
بقلم : الدكتور جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي
جامعة سوسة- كلية الحقوق سوسة
الملخص:
تتضمن هذه الدراسة تحديد أهداف و سمات و تكتيكات و عناصر قوة حروب الجيل الرابع ، و معيار تمييزها عن أجيال الحروب الأخرى
المقدمة:
تعرّف الحرب لغة كما ورد في معجم المعاني الجامع أنّها قتال بين فئتين، وجمعها حُروب وعكسها سِلْم، وإذا قيل استعرت الحَرْب؛ أي أنّها أصبحت شديدة وقوية، أمّا إذا قيل وضعت الحرب أوزارها، فهذا يعني أنّ القتال انتهى، ومصطلح الحَرْبُ بينهم سجال يعني أنّ الحرب انتهت دون فوز أو هزيمة أي من الأطراف المتحاربة للطرف الآخر، ودارُ الحَرْبِ هي بِلاد الأعداء، ورجل الحَرْبْ هو صاحب الخبرة في إدارة وتسيير المعارك الحربيّة.
وفي القانون الدولي العام فإن التعريف التقليدي للحرب هو أنّها عبارة عن نزاع مسلّح بين فريقين من دولتين مختلفتين؛ إذ تُدافع فيها الدول المتحاربة عن مصالحها وأهدافها وحقوقها، ولا تكون الحرب إلّا بين الدول، أمّا النّزاع الذي يقع ين جماعتين من نفس الدولة، أو النزاع الذي يقوم به مجموعة من الأشخاص ضد دولة أجنية ما، أو ثورة مجموعة من الأشخاص ضد حكومة الدولة التي يقيمون فيها، فلا يعد حرباً ولا علاقة للقانون الدولي به وإنما يخضع للقانون الجنائي، أما التعريف الحديث للحرب فقد تم توسيعه ليشتمل على أي نزاع مسلح ولو تم تتوافر فيه عناصر التعريف التقليدي من امتلاك الجماعة المسلحة لصفة الدولة، وإن كان النزاع قائم من قِبَل دولة لحسابها الخاص وليس لغرض جماعي، كما أصبحت النزاعات الأهلية التي تحدث في نفس الدولة تندرج تحت مسمى الحرب.
وتتنامى الحروب وتتطور في فنونها وأدواتها وطرق إدارتها عبر التاريخ من جيل إلى جيل شأنها شأن أي تطور طبيعي يطرأ على مناحي الحياة المختلفة فهي قدر محتوم على البشرية منذ قديم الأزل صورها مختلفة فتكون حيناً واقعاً مفروضاً للدفاع عن الأرض والعرض وتكون في حين آخر لتحقيق مطلب وحق أستعصي نيله بالطرق السلمية وتشتعل في صورة صراع بين طائفتين أو فئتين أو دولتين لتحقيق مكاسب معينة سواء إقتصادية أو سياسية أو أيدلوجية أو لتحقيق أغراضٍ توسعية يرى كل طرف أنها بمثابة حاجة ملحة لتأكيد وضع معين ، لكنها تبقى في النهاية تصرف غير عقلاني لا ينجو أحد من عواقبه لقسوتها وفظاظتها تصنف الحروب بأنها آخر وسيلة من وسائل فض المنازعات بين الدول , وقرارها يكون عادة بيد القادة السياسيين الذين لا يقدرون أبداً خطورتها ونتائجها ومع ذلك قلما يذكر التاريخ دورهم في أحداثها ، تتضمن أعمالها صراعاً مريراً يشمل إستخداماً مكثفاً لكافة مقومات الدولة والقوات المسلحة بما يحقق الهدف الذي قامت من أجله , ومع تنتهي بتفاوض سلمي فيه الكثير من التنازلات التي قد تكون مهينة ومذلة دون النظر لعديد التضحيات وحجمها.
وخلال المراحل التاريخية التي مرت بها الشعوب في صراعاتها تطورت أجيال الحروب المتعاقبة لتلبي الإحتياجات المتزايدة لإدارة تلك الصراعات في شتى أنحاء العالم وبذلك إنتقلت أجيال الحروب عبر السنين من مرحلة إلى أخرى في تطور طبيعي حمل أفكاراً ورؤى أدت إلى تحديث كل منظومة الحرب من تدريب الأفراد إلى نوعية السلاح المستخدم إلى النظريات والخطط العسكرية المتبعة فيها ومن هذا المنطلق صنف خبراء الفكر العسكري الحروب تصنيفاً دقيقاً حسب الفترات التي دارت فيها وكذلك بحسب المعدات التي إستخدمت فيها ، فكانت حروب الجيل الأول وهكذا تباعاً وأختص كل جيل من الحروب بنوع معين من التكتيكات والعمليات ونوعية الأسلحة والمعدات المستخدمة فيها.
هذه الإستمرارية في الحروب جعلت الخبراء العسكريون يعملون على تطوير آلياتها حتى تتوافق مع الزمان والمكان والتطور التقني والفني الذي بات يفرض نفسه على نوعية الحروب وبالتالي قسمت الحروب ومعداتها إلى أجيال متعاقبة يتوقف فهمها على طبيعة العمليات العسكرية التي تجرى فيها وطبيعة الأرض وأيضاً طبيعة الخصم.
وهنا يجدر القول بأن أجيال الحروب غير محددة بزمن وعدد سنين بل هي رهن لطبيعة الحرب ذاتها وتطورها الذي عادة ما يصاحب التطور الفكري والتقني للأمم والشعوب وبذلك قسمت الحروب إلى أجيال محددة كان آخرها الجيل الرابع
- الجيل الأول من الحروب:
هناك جدل حول بدايات الجيل الأول من الحروب، فهناك من يرى أنه بدأ مع بداية صراعات البشر، واستمر لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، حيث كانت الحروب قائمة على حشد الجنود والقوات في مواجهة بعضهم بعضاً في الإمبراطوريات والدول القديمة، وهناك من يرى أن الجيل الأول من الحروب بمعناه الاصطلاحي ظهر عقب معاهدة وستفاليا عام 1648، التي أنهت نحو ثلاثين عاماً من الحروب في القارة الأوروبية، وأنتجت الدولة القومية بمفهومها الحديث المتعارف عليه حالياً في العلوم السياسية، وارتبط بظهور هذه الدولة مفهوم السيادة الوطنية، الذي أفرز بدروه مرحلة الجيوش بشكلها الحديث للدفاع عن حدود السيادة الوطنية ومقومات الدولة بمفهومها المتعارف عليه حتى الوقت الراهن، كما كانت الحاجة إلى الجيوش المنظمة مرتبطة أيضاً بوجود الدولة من زاوية الاتفاقات الدفاعية ومعاهدات التعاون العسكرية وغير ذلك من الإجراءات العسكرية التنظيمية التي تتطلبها العلاقات الدولية التي نشأت عقب معاهدة وستفاليا، التي بلورت أول شكل تنظيمي واضح المعالم للنظام الدولي في أوروبا. وعلى المستوى العملياتي انتقلت الحروب في الجيل الأول من الأدوات التقليدية نسبياً إلى أدوات قتال أكثر تقدماً وقتذاك، كما عرفت الجيوش التنظيمات حيث انتقلت الحروب من دائرة صراع بين قبائل ومناطق سيادة ومدن إلى صراعات بين دول ذات سيادة. وقد تجلى هذا الجيل من الحروب بشكل واضح وبلغ ذروته خلال الحروب النابليونية من حيث الاعتماد على العنصر البشري. ونستطيع القول إن الجيل الأول من الحروب عقب معاهدة وستفاليا تحديداً قد أسهم في غرس ثقافة عسكرية نظامية لا تزال هي قوام الجيوش حتى الآن، بغض النظر عن الأجيال التي توالت من هذه الحروب، حيث بقيت هذه الثقافة هي عماد الجيوش الحديثة، ولكن المفارقة أن الثقافة النظامية تحولت في حروب الجيل الرابع إلى نقطة ضعف استراتيجية خطيرة في الجيوش الحديثة، حيث بات يتعين على هذه الجيوش التي لا تتحرك سوى من خلال أنساق خططية معينة خوض حروب عصابات مع عصابات وتنظيمات عشوائية لا رابط بين عناصرها،ما حدّ كثيراً من فاعلية الجيوش النظامية في الحروب اللامتماثلة وفي مواجهة التهديدات غير التقليدية، الأمر الذي دفع المخططين العسكريين منذ حربي العراق وأفغانستان إلى تدريب القوات على خوض حروب المدن ومواجهة التمرد وحروب العصابات واللجوء إلى التشكيلات الصغيرة وتفكيك بنية التنظيم العسكرية المحكم لمواجهة هذا الخطر الجديد.
– الجيل الثاني من الحروب:
انتقلت في هذا الجيل الحروب إلى مرحلة اكثر تقدماً على مستوى التخطيط العملياتي والأدوات الحربية، والتحركات القتالية، وبدأ التطور في العتاد يتمثل في المدافع البدائية التي يتم فيها قتل جيش العدو وتدميره عن بعد،وقبل حدوث أي اشتباكات مباشرة بين جنود الجيشين. وظهرت إرهاصات هذا الجيل خلال الحرب العالمية الأولى، برغم استمرارية الاعتماد على التشكيلات المنضبطة والعنصر البشري، وهذه كانت من أهم سمات الجيل الأول من الحروب. واعتمد هذا الجيل من الحروب بسرعة شديدة من جانب القوى الكبرى القائمة وقتذاك، حيث برز دور القوة المدفعية النيرانية كعامل حسم في الحروب، ولكن هذا الجيل ما لبث أن تراجع بسرعة في الحرب العالمية الأولى ولم يستمر طويلاً. ويعد هذا الجيل أقل أجيال الحروب بقاء، حيث تتفق معظم الأدبيات على أنه لم يدم طويلاً وظهر مع بدايات القرن التاسع عشر وانتهى خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، وهناك أدبيات غربية تشير إلى أن حروب الجيل الثاني صممت من جانب الجيش الفرنسي في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، وقامت فكرتها على المثل الفرنسي “المدفعية تنتصر، المشاة تتقدم”، وهو تكتيك قائم أساساً على قوة النيران/ الاستنزاف، وقد حافظت حروب الجيل الثاني على ثقافة الجيل الأول من حيث الثقافة النظامية للجيوش، كما حافظت على صناعة القرار الميداني العسكري بشكل هرمي مركزي وطبقاً لأوامر ودقيقة ومفصلة، وقد قدِّر للفرنسيين فضل تعليم الجيش الأمريكي ومشاة البحرية فنون الحرب من الجيل الثاني خلال الحرب العالمية الأولى، ومازالت تمارسه اليوم، مع استثناءات وفقاً للمهارات الفردية للقادة.
– الجيل الثالث من الحروب:
شهدت الحرب العالمية الأولى بداية التطور نحو حروب الجيل الثالث، حيث أصبح فيها الاعتماد على التكنولوجيا والطائرات والدبابات والتجسس والمناورة العالية والسرعة الفائقة والهجوم من الخلف بدلاً من المواجهة المباشرة،والاستفادة من المعلومات التي توفرها الأقمار الاصطناعية، واعتمد هذا الجيل تغييراً واضحاً في التخطيط العملياتي، حيث عرفت الجيوش تغييرات في تكتيكات القتال والتحركات الخططية، واعتمدت على نقل المعارك إلى أرض العدو عبر التسلل والاختراق في العمق، والدفاع عبر الهجوم والدفاع في العمق مثل تلك التكتيكات التي استخدمتها القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى ضد فرنسا وبريطانيا، من أجل مواجهة الاعتماد على الخنادق وغير ذلك، والفكرة الأساسية هي الاعتماد على السرعة والمبادأة وامتلاك زمام المبادرة عملياتياً. كما تعد الحرب العالمية الثانية نموذجاً لحروب الجيل الثالث، حيث الاعتماد الواضح على شن الحروب الخاطفة وعمليات التسلل خلف خطوط العدو وغير ذلك من تكتيكات قتالية ميزت هذا الجيل. ولا تزال الكثير من تكتيكات الجيل الثالث للحروب ركيزة أساسية في أداء جيوش القوة العظمى الوحيدة في العالم الآن، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وبطبيعة الحال بقية جيوش العالم في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
واستغرق هذا الجيل من الحروب على وجه التقريب نحو سبعة عقود تقريباً، أي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى ظهور الجيل الرابع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وقد عرف الجيل الثالث من الحروب باسم حروب المناورات، وتم تطويره من قبل الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى كما ذكرنا، وبحلول عام 1918، كانت الحرب الخاطفة كاملة من الناحية المفاهيمية، وغرس هذا الجيل من الحروب مفاهيم جديدة مثل الانضباط الذاتي بدلاً من الانضباط المفروض، وهذا الأمر مستوحى من الجيش الألماني تحديداً، واستهداف العدو بتكتيكات أكثر ذكاء مثل الاستدراج والأفخاخ والعوامل النفسية وغير ذلك، وقد وضعت الأسس الفكرية العامة لتكتيكات الحرب الخاطفة في بريطانيا خلال العشرينيات من القرن الماضي بواسطة الكاتبين العسكريين المشهورين: (ليدل هارت)، والجنرال (فولر)، وكان يُطلق على هذه الحرب في ذلك الحين: (السيل المتدفق)، وسماها الألمان عام 1929م الحرب الصاعقة (بليتز كريج)، وقد طبّقت أساليب الحرب الخاطفة من قِبل الألمان في الحرب العالمية الثانية على يد الجنرال الألماني (جودريان) الذي يُطلق عليه (أبو المدرعات) والجنرال (رومل) في أثناء معارك (1941 -1943م)، في الصحراء الليبية والمصرية، وقد استوحى العدو الإسرائيلي فيما بعد هذه الأساليب واعتبرها عنصراً رئيساً في نظريته القتالية القائمة على الضربة الإجهاضية المضادة المباغتة، ونقل الحرب بسرعة إلى أرض الخصم، ويعتمد نجاح الحرب الخاطفة على عنصر المفاجأة، وبطء حركة ورد فعل الخصم، وعدم إدراكه أو استيعابه لأساليب حرب الحركة، وضعف سيطرته الجوية. ويعرف الجيل الثالث من الحروب أيضاً بمصطلح “الحرب الباردة” وهي حرب غير معلنة، بين طرفي الصراع تقوم على استخدام جزئي متقطع للقوة العسكرية والاعتماد الأكبر على القوة الناعمة مستخدمة في ذلك أسلحة الإعلام وأعمال أجهزة الاستخبارات لخلق نوع من الأزمات والتوتر السياسي لدى العدو ويدفع هذا النوع من الحروب طرفي الصراع إلى التسابق في مجال تطوير السلاح والتقدم الصناعي والتطور التكنولوجي،ويستمر هذا النوع من الحروب لمدد طويلة نسبياً بالقياس إلى النوع الأول المعروف بالحرب التقليدية. وأشهر الحروب من هذا النوع هي الحرب الباردة بين ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأت في حقبة الأربعينيات من القرن العشرين وانتهت مع سقوط الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن العشرين. - حروب الجيل الرابع:
تعود فكرة حروب الجيل الرابع الى نهايات القرن الماضي تم تأسيس حركة “أوتبور” الصربية لتكون طرفاً في الصراع في يوغسلافيا السابقة، واستخدمت هذه المجموعة العنف كأسلوب ومنهج حرب، وتبين في عام 2000 من خلال تحقيق صحفي نشرته مجلة نيويورك تايمز أن هذه الحركة قد تم تمويلها بما يتجاوز خمسة ملايين دولار من خلال ثلاث مؤسسات أميركية مانحة، وهي المعهد الوطني الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية(USAID).
وكانت هذه الحركة هي النموذج الذي استخدم في بعض الدول العربية وتم استنساخه بشكل دقيق مع إضافة التكنولوجيا الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وغير ذلك لإيجاد مجموعات شبابية واسعة تتواصل عبر الإنترنت وقادرة على الحشد والتجمهر بعيداً عن رقابة السلطات الرسمية
وقد تناول البروفيسور الأمريكي ماكس مانوارينج، الباحث في الاستراتيجيات العسكرية والذي سبق وعمل في المخابرات العسكرية الأمريكية حروب الجيل الرابع عام 1989، وبحسب مانوارينج فإن زمن الحروب التقليدية التي تعتمد على الجيوش انتهى، والآن هو زمن الجيل الرابع من الحروب الذي يهدف إلى إرباك الدول من الداخل وإحداث اضطرابات متواصلة بها لدرجة تدفعها دفعاً إلى مرحلة الدولة الفاشلة التي يسهل السيطرة عليها من أي جهة داخلية تخدم مصالح الجهة المحركة خارجياً وتحقق أهدافها، وهو الاحتمال الأقرب للتصور والقابل للتنفيذ، أو تتم السيطرة عبر الأطراف الخارجية بشكل مباشر، وهو الاحتمال الأضعف في ظل بيئة النظام العالمي السائدة حالياً. وأحد أهداف حروب الجيل الرابع في السنوات الأخيرة يتمثل في نزع الشرعية عن أنظمة الحكم من خلال تحريك جماعات وتنظيمات داخلية مدربة ضد النظام، انطلاقاً من أن حدوث مواجهات بين قوات النظام ومؤسساته الأمنية وعناصر هذه الجماعات واستدراج هذه العناصر لارتكاب خروقات أمنية وتجاوزات تتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بالحريات العامة وحقوق الإنسان وغير ذلك، وتوثيق ذلك كله، ونشره على نطاق واسع من خلال وسائل إعلام متعاونة لهذا الغرض، ثم تلي ذلك مرحلة الضغوط الدولية عبر الدول الكبرى والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني للضغط على الأنظمة والحكومات باستخدام المواد المنشورة التي وظفت لتهييج الرأي العام إقليمياً ودولياً، والعمل بكل الطرق من أجل ذلك ولو من خلال قلب الحقائق وتزييف الحقائق وفبركة الصور باستخدام تقنيات حديثة، وتوظيف الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي في تناقل هذه الصور والأفلام المصورة من أجل جلب نوع من التحقير والإدانة الشعبية الدولية لأي نظام تمهيداً لإضعاف موقفه وإخضاعه سياسياً لأهداف خارجية يتم تنفيذها بأيد داخلية، أو إسقاطه نهائياً وتغيير أنظمة الحكم من دون تدخل عسكري وتصوير الأمر برمته باعتباره حراكاً داخلياً في الدول لا علاقة للقوى الكبرى به، أو استنزاف دول ما من خلال إجبارها على توجيه مواردها كافة لمواجهة الاضطرابات الداخلية المفتعلة والانشغال بذلك عن التنمية والاستجابة لمتطلبات التفاعل الدولي. وهناك العديد من الأمثلة المتنوعة على حروب الجيل الرابع مثل الحرب ضد الإرهاب والصراعات داخل الدول الفاشلة والحروب الأهلية، والنزاعات العرقية وتعاني منها غالباً المناطق والدول التي لا تزال تعاني الفشل في الاستجابة للتحديات الداخلية التي تواجهها، والأنظمة الفاسدة التي تجمدت وتوقفت عن اللحاق بركب التنمية والتطور بشكل يسمح بنفاذ التدخلات الخارجية إليه.
وتمتلك حروب الجيل الرابع العديد من القواسم المشتركة مع ما سبقها من أجيال باعتبار أن المسألة في مجملها تنطوي على تطور تاريخي وتداخل لا يمكن الفكاك منه، فهي تنطوي أيضاً على أنماط قائمة على التمرد وحروب العصابات والحروب المحدودة. بل شهدت حروب الجيل الرابع أنماطاً جديدة من القتال، حيث بات من الوارد ظهور تنظيمات قتالية تخوض حروباً كاملة ضد دول خارجية، مثلما حدث بين حزب الله وإسرائيل، وهي حروب تمتلك سمات مميزة مثل امتلاك هذه التنظيمات خصائص مثل غياب الهيراركية العسكرية والافتقار إلى هيكل رسمي بما يوفر قدراً هائلاً من المرونة العملياتية والمناورة القتالية لهذه التنظيمات في مواجهة جيوش قائمة على التنظيم وهرمية اتخاذ القرار؛ كما تمتلك هذه التنظيمات تشكيلات قتالية صغيرة ومدربة قادرة على إنهاك العدو والمناورة والاختباء وتحجيم خسائرها واستنزاف العدو مادياً ومعنوياً، فضلاً عن سرعة التحرك والمراوغة وإمكانية استهداف عمق العدو بضرب البنى التحتية من خلال عناصر نشطة متحركة أو خلايا نائمة موالية أو غير ذلك، بحيث يمكن لهذه التنظيمات البسيطة خوض حروب شرسة على المستويات الإعلامية والعسكرية والاقتصادية والشعبية ضد دول، وربما كسبها ولو إعلامياً في ضوء تباين معايير وقواعد الربح والخسارة واختلاف هذه القواعد بين طرفي الصراع.
وتقوم هذه الحرب على الدعاية والدعاية المضادة، وتتبنى استراتيجية التأثير لتغيير السلوك ونمط التفكير دون أن تعلن عن نفسها ودون أن يكون لها عنوان واضح مرئي أو تأثير مكشوف جلي، غايتها إجهاد العدو وتفكيك عناصر وحدته بتغييرات نفسية يمكن أن تمتد على مدى متوسط أو مدى بعيد، قد يكون أسابيع وشهورا أو سنوات، تقوم أدواتها على عناصر جديدة غير القوة العسكرية لكي تجنبه أهوال التدخل المباشر والروح العدائية التي تقابل بها قواته الغازية.
وأبرز أسلوب معتمد في حروب الجيل الرابع، هو استخدام نظرية الكاوس الفوضوية في الفيزياء الحديثة، قوامها تكسير النظام بالفوضى وخلق نظام جديد يخرج من رحم تلك الفوضى.
مؤدى هذه العملية تأمين انسياق الجماهير وتبعيتها المطلقة بدعاية الاستقطاب أحيانا ودعاية التدمير أحيانا أخرى، بحيث تصنف الجماهير كمجرد أرقام. يقوم تصنيفها بحسب العاطفة والجذب باللعب على الغرائز والعاطفة والإثارة، فمنها من يجذبه الخوف، ومنها من تجذبه صورة الشجاعة، ومنها من تستفزه صور الحرمان، ومنها من تجذبه مظاهر الثراء والقوة، ومن ثم تنهال المعلومات والأخبار والصور والوشايات التي تخاطب عاطفته ومشاعره بفعل تلك الهندسة الغرائزية لكي يقع في حضنها أسيرا لا يمكن أن يفك طلاسمها أو يسبح في بحر أمواجها.
الرابط هنا بين حروب الجيل الرابع وفكرة العولمة ومرحلة الأحادية القطبية وما تكشف خلالها من جدل حول صراع الحضارات ونهاية التاريخ وما إلى ذلك من جدليات بحثية، يرتبط في جوهره بأحد جوانب النقاشات الجوهرية التي لم تحسم بعد، وهي علاقة النظام العالمي الجديد الذي برز بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم بمفهوم سيادة الدولة القومية، والذي كانت أحد تجلياته ومعالمه حصرية شن الحروب والصراعات بيد الجيوش والدول فقط. ومع تزايد الحديث عن انحسار سيادة الدولة في المجال الاقتصادي بفعل العولمة التجارية والاقتصادية وممارسات التبادل التجاري في مرحلة ما بعد منظمة التجارة العالمية، ظهر الحديث عن انحسار موازٍ لدور الدولة والجيوش في الحروب وظهرت مفاهيم مثل الحرب اللامتماثلة، وحروب الجيل الرابع، وتوج ذلك كله بصعود الإرهاب العالمي في الحادي عشر من سبتمبر 2001 كتحدٍ خطيرٍ ناجم عن “تنظيم” هاجَم القوة العظمى الوحيدة في العالم في عقر دارها.
الفكرة في حروب الجيل الرابع إذاً تتمثل في أن الفاعل الرئيسي في هذه الحروب ليس الدولة، بل التنظيمات والجماعات والأفراد، وهو ما يمثل الوجه العسكري للنظام العالمي الجديد في مظهره السياسي القائم على الفرد وما يعرف بالفرد المعولم بدلاً من الدولة القومية، وهي فكرة فلسفية كان من الصعب فهمها من قبل كثيرين في بدايات ظهورها، ولكنها وجدت طريقها إلى ميادين الحياة الواقعية، وبات العنصر الفردي يحرك الكثير من الأحداث فعلياً في مناطق شتى من العالم عبر توظيف منظمات المجتمع المدني والضغوط الدولية والجمعيات الأهلية ومؤسسات النظام العالمي الجديد، التي ربطت نفسها بقوة بمجالات إنسانية مثل حقوق الإنسان والحريات العامة وغير ذلك من مفاهيم وفرت بدورها مساحات شاسعة للأفراد كي يمثلوا عنصراً فاعلاً جديداً في حياة الدول وتحديد مصير العالم خلال القرن الحادي والعشرين. ولاشك أن حروب المعلومات هي أحد أبرز أنماط حروب الجيل الرابع بما تمثله من خطر داهم على اقتصادات الدول والبنى التحتية والأمن القومي بمفهومها الشامل، بل إن حروب الجيل الرابع هي أحد التجليات أو النتائج المترتبة على ثورة المعلومات، حيث تزامن ظهورها مع تحول جذري عالمي من المجتمع الصناعي إلى المجتمع القائم على المعلومات. ولاشك في أن تحولات مجتمعية بهذا الحجم لم تكن لتمر دون إحداث تغيير جوهري في استراتيجيات الحروب، ومن ثم كان بديهياً أن يظهر جيل جديد من الحروب.
ان حرب الجيل الرابع هي حرب أمريكية الأصل، طورها الخبراء العسكريون بعد أحداث 11 سبتمبر، بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة تنظيم إرهابي دولي ليس له جيش واضح أو موقع معين لأستهدافه، بل مكون من عناصر محترفة وله خلايا بمختلف الدول وله إمكانيات كبيرة بأستهداف الدول التي تشكل أهداف له، لذالك سميت الحرب الغير متماثلة .
هناك تعريفات أُخرى للجيل الرابع من الحروب، فقد قال البروفيسور ماكس مانوارينج – Max G. Manwaring الأستاذ الباحث في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في ندوة ألقاها بمعهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي سنة 2012 بأنَّ (الحرب هي الإكراه، سواء غير قاتلة أو قاتلة كما اعتدنا في الماضي) وهذا هو الجيل الجديد في الحرب، فيستخدم كل الوسائل المتاحة لخلق دولة ضعيفة منهكة تستجيب للنفوذ الخارجي وكما أعقب كلامه ”فأذا فعلت هذا بطريقة جيدة وببطئ كافي“ بأستخدام مواطني الدولة العدو ”فسيستيقظ عدوك ميتا“…
أما المحلل الأمريكى وليام ليند – William S. Lind وصف الحروب التى تعتمد على مبدأ اللامركزية بحروب الجيل الرابع …
في حين اعتبر اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي حروب الجيل الرابع بأنَّها: ”ذلك الجيل المتعلق أصلا بالأسلحة وليس بمبدأ اللامركزية التي وصفها وليام ليند الحروب الحالية بالجيل الرابع، وهنا أُشير أنَّ هناك جيوش نظامية تعتمد مبدأ اللامركزية في حروبها كالجيش الصهيوني الذي يعتمد اللامركزية واستخدمها في حرب أوكتوبر و تحديداً من قبل شارون – Ariel Sharon في ثغرة الدفسوار واللامركزية ليس كمبدأ حرب، وإنما كأسلوب سيطرة.“
و تطرح حروب الجيل الرابع مسالة سماتها و أهدافها )المبحث الأول( و تكتيكاتها و عناصر قوتها )المبحث الثاني(
المبحث الأول: سمات و أهداف الجيل الرابع من الحروب:
حروب الجيل الرابع لها سمات )المطلب الأول( و أهداف )المطلب الثاني(
المطلب الأول: سمات الجيل الرابع من الحروب:
تتسم حروب الجيل الرابع بسمات عدة منها:
ـ محورية الأفكار والأيديولوجيات: حيث تمثل الأفكار محوراً مهماً في شن حروب الجيل الرابع وتحديد معايير الهزيمة والنصر فيها. فالثقافة هي الهدف وهي محور التخطيط لهذه الحروب، التي تتمركز تخطيطياً حول الهجوم على ثقافة العدو، وتدميرها أو إعادة تشكيلها وصياغتها أو توجيهها وتدمير منظومة القيم الثقافية والروحية لدى العدو بحيث تنهار الروح المعنوية والقيم النفسية الداعمة للمجتمع، وبالتالي يسهل اختراقه أو دفعه إلى الانهيار المادي أو المعنوي، واقعياً أو افتراضياً.
ـ الطبيعة المعقدة للحرب: ليس من السهل إدراك طبيعة حروب الجيل الرابع، فعلى سبيل المثال هي حروب غير تقليدية؛ أي ليس لها بدايات واضحة وتوقيتات زمنية محددة، وبالتالي تتداخل فيها المراحل، ويصعب فيها بناء جدر وقائية أو اتخاذ مواقف دفاعية حصينة على المستوى الأيديولوجي والفكري الذي هو ساحة رئيسية لهذه الحروب. وبحكم هذا التعقيد فإن هذه النوعية من الحروب ذات طبيعة زمنية ممتدة، ويصعب تحديد أجندة زمنية لشنها وإنهائها حيث تتوقف حسابات النصر والهزيمة فيها على بيئة الصراع ومقدرة العنصر البشري على حسم حرب الأفكار لمصلحته.
ـ الاعتماد الكبير على المؤثرات النفسية والمعنوية والإعلامية: تلعب هذه المؤثرات الدور الأهم في مسارات الصراع في حروب الجيل الرابع، فبحكم اعتماد هذه الحروب على الأفكار فإن البوابة التلقائية والساحة العملية للمناورات والاشتباكات والتفاعلات تتمركز حول المؤثرات النفسية والمعنوية والإعلامية.
ـ محورية العوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية: على الرغم من أن الثقافة هي جوهر الصراع في حروب الجيل الرابع، فإن نجاح هذه الحروب يتطلب بشكل مواز توافر قدر فاعل من التحركات والضغوط والمؤثرات على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية كي تساعد في تفعيل خطط التدمير الثقافية التي تستهدف قيم المجتمعات والدول والشعوب.
ـ بروز أنماط متطورة من التفاعلات: برغم أن هناك العديد من الخطط والأنماط التي شهدها العــالم منذ عقود مضت للإضراب أو الاعتصام أو العصيان أو غير ذلك من مظاهر التحرك الداخلي ضد الدول، فإن مثل هذه الأنماط لم تعمل وفق حراك عشوائي قائم على الاجتهادات الفردية، بل باتت تدرس ويتم التدريب عليها في منظمات دولية ودول كبرى ترعى أفراداً وجماعات محلية منتشرة في دول شتى من العالم لاستخدام هؤلاء الأفراد والجماعات وتوظيف قدراتهم ونشاطهم في إحداث التغيير الداخلي في أي دولة مستهدفة. وهذا المجال تحديد يجسد فكرة التخطيط البعيد الأمد في مثل هذه الحروب، حيث تظهر خطورة بعض الممارسات الفردية بعد سنوات عدة عندما تلتئم وتصطف ضمن منظومات عمل جماعية محكمة تشكل بؤرة انطلاق لاستهداف استقرار الدول والمجتمعات وإشعال الفتن والمؤامرات.
المطلب الثاني: أهداف حروب الجيل الرابع:
من خلال بحث عن حروب الجيل الرابع نقول إن كانت تتلخص نوايا تلك الحروب في هدم الدولة وتحويلها إلى دولة فاشلة حتى تكون قادرة على بسط نفوذها على أراضيها. فتقوم بجعلها تحت سيطرة العدو لتقوم بتحقيق هذا الهدف عن طريق ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: محاولة بث الشائعات التي تساعد في تدمير الاقتصاد. والعمل على هدم الثقة بين الشعب وقياداته. المرحلة الثانية: كانت تتلخص في تحويل الدولة لدولة فاشلة تعجز مؤسساتها عن السيطرة وتلبية مطالب الجماهير.
المرحلة الثالثة: تضمنت بسط إرادة العدو والعمل على التحكم في مصير الدولة. عن طريق تحريك العملاء أو قيادات التيارات والطوائف لتقسيم الدولة وتحويلها إلى مجرد تابع يحصل على الغذاء مقابل نهب ثرواته بدون أي حروب. يمكننا وصف حروب الجيل الرابع بأنها حرب طويلة المدى تحاول تحقيق أهدافها تدريجياً للوصول إلى الهدف الرئيسي لتدمير الدولة. وحاول الحديث عن ذلك البروفيسور (ماكس مانوارينج)، الباحث في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية. قائلاً إن (هذا الجيل الجديد في الحرب يستخدم كل الوسائل المتاحة فيها لمحاولة تكوين دولة ضعيفة منهكة تستجيب للنفوذ الخارجي(.
المبحث الثاني: تكتيكات وعناصر قوة حروب الجيل الرابع:
لحروب الجيل الرابع تكتيكات )المطلب الأول( و عناصر قوة )المطلب الثاني(
المطلب الأول: تكتيكات حروب الجيل الرابع:
هناك العديد من التكتيكات المستخدمة في حروب الجيل الرابع، ويتوقف ذلك على طبيعة الحرب، إرهاب أو معلومات أو دعائية أو ثقافية أو غير ذلك، والأهداف المتوخاة وطبيعة دفاعات الخصم الذاتية.
وأحد أبرز هذه التكتيكات كشف عنه البروفيسور ماكس مانوارينج الأستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب بالجيش الأمريكي في ندوة بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي حين قال إن الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز كان أول من أمر ضباطه أن يتعلموا «الجيل الرابع من الحرب غير المتماثلة»، وأن يطوروا عقيدتهم العسكرية للتعامل معها بحيث لا يكون الدفاع أو الهجوم عبر قوات نظامية كما كان في الماضي، وأشار إلى أن الهدف من هذه الحرب لا يمكن في تحطيم مؤسسة عسكرية أو القضاء على قدرة أمة بشكل عاجل، وإنما الهدف هو الإنهاك والتآكل ببطء، ولكن بشكل مستمر ومتواصل يؤدى إلى إرغام العدو على تنفيذ إرادتك. إذاً الغاية من الحرب كما ذكرنا آنفاً هي التحكم في العدو، والقاسم المشترك في كل هذا هو زعزعة الاستقرار، أما القوات المشاركة في تنفيذ هذا المخطط فليس كل عناصرها من الرجال ولكن بينهم نساء وأطفال مثلما شاهد الجميع في العاصمة المصرية القاهرة في فترات سابقة حين تم استخدام أطفال الشوارع لاستهداف قوات الجيش والشرطة وإحراق البنى التحتية وإشاعة الفوضى والذعر في شوارع العاصمة. وزعزعة الاستقرار، قد تكون أيضاً عبر وسائل “حميدة” ـ استخدام وصف حميدة في هذا الإطار ينطوي على قدر من التمويه والدهاء ـ إلى حد ما مثل أن ينفذها مواطنون من الدولة العدو.
وباختصار إيجاد دولة فاشلة وأول ملامحها هو إيجاد أماكن داخل حدود العدو ليس له سيادة عليها عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه الأماكن، إذاً المعادلة لها هدفان هما الإكراه ثم الدولة الفاشلة. ويتم ذلك عبر عمليات تنفذ ببطء وبهدوء كافٍ. سيكون هناك جزء من البلد لا تديره الدولة، فيتآكل مفهوم السيادة. لكن لو لم تتحكم الدولة في كامل إقليمها فمن يتحكم فيه؟ ستتحكم في هذه المناطق مجموعات غير تابعة للدولة، عنيفة ومحاربة وشريرة وهذا ما يخلق الدولة الفاشلة، بعدها تستطيع أن تتدخل أنت وتتحكم في هذه الدولة وينهي ماكس محاضرته بقوله «وإذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية وببطء مدروس، فسيستيقظ عدوك ميتاً ؟!». والفكرة في مجملها ليست جديدة، وقد تحدّث عنها قبل قرون المفكر الاستراتيجي الصيني سون وو، معتبراً أنه من غير المجدي الدخول في قتال ضد قوة عسكرية أقوى بالأسلحة المناظرة نفسها، وعليك أن تستخدم أسلوباً مختلفاً يستهدف وحدة المجتمع الذي أنتج القوة العسكرية. فبتحطيم التماسك الاجتماعي، سرعان ما تتفكك القوة العسكرية، فغاية الحرب غير المتناظرة تمزيق البنيات الاجتماعية وتدميرها ولكن الجديد عند المحاضر الأمريكي هو أن دولاً كبيرة تملك قوة عسكرية متفوقة ومع ذلك لا تلجأ إلى شن الحروب التقليدية وتفضل استخدام الحروب غير المتماثلة. فالسلاح الرئيسي في هذا الإطار ليس قوة النيران، وإنما القدرات العقلية؛ والقدرات الذكية، فحائط برلين لم تسقطه الدبابات والمدفعية والطيران ولكن المارك الألماني، حسب قول مانوارينج
و يمكن القول ان الوسائل المستخدمة في الجيل الرابع من الحروب: - الإرهاب والتطرف والمنظمات والجماعات والخلايا الإرهابية وتوجيها واستخدام تكتيكات حرب العصابات لتحقيق الأهداف المراد منها.
- استخدام الحرب النفسية والذهنية المتطورة وأدواتها الإعلام والانترنت والتلاعب النفسي وتحريك الرأي العام.
- استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية.
- تطور تكنلوجيا المعلومات وتكنلوجيا الناتو والهندسة الجينية والحواسيب المتطورة والرادار التموجي وتشكيل الجيوش السبرانية لتشكل وسائل لهذه الحرب لم يكن من الممكن الحصول عليها سابقاً.
كل هذه الوسائل تأتي في سبيل اخضاع الدولة المستهدفة عن طريق جعلها دولة فاشلة ومنهكة وضعيفة، تستجيب للضغوطات والتدخلات الخارجية وتكون أرض صالحة للنفوذ والسيطرة …
المطلب الثاني: عناصر قوة حروب الجيل الرابع:
بما أن الجهات الفاعلة في حروب الجيل الرابع ليست رسمية، فإن القيادة المركزية ليست هي المفتاح لنجاح هذه الحروب التي لا ترتبط بقيادات كاريزمية ولا تعتمد على هذه القيادات في استمرارية الحرب التي تتسم بطول الأمد، ويبرهن خبراء على ذلك بأن تنظيم القاعدة قد أصبح أكثر خطورة بعد مقتل أسامة بن لادن وأن حركة طالبان الأفغانية تعمل بقوة من دون قيادة واضحة من الملا عمر الذي يركز جهوده على الاختباء من الملاحقة الأمريكية والأفغانية له.
ـ يرى خبراء أن أحد كوامن القوة في حروب الجيل الرابع أنها لا تتقيد بسيادة القانون، وتستخدمه عندما يكون في مصلحتها فقط؛ بمعنى توظيف القانون مثلاً للتشهير بالأعداء ولفت انتباه الرأي العام العالمي إلى خروقاتهم القانونية لرفع غطاء الشرعية المحلية والدولية عن الأنظمة الحاكمة. كما أن حروب الجيل الرابع تستخدم الأيديولوجيا عندما تكون في مصلحتها ولكنها تعتبر من لا يشاركونهم معتقداتهم أهدافاً مشروعة ضمن أعمال العنف التي تمارسها الحركات والتنظيمات المنخرطة في هذه الحروب. وهذه التنظيمات تخرق القوانين ولكن عندما يتم القبض عليهم يحاجّون بالمنظومة القانونية ذاتها التي يخرقونها ليل نهار.
ـ ثمة ميزة نسبية لحروب الجيل الرابع أيضاً تكمن في استفادتها الهائلة من سرعة تنفيذ أي تكتيكات بشكل لا مركزي، وهذا واضح في الميليشيات المسلحة التي توفر فرصة وهامش مناورة كبيرة لعناصرها في تنفيذ الهجمات بحيث تكون هذه العناصر في أحيان كثيرة أكثر تفوقاً في مواجهة أي قوات رسمية تتقيد غالباً بالقانون وتخشى المساءلة والمحاسبة ولو بعد حين.
الخاتمة:
لقد عكفت إسرائيل مع الولايات المتحدة في رسم سيناريو الجيل الرابع من الحروب في الوطن العربي وكان يهدف هذا السيناريو إلى ما يلي : - تحقيق امن إسرائيل في ظل السعي الدائم العربي للتسلح
• طمس القضية الفلسطينية نهائيا في ظل إشغال العرب بشئوونهم الداخلية
• إبعاد إسرائيل عن المواجهة مع إيران في سعيها للسيطرة الإقليمية وخلق مواجهة عبر حرب دينية سنية شيعية
• طمس الهوية الإسلامية باختلاق عداء وفزاعة من الاسلام السياسي لدى عموم العرب
فكان لا بد من إحداث سيناريو الفوضى الخلاقة في الدول العربية لذا قامت بدعم الثورات العربية والتضحية بالعملاء القدماء والدليل على ذلك دعم المعارضة السورية وقيادة التحالف الدولي في ليبيا وما حدث في العراق ثم دعم التيارات الإسلامية غير المؤهلة لقيادة الدول للوصول للحكم.
و أعتقد بأن أجيال الحروب ستستمر في التقدم بصورة مضطردة وستشمل في صورها الجديدة أنواع متعددة سابقة وحديثة متداخلة من فنون القتال وأنواعه وستستغل كل ما تصل إليه التقنية والتطور العلمي في مختلف المجالات ولذلك فحروب المستقبل ستكون غير محددة بنوع ونمط قتالي معين عرفه العالم من قبل , الغاية فيه تبرر الوسيلة وهدفها الاسمى هو سحق الخصم حتى قبل أن يستعد للحرب والسيطرة على العالم ومصادر الماء والطاقة فيه بالقوة العسكرية المطلقة.
المراجع:
باللغة العربية:
.إبراهيم ، احمد، الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط: دراسة حالة غزو العراق
أحمد ، بشير سبهان، موقف القانون الدولي من الحرب بالوكالة أو الانابة ، حروب الجيل الرابع، مجلة جامعة تكريت للحقوق، عدد0 ،العراق.
.تركية ، بوسعيدي، حروب الجيل الرابع والتحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق جامعة البليدة، الجزائر.
حسام الدين ، نسرين، دور مواقع التواصل الاجتماعي في إدراك الشباب المصري لمخاطر حروب الجيل الرابع: دراسة ميدانية، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام،
خلاصي ، خليدة كعسيس، الربيع العربي بين الثورة والفوضى، مجلة المستقبل العربي، عدد 261.
-رحومة ، دينا، ، الفوضى الخلاقة وتداعياتها على اىمن الاقليمي …دراسة حالة: إقليم
الشرق الاوسط بعد أحداث 11 سبتمبر خاصة، المركز الديمقراطي العربي، 6112-6115.
-عبد الوهاب ، شادى، التفجير من الداخل، مجلة اتجاهات الاحداث، مجلد 1( 1.)
-عزالدين ، زينب حسني، أثرحروب الجيل الرابع على الامن القومي: دراسة حالة تنظيم الدولة الاسلامية ، المركز العربى الديمقراطي.
-فولى ، أحمد حسن، حروب الجيل الرابع وأزمة القانون الدولي العام، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 62.
– المراجع الاجنبية:
. Maier, Vasile “Et Al.”, (2012), Fifth Generation Warfare: A Sf Concept or an Inevitable Perspective? Romanian Military Thinking, No. 1, January – March.
. Phelam, Pat, (2011), Fourth Generation Warfare & Its Challenge for The Military & Society, Defense Studies, Vol. 11
. Reed, Donald J., (2008), Beyond The War On Terror: Into The Fifth Generation of War & Conflict, Studies in Conflict & Terrorism, Vol. 31.
. Katoch, Ghanshyam Singh, (2005), Fourth Generation War: Paradigm for Change” Naval postgraduate School, Master’s Thesis, Monterey, California.
. Khan, Khurshid, (2013), Understanding Information Warfare & Its Relevance to Pakistan, Strategic Studies, Vol. 4