محمد قناوي يكتب :”ع مفرق طريق”.. دعوة للتسامح والعودة إلى الأرض والجذور

مًن منا لم يقف في يوما من الأيام علي مفترق طريق، ويكون أمام لحظات صعبة أو قرارات مصيرية تحدد له القادم في حياته ، يعيد النظر في أولوياته السابقة والتي علي اساسها تم اختياره لشكل الحياة التي عاشها، وعندما نكون “على مفترق طريق جديد”، دائما نتساءل أي اتجاه نسلك وأي طريق نختار، وأي القرارات الصائبة نختار لنكمل بقية حياتنا ونجد أنفسنا أمام قرارات صعبة يمكن أن تغير مجري حياتنا تماما.
ومن خلال الفكرة التي اقترحها “شادي حداد وأنطوان خليفة” انطلقت الاعلامية البنانية والناقدة السينمائية جوزفين حبشي لتصنع فيلما لبنانيا رومنسيا بلمسة كوميدية بعنوان”ع مفرق طريق” من اخراج اللبنانية لارا سابا، والذي ينافس حاليا في مسابقات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الثانية، ويشارك في بطولته مجموعة من الفنانين اللبنانيين في مقدمهم شادي حداد، وربى زعرور، وجوليا قصار، وبيتي توتل، وميرنا مكرزل، وسينتيا كرم، ورفعت طربيه، وشربل زيادة، وغيرهم، فكرةٌ طريفة تجمع بين الكوميديا والعمق الإنساني عبر مجموعة من الشخصيات تتقاطع طرقاتهم فيلتقون في مكان ما ليعيشوا معاً على مدى أربعة أيام مغامرةً، تشهد عودة الى الجذور، وتتغير معها أولوياتهم ومسار حياتهم، ةتم اختيار منطقة وادي قنوبين باعتباره أكبر الوديان في لبنان وأكثرها جمالاً، وما إن تضع قدميك في الوادي حتى تستشعر الجمال الساحر الذي تتركه في النفس تلك المسطحات الخضراء والمساحات التي تغطيها الأشجار الكثيفة، وما يزيد الوادي جمالاً ما يتوافر به من اثارات وعيون وينابيع يمتزج صوت خرير مياهها مع أصوات العصافير والطيور المغردة في بطن الوادي ووسط أشجاره، ويبعد عن العاصمة بيروت ١٢١ كلم ويرتفع عن سطح البحر ١٥٠٠م، ويضم وادي قنوبين إرثاً دينياً، بيئياً وتراثياً من مغاور وكهوف ويوجد به” دير سيدة قنوبين” الّذي ظهر في احداث الفيلم ، وكان هذا الدير مقر البطريركية المارونية منذ عام ١٤٠٠م حتى العام ١٧٩٠م. هذا الدير يعتبر المنرل الدّائم لثلاثة راهبات تهتم بكل ما يخصّه من ترتيبٍ وتنظيف وتقضي معظم الوقت بالصلاة والحفاظ على الحياة الروحيّة.

تدورأحداث الفيلم من خلال قصة تتحدث عن ممثل مشهور”شادي حداد” يتلقى فرصة لبطولة فيلم عالمي، وأثناء زيارته لقريته “قنوبين”هربًا من زحمة الحياة في المدينة، واعتراضا علي الطريقة التي يتم بها تصوير الاعمال الدرامية اللبنانية، تحدث له حادثة مع فتاة و4 راهبات، “ع مفرق طريق” تغيّر كل حياتهم.
استطاعت عدسة المخرجة لارا سابا ومدير التصوير جوني أبي فارس التقاطَ تفاصيلها الجمالية المُدهشة وأحاسيس شخصياتها الإنسانية الصادقة لتجعل من الفيلم تجربةً مميزة تتخطى مفهوم الكوميديا الشعبية لتدخل الى خفايا الرسالة الإنسانية التي يطرحها الفيلم والذي يقدم دعوة صريحة وواضحة للحب والتسامح ،من خلال سيناريو جذاب يتميز بخلطة سينمائية ذات إيقاع سريع يسير برشاقة، مرتكزاً على قصة جميلة ومحبوكة جيداً، فيها عمق إنساني وكوميديا مواقف، ولغة سينمائية جميلة وإخراج سلس
وقد اضاف الممثلين المشاركين في بطولة العمل لعمق السيناريو من خلال خبرتهم وما يتمتعون به من كاريزما على الشاشة، الكثير الى الشخصيات المرسومة لتشعر انك امام شخصيات حقيقية من لحم ودم مثل شخصيتي” شادي حداد وربى زعرور” هما الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم اللذين تتمحور حولهما القصة الرومنسية ومعهما مجموعة من الممثلين المخضرمين مثل جوليا قصار، بتي توتل، ميرنا مكرزل، سينتيا كرم، مع إطلالات خاصة لهيام ابو شديد، نقولا دانيال، رفعت طربيه، عماد فغالي وجوزيان بولس. وقد استطاعت هذه النخبة من الممثلين بإدارة لارا سابا أن تغوص في أعماق كل شخصية لتجسد ما تتخبط به من مشاعر حين تتقاطع “ع مفرق طريق” عبر مواقف كوميدية تُرضي الجمهور العريض، لنجد انفسنا امام فيلم بعيدا عن السياسة التي تعج بها لبنان حاليا، وتقدم المؤلفة والمخرجة فيلما شديد المحلية اللبنانية ولكنه في نفسه الوقت يعبرعن هذا المجتمع اللبناني الثري اجتماعيا وانسانيا، ليكون الفيلم بمثابة شباك لهذا المجتمع ينظربه نحو العالم ، ويؤكد الفيلم من جديد على ضرورة تشبث اللبناني بأرضه وبيئته، وضرورة العودة إلى الجذور وانطلاقه وراء الأحلام والطموح والبحث عن السلام الداخلي

الفيلم استغرق الاعداد له وتصويره ما يقرب من الثلاث سنوات حيث فازبجائزة ما بعد الإنتاج post production في مهرجان مالمو للسينما العربيّة في السويد العام الماضي وهو من إنتاج ART وواكاندا فيلمز، أما الإستشارة الفنيّة فتولاها أنطوان خليفة، صاحب الخبرة الطويلة في عالم السينما والمهرجانات الكبري