أخبار العالم العربي

من على متن سفينة دير ياسين أسطول الصمود المغاربي، لكسر الحصار عن غزة

من على متن سفينة دير ياسين، أكتب وكأنني أكتب وصيتي للعالم، أو اعترافي الأخير لضميري. لم أتخيّل يوماً أن أكون شاهدةً على لحظة تُشبه مفترق الطرق بين الحياة والموت، بين الفردي والكوني، بين أن أبقى ابنةً تبحث عن حضن أمها، أو أن أتحوّل إلى شاهدٍ على عصرٍ تُقاس فيه إنسانيتنا بقدرتنا على الصمود…
– ثلاثة وداعات أو أكثر في الميناء، كانت أمي تقف فيها كجدارٍ من قلق ودموع، تحاول أن تبدو ثابتة أمامي، بينما عيناها كانتا تفضحان خوفاً بحجم البحر. كنتُ أرى دموعها تسقط ثم تُمحى سريعاً كي لا أضعف، وكنتُ أعاندها بالرحيل وكأنني أعاند قدري، بينما الحقيقة أنني أستمدّ من تلك الدمعة كل ما تبقّى من شجاعة داخلي. أمي كانت تعرف أن الرحيل يعني احتمال ألا نلتقي ثانية، وأنا كنتُ أعرف أن غياب حضنها هو أول شكلٍ من أشكال الموت. ومع ذلك، اخترت المضي، لأن هناك موتاً أسمى من موت الفراش، موتاً يُعطي للوجود معنى.
– أشتاق لعائلتي حتى النخاع. لم أُعطِهم من الحب ما يكفي ليكفي غياباً كهذا. لم أُقبّل جبين أمي مراتٍ كافية، ولم أُخبر أبي أنني أراه مرسى أملي وملاذ أيامي، ولم أقل لإخوتي إنني أعشقهم بما يكفي لأن أُضحّي بكل ما أملك. ومع ذلك، أجد في هذا النقص قَدَراً عادلاً: كأن الله أبقى شيئاً ناقصاً كي أستمرّ بالحنين، فالحنين هو الوقود الذي يجعلنا نواصل السير في دروبٍ لا يُستعاد فيها المسار.
– قد أموت في هذه الرحلة، والفكرة لا ترعبني بقدر ما تُربكني. أن أموت هنا يعني أنني لم أكن رقماً زائداً في حياةٍ خاوية، بل كنتُ محاولةً صغيرة لإنقاذ ما تبقى من الضمير الإنساني. أن أُدفن في عرض البحر أو في سجون الاحتلال أهون من أن أُدفن حيّةً في روتين العالم البارد. إن الموت هنا ليس فناءً، بل اكتمال. لأن الطريق إلى غزة يشبه الطريق إلى الجنة: مسرحٌ للمعنى، حيث تتلاقى الوحدة مع الخلود، وتتقاطع الإرادة مع القدر، ويُصقل الإنسان في صقل الألم والحلم معاً.
من يهاب السقوط لن يعرف طعم الطيران، ومن يخاف الموت لن يعرف معنى الحياة.
فلسطين هي البوصلة، وغزة درب العزة.
أسطول الصمود المغاربي، لكسر الحصار عن غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى