أخبار العالم العربي

 من القداسة إلى بيت المقدس: قدسية في الأرض والسماء

 

تُعدّ مدينة القدس أكثر من مجرد موقع جغرافي؛ فهي حاضنة التاريخ والنبوة، ومركز روحي تتقاطع فيه رسالات السماء. منذ أن اختارها الله موضعًا لتجلياته ومسرحًا للأنبياء، باتت القدس تمثل قدسية عميقة تربط الأرض بالسماء، وتجمع بين البُعد الديني والبعد الإنساني في أسمى تجلياتهما.

في العقيدة الإسلامية، لا يُذكر المسجد الأقصى إلا ويقترن بالإسراء والمعراج، الرحلة العجيبة التي انطلقت من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس، ومنها عُرج بالنبي محمد ﷺ إلى السماوات العلى. لم تكن الرحلة حدثًا فرديًا، بل إعلانًا رمزيًا عن قدسية المكان، وارتباطه بالوحي، وكونه جسراً بين الإنسان والملأ الأعلى.

لكن قدسية القدس لم تنحصر في الإسلام فقط؛ فهي مدينة السلام عند المسيحيين، وقبلة التراث لدى اليهود. هذا التعدد لم يكن في تاريخه تهديدًا، بل دليلًا على أن المدينة وُجدت لتكون مهدًا للتلاقي لا للتنازع، وللإشعاع لا للإقصاء.

غير أن هذه القداسة، التي من المفترض أن توحّد، صارت مع الزمن هدفًا لصراعات سياسية وأيديولوجية، شوهت وجه المدينة، وأثقلت روحها بجراح لا تليق بعراقتها. الاحتلال، التهجير، المحاولات المتكررة لطمس الهوية، والتهويد الممنهج… كلها تشكّل اعتداءً على رمز عالمي لا يخص دينًا دون آخر، ولا أمة دون سواها.
وفي كل مرة تهتزّ فيها القدس تحت وطأة القهر، ينبض فيها الوعي من جديد، ويعلو الصوت أن “القدس ليست وحدها”. فصمودها لم يكن فقط بالسلاح، بل بالكلمة، والفن، والتعليم، والتراث، والثقافة. القدس اليوم، برغم كل ما تعانيه، لا تزال تحرّك الضمير العالمي، وتطرح أسئلة كبرى عن العدالة، والسلام، والحق.

من قداسة البدايات إلى رمزية الحاضر، ومن محنة السياسة إلى مجد الرسالة، تبقى القدس في القلب، لا كمجرد مدينة، بل كعنوان للمعنى، وللإنسان في أسمى تجلياته الروحية والوجودية. إنها قدس في الأرض، لأنها ارتبطت بالسماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى