فن و ثقافة

محمود عبد السميع في ندوة «القاهرة السينمائي» : مدير التصوير شريك في صياغة لغة الفيلم البصرية

محمد قناوي

شهدت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ندوة خاصة لتكريم مدير التصوير الكبير محمود عبد السميع، الذي قدم خلال اللقاء شهادات فنية وكواليس نادرة من مشواره، بينها مشروع مهم كان من المقرر تقديمه عن القضية الفلسطينية مع الراحل رأفت الميهي.

وقال مدير التصوير الكبير محمود عبد السميع، خلال ندوة تكريمه ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أن الراحل رأفت الميهي كان يعتزم تقديم فيلم يتناول القضية الفلسطينية، وكان من المفترض أن يجمعهما العمل في تعاون جديد يحمل رؤيتهما تجاه الحدث.

وأشار عبد السميع إلى أنه بعد مناقشة السيناريو وطرح وجهة نظره الفنية حول بعض التفاصيل، قام الميهي بإجراء عدة تعديلات لإعادة صياغة الفكرة بما يخدم الجانب الدرامي والبصري للعمل.

وقال عبد السميع إن العلاقة بين المخرج ومدير التصوير “نسبية”، مشيرًا إلى أن لكل مخرج طريقته ورؤيته، واستدل بفيلم “للحب قصة أخيرة”، حيث أراد المخرج رأفت الميهي حركة كاميرا كاملة 360 درجة، مما اضطره لاستخدام أكثر من 90 كشاف إضاءة ليحقق المشهد بدقته المطلوبة.

وأشار عبد السميع إلى أن قلة الإمكانيات لم تكن يومًا عائقًا أمامه، بل كانت دائمًا دافعًا لتقديم صورة مختلفة ومبتكرة. وأوضح أنه في فيلم “التعويذة” استخدم عدسة غير دارجة وقتها، وصمّم لوح خشب متحرك خصيصًا لتنفيذ حركة الجن داخل المشاهد، مما منح الفيلم رونقًا بصريًا ميزه عن أعمال الرعب في تلك الحقبة.

وأشار محمود عبد السميع، إلى أنه لم يكن المرشح الأول لفيلم التعويذة، موضحاً أن محسن أحمد كان مرشحاً لتصوير فيلم التعويذة وحين قام بقراءة السيناريو رشحني لتصويره.

وأضاف محمود عبد السميع، إنه استخدم كاميرة السينما لأول مرة عام 1961، ولم يكن يعلم كيف يستخدمها، مشيراً إلى أن ما يسهل من مهمة المصور، هو دراسة وتعلم التقنيات، التي تطور يوما بعد يوم، ففي الماضي كانت كاميرات السينما تعمل بالأشرطة والتي تحتاج إلى معاملة خاصة حتى لا يتسرب إليها الضوء.

وأكد عبد السميع أن اهتمامه بالمواقع لا يقل أهمية عن اهتمامه بالمواسم وظروف التصوير، قائلاً: «مكان التصوير بالنسبة لى عنصر أساسى،، وشخصيا انا بهتهم بالمكان التصوير زى مابتهم بالمواسم، لأن الصورة نتاج تفاعل كل تلك العناصر معًا».

وأضاف: «منذ صغرى كنت أدرك أن مهمتى ليست مجرد تصوير، بل فهم الموضوع بالكامل، لذلك أحرص دائمًا على قراءة السيناريو كاملًا قبل بدء أى عمل، سواء كان فيلمًا استعراضيًا أو دراميًا، لأن الصورة جزء من الحدث وليست مجرد إطار بصري».

وقال مدير التصوير الكبير محمود عبدالسميع، إن رفض بعض المخرجين التعاون معه في مشاريع سابقة كان سببه الأساسي فهمه العميق لتفاصيل الصورة السينمائية قبل البدء بالعمل.

وتابع أن بعض المخرجين لم يستطيعوا شرح رؤيتهم الفنية بالشكل الدقيق، وهو ما يخلق فجوة بين تصور المدير الفني للفيلم وما يريد المخرج تحقيقه، وبالتالي يؤدي إلى رفض التعاون لضمان عدم حدوث أي تضارب فني.

وشدد عبدالسميع على أن مدير التصوير ليس مجرد منفذ للتعليمات، بل شريك أساسي في صياغة لغة الفيلم البصرية، وأن قدرة أي مخرج على توصيل رؤيته هي شرط رئيسي للعمل معه، وأشار إلى أن هذا الموقف علمه منذ بداياته ضرورة قراءة السيناريو وفهم كل تفاصيل المشاهد، لضمان انسجام الصورة مع الهدف الدرامي للفيلم.

وأكد عبدالسميع أن رفضه العمل مع مخرجين لا يستطيعون توضيح رؤيتهم ليس عن تعنت، بل حرص على الحفاظ على جودة العمل الفني، وتقديم صورة سينمائية متكاملة تعكس الرؤية الفنية بدقة، ودعا الشباب من صناع السينما إلى أن يكونوا واضحين في التواصل مع فريقهم، وتطوير مهاراتهم في التعبير عن الرؤية الفنية لضمان تعاون مثمر ونتائج احترافية.

وسلط المصور الكبير الضوء على أهمية الإضاءة، مشيرا إلى أن فيلم “امرأة متمرة” كان مثالا للأفلام التي يظهر فيها الاهتمام بالإضاءة بشكل واضح جدا، مؤكدا أن “الإضاءة لغة، ويجب على المصور أن يفهمها”.

وتحدث عبد السميع عن أحد جوانب عمله في فيلم “الجوع”، حيث كان حريص على أن يرى المشاهد تحرك الزمن من خلال تتابع الليالي بقمر، والليالي بهلال، والليالي بدون قمر.

يعد محمود عبد السميع، من أبرز الأسماء التي تألقت في التصوير السينمائي منذ نهاية ستينيات القرن المنصرم، لا سيما خلال انخراطه في تصوير الأفلام الوثائقية. يترأس الآن جمعية الفيلم وكذلك مهرجان جمعية الفيلم السنوي. حصل على بكالوريوس التصوير الفوتوغرافي والسينمائي من كلية الفنون التطبيقية عام 1966، وعمل مديرًا للتصوير ومشرفًا على الأفلام الوثائقية ومنْتجًا منفذًا بالمركز القومي للسينما.

قام بتدريس وتعليم التصوير والمهن السينمائية منذ الستينيات وحتى الآن، وصوَّر أكثر من 200 فيلم وثائقي منذ عام 1966. ويُعد أول مصور سينمائي يدخل جبهة القتال (حرب الاستنزاف، يوليو 1969، وأثناء وقف إطلاق النار حتى انتصارات حرب أكتوبر). كما عمل مع معظم مخرجي السينما الوثائقية المصريين من جيل الرواد والأجيال التالية، ومع بعض المخرجين العرب والأجانب.

إلى جانب مشاركته كمدير تصوير مع جيل الواقعية الجديدة الذي انتمى إليه في أفلام مثل: العوامة 70، الزمار، للحب قصة أخيرة، الصعاليك، وغيرها من الأفلام. شارك عبد السميع في العديد من المشروعات السينمائية خارج مصر (ألمانيا – النمسا – السعودية – سوريا – تونس) وسافر إلى العراق عام 1998، وشارك هناك في حملة “سينمائيون بلا حدود”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى