قرنا بعد قرن

في التسعينات من القرن الماضي، حين تم إصدار الاتفاق الكوري الأمريكي الأساسي وأرسل
الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، رسالة تطمينات يعهد فيها بتنفيذ هذا الاتفاق إلى رئيس لجنة الدفاع
الوطني لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كيم جونغ إيل (1942 – 2011) قال الباحث رفيع
المستوى في أحد معاهد الأبحاث الأمريكية سولوبايك في اللقاء مع الصحيفة الأمريكية “نيويورك
تايمز” ما يلي:
القائد الأعلى لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل،
ما هو إلا رجل يتحكم بالولايات المتحدة الأمريكية “الدولة العظمى” في عالمنا هذا الذي حل فيه
القطبان الشرقي والغربي. إذن، إلى أي نوع من الرجال العظماء ينتمي هو، يا ترى؟ لم يعط حتى
كمبيوتر معهدنا المعروف بأنه يملك أكبر طاقة في العالم جوابا عن هذا السؤال. ها هنا تكمن نواة
المصير المأسوي للولايات المتحدة في يومنا الحالي.
بعد مرور السنين على ذلك، نشرت مقالته في إحدى المجلات الشهرية الأمريكية.
ذكر فيها أن رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل هو رجل عظيم من نوع الرئيس
كيم إيل سونغ (1912 – 1994) المعروف بأعظم رجل أنجبه القرن العشرون. حقا إنه أعظم
رجل يتجسد الواجب الأخلاقي الذي لم يتحل به أي شخص عظيم في هذا العالم فضلا عن
الدماغ الخارق والجرأة منقطعة النظير وفضائل الشمس على أعلى المستويات.
الرئيس كيم إيل سونغ كما هو معروف في العالم، كان رجلا عظيما نادرا خاض النضال
المسلح المناهض لليابان لمدة خمسة عشر عاما، وحقق تحرير كوريا من براثن الاحتلال العسكري
الياباني في يوم 15 من آب/ أغسطس 1945، وفي خمسينات القرن الماضي، أتى بالانتصارات في
الحرب ضد أمريكا التي كانت تتبجح بأنها “الأقوى” في العالم.
إذن، إلى أي نوع من سياسي ينتمي رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل؟
ذات مرة، قال قائد الدفاع الايطالي السابق ويلوونيس إن الحكام الذين أهملوا في الشؤون
العسكرية، أيا كانوا، ما دافعوا عن مصير أمتهم في كل العصور الماضية، مشيرا إلى أن القائد في
كوريا الاشتراكية يبرز الجيش ويهتم به وإنما هو سياسي صادق يتحمل المسؤولية عن مصير البلاد
والأمة.
كانت الكفاءة السياسية لرئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل معروفة على نطاق واسع
في العالم مع اتخاذه أسلوب السياسة الفريدة، المسماة بـ”سونكون” (إعطاء الأولوية للشؤون
العسكرية).
كما هو معروف للجميع، جرى في فترة ما بين أواخر ثمانينات القرن الماضي وأوائل
تسعيناته انتكاس الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق والبلدان الأوروبية الشرقية، مما جعل
الجميع يتوقع في “نهاية الاشتراكية في هذا الكوكب الأرضي” حسب نظرية لعبة “دومينو” التي
يدعو إليها الغرب. ففي المجتمع الدولي، تم ترويج الرأي العام القائل بأن كوريا أيضا ستتخلى عن
راية الاشتراكية عن قريب.
تزامنا مع ذلك، في منتصف التسعينات، عانى أبناء الشعب الكوري الحداد الوطني بفقدان
الرئيس كيم إيل سونغ الذي كانوا يثقون به ويتبعونه كعماد روحي لهم، فضلا عن هجوم القوى
المعادية المركز لعزل كوريا وتدميرها، والكوارث الطبيعية المتتالية. وسادت البلاد كلها أزمة
الحبوب الغذائية وأزمة الطاقة الكهربائية القاسية وتوقفت إدارة المصانع والقطارات مما أوقع
مصير الشعب الكوري على مفترق حياة أو موت بكل معنى الكلمة.
ولكن رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل تغلب على أقسى المصاعب في مقدمتها، على
الرغم من أن الآخرين قد يثنون أمامها عشرات أو مئات المرات لو وقعوا في مثل هذه الظروف.
بعد أن طرح الفلسفة السياسية الأصيلة المتمثلة بأن الجيش هو بالتحديد الحزب والدولة
والشعب، مارس سياسة سونكون واجتاز بها المحن والشدائد وجها لوجه. على ذلك، صار الجيش
الشعبي الكوري جيشا قويا لا ند له وتعززت قدرات الدفاع الوطني الكورية من كل النواحي حتى
صارت تذهب هباء محاولة القوى المعادية التي كانت تتهلل زاعمة بأن الفرصة السانحة لتدمير
كوريا حانت.
بفضل تطبيق سياسة سونكون للتغلب على الصعوبات في بناء الاقتصاد فضلا عن الدفاع عن
الوطن، عن طريق إبراز الجيش، تمكن هذا البلد حتى في أقسى الفترات من تحويل الأراضي
الزراعية في البلاد كلها إلى حقول قياسية واسعة النطاق، بما يجدر بأراضي الدولة الاشتراكية،
وإدخال تقانة تشغيل الماكينات الرقمي بالكمبيوتر في المصانع، وتم إنشاء قواعد تربية الدواجن
الحديثة، والمحطات الكهرمائية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في أرجاء البلاد.
لم يكبح المجتمع الدولي إعجابه فيما يرى كوريا الاشتراكية تواجه بجدارة الولايات المتحدة
المتبجحة بأنها “دولة عظمى وحيدة”، ممسكة تامة بزمام المبادرة دائما في المفاوضات، بالرغم من
أنها لم تكن مقارنة معها، من حيث مساحة الأرض وعدد السكان ومستوى تطور الاقتصاد.
وازداد عدد الزوار من الساسة الغربيين لهذا البلد وأقامت البلدان الغربية التي كانت تتشارك
في عزل كوريا سائرة في ركب الولايات المتحدة، العلاقات الدبلوماسية معه.
في القرن الحادي والعشرين أيضا بعد القرن العشرين، حقق رئيس لجنة الدفاع الوطني
كيم جونغ إيل نصرا تلو الآخر في حرب المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية ممسكا بزمام
المبادرة دائما.
عندما سدد ضربات موجعة إلى الولايات المتحدة والقوى التابعة لها والتي حاولت في منع
التجربة النووية الأولى تحت الأرض في كوريا وإطلاقها القمر الصناعي “كوانغميونغسونغ رقم 2″،
عرف المجتمع الدولي جرأته وإقدامه منقطع النظير، وصار على قناعة بأنه ما من قوة تستطيع أن
توقف مسيرة كوريا.
قال الرئيس المكسيكي الأسبق إيتشبيريا إن قدرة الشخص العظيم تظهر حسب مدى تعاطف
الشعوب وتأييدهم وتضامنهم لصحة القضية التي طرحها.
بينما أشاد المجتمع الدولي بأن رئيس لجنة الدفاع الوطني في كوريا الاشتراكية هو
سياسي عالمي مخضرم، جرى في الولايات المتحدة استطلاع الرأي العام بين مواطنيها ووضع
القائد كيم جونغ إيل في المقام الأول للمشاهير الذين تمتعوا بشعبية واسعة في العالم في عامي
2003 و2004. اختارت المجلة الأسبوعية الأخبارية الأمريكية “تايم” رئيس لجنة الدفاع
الوطني كيم جونغ إيل كأول