مقالات

واشنطن تفتح باب المقايضة وقف الاعتداءات مقابل التفاوض، ولبنان بين الإعمار والتطبيع المرفوض

كتب إسماعيل النجار،

 

واشنطن تفتح باب المقايضة وقف الاعتداءات مقابل التفاوض، ولبنان بين الإعمار والتطبيع المرفوض،

 

.تبدو الساحة اللبنانية اليوم أمام مشهدٍ سياسي متوترٍ يحمل في طيّاته مؤشرات مقايضةٍ أميركية إسرائيلية جديدة، عنوانها “وقف الاعتداءات وبدء الإعمار مقابل المفاوضات غير المباشرة”. في الظاهر، الأمر يبدو كمسعى دبلوماسي لإنهاء مرحلة التصعيد، لكنه في العمق ليس إلا محاولة لإدخال لبنان في نفقٍ سياسيٍ خطير، يُراد له أن يكون البوابة الأولى نحو تطبيعٍ تدريجيٍّ مموَّه مع العدو الصهيوني، تحت شعار الواقعية والحلول المرحلية.

.الولايات المتحدة، التي تروّج لنفسها كوسيط سلام، تتحرّك اليوم بخطوات محسوبة لإعادة ترتيب الساحة اللبنانية بما يخدم المصالح الإسرائيلية. فوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب لا يُطرح كحقٍّ لبنانيٍّ مشروع، بل كورقة مساومة مقابل فتح طاولة مفاوضاتٍ “غير مباشرة”، تُشرف عليها واشنطن وتُغلفها بدعواتٍ إلى “الاستقرار والتنمية”. أما الهدف الفعلي، فهو إدخال لبنان في مسارٍ سياسيٍ جديد يُفكك تماسك بيئة المقاومة ويُعيد رسم ميزان القوى الداخلي.

.هذا “الأسلوب الحديدي” الذي تستخدمه إسرائيل، مدعومةً بالغطاء الأميركي، ليس وليد الساعة. إنه نسخة محدَّثة من سياسات الضغط والترغيب التي اتبعتها في مراحل سابقة مع دولٍ عربيةٍ أخرى، حين جعلت من إعادة الإعمار ورقة ضغطٍ اقتصادية لفرض واقعٍ سياسي جديد. اليوم، تحاول تل أبيب عبر واشنطن إعادة تطبيق هذه المعادلة في لبنان، بعد فشلها العسكري في فرض أيّ تغييرٍ ميداني.

.لكن ما غاب عن حسابات العدو، أنّ بيئة المقاومة في لبنان ثابتة في موقفها، وترى أن أي مفاوضات تحت النار أو في ظل الاحتلال هي خيانةٌ لدماء الشهداء وتفريطٌ بالسيادة. الموقف الشعبي والسياسي في محور المقاومة واضحٌ وصارم: لا تفاوض مباشر، ولا تطبيع بأيّ شكلٍ من الأشكال، ولو كلّف الأمر مواجهةً داخلية جديدة أو حرباً مفتوحة. فالتجارب أثبتت أنّ كل خطوة تفاوضية تُفرض بالقوة، تتحوّل سريعاً إلى أداة ابتزازٍ سياسي واقتصادي لا تُنتج سلاماً بل استسلاماً.

.في المقابل، يعيش لبنان الرسمي ضغطاً داخلياً وخارجياً كبيراً. فالإدارة الأميركية تلوّح بورقة المساعدات والإعمار، بينما تحاول فرنسا لعب دور الوسيط المساند لواشنطن في ملف الترسيم البري والتهدئة. أما الداخل اللبناني، فموزّع بين من يرى في المفاوضات باباً لتنفّسٍ اقتصادي، ومن يعتبرها بداية انزلاقٍ نحو اتفاقٍ أشبه بـ”كامب ديفيد لبناني”.

.ورغم محاولات واشنطن تلميع المشهد وإظهاره كمسارٍ دبلوماسي نحو “الاستقرار الدائم”، إلا أنّ جوهر المبادرة يقوم على مقايضة السيادة بالمال، والهدوء بالمصالح الإسرائيلية. وهو ما يجعل الشكوك تتعاظم حول نيات الإدارة الأميركية ودورها الفعلي: هل تسعى إلى وقف الحرب أم إلى فرض وقائع سياسية جديدة تُمهّد لتطبيعٍ ناعمٍ مع لبنان؟

.الواقع أنّ لبنان يقف اليوم عند مفترقٍ حاسم. فإمّا أن يثبت على معادلة المقاومة والسيادة، رافضاً أيّ مساومةٍ على دمائه وحدوده، أو يُدفع إلى طاولة مفاوضاتٍ تُعيد إنتاج الاحتلال بطرقٍ جديدة. وبين هذا وذاك، تبقى الحقيقة الأوضح أن لبنان لا يحتاج إلى صفقاتٍ مشروطة، بل إلى وقف العدوان والاعتراف بحقه في الدفاع والإعمار بلا ثمن سياسي.

.فالسيادة لا تُقايض، والمقاومة لا تُساوَم، والتاريخ لن يرحم من يظنّ أن التطبيع يمكن أن يمرّ من بوابة الدمار والإعمار.

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى