مقالات قانونية

«قوة التفاوض»… رؤية عباس عراقجي في تحويل الصراع إلى فرصة

 

كتب حسين مرتضى ..

 

في كتابه «قوة التفاوض»، يقدم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قراءة عميقة في علم وفن التفاوض السياسي، كاشفًا عن فلسفة جديدة ترى في التفاوض امتدادًا للقوة الوطنية لا نقيضًا لها. الكتاب، الذي يجمع بين النظرية والتجربة، يقدّم نموذجًا واقعيًا مستمدًا من مسيرة إيران الدبلوماسية، ولا سيما خلال العقود الأخيرة من الضغوط الدولية والمفاوضات النووية.

 

الفصل الأول: ماهيّة التفاوض السياسي

 

يبدأ عراقجي كتابه بتعريف لافت للتفاوض باعتباره «فن تحويل التناقض إلى تفاهم»، مؤكدًا أن الجلوس إلى طاولة التفاوض ليس علامة ضعف، بل أداة من أدوات القوة الوطنية.

ويرى أن المفاوض الحقيقي يدخل الميدان محمّلًا بثلاثة عناصر لا غنى عنها: المصلحة، القوة، والمصداقية.

ويحذّر من التفاوض دون امتلاك عناصر القوة، لأن ذلك يعني “الذهاب لتقديم التنازلات لا لتحقيق الأهداف”.

ويضرب مثالًا بتجربة إيران بعد الحرب العراقية – الإيرانية، حيث كان القبول بالقرار الأممي 598، كما يقول، اختيارًا تكتيكيًا لا استسلامًا.

 

الفصل الثاني: أنواع التفاوض السياسي

 

يصنّف عراقجي التفاوض إلى ستة أنواع أساسية:

 

1. تفاوض الأزمة،

2. التفاوض الدفاعي،

3. التفاوض الوقائي،

4. التفاوض المرحلي،

5. التفاوض الإعلامي،

6. تفاوض شراء الوقت.

 

ويرى أن التفاوض بالنسبة لإيران ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل أداة استراتيجية ذكية تُستخدم لمقاومة الضغط عندما تكون المواجهة المباشرة غير ممكنة.

 

الفصل الثالث: التفاوض والقوة الوطنية

 

في هذا الفصل، يربط عراقجي بين نجاح المفاوض وبين ركائز القوة الوطنية الأربع:

القدرة العسكرية، الاستقلال الاقتصادي، الوحدة الداخلية، والشرعية السياسية والإيمانية.

ويقول بوضوح:

 

“لا أحد يمنحك في طاولة المفاوضات ما لم تنتزعه من ميزان القوى في الميدان.”

 

ويضرب مثالًا بالمفاوضات النووية، حيث شكّل صمود إيران في وجه العقوبات أحد أهم مصادر قوتها التفاوضية.

 

الفصل الرابع: مهارات ومراحل التفاوض

 

يقدّم الوزير عراقجي خريطة عملية لخمس مراحل تفاوضية تبدأ بالتحضير وتنتهي بالمتابعة، مؤكدًا أن التفاوض ليس حدثًا عابرًا بل عملية مستمرة.

ويشير إلى أن المفاوض الذكي هو من يترك الباب مواربًا لمفاوضة لاحقة، لأن النجاح لا يقاس بتوقيع الاتفاق، بل بمدى استمرارية نتائجه.

 

الفصل الخامس: صفات المفاوض الناجح

 

يصف عراقجي المفاوض الناجح بأنه صبور، واثق، متواضع، ويمتلك قدرة عالية على قراءة لغة الجسد والصمت.

ويقول في اقتباس بارز من الكتاب:

 

“المفاوض الضعيف هو من يتحدث كثيرًا ليخفي ضعفه، أما المفاوض القوي فهو من يصمت حتى يتحدث الميدان عنه.”

 

الفصل السادس: مساومة البازار – النهج الإيراني في التفاوض

 

يستعير الوزير عراقجي مفهوم «البازار الإيراني» كنموذج للتفاوض الصعب القائم على الصبر وطول النفس.

فالمفاوض الإيراني، كما يصفه، لا يقبل العرض الأول، يرفع السقف ثم يتنازل ببطء، ويُطيل أمد النقاش حتى يشعر الطرف الآخر بالحاجة إلى إنهائه.

ويؤكد أن هذه الطريقة ليست خداعًا بل فنًا في إدارة الزمن والتوازن النفسي داخل التفاوض، مستشهدًا بتجارب من المفاوضات النووية التي انتهت بتنازلات غربية “لإنهاء المفاوضات لا أكثر”.

 

خلاصة فكر الكتاب

 

يرى معالي الوزير عباس عراقجي أن التفاوض هو استمرار للصراع بوسائل ناعمة، وأنه امتداد للقوة لا بديلاً عنها.

ويختم فكرته بأن الصبر والمعلومات والمرونة أهم من البلاغة في الكلام، لأن جوهر التفاوض في نظره هو إدارة المواقف لا مجرد تبادل الكلمات.

 

 

إن كتاب «قوة التفاوض» ليس مجرد تأمل في الدبلوماسية، بل دليل عملي في بناء القوة الهادئة وصناعة القرار الحكيم. إنه يقدّم دروسًا في كيفية تحويل الضغط إلى فرصة، والصراع إلى تفاهم، والخصم إلى شريك في تحقيق المصلحة الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى