تونسمقالات

 يوم المعلم في تونس: تكريم رمزي في ظل واقع صعب يستوجب إصلاحًا جذريًا

 

في مثل هذا اليوم من كل عام، تحتفل تونس بيوم المعلم، اعترافًا بالدور المحوري الذي يضطلع به في بناء العقول وتوجيه الأجيال. لكن بين طقوس التكريم والخطابات الرسمية، يبقى السؤال الأهم معلقًا: ما الذي تحقق فعلًا للمعلمين؟ وما الذي يجب أن يكون؟

الواقع اليوم يُظهر بوضوح أن المعلّم التونسي يواجه تحديات متراكمة، تجعل من مهمته النبيلة مسارًا شاقًا، يُضعف الأداء ويُثقل كاهله.

1. وضع مادي هش لا يليق بالمكانة الاعتبارية للمعلم
تُعدّ أجور المعلمين من بين الأضعف في القطاع العام، ولا تكفي في كثير من الحالات لتغطية الحاجيات الأساسية، من غذاء، نقل، ووسائل تعليمية. هذا الواقع يؤدي إلى ضغط نفسي وذهني يعيق المعلّم عن أداء رسالته في أجواء مستقرة ومحفّزة.

2. غياب التكوين المستمر والتخصص
ما يزال التكوين الإداري والتربوي هشًا أو غير منتظم. كما أنّ المديرين يُعيّنون غالبًا من داخل الإطار التربوي دون تأهيل إداري كافٍ، ما يُعقّد عملية التسيير. كذلك، تُسند مهمة تدريس الأطفال – وهي الأصعب تربويًا – دون التخصص أو التأهيل اللازم.

3. علاقة متوترة مع أولياء الأمور والإدارة
تفاقم العنف الرمزي واللفظي، وغياب ثقافة الاحترام والتقدير المتبادل بين بعض الأولياء والمعلمين، إلى جانب علاقة مشوّشة مع سلطة الإشراف، خلقت مناخًا غير صحي داخل المدرسة.

4. البرامج التعليمية والتجهيزات: فجوة كبيرة
البرامج الرسمية مكثفة، لا تُراعي الفروقات، ولا ترافقها وسائل تعليم حديثة أو مراجع علمية وافية، ما يضع المعلم في مأزق يومي بين أداء الواجب ومحدودية الوسائل.

5. نقابات تحت المجهر
رغم دفاعها التاريخي عن القطاع، إلا أن بعض النقابات فقدت جزءًا من فاعليتها بسبب تسييس المطالب أو غموض الرؤية، مما أثّر على ثقة القاعدة التعليمية.

الحلول الممكنة: نحو إعادة الاعتبار الحقيقي
– تحسين الأجور بما يحفظ الكرامة ويوفر الاستقرار.
– إطلاق خطة وطنية لتكوين المعلمين والمديرين تكوينًا تخصصيًا دوريًا.
– تحديث البرامج والمراجع، وربطها بالواقع التونسي والعصر الرقمي.
– خلق إطار تشاركي بين الوزارة والنقابات، مبني على الثقة والوضوح.
– ترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل بين المعلم والمجتمع.

إنّ الاستثمار في المعلم هو استثمار في الوطن، فلا وجود لتعليم متطور دون معلمين مستقرين، ولا بناء لجيل ناجح دون مدرسين محترمين، مكوّنين، ومُعترف بهم كقوة دفع حقيقية نحو التقدم.

في يوم المعلم، لنجعل من التكريم مناسبة لبداية تغيير فعلي، يعيد للمدرس كرامته، وللتعليم دوره الريادي في النهوض بالبلاد.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى