مناقشة كتاب “التثقيف زمن التأفيف” في معرض أبوظبي الدولي للكتاب

محمد قناوي
في إطار فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وبمناسبة إصدار الطبعة الثانية من كتاب “التثقيف زمن التأفيف” للكاتبة الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان أول سفيرة للثقافة العربية لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو”، نظمت دار ديوان للنشر جلسة نقاشية بعنوان “الثقافة البصرية وتأثيرها في تشكيل الوعي”، شارك فيها الفنان البصري ومصمم الجرافيك كريم آدم مصمم غلاف الكتاب، وأدار الحوار أحمد القرملاوي مدير ديوان للنشر، وذلك بحضور الكاتبة والشاعرة الشيخة ميسون صقر القاسمي، والدكتورة كلثم الماجد جامعة زايد،والكاتبة والروائية ريم بسيوني، والفنان أحمد عاطف مجاهد ، والكاتب شريف عرفة، والناشرمحمد شوقي مؤسس عصير الكتب، مصطفى خضر مؤسس Povo Studios، وعدد من الإعلاميين والمثقفين.
يتناول الكتاب العديد من الموضوعات والأفكار حول الثقافة والمجتمع والفنون العربية والعالمية، وينهل من مصادر معرفية متنوعة، مسلطاً الضوء على الكثير من الأمثلة والاقتباسات من التراث العربي، بغية تقديم أمثلة عن “التأفف”، وهو المصطلح الذي تستخدمه المؤلفة للتعبير عن حالة الحيرة النفسية والتعجب التي يعيشها المجتمع العربي المعاصر.
كما يعزِّز الكتاب من أهمية التأمل والخيال لسد الفجوة بين العلم والمعتقد، مقترحاً مفهوماً جديداً هو “التأفف المبدع” كمساحة للتفكير والحوار.
يحفز الكتابُ القارئَ على التأمل في تأثير المفاهيم على حياته اليومية، كما يسلط الضوء على التوترات النفسية والاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة للتغيرات الثقافية.
تناولت الجلسة العديد من القضايا و المحاور أهمها: تأثير اللغة البصرية والسرد البصري على الثقافة المعاصرة حيث أصبحت اللغة البصرية أداةً رئيسية لتناقل الأفكار، وتشكيل الهويات، والتأثير في الرأي العام، والوعي بتأثير اللغة البصرية، وكيفية استخدام الصورة في تشكيل ذائقتنا وتفضيلاتنا، وعواطفنا وآرائنا، ومواقفنا الاجتماعية، و كيفية عمل الصورة وتحولها من مجرد وسيلة تعبير إلى قوة تغيير.
وتخللت الجلسة تقديم قراءة لفقرات من فصول كتاب التثقيف زمن التأفيف، من الفصل السابع: “البحث في دولاب النوستالجيا”، والفصل الثامن: “الجمال أم الفائدة؟” لاستعراض كيفية تأثيرالصورة في الوعي الجمعي، وظاهرة “الميمز” التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتعامل معها المؤلفة كمادة ثقافية ثرية أثرت في التعاملات ويتم تداولها بشكل متزايد، ودور الفنان صانع المحتوى البصري في الحد من التأثيرات السلبية وتزكية الإيجابي، وقدرة السرد البصري على لفت الانتباه والتأثير في الجمهور، والعناصر المؤثرة في السرد البصري (الأصالة؟ الجِدَّة؟ أم النوستالجيا؟).
وتطرقت الجلسة إلى الحديث عن تأثير المنصات مثل إنستجرام، وتيك توك، ويوتيوب في فهم السرد البصري و القدرة على التركيز و التفاعل العاطفي، واعتباراللغة البصرية وسيلة تواصل عالمية (الميمز، والإيموجي)، وقدرة السرد البصري على بناء التعاطف وتغيير وجهات النظر،و كيفية التوازن بين إنتاج محتوى بصري جذّاب وبين تقديم قصص تحمل عمقًا حقيقيًا وأهمية اجتماعية.
وبسؤاله عن كيفية اختياره لتصميم غلاف كتاب التثقيف زمن التأفيف بشكل متوافق مع الموضوع وبأسلوب معبروذكي، قال آدم: عندما قرأت الكتاب وجدت فيه الخلطة السحرية التي احبها حيث يوجد فيه جزء كبيرنوستالجيا، وجزء اخر يتحدث عن أشياء ملموسة ومحسوسة بشكل كبير، وفي نفس الوقت يوجد جزء ساخر وطريف بأسلوب جذاب، وكان التحدي ليس سهلا، فاخترت أولاً أن تكون الألوان ملفته ومتنوعة نظرا لتنوع المواضيع، وكذلك فكرة الألوان المتناغمة بشكل كبير ولكنها تعتبر تجريدية، وكانت الفكرة الثانية النوستالجيا وهي عامل أساسي حيث تناول الكتاب أفلام ومشاهد معينة لها معاني، وكان لابد أن اظهر هذه المشاهد في الغلاف، والجزء الثالث الذي كان يتحدث عن التاريخ والذي عبرت عنه ببعض التماثيل والمباني القديمة،وخلق المزج بين التاريخ العريق والحداثة نوعا من التفاعل والعمق في الغلاف ، والحمدلله خرج تصميم الغلاف يشبه الكتاب.
كما تحدث كريم آدم عن كيفية تكامل الصورة والكلمة في توصيل الرسالة وعكس الأفكار والتعبير عن النصوص الأدبية، وقال:الصورة تسبق الكلمة في التأثيرولذلك وأنا اصمم الغلاف أعتبر نفسي قارئا قبل أن أكون مصمم ابحث داخل النص عن فكرة أو إحساس اعبر عنه بصريا للوصول إلى تصميم يعبر عن جوهر العمل قبل أن يجذب العين.
وأوضح أن التكامل الحقيقي ليس توازنا شكليا لكنه شراكه روحية بين الكلمة والصورة كل واحد منهم بيغني عن الاخر ويخلقتجربة ثقافية أعمق وأصدق.
وعن تجربته في صناعة السينما والدراما فيما يتعلق بالصورة Visual Storyteller، وكيف تكون الصورة أداة للحكي وكيف يقدم بوستر يعكس عن الموضوع، قال: الحكي بالصورة من أقدم أشكال التعبير الإنساني، من جدران الكهوف إلى السينما والتصميم المعاصر، واتعامل مع كل بوستر كأنه مشهد أول في الرواية لخلق واثارة الفضول والخيال، واحرص على استخدام الطبقات البصرية والرموز والألوان لأصل إلى إحساس القصة بدون شرح مباشر، كما أن هوية العمل تعتبر عاملا أساسيا فلابد أن تعبر الصورة بصدق عن روح القصة، وأن البوستر الناجح هو الذي يعيش مع المشاهد بعد ما يغلق عينه عن الصورة.
وعن كيفية توظيف مصمم الجرافيك أدواته في صناعة المعلومة والمعرفة والخبرالصحفي، ودورالصورة في تشكيل الثقافة والمعرفة، قال: أنا مؤمن بأن مصمم الجرافيك صانع للمعلومة ومهندس للمعرفة، حيث يتم من خلال التكوين البصري واختيار الألوان والانفجرافيك إعادة صياغة الأخبار لتكون مفهومة ومؤثرة وسط زحمة المحتوى.
وأضاف: أن الصورة الآن أحيانا تكون هي الخبر نفسه حيث تكون قادرة على تغير وعي بدون كلمة واحدة، ووسط هذا العالم سريع الإيقاع أصبحت الصورة أداة لتشكيل الثقافة والذاكرة الجمعية، ولذلك مسؤوليتنا ليست فقط تقديم صورة جميلة فقط ولكن صورة صادقة وعميقة تحترم عقل المتلقي، والصورة اليوم ليست مجرد جذب بصري ولكنها وسيلة فهم وتغير.
وفي الختام أكد المشاركون على أهمية الوعي بتأثير السرد البصري والذي يعد أداة تواصل، ووسيلة تأثير وتحفيز، ومرآة تعكس الهوية وتحفِّز التغيير. وخاصة في ظل عالم سريع الإيقاع، حيث تتدفق الصور بشكل لحظي، مما يستوجب إعادة التفكير في العلاقة بالصورة: كيفية قراءتها وكيفية تصنيعها وكيفية منحها المعنى الذي يليق بتأثيرها.