مقالات

من قانون القوة إلى قوة القانون

بقلم .. أ. حمزة الأخضر .. عضو هيئة قضائية

منذ أن اهتدت أفكارنا إلى النضج ، وفي عقولنا قاعدة صلبة تؤكد أن المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية .. لها كلمة الفصل دائما .. مما يضفي عليها احتراما كبيرا وإجلالا عظيما ..

–صدر قانون إعادة تنظيم المحكمة العليا رقم 6 لسنة 1982 وحدد في المادة الخامسة عدة شروط لعضوية المحكمة العليا آخر الشروط هي أن لا تقل درجة من يعين بالمحكمة العليا عن درجة مستشار بمحكمة الاستئناف ..بمعنى أن التعيين في المحكمة العليا مقتصر على مستشاري محاكم الاستئناف فقط دون غيرهم من الهيئات القضائية الأخرى ولو كانوا من نفس الدرجة لعدم ورود عبارة أو مايعادلها .. –

– وهناك شروط أخرى كالاهلية والجنسية الليبية وعدم الزواج بغير العربية وأن لايقل عمره عن 35 سنة وأن يكون متحصلا على مؤهل عالي في الشريعة أو القانون والا يكون قد حكم عليه بعقوبة مخلة بالشرف مالم يرد إليه اعتباره وان يكون محمود السيرة والسلوك .. –كما أن من يتم تعيينه بالمحكمة العليا يحلف يمينا قانونيا عظيما أمام جمعيتها العمومية وهو مانصت عليه المادة الثامنة ( أقسم بالله العظيم أن أحترم القانون .. وأن أحكم بالعدل .. وأن أؤدي أعمالي بالذمة والصدق)ولكن عام 2015 تم تعديل الجهة التي يحلف أمامها رئيس المحكمة العليا من الجمعية العمومية إلى السلطة التشريعية

–هنا ملاحظة مهمة جدا وهي أن المشرع قدم الحل عند غياب رئيس المحكمة العليا أو قيام مانع لديه ..حيث نصت المادة التاسعة على أنه ( في حال غياب رئيس المحكمة العليا أو قيام مانع به يحل محله أقدم المستشارين ) مما يعني وبشكل تلقائي أن رئيس المحكمة العليا هو أقدم مستشاريها درجة في حال خلو منصب رئيسها ..–أيضا ..للمحكمة العيا اختصاصات متعددة فهي محكمة نقض تراقب صحة تطبيق القانون في جميع الدعاوى الجنائية والمدنية والادارية والاحوال الشخصية .. و تنظر الطعون الدستورية إذ لدوائرها مجتمعة كامل اختصاص المحاكم الدستورية ..وهي مختصة بالحكم في قضايا تنازع الاختصاص .. والعدول عن مبادئ قد أقرتها سابقا .. وهي من يمنح الإذن بالتحقيق مع رجال القضاء .. الخ ..-

– طالما أن لهذه المحكمة العليا الموقرة كل هذه الاختصاصات العظيمة فحقا علينا أن نحترمها ونقدرها لا سيما وأن مبادئها ملزمة لجميع المحاكم والجهات العامة والخاصة أي مبادئها بمثابة قانون مالم تتعارض .–لكن الحقيقة والواقع يؤكدان وجود بعض الملاحظات التي تحتاج إلى نظر حتى تعود لمحكمتنا العليا الموقرة تلك الهيبة التي كانت وذلك الاحترام المشرف الذي نتمناه ..–1. لعل أول هذه الملاحظات كثرة الأحكام المتناقضة وفقا لقناعة كل هيئة وهذا إن كان جائز في الأصل وفقا لحرية القاضي في تكوين قناعته فإنه يتعارض مع حكم القانون فيما يتعلق بإلزامية المبادئ التي تصدرها .. وبالتالي حبذا تعديل نص الإلزام ، أو إزالة أي تعارض بين مبادئها ..

–2. ثاني هذه الملاحظات عدم التزام السلطة التشريعية بنصوص القانون وقيامها بالتعديل حسب أهوائها سواء من حيث تعديل طريقة حلف اليمين مرورا بتعيين من لم يكن أقدم درجة حسب العرف القضائي وعدم احترام الأقدمية ونصوص القانون التي توجب تعيين أقدم المستشارين رئيسا للمحكمة العليا في حالة خلو منصب رئيس المحكمة العليا حتى لا يفتح المجال أمام الجهة التشريعية لتعيين رئيس بشكل انتقائي ..وكذلك عدم احترام الجهة التشريعية للنص الذي يؤكد أن التعيين في المحكمة العليا يكون لمن بلغ درجة مستشار بمحكمة الاستئناف دون أن ينص على عبارة أو ما يعادلها .. مما يعني عدم قانونية تعيين من بلغ ما يعادل درجة مستشار في النيابة العامة أو أي هيئة قضائية أخرى

–3. ثالث هذه الملاحظات تعطيل الدائرة الدستورية كل هذه السنوات مما قد يسبب في إنكار العدالة .. فعلى الرغم من الجدل الحاصل بين مؤيد لتعطيلها ورافض لها تبقى الدائرة الدستورية ضامنة لعدم تكرار الأخطاء التشريعية وتوقف الانتهاكات القانونية .. وإذا رأت أن الفصل في دعوى دستورية معينة يؤثر سلبا على حال البلاد ..فبإمكانها تأجيل النظر فيها دون غيرها من الطعون حتى لا تسمح بفتح المجال أمام البعض لانتهاك القانون واختراقه ..

–4. رابع الملاحظات .. النأي بالمحكمة العليا عن التدخل في أي شأن سياسي مهما حصل والتزامها بالقانون والحكم بناء عليه .. وعدم استجابتها لأية دعوى للتدخل في الشأن السياسي .

–5. خامس الملاحظات .. إذا حصلت أية ضغوطات على مستشاري المحكمة العليا فالقانون أعطى لها خيار عقد جلساتها في مدينة أخرى .. فإن كانت مدينة معينة خطرا على المحكمة العليا في إصدار أحكامها فهناك مدن أخرى متعددة مناخا ملائما لإصدار أي حكم مهما كانت آثاره ..

أعتقد أن هذه الملاحظات مهمة جدا .. ودور محكمتنا العليا الموقرة مهم جدا في هذه المرحلة وخاصة أنها تعقد جلسات دوائرها مجتمعة وتعدل عن بعض المبادئ فالأهم من هذا الآن هو تفعيل دائرتها الدستورية والفصل في الطعون التي تستوجب الفصل وتأجيل ما يلزم من تأجيل …فالإسهال التشريعي واللعب السياسي بالتشريع لا يوجد من يوقفهما الآن إلا المحكمة العليا …

— على كل حال .. لازالت ثقتنا في قضائنا وقضاتنا كبيرة ومستمرة .. ولازال العشم في محكمتنا العليا كبيرا لتكون نبراسا للعدالة وتزيل كل ما يخالف القانون ..تصدع بالحق في زمن الهرج السياسي والمرج الأمني ..

ــ ـنعم لاستقلال القضاء .. نعم للانتقال من قانون القوة إلى قوة القانون واحترامه ..وتطبيقه على الجميع .. ونبدأ بأنفسنا ..بقلم ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى