مقالات
نماذج من المتكبرين: ادعاء الألوهية

بقلم: ناصر السلاموني
ادعاء الألوهية هو أخطر صور الكبر والغرور، وقد قصّ الله علينا في كتابه نماذج من طغاة البشر الذين تحدّوا ربهم، فكان عاقبتهم الهلاك والخزي في الدنيا والآخرة. ونقتصر هنا على نموذجين هما النمرود وفرعون.
النمرود جادل خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فلما أخبره إبراهيم أن الله يحيي ويميت، أجاب في غرور: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾، لكنه عجز عندما تحدّاه بقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾، فبهت الذي كفر، وعجز عن الرد. ولم يكتف النمرود بجداله، بل حرّض قومه على نصرة آلهتهم، مع أنهم كانوا في قلوبهم يعلمون بطلانها، فبنوا له بنياناً عظيماً وجمعوا الحطب حتى صار كافياً لإحراق قرية كاملة، ثم ألقوا إبراهيم في النار بالمنجنيق. لكن الله جل وعلا قال كلمته: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾، فخرج منها سليماً مطمئناً. وكانت نهاية النمرود على يد أضعف مخلوقات الله، إذ دخلت في رأسه ذبابة فما كان يستريح إلا بالضرب على رأسه حتى هلك.
أما فرعون فقد بلغ به الطغيان أن قال لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾، وقال أيضاً: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾. ولم يكتف بادعاء الربوبية، بل سخر من نبي الله موسى عليه السلام، فوصفه بالمهانة والعيّ قائلاً: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾. ولما دعا موسى قومه إلى الله، حرّضهم فرعون قائلاً: ﴿إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾.
وتجلّت المواجهة في يوم الزينة، حين اجتمع أمهر السحرة بأمر فرعون لمقارعة موسى وهارون عليهما السلام. فسحروا أعين الناس وأرهبوهم، لكن موسى ألقى عصاه فإذا بها تلقف ما صنعوا، فكانت آية بيّنة أن ما جاء به ليس سحراً بل قدرة إلهية. عندها أدرك السحرة الحقيقة، فخروا سجداً وآمنوا برب موسى وهارون، متحدّين بطش فرعون، قائلين له بكل ثبات: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.
أما النهاية فكانت كما أخبر الله. فحين طارد فرعون موسى وقومه حتى البحر، قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾. فردّ موسى بثقة المؤمن: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. فضرب البحر بعصاه، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فنجا موسى وقومه، وأغرق الله فرعون وجنوده. وحين أدركه الغرق قال: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾، فجاءه الرد الإلهي: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. وقال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾.
وهكذا انتهى كل طاغية متكبّر، ليبقى درساً للبشرية: أن من نازع الله في كبريائه قصمه الله، ومن ادعى ما ليس له أهلكه الله. فما أشبه اليوم بالأمس، وما أكثر الطغاة الذين يفرضون على الناس طاعتهم ويظنون أنهم يملكون مصائر العباد، متناسين أنهم ضعفاء مخلوقون من تراب، مصيرهم حفرة ضيقة، وجثة هامدة ينهشها الدود.
فلنعتبر بنهاية النمرود وفرعون، ولنحذر أن نسلك طريقهم في الكبر والغرور. قال رسول الله ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ».