مراد غطاس ” منح المنشآت المنتصبة بالجنوب التونسي حق يراد به باطل وعلى الدولة تفعيل دور هياكلها الرقابية “

تتسارع الاحداث في تطاوين تزامنا مع ارتفاع نسق التصعيد لايجاد حلول تنموية في الجهة في اطار ما يعرف باتفاق الكامور حيث مازال المحتجون يطالبون الى اليوم ورغم مرور ثلاث سنوات بتنفيذ كامل بنود الاتفاق . لكن وبعيدا عن التزامات الدولة التنموية تزخر الجهة و الحنوب التونسي عموما بكفاءات خارج حدود الوطن كثر السؤال عن دورهم في دفع التنمية في الجهة التي مازالت ارضا بكرا للاستثمار. للبحث في هدا الموضوع و للحديث عن دور كفاءاتنا بالمهجر في النهوض بالتنمية في الجنوب الشرقي عموما وللاستقصاء توجهنا الى السيد مراد الغطاس رجل أعمال ومستثمر صناعي
بلغ إلى علمنا ان رجال الاعمال المهاجرين يواجهون صعوبات أثناء بعث مشاريعهم في تونس رغم حاجة تونس كفاءتها لتجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية فماهي أسباب ذالك؟
الاجابة مرتبطة أولا بسياق اجتماعي تاريخي حيث لم يتم التداول على الاستثمار الصناعي خاصة في الجنوب و بقي حكرا على بعض العائلات التي حافظت على الاستثمار في هذا المجال دون ان يتوسع ليشمل اسماء جديدة اخرى وهو ما أعتبره تقصيرا من ابناء الجهة , ثانيا المستثمر يطالب الدولة بتهيئة المناخ للاستثمار و لابد هنا من مد يد العون للمستثمر لكن التجارب الاستثمارية الفاشلة في جهة الجنوب عموما سبب رئيسي وراء نقص نوايا الاستثمار في الجهة و عدد المستثمرين في تراجع يوما بعد يوم في ظل غياب نموذج ناجح للبناء عليه فعديد الشركات تعاني صعوبات مما يجعلها نموذجا للفشل لا يحتذى به للباعثين الشبان خاصة .
ماهي أسباب الفشل حسب رايكم ؟
غياب الدولة بشكل عام , فهي غائبة عن تنفيذ البرامج و تشجيع الباعثين , فعلى مستوى جهوي مثلا فكرة المخاطرة أو المجازفة غير موجودة عند المسؤول وخوف كبير يكبله في اتخاذ القرارات و الاجراءات و هو عامل يعيق الاستثمار و المستثمر . كما ان القروض و التسهيلات لفائدة الباعثين و ايضا المنتصبين سابقا تمنح باعتبار الانتماءات و الولاءات الحزبية او المصالح و غيرها. مؤسسات تغرق في الديون لا يمكن ان تكون مثالا محفزا لباقي المسثمرين لخوض مغامرة الاستثمار الصناعي
من ناحية أخرى , رغم أن القوانين و التشريعات تحث الدولة على منح نصيب من مساهمات المنشآت الكبرى المنتصبة في الجنوب عموما )مجمع كيمائي , شركات بترول , غاز… ( لفائدة الاستثمارات الصناعية الاخرى الا ان ذلك لا يطبق و الدولة لا تفعل دور هياكلها الرقابية و غياب منطق المحاسبة في تقسيم و منح هذه المساهمات التي تظبطها اتفاقيات, فمثلا الهيئة العليا للرقابة المالية و الادارية لا نرى اثرا لعملها في الجهات او تواجدا لها بشكل هام في الجهة . لضمان استمرارية المؤسسة في الجهة لابد من نيل المؤسسات لنصيبها من هذه الاتفاقيات عبر ما تؤمنه من منح , نصيب لا نعلم اليوم إن كان يقدم من هذه المؤسسات فعلا بالشكل المطلوب أم أن التصرف فيه من قبل الجهات الرسمية للدولة يتم بطرق غير قانونية ويمنح لجهات على غير وجه حق و هنا نؤكد مرة أخرى على تفعيل دور الرقابة للدولة و ضرورة ارساء مبدأ الشفافية في إدارة هذه الاتفاقيات و كيفية تطبيقها في مرحلة لاحقة في توزيع و منح المساهمات
لابد من تفعيل الدور الرقابي لارساء نسيج استثماري صناعي تنموي جديد يقوم على القضاء على طرق عمل المنظومة السابقة ليتم البناء على اسس صحيحة و ثابتة .و بهذا فقط تستطيع بناء منوال تنموي جديد على أسس صلبة يشجع على المبادرة الخاصة و يوفر مزيدا من موارد الشغل و يبعث حركية اقتصادية عموما.
من جانب اخر و في علاقة بالمنشآت ايضا ,لا يتم تمكين ابناء الجهة من الصناعيين من الصفقات و طلبات العروض التي تقدمها المنشآت الكبرى في الجهة و ترحل هذه العروض لجهات أخرى دون توضيح الأسباب في غياب تام للشفافية في هذا الاطار . فعديد المواد التي تحتاجها المنشآت المذكورة تصنع في الجهة في مؤسسات صناعية على ملك ابناء الجهة و تلبي حاجيات المنشآت و المؤسسات الكبرى المنتصبة بالجنوب التونسي من خلال ما تقدمه من طلبات عروض لكن يقع جلبها من خارج المنطقة دون أن يكون للمستثمر المحلي في نفس الرقعة الجغرافية نصيب من هذه الاسواق أو أن يتمكن من ترويج منتوجه لفائدة هذه المؤسسات.
- هل تشكك اذا في طريقة منح هذه العروض و المنح ؟ بأن تكون هناك معاملات خاصة إذا في منحها للمستفيدين منها حاليا؟
طبعا و بالفعل هذه هي الحقيقة و نحن نطالب بتتبع هذه الظاهرة نظرا لعديد نقاط الاستفهام التي تحوم حولها .
_ عرضتم واقع القطاع و الصعوبات التي تحول دون تشجيع ابناء الجهة على المبادرة بالانتصاب في الجنوب التونسي . و انتم الادرى بقطاعكم و المباشرين له هل يقع تشريك الكفاءات التونسية بالخارج و رجال الاعمال في البحث في عراقيل التنمية و صياغة القرارات للنهوض بالاستثمار في تونس عبر قناة جدية للحوار ؟
بداية لنتحدث على مستوى جهوي في مثال مبسط لواقع تونسي اشمل و من خلال تجاربنا في الجهة ، المسؤولون الجهويون يقصون ابناء الجهة من الحضور في الندوات و المجالس و النقاشات المخصصة لتناول الشأن التنموي و اخرها كمثال اقدمه في هذا الاطار ندوة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التي عقدت في ولاية قابس و التعلات واهية دوما عند كل طلب منا للاستفسار عن عدم تشريكنا في هذه النقاشات . في الوقت الذي لابد من تشريك الجميع في هذه المبادرات لتقديم افكار و بحث حلول يتم صياغتها بشكل جماعي ، نجد اقصاء لجهات و حضورا لجهات أخرى حسب مقاييس الانتماءات لهياكل نقابية أو سياسية و غيرها … وهنا يقع التلاعب بمصالح الجهة التنموية مقابل مصالح ضيقة للأشخاص.
هل طرحتهم جملة هذه الاشكاليات الاتصالية و غيرها عند زيارة رئيس الجمهورية لفرنسا و لقائه بالجالية التونسية هناك و قد كنتم من بين الحضور ؟
الزيارة حقيقة لم تكن مخصصة للجالية لكن نشكره على المبادرة بلقائنا و الإستماع لمشاغلنا ونحن الآن في إنتظار لقاءات ضمن جلسات ستعقد لاحقا بإشراف الجهات المسؤولة كنا وُعدنا بها في هذا الاطار و خلال هذه الزيارة رغم اننا نتساءل حقيقة عن الجهات الفعلية التي ستشرف أو تشارك في تنظيم طاولة الحوار هذه لكي لا تتكرر تجارب الماضي .أما عن اللقاءات السابقة فحبر على ورق و الوضع في تأزم بسبب الحسابات الضيقة كما ذكرت سلفا . لان حماية الدولة من الازمات الاقتصادية عموما هي بتجند كل الأطراف من مختلف المواقع لبحث الازمة و تقديم تصورات و حلول بعيدا عن البروتوكولات و الظهور الاعلامي لغايات أخرى. ولنا في التجارب المقارنة في هذا الاطار امثلة واضحة .
أشدد هنا على ضرورة استدعاء الصناعيين انفسهم و الاستماع اليهم بعيدا عن الاقتصار على الهياكل المهنية التي تمثل عينة فقط من شركاء في التنمية و لا تمثل كل الجهات المتدخلة في العملية ككل على غرار اتحاد الصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية أو ممثلي الشغالين و غيرهم ، فهذا لا يقدم رؤية حقيقية للواقع بمختلف جوانبه بل من زوايا محددة ضمن رؤية هذه الهياكل فقط مما يفوت الفرصة على المستثمرين الصناعيين خاصة لطرح الاشكاليات خلال النقاشات و الاستفسار حول مجمل الصعوبات او الاخلالات و الظفر بأجوبة مقنعة وواقعية بخصوصها .
نحن كمؤسسات نلاحظ جميع هذه الإخلالات دون التمكن من القضاء عليها أو إيجاد هياكل لفتح نقاش جدي معها لتفادي هذه الظواهر المتفشية اليوم في القطاع.
هناك هياكل أخرى ناشطة كالجمعيات و الهيئات التي تعتبر صوت المواطن كما تدافع عن قضايا اجتماعية و حقوقية و تنموية . كيف ترى دورها اليوم ؟
غياب دور فعّال لهياكل المجتمع المدني و المنظمات و الرابطات والهيئات الممثلة لقاطاعات عرفت بتناولها مثل هذه القضايا كهيئة المحامين وغيرها . فدورها يبقى دون المأمول للدفاع عن مصالح الجهة و الدفع نحو القضاء على هذه الاخلالات .
من المعروف أن التنمية و الاستثمار غير مرتبط بالصناعة فقط أو المشاريع التجارية و غيرها بل تشمل الاجتماع و الثقافة و الفكر… و من بين اسباب اختياركم لاجراء هذا الحوار هو محاولة استثمارك في المجال الثقافي و المراهنة عليه في الجنوب الشرقي خاصة تزمانا مع الاحتجاجات الاجتماعية حيث قدمتم فكرة إنجاز فلم بعنوان مغري في شكله و معناه , ” البير و غطاه “ وهي فكرة مستوحاة من الكامور و الحراك عموما في علاقة بالثروات مقابل البطالة و الوضع الاجتماعي و الاقتصادي الهش في الجهة . كيف صيغت فكرة هذا الفيلم ؟

الفيلم كان فكرتي تحاورت فيها مع مجموعة من الاصدقاء العارفين في الميدان و تم تطويرها فيما بعد عن طريق المختصين . الفكرة تروي تاريخ حقول البترول في علاقة بالتطورات التاريخية التي شهدتها المنطقة الى غاية الاحتجاجات الاجتماعية هو توثيقي بالأساس لكن يصور ايضا القصة بوقائعها السلبية و الايجابية
لماذا لم يقع تنفيذ الفكرة منذ 2017 حتى الان ؟
اتصلنا بجميع الجهات الرسمية دون رد والثقافة شأنها شأن باقي الاستثمارات في الجهة و لديها نفس التحديات التي ذكرتها سابقا . للاسف الفن والاستثمار فيه بقي حكرا على بعض الجهات في حين تحرم جهات اخرى غنية بالمبدعين و الفنانين المغمورين .
المستثمر الصناعي ليس مرتبط فقط بالمصنع او المعمل و المشاريع متعددة في مختلف المجالات لكن الحديث عن الدعم و النهوض بالاستثمار بقي بنفس النهج منذ الاستقلال و بنفس السياسة التي تدعم اقطابا بعينها و مهملة لاخرى في داخل البلاد .
من الواجب على المستثمرين المساهمة في المجال الثقافي لكن للاسف هذا غير متاح . و الدعم جهويا ممنوح للجمعيات الرياضية فقط لكنه لا يمنح للاسف للمشاريع الثقافية
_ نواصل لنتحدث في مجال الدعم ، هناك تصريحات متواصلة بخصوص تصنيفات للمناطق الداخلية كمناطق ذات اولوية في دفع الاستثمار ، كيف تبرر أن الدعم غير موجود ؟
الدعم يقدم كما ذكرت لمؤسسات بعينها و مجالات بعينها كالجمعيات الرياضية و ايضا المشاريع السياحية التي تحضى بتسهيلات كبرى و مساعدات وقت الازمات و هذا لا ينطبق على المجال الصناعي .
إعادة هيكلة الديون تصاغ له قوانين تستغرق وقتا طريلا للمصادقة عليها كما تستغرق دراسة الملفات وقتا أطول و تواجه بذلك تعطيلات كبيرة في علاقة بمؤسسات الدولة و الخدمات الادارية مما يكلف الصناعي و تأثر في نسق عمله حتى اصبحت المؤسسات اليوم في أزمة خانقة شأنها شأن المواطن .
تتحدثون على مستوى جهوي على عوائق عدة اهمها الهياكل المشرفة و طرق التسيير . ماهو الحل الممكن والمناخ حسب رايكم ؟
اهم نقطة هي إعادة هيكلة المسييرين في الجهات و منح الخطط وفق شروط بحث يكون المسؤول المحلي او الجهوي متكون و ملم بمختلف المجالات . على سبيل المثال لا الحصر خطة معتمد تختصر حاليا في الشؤون الاجتماعية و تقديم المنح للمواطنين و تسيير الخدمات الحياتية في الاحياء و للناس في الوقت الذي من المهم أن يكون المسؤول ذو مميزات و تتوفر فيه شروط تجعل من تسيير الجانب التنموي و الاقتصادي من الاولويات و ذات جدوى للدفع بالتنمية و ينسحب هذا على بقية الخطط في الادارات الجهوية ذات الصلة كمؤسسات التشغيل و التكوين التي لا تنتهج سياسات تتماشى و طلبات سوق الشغل كالتركيز على توفير يد عاملة أو كفاءات ذات تكوين يستجيب لحاجيات المؤسسات المنتصبة بالجهة. وهو من العوامل ايضا التي تجعل المستثمر لا يستقر بهذه المناطق .
لماذا لا يستقر بعض المستثمرين بمشاريع انطلقت من الجهة و يفضلون الهجرة الى مناطق كالعاصمة أو المدن الساحلية ؟
كل الاساسيات الداعمة للاستثمار كالبنية التحتية و المؤسسات المكملة لعمل مؤسسته غير متوفرة باختصار . لا مكاتب دراسات لا مؤسسات صغرى توفر حتى بعض الاساسيات المكتبة احيانا
شمس اليوم // اشراق العابدي