنواع معينة من الجرائم تحتاج إلى قدر من الحيلة والدهاء أو معرفة وخبرة معينة مثل جرائم النصب والغش واختلاس المال العام وجرائم التزوير والتزييف والرشوة.

فهذه الجرائم إن ارتكبت من قبل النساء فإنها أما أن تقع من موظفة عامة متعلمة أو من امرأة عندها مستوى تعليمي وتخصص علمي معين، إلاَّ أنه يلاحظ ضآلة عدد هذه الجرائم، والمرتكبة من قبل النساء مقارنة بالجرائم الأخرى وفقاً للإحصائيات الجنائية الرسمية بالجرائم السالفة الذكر وإلى ارتفاع مستوى الوعي بمخاطر الجريمة عند النساء الموظفات، والمتعلمات.

– وسائل الأعلام و شبكات التواصل الاجتماعي :
إن لوسائل الأعلام المختلفة تأثير معين على إجرام المرأة فهي تلقن الأفراد أو تنقل لهم عن طريق ما يقدم في وسائلها، وخاصةً المرئية من خلال الأفلام والتمثيليات التي تظهر الأساليب والحيل التي يلجأ إليها المجرمون في ارتكاب الجريمة والفرار بعد تنفيذها وكيفية تضليل العدالة.

وهذا يشجع بعض النساء، وخاصة القاصرات منهن ومن لديهن ضعف عقلي أو استعداد إجرامي على تقليد المجرمين أو المجرمات وارتكاب الجرائم المختلفة. كما أن وسائل الإعلام، وخاصة القنوات الفضائية في ظل انتشارها وعدم وجود رقابة توعويَّة ونقدية وتثقيفية عليها تعمل على تحريك وإثارة الغريزة الجنسية عند بعض النساء ، وخاصة المراهقات والشابات منهن عن طريق ما يعرض من قصص رومانسية وأفلام غرامية فاضحة ، مما يكرس لدى البعض بأنها سلوكيات مقبولة ويدفع بهن إلى إرضاء غرائزهن الجنسية بطرق غير مشروعة تنشأ عنها الجرائم الأخلاقية كالزنا وهتك العرض و السحاق، وخاصةً في ظل ضعف تبني التربية ونشر القيم والأخلاق في تلك الوسائل .و هو ما ساهمت فيه كذلك شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك و انستغرام …..

 العادات والتقاليد:
تدفع بعض العادات والتقاليد الاجتماعية المرأة إلى ارتكاب الجريمة، وهذا يبدو واضحاً من خلال جرائم معينة مثل الإجهاض وقتل المولود حديثاً، وذلك حفاظاً على العار والشرف وسمعة الأسرة أو العشيرة أو مثل تحريض المرأة لأحد أقربائها للأخذ بالثأر عن طريق القتل أو قيامها بذلك ، أو من خلال ممارسة بعض النساء، وخاصةً الكبيرات في السن لعمليات ختان الإناث، ، والتي تسبب أضراراً صحية ونفسية مختلفة بالفتيات التي يجري لهن الختان.
كما يتضح ذلك أيضاً من الضغط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية التي تذهب بعيداً في مراقبة سلوك وتحرك المرأة مما يشعرها بدونيتها وعدم أهليتها ، وبالتالي اللجوء إلى طرق متعددة ومتنوعة لإثبات الذات ومنها ارتكاب الجريمة .
4 – العوامل الجغرافية :
يرجع الفضل إلى ابن خلدون في الكشف عن أثر البيئة سواء كانت ريفيةً أو حضريةً أم بدويةً في سلوك الأفراد سوياً كان أم منحرفاً , ويرى العالم (كتليه ) : إنه لكي ترتكب المرأة الجريمة يجب أن تكون لديها إرادة لارتكابها تنشأ من ظروف معينة تساعد على وضعها موضع التنفيذ سواء من حيث القيم السائدة التي لا تستهجن الجريمة ,أو على الأقل تقف موقف اللامبالاة من وقوعها, أو من حيث الظروف التي ترتكب فيها الجريمة وتجعل ارتكابها يتميز بالسهولة و البساطة أو يتيح الفرصة لإخفائها أو التستر عليها , وهي أمور لا تتوافر في الريف حيث تبدو المرأة أشد حماساً بالخجل ,وأكثر حياءً ,و أكثر ضعفاً مما عليه المرأة في الحضر حيث يمنحها استقلالها النسبي إحساساً بالقوة يجعلها أكثر إقداماً على إتيان السلوك المخالف للقانون , فالظروف الاجتماعية التي تعيش فيها المرأة في الريف تحول دون ارتكابها الجريمة بنفس القدر الذي ترتكب فيه المرأة في الحضر , فضلاً عن عدم ارتكابها جرائم معينة .إلا أنه يمكن القول :إن المناطق الحضرية تتميز عن المناطق الريفية في نوع الجرائم التي ترتكب فيها , فبينما يسود الجرائم التي ترتكب في الريف طابع العنف و الدموية ، نجد الجرائم التي ترتكب في الحضر يغلب عليها التكسب و الاستغلال و الرغبة في الإثراء كذلك تكثر في الحضر الجرائم الخلقية :كالدعارة والفسق نظراً لتعقّد العلاقات و انعدام الروابط بين الناس الذين جاؤوا من مناطق مختلفة, في حين أن وجود أي شبهة لممارسة خلقي غير قويم يترتب عليها في الريف انتشار الشائعات و تفشي الأقاويل و بالتالي ارتكاب جريمة يكون وقوعها لازماً لحسم الموقف , وربما توجد صور من السلوك الجنسي الذي لا يتفق مع الأخلاق في الريف إلا أنها تمارس في السر, و إذا كُشِفت كان معنى هذا انتهاء حياة طرفيها , أو على الأقل أحدهما و يغلب أن يكون الأنثى. أما في الحضر فقد لوحظ اتجاه النساء إلى ارتكاب صور جديدة من الجريمة كجريمة التهريب وهو نوع من الجرائم لا تعرفه المرأة الريفية , فقد تبين في السنوات الأخيرة أن نسبة النساء اللاتي يرتكبن جرائم تهريب العملة والذهب قد ارتفعت .

المبحث الثاني: أنواع جرائم النساء

قام العالم “يولاك” بدراسة جرائم النساء وخرج بمجموعة من النتائج والتي كان من أهمها أن إجرام النساء هو إجرام خفي ومقنع، وأن المرأة لا تختلف عن الرجل في سلوكها العدواني، وربما تتفوق المرأة على الرجل في سمات العنف.
ومن النتائج الملفتة للانتباه أنه وجد أن جرائم قتل المواليد يكون نصيب المرأة فيها أكثر من الرجال، كما اتضح أن كثيراً من الجرائم التي يرتكبها الرجال تشكل المرأة الدافع الحقيقي لارتكابها. كما أشارت بعض الدراسات في علم اجتماع الجريمة إلى أن النساء يلعبن دوراً ثانوياً في جرائم النصب والاحتيال مقارنة بالدور الرئيسي الذي يلعبه الرجال، إلا أنهن يستخدمن الدهاء والحيلة ويؤدين دورا في هذه الجرائم من خلال استخدام وسائل الإغراء التي تتمتع بها المرأة.
ويرى كثير من المختصين في علم الإجرام أن النساء المجرمات يظهرن خداعاً أكثر مما يظهره الرجال المجرمون، والسبب وراء هذا القدر العظيم من المخادعة يمكن أن نجده في الأخلاق، والخصائص الجنسية، الذي يمليه خفاء سلوك النساء والاختلافات الجسمية الطبيعية والنفسية بين الرجل والمرأة.
ويذهب البعض للتدليل على ذلك بالقول إن القتل بالسم هو الأسلوب الرئيسي للقتل الذي تستخدمه النساء، وإن الشكل الظاهر للتسميم هو استخدام “الزرنيخ” يليه “السيانيد” ثم بـ”كلوريد الزئبق”، باعتبارها مواد سامه متوفرة في المنزل. ومن الطرائف التي تم اكتشافها أن الجريمة لا علاقة لها بتفاوت القوة الجسمانية، حيث تبين أن القوة البدنية لم تعد لها أهمية فيما يتعلق بارتكاب النساء للجرائم التي يرتكبها الرجال.

بمكن التمييز في إطار أنواع جرائم النساء بين الجرائم العامة وهي الجرائم التي يستوي في ارتكابها بين الرجل و المرأة  وبين الجرائم الخاصة وهي تلك الجرائم التي يشيع ارتكابها من طرفهن .

لقد أضحت المرأة متواجدة في مختلف الجرائم الواقعة في المجتمع ، ونافست الرجال في مختلف الميادين و حتي ميدان الجريمة حيث ترتكب معظمها و تشارك في أخطرها مثل جرائم القتل و السرقة و السطو و جرائم المخدرات و الجرائم الأخلاقية و الجرائم المنظمة و الجرائم الارهابية…وكل هذه الجرائم هي جرائم عامة يقوم بارتكابها كل من المرأة والرجل

لقد كشف واقع الظاهرة الإجرامية أن النساء يرتكبن أنواعا معينة من الجرائم كقتل الام لمولودها و الإجهاض و البغاء السري و السحاق…  وهي جرائم ترتبط بالطبيعة الأنثوية للمرأة سواء من الناحية البيولوجية أو الفيزيولوجية، أو من ناحية وضعها الاجتماعي

و سأركز على بعض من هذه الجرائم الخاصة بالنساء و التي تتمثل في جريمة اسقاط حمل ظاهرو جريمة قتل الام لمولودها و هي من جرائم الاعتداء على الأشخاص         ( الفقرة الاولى) البغاء السري و السحاق و هي من جرائم الاعتداء على الاخلاق      ( الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى:  جرائم الاعتداء على الأشخاص الخاصة بالنساء (اسقاط حمل ظاهر و قتل  الام لمولودها)

  • جريمة اسقاط حمل ظاهر:

ينص الفصل 214 م ج على ان “كل من تولى أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أية وسيلة أخرى سواء كان ذلك برضى الحامل أو بدونه يعاقب بخمسة أعوام سجنا وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين.

وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها ألفا دينار أو بإحدى العقوبتين المـرأة التي أسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما أشير به عليها أو وقع مدها به لهذا الغرض.

يرخص في إبطال الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها.

كما يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إن خشي من مواصلة الحمل تسبب في انهيار صحة الأم أو توازنها العصبي أو كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة وفي هذه الحالة يجب أن يتم ذلك في مؤسسة مرخص فيها.

إن إبطال الحمل المشار إليه بالفقرة السابقة يجب إجراؤه بعد الاستظهار لدى الطبيب الذي سيتولى ذلك بتقرير من الطبيب الذي يباشر المعالجة».

و الملاحظ أن إبطال الحمل خلال ثلاثة الأشهر الأولى منه من طرف مؤسسات إستشفائية و صحية أو في مصحة مرخص فيها يعد مباحا قانونا بما يحيلنا إلى الحديث من أن المبدأ هو المنع و إستثناء الإباحة متى كان ذلك خلال مدة 3 أشهر      و لأسباب علاجية.

مفهوم إسقاط الحمل:

لم يعرف المشرع التونسي الإجهاض. و إقتصر الفصل 214 من م ج على تعداد وسائل إسقاط الحمل الظاهر، مما جعل الفقه يسعى إلى تعريف هذا المصطلح حيث جاء في المصباح المنير: “السِّقط: الولد ذكراً كان أو أنثى يسقط قبل تمامه، وهو مستبين الخلق.

وفي تاج العروس: “الولد يسقط من بطن أمه لغير تمام” اهـ. ولم يشترط كونه مستبين الخلق.

وجاء في المصباح المنير، يقال: سقط الولد من بطن أمه سقوطاً، فهو سقط بالكسر. والتثليث لغة. ولا يقال: وقع.

وأسقطت الحامل: ألقت سقطاً.

وفي تاج العروس: السقط مثلثة، والكسر أكثر. وجاء في تاج العروس أيضاً: “أسقطت الناقة وغيرها ولدها: إذا ألقت ولدها، والذي في أمالي القالي: أنه خاص في بني آدم.

وفي معنى الإسقاط: الإجهاض. جاء في المصباح المنير: أجهضت المرأة ولدها إجهاضاً: أسقطته ناقص الخلق.

ويتبين لنا من تعريف الإسقاط لغة أنه يطلق على إلقاء الحمل ناقصاً سواء كان النقص في المدة، أو كان النقص في الخلق. وتعريف الفقهاء لا يخرج عن هذا المعنى.

عرف ابن عابدين الإجهاض في رسائله: “هو إنزال الجنين قبل أن يستكمل مدة الحمل”.

وللفقهاء ألفاظ مرادفة لمعنى الإسقاط والإجهاض، وهي تؤدي نفس المعنى منها: الإلقاء، الإملاص، الإنزال، الإخراج، الطرح.

و حتى يتم ترتيب عقوبة إسقاط الحمل أوجب المشرع صلب الفصل 214 م ج  ثلاثة شروط مجتمعة وهي إستعمال إحدى وسائل الإجهاض وهو الركن المادي و الركن المعنوي العام ( النية الإجرامية)و الخاص( إسقاط الحمل مع الوعي بنتائجه).

و سعى القضاء عند توقيعه للعقوبة المنصوص عليها بالفصل 214 من توفر هذه العناصر مجتمعة مع إستيعاب كل الوسائل التي تؤدي بطبيعتها إلى إيقاع الإجهاض دون التقيد بما تم تعداده بالفصل طالما أن عباراته جاءت على سبيل الذكر بإستعماله لعبارة “أو بأية وسيلة أخرى”.

حرص المشرع في تجريم الإجهاض و صرامة القضاء في توقيع العقاب لم يمنع من إستثناء حالات و جعلها خارج المساءلة الجزائية متى كان الإجهاض خلال ثلاثة الأشهر الأولى من الحمل.

و قد حدد المشرع التونسي ضوابط أساسية بدونها لا يجوز إسقاط الحمل بعد مضي ثلاثة أشهر من بداية تكونه إلا لأسباب تتعلق بصحة الأم البدنية و العصبية أو بصحة الوليد و هي:

– الإجهاض لأسباب صحية: إجهاض حامي لصحة الأم:

قد يجد الطبيب المعالج نفسه أمام خيارين : أما حماية حق الحياة للجنين أو حماية حياة الأم و يبدو أن المشرع قد آثر حماية صحة الأم على حماية حق الجنين في الحياة طالما في ولادته ضرر محقق و حاتم ينال صحة والدته.

و قد ترك المشرع سلطة تقديرية للطبيب المعالج و الذي يتوجب عليه تقديم شهادة ترخص إسقاط الحمل مع إحترام أخلاقيات مهنته و ذلك طبقا لأحكام الفصل 32 من مجلة واجبات الطبيب التي نصت على أنه” يتعين على الطبيب أن يعتني غاية الإعتناء بتشخيص المرض و عند الإقتضاء الإستعانة بقدر الإستطاعة بأنير النصائح و أنجع الطرق العملية الملائمة” في حين نص الفصل 41 من نفس المجلة على أن” أثناء ولادة عسيرة أو مطيلة يتعين على الطبيب إعتبار نفسه الحكم الوحيد بخصوص مصالح كل من الأم و الطفل بدون أن يترك مجالا للتأثير عليه من أجل إعتبارات عائلية”.

و لكن قد يضطر الطبيب “التضحية” بحياة الوليد” لمجرد خطر قد يحدق بحياة الأم بما يجعل المعادلة التشريعية المتعلقة بحالة الضرورة غير منطبقة كليا في مثل هذه الوضعية. ذلك أن شروط توفر حالة الضرورة كما بينها الفقه و فقه القضاء و التي مصدرها القضاء، تقتضي أولا أن يكون الخطر المراد تجنبه خطرا حقيقيا و حالا و ثانيا أن يكون الفعل غير المشروع الذي وقع القيام به هو الوسيلة الوحيدة لتجنب ضرر أهم و أعظم من الذي نتج عن الجريمة و ثالثا أن لا يكون الفاعل قد إرتكب خطأ سابقا تسبب في إحداث حالة الضرورة.

و لا جدال من أن السلطة التي منحت للطبيب المعالج تعد دقيقة بيد أنه لا وجود لمعايير محددة و مضبوطة سلفا علميا أو فنيا قد تقيدها بل بمراجعة الفصل 214 نجده وسع في مجال الخطر ليشمل الحالة البدنية و كذلك العصبية النفسية وهي عبارات غير دقيقة و تطرح عدة تأويلات مختلفة و لربما متناقضة تعسر من مهمة قضاة الأصل في تقدير مدى وجود الخطر المحدق، ذلك أن الحالة النفسية للأم التي عادة ما تشعر به من أسى و حزن تخضع حتما إلى إعتبارات ذاتية و غير موضوعية.

و يتضح من كل ذلك أن حالة الضرورة كسبب من أسباب التبرير أو الإباحة لا تستقيم في وضعية الإجهاض لأسباب صحية لعدم وجود توافق أو تناسب بين الضرر الواقع تجنبه و الوسيلة المتبعة إذ لا نخال أن التضحية بحياة الجنين في مستوى دفع ضرر معنوي أو نفسي للأم.

و مع ذلك فإن المشرع التونسي و هو يكرس إمكانية الإجهاض لم يقتصر على صحة الأم بل كذلك أباحه لأسباب تتعلق بصحة الجنين.

– الإجهاض لأسباب صحية: إجهاض لتحسين النسل eugénique:

أحيانا يتولى الطبيب إسقاط الحمل لأسباب صحية تتعلق بتكون الجنين كلما ثبت أنه سيولد مشوها وهو ما سوف سؤدي به إلى العيش بتعاسة و معاناة وهو ما أكدته أحكام الفصل 214 من أنه يرخص في إبطال الحمل متى” كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة “و قد تطورت الوسائل العلاجية و التشخيصية حتى بات بالإمكان تحديد سياق تكون الجنين و إتقاء حالات الأجنة المشوهين وهو ما يعبر عنها بـle diagnostic anténatal.

و قد أنتقد هذا التشريع من بعض أنصار حقوق الإنسان و ذلك بقولهم ألا يجدر بنا علاج هذا الطفل على أن نحرمه من الحياة لاسيما في تطور للعلوم الصحية و التي أضحى بإمكانها معالجة الجنين وهو لا يزال في رحم أمه و كان على المشرع أن يقيد هذه الإمكانية و يحصرها في حالة أن تشوه الطفل أو مرضه لا شفاء منه و يؤدي بالضرورة إلى وفاته.

كما أن السماح لإسقاط الحمل لعدم ولادة أطفال مشوهين هو في الحقيقة إقرار مقنع لموت الرحيم و هو ما أكده البعض من أن هذا التبرير لإسقاط الحمل يفتح الباب على مصراعيه لتقبل قتل الرحيم للمسنين و المعاقين وهو تبرير تشريعي لأنانية فاضحة في أسوء معانيها و ذلك بتقبل إنهاء حياة شخص لينعم غيره بالراحة.

2- جريمة قتل الام لمولودها:

اورد المشرع التونسي جريمة القتل ضمن الكتاب الثاني «في جرائم مختلفة والعقوبات المستوجبة لها» من المجلة الجزائية وتحديدا في الجزء الثاني بعنوان “في الإعتداء على الناس”.

و يمكن تعريف القتل ب”انه اعتداء شخص على حياة شخص آخر أدى إلى وفاته”
يعاقب بالقتل الإنسان الذي يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت  ( الفصل 201 م ج).

ويعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر ( الفصل 205 م ج).

وبقصد بجريمة قتل الطفل حديث الولادة هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة، وتعتبر هذه الجريمة من أكثر الجرائم اتصالا بأوضاع المجتمعات وشعوبها ونظمها الاجتماعية والدينية والخلقية والاقتصادية والغالب ما ترتكب هذه الجريمة من طرف الأمهات العازبات.

ولا تعتبر جريمة قتل الأطفال الصغار من سمات العصر الحديث، وإنما عرفت منذ أزمنة سحيقة عرفتها الشعوب القديمة، فقد تضمنت بعض التشريعات الجزائية نصاً يقرر ظرفاً مشددا ، وقد أخذت بهذا النهج لمن يقوم بقتل الحدث الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بعض التشريعات منها التشريع السوري واللبناني.

و قرر القانون التونسي عذراً قانونياً مخففاً للأم التي تقتل وليدها لسبب أو لأخر، فيعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته    ( الفصل 211 م ج).

الفقرة الثانية: جرائم الاعتداء على الاخلاق الخاصة بالنساء ( البغاء السري        و السحاق )

1- البغاء السري:

يعني البغاء او الدعارة لغة الفساد أو الفسق أو الخبث أو الشر.

و هنا عدة مصطلحات لغوية تستعمل للتعبير عن الفعل منها البغاء الذي يعبر عن الاتصال الجنسي غير المشروع و أيماس المرأة أي فجورها و احترافها له و العاهرة فهي الفسق و الفجور، و هذه المعاني التي وضعتها اللغة لألفاظ مختلفة تكاد تتقارب حتى يشعر الإنسان بأن اللفظ الواحد منها قد يغني عن بقية الألفاظ .
و قد جرم القانون التونسي البغاء السري في الفرع الثالث في التحريض على فعل الخناء.
ومن المتفق عليه فقها وقانونا ان جريمة تعاطي البغاء السري المنصوص عليها بالفصل 231 من القانون الجنائي تتوفر بوجود ركن تعود بيع العرض للرجال        و قبض مقابل أي مبلغ مالي مقابل ذلك البيع و القصد الجنائي .

– بيع العرض للرجال:
و يقصد به ممارسة المرأة للجنس مع الغير بمقابل مالي في غير الصور المنصوص عليها بالتراتيب الجاري بها العمل
إن المشرع لم يشترط توفر ركن التعود لقيام جريمة تعاطي البغاء السري بدليل أن النص الوارد بعقاب هذه الجريمة قد شمل النساء اللاتي يتعاطين البغاء ولو صدفة حسب منطوق الفصل 231 من المجلة الجنائية
– المقابل المالي:
و يمكن ان يكون نقودا او غيره من الاشياء التي لها قيمة.
و لا يعتبر مقابل المأكل و المشرب، فقد اعتبرت محكمة التعقيب في القرار الجزائي عدد 15255 مؤرخ فى 05/01/1988 – ان مواقعة انثى لقاء بعض المأكولات والمشروبات بدون مقابل مالي لا تتكون معه جريمة البغاء السري على معنى الفصل 231 من القانون الجنائي لان عنصر المقابل مفقود.
– الركن المعنوي :
هذه الجريمة لا تتطلب قصد خاص ويكفي فيها القصد العام ، أي انصراف إرادة الجاني إلى ارتكابها مع علمه المسبق بأن القانون يعاقب عليها.
والنساء اللاتي في غير الصور المنصوص عليها بالتراتيب الجاري بها العمل يعرضن أنفسهن بالإشارة أو بالقول أو يتعاطين الخناء ولو صدفة، يعاقبن بالسجن من ستة أشهر إلى عامين وبخطية من عشرين دينارا إلى مائتي دينار.
ويعتبر مشاركا ويعاقب بنفس العقوبات كل شخص اتصل بإحدى تلك النساء جنسيا.

  • جريمة السحاق:

السحاقية والسَحّاقة هي المرأة التي تمارسة الجنس مع امرأة أخرى، وتُسمّى أيضاً “امرأة مِثلية “بالإنجليزية Lesbian)‏).

تشمل المثلية الجنسية الهوية الجنسية اجتماعيا وثقافيا والميول الجنسية والسلوك الجنسي  والعلاقات العاطفية والرومانسية ما بين شخصين من نفس الجنس.

و نص الفصل 230 م ج  على معاقبة معاقبة المساحقة بالسجن مدة ثلاثة أعوام.

الخاتمة:

ان جرائم النساء كأحد فروع علم الإجرام يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية للمرأة من حيث اختلافها عن إجرام الرجل , والبحث في العوامل المؤثرة فيها وتفسير هذه الظاهرة بغية الوصول إلى حلول مناسبة لها تكفل القضاء عليها أو التخفيف منها ما أمكن ذلك .

وبالرغم أن جرائم النساء أقل في نسبتها من جرائم الرجال من حيث الكم والنوع , كما أن المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل في الغالب بالنظر إلى الوسيلة المستخدمة في اقتراف الجرائم , وذلك بفعل عوامل مختلفة, أسهمت في تدني نسبة جرائم النساء بالمقارنة مع نسبة جرائم الرجال إلا أنه لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات التي تكفل المحافظة على مجتمع نقي من العوامل التي تنمي بزور الجريمة كما يلي :
* التأكيد على دور الأسرة في الاهتمام بأبنائها ، ولاسيما البنات ، لحمايتهن من الوقوع في براثن الجريمة .
*  تدعيم القوانين التي تدعم حقوق المرأة وتحميها من الاستغلال ومن الوقوع في الجريمة .
*  منح مساعدات مادية للأسر الفقيرة لضمان عدم ارتكاب النساء الجريمة .
* نشر الوعي الديني ووضع رقابة على وسائل الإعلام المختلفة و شبكات التواصل الاجتماعي .
* تكثيف البرامج التوعوية من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

*  التأكيد على تعليم المرأة وتثقيفها .
*  توفير قاعدة بيانات عن الجريمة يمكن أن يلجأ إليها الباحثون والدارسون في مجال الإجرام ، وإجرام النساء خاصة ، وذلك بغية تشجيع البحث العلمي .

*تكثيف البحوث العلمية التي تتناول دور العوامل الاجتماعية في ارتكاب المرأة للجريمة.
* ضرورة تعاون الجهات المسؤولة بتيسير مهمة الباحثين في إجراء البحوث داخل المؤسسات الإصلاحية.
*  ضرورة تركيز أجهزة العدالة الجنائية على تبصير المرأة بحقوقها التي ضمنها لها المجتمع ، والضمانات التي وفرها لها ، ذلك أن الكثير من الجرائم التي تقدم على ارتكابها المرأة تكون بسبب جهلها بتلك الحقوق والضمانات .

* إنشاء أندية نسائية في الأحياء الشعبية والمتوسطة وزيادة أعدادها.
* النظر في إجراءات المؤسسات الإصلاحية المطبقة حاليًّا والمرتبطة بانتهاء فترة عقوبة النزيلات اللاتي يرفض أولياء أمورهن تسلمهن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى