الأخبارالرئيسية

نور الأرض: عرض سماوي خافت يكشف أسراراً كبرى

 

 

الاحساء

زهير بن جمعه الغزال

أوضح ذلك المهندس ماجد ابو زاهرة
يعتبر فصل الربيع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وقتاً مثالياً لمحاولة رصد عرض ضوئي كوني رائع وهو نور الأرض الذي يمكن رؤيته بأفضل صورة خلال شهري أبريل ومايو قرب فترة المحاق.

يمكن رؤية هذه الظاهرة برصد هلال القمر الصغير بالقرب من الأفق إما بعد غروب الشمس بقليل أو قبل شروقها مباشرة. عندها يمكن روية أن الجزء المعتم من القمر مضاء بضوء خافت وكأنه شبح باهت لقمر مكتمل. هذا النور الخافت هو نور الأرض وهو عبارة عن ضوء الشمس المنعكس عن الأرض الذي يجعل الجانب الليلي للقمر مرئياً. كما سيحدث مساء اليوم 29 أبريل 2025.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك خطأ شائعاً في تسمية هذه الظاهرة باسم “توهج الأرضة أو “لمعان الأرض” وهو غير دقيق علمياً. فمصطلح “التوهج” يوحي بوجود مصدر ذاتي للضوء أو سطوع قوي وكذلك “اللمعان” يشير إلى إشعاع شديد أو انعكاس مكثف للضوء. أما في حالة نور الأرض فالظاهرة ناتجة عن انعكاس خافت لضوء الشمس عن سطح الأرض نحو القمر، مما يضيء الجانب الليلي منه باهت دون وجود ضوء أصلي ينبعث من الأرض نفسها. لذلك فإن “نور الأرض” هو التعبير الأدق علمياً والأكثر اتساقاً مع طبيعة هذه الظاهرة الفيزيائية الهادئة.

لفهم نور الأرض يجب أن نتخيل في أذهاننا نموذجا تخيليا للشمس والأرض والقمر. يدور القمر حول الأرض وتدور الأرض حول الشمس وجميع هذه الأجرام كروية الشكل. يحدث الاقتران عندما يقع القمر بين الشمس والأرض، حيث يكون نصفه مضاءً من الشمس، لكنه النصف البعيد عنا لذلك نرى الجانب الليلي فقط وعندما تصطف الشمس والأرض والقمر بشكل مثالي في خط واحد، يحدث كسوف شمسي إلا أن هذا لا يحدث كل شهر بسبب ميل مدار الأرض عن مدار القمر.

أما اكتمال القمر فيحدث عندما تقع الأرض بين الشمس والقمر، مما يسمح لنا برؤية الجانب المضئ بالكامل من القمر ومع تقدم القمر في مداره الشهري ابتداءً من الاقتران، يتغير موضعه تدريجياً بحيث يكون في زاوية أكثر ميلا بالنسبة للشمس والأرض ومع استمرار حركته نبدأ برؤية جزء أكبر من وجهه المضيء: يظهر أولًا كهلال ثم يزيد حتى يصبح نصف القمر مضاءً ثم ينتقل عبر مرحلة الأحدب المتزايد حتى يصل إلى البدر بعد أسبوعين تقريباً.

بعد ذلك، تتكرر العملية بشكل عكسي إلى أن يعود القمر إلى الاقتران.

لو تخيلنا أننا واقفون على سطح القمر في وقت الاقتران ، سنكون على الجانب الليلي للقمر حيث الشمس غير مرئية. ولكن في المقابل، سنرى الأرض مضاءة بالكامل بواسطة الشمس. في هذه الحالة الأرض تكون في الطور المعاكس تماماً للقمر وإذا بقينا في مكاننا على سطح القمر لمدة أسبوعين، سنلاحظ قدوم النهار تدريجياً عبر سطح القمر.

وبما أن القمر مرتبط جاذبياً بالأرض بحيث يواجهها بنفس الوجه دائماً، فإننا من نفس الموقع سنرى القمر ينتقل عبر أطواره من المحاق إلى البدر. بينما تمر الأرض بالمراحل العكسية من البدر إلى المحاق.

أثناء وجود القمر في طور الهلال تكون الأرض مضاءة تقريباً بالكامل (طور الأحدب الأرضي) وتبدو ساطعة جدًا، حيث تعكس نحو 30% من ضوء الشمس الساقط عليها كما يضيء القمر الكامل الليل على الأرض يضيء نور الأرض الليالي القمرية وهذا الضوء الخافت الذي نراه هو نور الأرض.

تختلف شدة نور الأرض حسب كمية الضوء الذي تعكسه الأرض والتي تتغير بتغير الفصول. بسبب وجود معظم اليابسة في النصف الشمالي للكرة الأرضية ينعكس أكبر قدر من الضوء خلال ربيع هذا النصف من الأرض. خلال هذا الفصل يكون نصف الكرة الشمالي مائلا نحو الشمسفي حين تبقى آثار الثلوج والجليد من الشتاء وهي أسطح تعكس الضوء بشكل أكبر من المياه أو الغطاء النباتي.

ورغم أن الشتاء يشهد غطاءً ثلجياً واسعاً، إلا أن الأرض تكون مائلة بعيداً عن الشمس مما يقلل من كمية الضوء المنعكس لذلك يكون ربيع النصف الشمالي هو الفترة المثالية التي تعكس فيها الأرض أكبر كمية من الضوء مما يجعل نور الأرض أكثر وضوحا لذلك شاهده الليله ولبضعة ليالي مقبله.

لنور الأرض أهمية تتجاوز كونه ظاهرة جميله فعلى سبيل المثال يحدث ما يعرف بظاهرة نور الكواكب عبر النظام الشمسي كله. فقد استخدمت مركبة كاسيني الضوء المنعكس عن كوكب زحل لالتقاط صور لبعض أقماره كما تمكنت مركبة نيو هورايزنز من دراسة تغيرات السطوع على الجانب الليلي من بلوتو بفضل الضوء المنعكس عن قمره الكبير شارون.

في عام 2021 استند الباحثون إلى عشرين عاماً من قياسات نور الأرض وبيانات الأقمار الصناعية ليكتشفوا أن الأرض تصبح أقل سطوعاً مع مرور الوقت والسبب الظاهر هو التغير المناخي.

بين عامي 1998 و2017، انخفض “بياض الأرض” وهو مقياس لمدى عكسها للضوء، بمقدار 0.5%، وكانت معظم هذه الخسارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من تلك الفترة وقد استبعد الباحثون تأثير التغيرات الدورية في سطوع الشمس، مما أثبت أن التغير مرتبط فعلياً بتغيرات أرضية.

وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية أن السحب البيضاء المنخفضة اللامعة فوق المحيط الهادئ الشرقي بدأت بالتناقص بينما ارتفعت درجات حرارة سطح البحر وهذا الانخفاض في السحب العاكسة للضوء يجعل الأرض تمتص كمية أكبر من حرارة الشمس مما يؤدي إلى رفع حرارة الكوكب ويؤدي بدوره إلى تناقص أكبر في الغطاء السحابي ما يغذي الاحترار العالمي.

ورغم ذلك لا ينبغي أن نفقد الأمل إذ لا تزال العلاقة بين حرارة مناخ الأرض وتكون السحب غير مفهومة بالكامل. فقد يؤدي ارتفاع الحرارة في ظل ظروف معينة إلى زيادة الغطاء السحابي، مما قد يعكس المزيد من أشعة الشمس ويؤدي إلى تبريد الكوكب مجددا. لهذا السبب هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الأبحاث.

حقيقية من الرائع أن كل هذا الفهم لحالة الأرض جاء من مراقبة نور الأرض وهو يضيء الليالي القمرية المظلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى