صحافة ورأي

نوستالجيا

وانا اودع اخر سنتين من عشريناتي :

تقف سيدة وهي تحمل سيجارتها بيد وكاس قهوة باخرى وتعلو محياها نصف ابتسامة ونصف دمعة: تنظر الى تلك الفتاة التي خرجت من منزلهم ذات 2011 بعد تحصلها على شهادة الباكالوريا بملاحظة حسن،تخرج مندفعه حالمة خائفة بدقات قلب متسارعه لتركب سيارة تضع فيها حقيبة حمراء كبيرة ممتلئة بعناية ولم تكن حمولة الحقيبة تزن اكثر من الاسئلة التي يحملها راسها الصغير.

تغلب اسئلتها كامل الطريق بدندنة تنطلق من حنجرتها بسلاسة فتسمع عندما تقترب من فمها “اني اخترتك يا وطني” بصوت نقي جميل يسر من سمعه….

الوجهة لم تكن تونس لخيار دراسة القانون في “كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس “فقط وانما كان خيارا بالاساس بوصلته زخم الرفاق والاطراف السياسية و حلم الالتقاء برفاق سبقوها هناك فالبلاد في تلك الفترة كانت تحتاج الي مناضلين صادقين واصواتا تصوب مسارا ثوريا بدا في التعثر يتربص به الظلام على حد عبارة الرفاق!!

.تصل الفتاة وتبدا الرحلة…………

لم تعرف الفتاة التي قدمت من مدينة صغيرة،والتي اعتادت وجوها مالوفة كيف وجدت نفسها فوق” حجرة سقراط “تتحدث بعفوية وتلقائية الي مئات من الرفاق والزملاء يستمعون بانتباه الي ما تقوله..

وقتها لم يكن ترتيب الافكار والمقولات مهم بقدر ما كان حماية نفسها من الفصائل السياسية التي تمنع النشاط في الجامعه على غير المنتسبين لهم اهم بكثير…

وبدات معركة الوجود الاولى مع فصائل يسارية كانت تظن ان إدارة الاختلاف معهم سهلا وان العدو الآن معلن وصغير ويمكننا بوحدتنا الاجهاز عليه داخل الجامعه…..

توالت الخيبات مدة عامين لقاءات مطولة في مقهى” لوسااان”(مقهى كان يتردد عليه الشباب الثائر) نقاشات متكررة عن الوحدة واللحمة و تجديد الخطاب و النزول الي الشارع و الالتحام بالجماهير..

.باردو 1 ينطلق :تكبر احلام الفتاة تدور عجلة النقاشات من جديد داخل الخيام المنتصبة امام مجلس النواب.

.الظلام مقترب الرفاق يبحثون عن حلول جدية:الحل في وحدة الوطنييين الديمقراطيين…..

لازالت الفتاة تدندن اني اخترتك يا وطني…الفتاة التي غادرت منزلها وحيدة بمعية افكار و حقيبة متجهة نحو الكلية تملك الآن مئات الرفاق الصادقين حولها وابا روحيا يتابعها ويسال عنها يوميا تفرح فرحة الفتاة البلهاء الغبية عندما ترى رقم هاتفه على شاشة هاتفها يتابع تحركاتها،يشحنها كلما خارت قواها،نصائح متتالية،يغدق عليها بعناوين كتب يلزمها بالقاء نظرة على بعضها والتمعن في اخرى

….الظلام يقترب…..اكثر يتغلل اكثر تعلو الاصوات،،تندد،تستنكر ،تشجذب،

احداث متسارعة(منوبة،سمامة،ڨصرين،شعانبي,البازيليك،….)تسارعت وتيرة العنف بين الفرقاء في الجامعه،في المبيت،في الجوامع،في العبدلية،في المسارح،امام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل،

اعتداءات على المحامين،على الصحافيين.

الحزب مزال قيد الهيكلة والتاسيس…

بنت 18 عاما تتولى منصبا قياديا في تنظيم شبابي يعتبر انذاك حلم لكثيرين..

.لا يفارق ثغر الفتاة دندنة اغانيها المفضلة….وسط زحام الرفاق والاحداث المتتاليه التي لم تمهلها وقتا للتفكير اقترب الظلام..لم يمهلها وقتا للتفكير،للعرفان،للدراسة،،للنقد،للنظر من بعيد،للتساول حول ما يحدث وكيف يحدث….

حل الظلام على الفتاة وسط المدينة نامت وتركت حولها رفاق وعندما استفاقت لم تجد سوى الذئاب ولم تعرف ابدا بعد السادس من فيفري هل اكل الذئب رفاقها ام استحال رفاقها ذئاب

…………فجاة تتوقف عن الغناء،بح صوتها،تنظر لنفسها في المرآة علها تتعرف على الفتاة التي كانت فتجد وجها لاتعرفه: بملامح قاسية وقلب بارد وروح منهكة وجسد مليئ بالكدمات و آثار جروح معارك

حاولت ان تندن فلم تسمع نفس الصوت،تنظر الي يديها فتجد مخالبا عوضت اظافرها،يغطي جسدها آثار معارك،ضرس مفقود من فمها لم يعد يسمح لها بفتح فمها كما كانت تفعل فوق الحجرة

لم تعرف كم لبث كل هذا الهذيان لقد مر الوقت سريعا

فجاة تتعرف على السيدة التي لازالت تبتسم نصف ابتسامة وقد نزلت كل دموع المقهورين العائدين من ساحات الوغى بمرارة الخسارة ووجع الفقد والغدر والاغتيال !

وتطلب منها ان تمكنها من حقيبتها الحمراء لتعود من حيث جاءت فتخبرها السيدة ان الحقيبة الحمراء ضاعت وانه لا سبيل للرجوع ويجب ان تكف الفتاة عن الهذيان وتعود الى درج من ادراج ذاكرة السيدة

فالسيدة مشغولة بتوضيب المنزل ولا وقت لديها لجنون فتاتها الصغيرة

بقلم خلود هداوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى