يوم احياء ذكرى الزعيم الوطني حيدر علييف يحيى بمشاعر الاحترام والاجلال

بقلم سعادة السيد / تورال رضاييف
سفير جمهورية اذربيجان لدى الجزائر
يُحيي الشعب الأذربيجاني في 12 ديسمبر ذكرى وفاة الزعيم الوطني حيدر علييف بمشاعر عميقة من المحبة الشعبية والامتنان. فقد تحوّلت حياة هذا الرجل الاستثنائي، الذي نُقِش اسمه في صفحات التاريخ إلى الأبد، ونشاطه كسياسي بارز، إلى مصدر فخر لكل مواطن أذربيجاني.
إن دور الزعيم الوطني حيدر علييف في رفع شأن اسم الشعب والدولة الأذربيجانية على الساحة الدولية دور لا يمكن إنكاره. فقد استطاع أن يحقق ذلك بفضل جاذبيته القيادية وخبرته الواسعة في مجال بناء الدولة. وبفضل جهوده، أصبحت أذربيجان دولة ذات بصمة واضحة بين دول العالم. لقد كرّس الزعيم الخالد حياته وجهده من أجل ترسيخ وتعزيز الدولة الأذربيجانية. ومن خلال الاطلاع على سيرته الذاتية، يتبين لنا أن مسيرته كانت حافلة بالأحداث البارزة في مجال بناء الدولة وترسيخ مؤسساتها.
وُلد حيدر علي رضا علييف في 10 مايو 1923 في ناخيتشيفان. ومنذ عام 1944 عمل في أجهزة الأمن، وفي عام 1964 أصبح نائب رئيس لجنة أمن الدولة التابعة لمجلس وزراء جمهورية أذربيجان السوفيتية، ثم تولى رئاسة اللجنة عام 1967، وحصل على رتبة لواء. وخلال تلك الفترة، تلقّى تعليمًا عاليًا خاصًا في لينينغراد (سانت بطرسبورغ)، كما أنهى دراسته في كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية عام 1957.
وفي يوليو 1969، انتُخب حيدر علييف أمينًا أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي في جمهورية أذربيجان السوفيتية. وفي ديسمبر 1982 عُيّن نائبًا أول لرئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي، ليصبح أحد قادة الدولة السوفيتية. وعلى الرغم من وجوده في موسكو خلال الفترة 1982–1990، فإنه لم يتخلَّ يومًا عن الاهتمام بشؤون أذربيجان. وخلال تلك السنوات، ازدادت العناية بأذربيجان على مستوى الاتحاد السوفيتي، وبرز اسمها في العديد من الفعاليات بين جمهوريات الاتحاد.
وبسبب الظلم الذي تعرّض له لاحقًا، قدّم استقالته من منصبه. ومع انهيار النظام السوفيتي، حاول البعض قمع حركة التحرر الوطني في أذربيجان بمجزرة دموية في 20 يناير 1990، لكن الشعب لم يستسلم، بل واصل مقاومته بإصرار حتى نيل الاستقلال. وفي تلك الأيام، تجسّد الموقف السياسي الجريء للزعيم الوطني حيدر علييف في موسكو. فقد كانت الخطوة الأولى في التقييم القانوني لأحداث 20 يناير ثمرةً لإرادته السياسية.
وفي 21 يناير 1990، وبعد تجاهل الحظر الذي فرضه النظام السوفيتي، توجّه الزعيم الوطني حيدر علييف إلى الممثلية الدائمة لأذربيجان في موسكو مخاطِرًا بحياته، وأدان منفذي المجزرة ببيان شجاع كشف فيه الحقائق أمام العالم. وقد لعب هذا البيان، الذي حضره ممثلو وسائل الإعلام العالمية، دورًا كبيرًا في إيصال حقيقة أحداث 20 يناير إلى المجتمع الدولي. كما أسهم بشكل ملحوظ في تعزيز روح النضال لدى الشعب الأذربيجاني، مما أضفى زخمًا جديدًا لمسيرته نحو الاستقلال.
وبعد هذا الموقف الجريء، أصبح بقاؤه في موسكو أكثر خطورة. وفي الوقت نفسه، كانت أذربيجان تنحدر نحو الفوضى نتيجة صراعات سياسية غير مسؤولة. وكان الشعب بحاجة إلى قائد يمتلك الخبرة السياسية والقدرة على إدارة الدولة. وبناءً على ذلك، عاد حيدر علييف إلى أذربيجان في يوليو 1990، وبعد فترة قصيرة في باكو، انتقل إلى ناخيتشيفان، حيث انتُخب في العام نفسه نائبًا في المجلس الأعلى. وخلال الأعوام 1991–1993، شغل منصب رئيس المجلس الأعلى لجمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، ونائب رئيس المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان.
وتُعتبر عودة الزعيم الوطني إلى الوطن نقطة تحول في التاريخ الحديث لأذربيجان، وبداية مرحلة جديدة من نهضتها. وعندما عاد إلى السلطة عام 1993، واجه حيدر علييف اختبارًا وطنيًا مصيريًا. وقد عبّر لاحقًا عن تلك اللحظات في إحدى خطاباته قائلاً:
«لقد مررت خلال حياتي بالكثير، لكن الأهم أنني اجتزت كل تلك الاختبارات والصعوبات وما زلت حيًّا. ومن المؤكد أنني سأعيش لسنوات أخرى كثيرة. قليلون من مرّوا بما مررتُ به. لقد عملت هنا 14 عامًا وترأست الجمهورية، ثم قضيت 5 سنوات في موسكو عضوًا في المكتب السياسي ونائبًا أول لرئيس مجلس وزراء دولة عظمى كالتحاد السوفيتي. وبعد ذلك، تعرضت لفترة من الملاحقة استمرت نحو ثلاث سنوات. كما كانت هناك فترة من النفي — عندما اضطررت للعودة من موسكو إلى باكو ولم يُسمح لي بالإقامة هنا، فذهبت إلى وطني — ناخيتشيفان المحاصَرة، وعشت هناك ثلاث سنوات. وبعد ذلك، أنا منذ 8 سنوات أعيش وأعمل في هذا المبنى الذي شيدته بنفسي. تختلف مصائر الناس: فبعضهم راضٍ عن مصيره، وبعضهم لا. وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات، فأنا راضٍ جدًا عن مصيري؛ لأن حياة قصيرة بلا أحداث ليست حياة ذات معنى. لكن عندما يجتاز الإنسان كل أنواع الاختبارات، يكتسب خبرة أكبر ويصبح أكثر صلابة. ومن هذه الناحية، أنا راضٍ جدًا عن مصيري. لا أعلم ماذا سيحدث غدًا، لكنني أعلم أن القادم سيكون أفضل.»
ورغم وفاة الزعيم الوطني حيدر علييف في 12 ديسمبر 2003، فإنه لا يزال حيًّا في قلوب أبناء الشعب الأذربيجاني. ويُحيي الشعب ذكرى قائده بكل احترام وإجلال. وقد أصبح يوم 12 ديسمبر يوم حداد وطني لدى الأذربيجانيين حول العالم. وفي هذا اليوم، يتوافد آلاف المواطنين إلى مزار الزعيم الوطني في فخري خيابان. كما تُقام مراسم إحياء الذكرى في مختلف مناطق البلاد وفي سفارات أذربيجان في الخارج.










