“هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ

الدكتور فوزي البدوي أستاذ الأديان
كلية الآداب منوبة
من خلال تجربتي في التدريس الجامعي لطلبة الآداب تحديدا وتدريس مسائل ذات صلة بالدين طوال أكثر من عقدين يمكنني أن أشهد بما يلي :
1- أن جزءا كبيرا من الطلبة يأتون إلى الجامعة جاهزين من حيث غسل الأدمغة ولا نفلح إلا قليلا في تغيير قناعاتهم طوال فترة التدريس الجامعي وتدريبهم على الفكر النقدي والشك المنهجي وحتى تقنيات الجرح والتعديل القديمة الخ ….بما يعني أن عملا كبيرا يتم من أجهزة مختلفة في فترة المراهقة وفترة الثانوي تؤدي إلى تشكل نهائي تقريبا للأدمغة .
2- أن بعض من ندرسهم يتلقون تكوينا موازيا خارج الكليات أي في المساجد المحيطة والبعيدة وعند مشايخ يعتبرونهم مراجع علمية مقنعة وحدث أن شاهدت كيف أن بعض طلبتي يخرجون مباشرة من الدروس إلى المساجد القريبة بل ويعلقون في سنوات الثورة الأولى لافتات في حيطان الكلية تدعو إلى الالتحاق بدروس الشيخ فلان والشيخ علان أو الاختلاف إلى حلقات مغلقة أو غيرها حيث يتم حقنهم بمضادات التفكير الحر.
3- بعض هؤلاء الطلبة ينظرون إلى أساتذة الكليات على أنهم علمانيون فاسدون ويتجرؤون على المقدسات والبعض تري في عينيه صورا من الحقد المكبوت والرغبة في الثأر من هؤلاء الأساتذة الذين يشككون في الدين ورموزه مثلما يتصورون أو يُشبّه لهم.
4- الدولة لم تفعل شيئا وأؤكد شيئا من أجل إصلاح التعليم الديني في الثانوي وعرقلت الإصلاح الديني في الجامعة بكيفية جعلتها متواطئة بشكل غير مباشر في الحال التي وصلنا إليها
5- يساهم ضعف اللغات في انحصار رؤية العالم داخل اللغة العربية بما يعني أن حوالي 95 بالمائة مما يطالعونه لا يصلح لشئ والـ 5 بالمائة الباقية ترجع إلي الترجمات أو كتابات المتنورين العرب وهؤلاء يحاصرون من خلال سب الاستشراق من ناحية واتهام البقية بأنهم علمانيون لا يوثق بعلمهم في مسائل الدين
6- ترسخ لدي اقتناع من خلال التدريس الجامعي أن أخطار الإسلام السياسي والدعوشة ستتواصل لعقود قادمة ولا علاقة للأمر بالفقر او المنشأ الاجتماعي بل في تقنيات غسل الأدمغة التي تتم بشكل مبكر وسطوة وسائل الاتصال الحديثة التي لا تشجع كثيرا على التفكير وإنما تقدم في الغالب وجبات دينية جاهزة لا يملك الطلبة لا الوقت ولا القدرة علي هضمها ذلك أن عامة الناس لا يعلمون أنه بفضل نظام (إ م د )السئ الذكر لا يقضي الطالب إلا سنة ونصف في الجامعة اذا ما تم احتساب العطل والامتحانات وشرط أن تكون الدروس منظمة دون اضرابات واحتجاجات.
7 إن قضاء سنة ونصف في الجامعة لا يعني شيئا ولا يمكن من تنظيف مواطن من أدران غسيل الأدمغة والجهل وصنع وعي تاريخي وديني جديد.
8- العمي التاريخي الذي أصاب نظام الزعيم بورقيبة ومن بعده بن علي في مسألة الدين وتدريسه والتعامل معه يتواصل بشكل شرس وغبي حتى اليوم ولا بوادر على أن الأمر سيتغير.
9– بعض هؤلاء الطلبة المتدعوشون أو من هم على حافة الدعوشة والأخونة يفلحون في اجتياز كل الامتحانات مستغلين ثغرات نظام التقييم والامتحانات وفوضي الإصلاحات الجامعية التي هي أقرب إلى المفاسد في مجال الإنسانيات وبعضهم بدا يدخل وسيدخل تباعا إلى إطار التدريس في المستقبل القريب بما يعني أن الخطر سيتفاقم و ستدفع الجمهورية مستقبلا من المال العام ما به يتم ضرب النظام الجمهوري .باختصار الجامعة لا تفلح دوما في تعليم الطلبة أن يفكروا بأنفسهم بل يفلح آخرون في تلقينهم “التفكير”… بغيرهم يعنى بالأموات من أسلافهم …………………..هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ”