مقالات

متى نعلم أن إسرائيل هى امريكا

بقلم: ناصر السلاموني
لم تعد الحرب على غزة مجرد صراع عسكري أو مواجهة حدودية، بل أصبحت مشروعاً متكاملاً يستهدف اقتلاع شعبها من جذوره وتدمير بنيتها التحتية، تمهيداً لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم حلم “إسرائيل الكبرى”. وقد تكشّفت ملامح هذا المخطط في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتردد في الحديث عن تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح، زاعماً أن نصفهم يريدون المغادرة، وفي خطة دونالد ترامب التي تبشر بـ”غزة ريفييرا” بعد تهجير أهلها، في إطار رؤية أمريكية ـ إسرائيلية لإخلاء القطاع من سكانه وشق قناة استراتيجية تنافس قناة السويس وتخدم الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية.
هذا المشروع ليس غريباً على من يرعاه؛ فالولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل بلا حدود قامت هي نفسها على أنقاض شعوب أُبيدت. فقد نشأت أمريكا الحديثة على تصفية السكان الأصليين وإبادتهم أو تهجيرهم إلى محميات معزولة، تماماً كما تفعل إسرائيل اليوم مع الفلسطينيين: تدمير للقرى، حصار وتجويع، قتل وتشريد، وفرض وقائع جديدة بالقوة حتى يصبح الشعب الأصلي غريباً على أرضه. وكما صمت العالم وقتها على إبادة ما اسموهم بالهنود الحمر، فإنه اليوم يتغاضى عن مأساة غزة، في تكرار فاضح لذات المشهد الاستعماري الاستيطاني.
وإذا كان المشهد قد يبدو للبعض سياسياً مجرداً، فإن الأرقام القادمة تنطق بالحقيقة المرعبة:
‏700 يوم من الإبـ.ـادة، إحصائيات الشـ ـهداء والمفـ ـقودين والمـ ـجازر:
(73,731) مجموع أعداد الشـ ـهداء والمفـ ـقودين منذ بدء الإبـ ـادة الجماعية.
(64,300) مجموع الشـ ـهداء الذين وصلوا إلى المستشفيات منذ بدء حـ ـرب الإبـ ـادة.
(9,500) مفـ ـقود، منهم: شـ ـهداء مازالوا تحت الأنقـ ـاض، أو مصـ ـيرهم ما زال مجــهولًا.
(+20,000) عدد الشـ ـهداء الأطفال، وصل منهم للمستشفيات (19,424).
(+12,500) عدد الشهـ ـيدات من النساء، وصل منهن للمستشفيات (10,138).
(8,990) عدد الأمهات الشهـ ـيدات.
(22,404) عدد الآباء الشـ ـهداء.
(1,009) أطفال استشـ ـهدوا وكانت أعمارهم أقل من عام واحد.
(+450) طفلًا رضيعًا وُلِدوا واستشـ ـهدوا خلال حـ ـرب الإبـ ـادة الجماعية.
(1,670) شهـ ـيدًا من الطواقم الطبية قتـ ـلهم الاحتـ ـلال “الإسر1ئـيـ ـلي”.
(139) شهـ ـيدًا من الدفاع المدني قتـ ـلهم الاحتـ ـلال “الإسر1ئـيـ ـلي”.
(248) شهـ ـيدًا من الصحفيين قتـ ـلهم الاحتـ ـلال “الإسر1ئـيـ ـلي”.
(173) شهـ ـيدًا من موظفي البلديات في قطاع عْـ ـرْة، بينهم (4) رؤساء بلديات.
(+780) شهـ ـيدًا من شرطة وعناصر تأمين مساعدات قتـ ـلهم الاحتـ ـلال “الإسر1ئيـ ـلي”.
(860) شهـ ـيدًا من الحركة الرياضية من جميع الألعاب الرياضية.
(+39,000) أسرة تعرضت للمجـ ـازر من الاحتـ ـلال “الإسر1ئيـ ـلي”.
(2,700) أسرة أُبـيـ ـدت ومُسحت من السجل المدني (بعدد 8,563 شهـ ـيدًا).
(6,020) أسرة أُبيـ ـدت ومُتبقي منها ناجٍ وحيد (بعدد 12,911 شهـ ـيدًا).
(+55%) من الشهـ ـداء هم من الأطفال والنساء والمسنين.
(376) شهـ ـيدًا بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم (134) طفلاً.
(23) شهيداً بسبب عمليات الإنزال الجوي الخاطئ للمساعدات.
(41%) من مرضى الكلى فقدوا حياتهم بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.
(+12,000) حالة إجهاض بين الحوامل بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.
(17) شهـ ـيدًا بسبب البرد في مخيـ ـمات الـ ـنزوح القسـ ـري، (منهم 14 طفلاً).
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شهادة دامغة على إبادة جماعية تجري أمام أعين العالم.
لكن الخطر اليوم لا يتوقف عند حدود السياسة أو أطماع الأرض، بل يتجاوزها ليأخذ بعداً دينياً خطيراً. فقد سبق الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم واعتبروها حرية التعبير عن الرأي وقامت مؤخراً مرشحة للكونجرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري بإحراق المصحف، متوعدة بالقضاء على الإسلام والمسلمين، بل وذهبت إلى حد إنكار وجود الذات الإلهية! وفي المقابل يخرج دونالد ترامب ليعلن أن مساعدته لإسرائيل ستكون سبيله لدخول الجنة، وكأن الدين أصبح مطية في سوق السياسة، يُستغل لتبرير القتل والتدمير والإبادة.
هنا يتبدى السؤال الأعمق: ماذا سيفعل قادة العالم الإسلامي أمام هذه الحرب التي لم تعد سياسية فقط، بل أضحت حرباً دينية تُستهدف فيها العقيدة ذاتها؟ أليس الأولى أن تتوحد المواقف، وأن يتحول الغضب الشعبي إلى قوة ضغط حقيقية توقف نزيف الدم وترد على الإهانة المباشرة للإسلام ورموزه؟
إن مصر، بجيشها وشعبها وقيادتها، وقفت بصلابة لتعلن أن أرضها لن تكون بوابة لتهجير الفلسطينيين، وأنها لن تشارك في تصفية قضية الأمة الأولى. مصر تتصدى للمخطط بكل وضوح، رافضة الانصياع للضغوط أو السير في ركب المؤامرة، لكنها وهي تخوض هذه المعركة السياسية والدينية والأخلاقية، يظل السؤال قائماً: من سيقف في ظهرها وقت الشدة؟ وهل تجد من بين العرب والمسلمين من يشاطرها الثبات ويترجم الشعارات إلى مواقف عملية، أم أن مصر ستظل وحدها، ترفع الصوت دفاعاً عن فلسطين والإسلام في زمن الصمت والخضوع؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى