مؤتمر ليلة القدر …اول تجسيد للوحدة الوطنية

مرة اخرى يدفعنا التجاهل الذي يحيط بالرموز و الاحداث الوطنية الى الاشارة الى سلبية هذا التمشي على الذاكرة الشعبية من ناحية و على بناء المستقبل من ناحية . فبعد مرور وفاة المرحوم الشاذلي القليبي مرور الكرام يلف التناسي ذكرى مؤتمر ليلة القدر الذي يعتبر بكل المقاييس حدثا مفصليا و شديد الاهمية في تاريخ تونس الحديث و المعاصر . و من الاشياء التي تلفت الانتباه ان الذين يبحثون عن وضع اليد على ميراث الزعيم صالح بن يوسف السياسي قد فاتهم ان مؤتمر ليلة القدر هو من اهم و ابرز انجازات المرحوم صالح بن يوسف و من اهم اسهاماته في مسيرة النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. و اما المنطق الوطني المتعالي عن الحسابات الضيقة و اللاعيب السياسية فانه لا يمكن باي حال من الاحوال ان يتناسى مؤتمر ليلة القدر الذي انعقد في ليلة القدر من سنة 1946 و تحديدا يوم 23 اوت من تلك السنة . كان هناك استغلال دلالات ليلة القدر التي ميزها القران عن سائر الايام من اجل شخذ همم التونسيين و خاصة الوطنيين منهم علاوة على استغلال نتائج الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها فرنسا منهكة القوى و في رصيدها هزيمة تاريخية لم ينقذها منها الا الدعم الامريكي هذا دون ان ننسى ان الحرب العالمية الثانية قد زادت في معاناة الشعب التونسي و شهدت اقدام السلطات الاستعمارية الفرنسية على نفي المنصف باي . كل هذه المعطيات خلقت واقعا جديدا و خاصة وعيا وطنيا بان الظرف قد اصبح ملائما لرفع سقف المطالب و تطوير اداء مختلف مكونات الحركة الوطنية و في هذا الاطار تتنزل رحلة الزعيم الحبيب بورقيبة الى المشرق العربي و تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 جانفي 1946 و هو تاسيس كان اشارة الى دخول القوى الجديدة في معركة الشعب التونسي من اجل تقرير مصيره . و يبدو ان تناسي البعض لمؤتمر ليلة القدر يعود الى اعتقادهم ان هذا المؤتمر هو مؤتمر للحزب الدستوري الجديد و هو اعتقاد خاطيء لان هذا المؤتمر الذي لعب الزعيم صالح بن يوسف دورا محوريا في الاعداد له كان اول مؤتمر وطني في تونس الحديثة اذ لم يغب عن اشغاله الا الحزب الشيوعي التونسي و شارك فيه ممثلون عن الحزب الدستوري الجديد و الحزب الدستوري القديم و ممثلون للتيار الزيتوني و نقابيون و يساريون مستقلون و سبقه اتصال قادة الحركة الوطنية بقنصلي بريطانيا و الولايات المتحدة الامريكية و تسليمهما لائحة فيها مطالبة بدعم حصول تونس على الاستقلال الداخلي . لم تدم اشغال مؤتمر ليلة القدر الذي حضرته 300 شخصية وطنية طويلا اذ اقتحمت قوات الشرطة الاستعمارية منزل محمد بن جراد الذي احتضن المؤتمر و اعتقلت خمسين شخصية من بين الحاضرين و لاحقت البقية و استطاع الهادي نويرة الافلات من خلال التسلل من مدخنة المطبخ الى اسطح منطقة ترنجة المتلاصقة حاملا معه لائحة المؤتمر التي تضمنت لاول مرة منذ انتصاب الحماية سنة 1881 مطالبة صريحة باستقلال تونس . مكتب المؤتمر تكون من صالح بن يوسف وصالح فرحات و احمد بن ميلاد و تراسه القاضي العروسي الحداد الذي القى كلمة ظلت بعض جملها حية الى اليوم خاصة حين قال “طيلة مباشرتي لمهمتي القضائية طالبت باعدام المجرمين و انا اليوم اصدر حكمي بالاعدام على نظام الحماية ” . و تكمن اهمية المؤتمر الى جانب تنوع القوى السياسية و الاجتماعية التي شاركت في وقائعه في انه قد شهد للمرة الاولى مطالبة التونسيين و التونسيات بالاستقلال التام اذ حرص الزعيم صالح بن يوسف على ان يردد الجميع عند اقتحام القوات الاستعمارية لمقر المؤتمر شعار ” الاستقلال ..الاستقلال …الحرية …الحرية ” و ما اشد حاجتنا اليوم الى لقاء وطني يؤكد على الوحدة الوطنية الحقيقية و لاستحضار قيم الحرية و الاستقلال عبد الرؤوف الخماسي