أخبار عالمية

قرار ترامب فتح تصدير رقائق H200 إلى الصين: منعطف، وما مخاطره وفرصه؟

أعلن الرئيس دونالد ترامب أنّ الولايات المتحدة ستسمح لشركة إنفيديا بتصدير رقاقة H200 المتقدّمة إلى «زبائن معتمدين» في الصين، وبقانونية تصفّها الإدارة بأنها ستُطبَّق «بشروط تضمن استدامة الأمن القومي»، مع اقتطاع نسبة 25% تُدفع إلى الخزينة الأميركية. القرار يستثني أقوى شرائح إنفيديا (سلسلة «بلاكويل» والمعالجات المقبلة مثل «روبن»)، لكنه يُشكّل تحوّلاً جذريًا في سياسة التصدير التي فرضتها إدارة بايدن.


1) ما الذي تغيّر فعلاً؟ — الفرق التقني والسياسي

إذن، ما تغيّر ليس أنّ كلّ رقاقة صارت مباحة، بل أنّ H200 — التي تُعدّ أقوى بكثير من النسخ المخفَّضة التي سُمِح بها سابقًا — باتت مرشّحة لأن تُصدّر بشروط رقابية وإجرائية (قوائم «زبائن معتمدين»، مراجعات من وزارة التجارة، إلخ). بالمقابل، أعلى فئة من الشرائح (Blackwell/روبن) بقيت محظورة لمستخدميها الخارجيين. هذا القرار يحوّل السياسة من منع شامل إلى منهج «محدود ومشروط» يشي بالمفاضلة بين مخاوف الأمن القومي والفوائد الاقتصادية.


2) الآلية المالية: 25% — ضريبة أم أداة نفوذ؟

أبرز ما لفت الأنظار هو تصريح ترامب بأن الولايات المتحدة ستحصل على 25% من عائدات هذه المبيعات. التقارير تشير إلى أن الإدارة تدرس آليات مختلفة (رسم تصدير/استقطاع جمركي أو ضريبة على دخول الرقائق عبر تايوان) وأن تفاصيل التنفيذ ما زالت بيد وزارة التجارة والبيت الأبيض. إن كانت نسبة كهذه تُطبّق فعلاً وتُحصّل بآلية واضحة، فستصبح أداة مالية ذات وجهين: مصدر إيرادات فوري — وربما رمزي — ووسيلة ضغط/حصة في الفائدة الاقتصادية من بيع التكنولوجيا. لكن تبقى الأسئلة العملية (كيف تُحكم عملية التحصيل، من يراقب إعادة التصدير، وما آليات مراجعة «الزبائن المعتمدين»؟) حاسمة لتقييم النجاح.


3) المخاطر الأمنية المعلنة والفعلية

المعارضون، لا سيما مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، حذّروا فورًا من أن السماح لصين بالحصول على H200 قد يسرّع جهوزيتها في تطبيقات عسكرية وسيبرانية متقدمة، ويمنح قدرات تحليلية وتدريبًا أسرع لنماذج الذكاء الاصطناعي العسكرية والاستخباراتية. السيناريو الخطير الذي يختص به الأمن القومي لا يحتاج إلى خيال بعيد: رقائق أقوى تُترجم إلى نماذج أكبر، وتطبيقات تحليل صور/تفريغ صوتي/قيادة أوتوماتيكية دقيقة — كلها عناصر تكثّف الجهد العسكري والتجسسي. تصريحات نائبة السيناتور إليزابيث وارن مثال صارخ على هذه المخاوف التي قد تقود إلى تحرّكات تشريعية.

مع ذلك، يجدر التذكير بأن القيود السابقة دفعت الصين إلى تسريع برامجها المحلية لتطوير الرقائق، والعوائد طويلة الأجل لسياسات الحظر ليست حتمية. حتى لو سُمح ببيع H200 بشروط، فإن تأثير ذلك على التفوّق الأمريكي في المدى المتوسط يتوقف على عدة عوامل: مدى النفاذ الفعلي للصين إلى الشريحة، قدرة واشنطن على ضمان عدم إعادة التصدير أو سوء الاستخدام، وسرعة وتماسك سياسة الولايات المتحدة تجاه سلاسل التوريد الحسّاسة


4) مصالح الشركات: لماذا دفعت إنفيديا بقوة؟

إنفيديا وقيادتها، وعلى رأسها جنسن هوانغ، طالبتا علناً بتمكين مبيعات أوسع كجزء من استراتيجية تجارية لاحتلال حصة السوق العالمية وتمويل استثمارات في مراكز بيانات وبنية تحتية داخل الولايات المتحدة وخارجها. السماح ببيع H200 إلى الصين يعني سوقًا ضخمًا مُفتَحًا مجددًا لشركة كانت خسرت حصة هامة بسبب القيود، وهذا يفسّر اللقاءات المغلقة والضغط السياسي الذي مارسته الشركة في واشنطن في الأسابيع الماضية. إنفيديا ترى في التوسّع مُحفّزًا لنمو الإيرادات والاستثمارات التي توجّهها أيضاً داخل الاقتصاد الأميركي.


5) كيف ستعمل الضوابط عمليًا؟ (مخاوف تنفيذية)

قضية أساسية: النفاذ إلى «الزبائن المعتمدين». لوضع ضوابط فعّالة، تحتاج الإدارة إلى آليات تحقق من: هوية المستخدم النهائي، ما إذا كانت الرقائق ستستخدم فعلاً لأغراض تجارية علمية مدنية أم لأغراض عسكرية/حساسة، وإمكانية فرض عقوبات فورية على الانتهاكات. التاريخ الحديث مليء بمحاولات تهريب وإعادة تصدير رقائق إنفيديا — ما يبرز الحاجة لتكامل استخباراتي وجمركي وديبلوماسي لإحكام السيطرة. التقارير تشير إلى أن وزارة التجارة بصدد وضع «قواعد تنفيذية» لكن التفاصيل ليست متاحة بعد.


6) السيناريوهات المتوقعة على المدى القصير والمتوسط

القصير (أسابيع–أشهر): ضغط سياسي برلماني من الديمقراطيين ومحاولة تشريع لوقف القرار؛ جلسات استماع مع رؤساء شركات؛ تدقيق على الصفقات الأولى التي تُعطى تراخيص.
المتوسط (سنة–ثلاث سنوات): إما تكوين آلية رقابية فعّالة تقلّل المخاطر وتسمح بتدفقات تجارية معينة، أو عودة التقييدات/تشديد رقابي إذا ظهر استخدام عسكري أو تسريب. على المدى الأطول، قد تشجّع خطوة كهذه صينيين ومصنعين آخرين على تعزيز تكنولوجيا محلية لخفض الاعتماد.


خاتمة رأي موجزة

الخطوة التي اتخذها ترامب تبدو محاولة «تسوية» بين مصالح اقتصادية قصيرة المدى وضوابط أمنية شكلية. لكن التاريخ يُعلّم أن التكنولوجيا التي تُباع قد تُسخَّر بسرعة لأغراض لم تُقصَد أساسًا، وأن الضمانات الإجرائية ليست بديلًا عن التقييم الاستراتيجي الدقيق. من ناحية أخرى، إبقاء سوق الصين مغلقًا تمامًا دفع بكين إلى تسريع الاكتفاء الذاتي؛ إذًا القرار الأميركي هذا قد يكون محاولة لإعادة تشكيل النفوذ الأميركي في سوق حيوي بدلًا من التسليم بخسارته بالكامل. الأهم في المرحلة القادمة هو التفاصيل التنفيذية: من يُعطى الترخيص، كيف ستُبنى آليات المراقبة، وما المقاييس التي ستؤدي إلى تعليق أو إلغاء الصفقات؟ فإذا كانت الإجابات سيّئة أو غامضة، فستخسر واشنطن على المدى المتوسط — أمنًا واقتصادًا وقيادة تكنولوجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى