مقالات

عوالم خفية – سد يأجوج ومأجوج.. والحقيقة الغائبة

بقلم: ناصر السلاموني
في الخرائط الأولى التي خطّها الجغرافيون المسلمون، بحبرٍ ممزوجٍ بالإيمان والدهشة، ظهرت بقعة غريبة لا تشبه سواها: ألا وهي”الواق واق”.
لم تكن مجرد جزيرة… بل لغزًا يُوشك أن ينطق. ظهرت على أطراف خرائطهم، في شرقٍ أبعد من الشرق، بعد الصين والهند، في نقطة لا تعود منها السفن ولا تصلها الأخبار.
قيل إن فيها أشجارًا تثمر فتيات، وأرضًا تنبض بالأسرار، وهواءً مشبعًا بأصواتٍ لا نعرف لها مصدرًا… كأن المكان يتنفس سرًّا دفينًا.
ثم جاء العلم الحديث، وابتلعت الخرائط الكروية تلك الجزيرة. اختفت “الواق واق” من الأطالس، ومن المناهج. كأن يدًا خفية قررت محوها من الذاكرة البشرية.
ولكن… ماذا لو لم تُمحَ؟ ماذا لو كانت مخفية عن عمد؟
لأن الاقتراب منها ممنوع؟ بل لأن الوصول إليها ربما ينذر بكشف شيءٍ أخطر من أن يُقال.
كلما اقتربت البشرية من حل لغز، ظهر لغزٌ أكبر. خذ مثلًا مثلث (برمودا)، الذي لا يبتلع الطائرات والسفن فقط، بل يبتلع المنطق ذاته.فهو جزء من الأرض لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء، ولا يحتكم إلى تفسير واحد.
البعض يراه بوابة لعوالم خفية، تربط بين الأرض وما تحتها، بين بحارنا وقارات مخفية لم تُكتشف بعد.
ورغم تعدد الدراسات الحديثة التي حاولت تفسير الظاهرة، لم يقدَّم إلى اليوم تفسير قاطع، مما أبقى( برمودا )أحد أعظم أسرار الكوكب.
ثم جاءت نظرية( الجدار الجليدي.).. وهي من النظريات المعاصرة المثيرة للجدل، التي تحاصر عقول الباحثين والخياليين على السواء.
تقول هذه النظرية – على سبيل الفرض لا اليقين – إن الأرض قد تكون محاطة بجدارٍ جليدي لا يمكن اختراقه، وإن وراءه أراضي مجهولة أو قارات خفية.
ولا نتحدث هنا عن القطب الجنوبي كما تضعه الخرائط، بل عن جدار فعلي يفصل عالمنا عن عوالم أخرى.
ويُضيف بعض أنصار النظرية أن هناك مناطق محظورة تحيط به، لا يُسمح فيها بالطيران أو البحث العلمي التفصيلي. ورغم أن هذه الادعاءات لا تستند إلى دليل علمي موثّق، إلا أن تكرارها يثير التساؤل:
لماذا تُقيَّد بعض الرحلات القطبية؟ ولماذا تُحجب صور أقمار صناعية معينة في تلك الجهات؟ أهي لأسباب بيئية بحتة… أم لأسباب تتجاوز ما يُعلن؟
كل تلك الأسئلة تزداد عمقًا عندما نضعها إلى جانب أسماء ومناطق تتكرر في التراث الإنساني دون تفسير حاسم: الواق واق، برمودا، الجدار الجليدي، أغارثا، شامبالا، إرم ذات العماد، سد يأجوج ومأجوج، والمدن الغارقة…
هل من المعقول أن تتكرر هذه الأسماء في حضارات متباعدة دون رابط؟
وهل تكون مجرد أساطير… أم إشارات إلى أسرار حقيقية تمّ التعتيم عليها عبر العصور؟
وهنا نصل إلى “سد يأجوج ومأجوج”، وهو ليس مجرد حكاية، بل حقيقة قرآنية وردت في سورة الكهف، حيث يخبرنا الله تعالى عن ملك عادل يُدعى( ذو القرنين)، طاف مشارق الأرض ومغاربها، حتى بلغ أرضًا بين جبلين، فوجد قومًا( لا يكادون يفقهون قولًا.) شكوا له خطر قوم مفسدين: (يأجوج ومأجوج).فبنى سدًّا عظيمًا من الحديد والنحاس المنصهر، وعدّهم أن يأجوج ومأجوج لن يعبروا حتى يأذن الله بخروجهم.
قا حدل تعالى:
> “آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا. فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا”.
السؤال لم يعد: “هل هذه قصة رمزية؟”
بل أصبح: أين هو ذلك السد؟ وهل ما زال قائمًا؟ وهل هناك غيره من الأسرار التي لم تُكشف بعد؟
ذكر عدد من المفسرين الكبار، كالطبري وابن كثير، أن( يأجوج ومأجوج) في أقصى الشمال الشرقي، خلف الجبال، في أرض مغلقة لا يعلمها إلا الله.
وهو وصف يشبه – في بعض أوجهه – بعض النظريات الحديثة عن وجود مناطق معزولة خلف الجليد أو في أعماق الأرض.
أما الجغرافيون المسلمون، مثل الإدريسي والمقدسي وابن خرداذبه، فقد كتبوا عن أراضٍ نائية لا تشبه ما نعرفه، وتحدثوا عن شعوب غريبة خلف جبال القوقاز، وعن بوابات حديدية ضخمة يصعب تجاوزها.
وأشهر تلك الروايات، ما يُنسب إلى بعثة مستكشفين في العصر العباسي، خرجوا شرقًا حتى بلغوا ما وصفوه بـ “حدود الأرض”، ووجدوا هناك أبوابًا حديدية مُحكمة، خلفها عالم لا يشبه عالمنا.
قالوا إنهم سمعوا أصواتًا غريبة، وشاهدوا طيورًا لا تطير، وبشرًا يتواصلون بالنظرات فقط!
ورغم أن هذه الرواية لم تُسجَّل في كتب التاريخ الرسمية، إلا أنها وردت في بعض المخطوطات النادرة التي اعتبرها مؤرخون لاحقون “أساطير شعبية” أو روايات رمزية عن أماكن مجهولة.
فهل اقترب المسلمون الأوائل من السد فعلًا؟
وهل كان ذو القرنين مجرد ملك عادل… أم رجلًا امتلك مفاتيح الجغرافيا الكونية؟
وهل بنى سدًا يعجز العلم الحديث عن كشفه رغم الأقمار الصناعية والرادارات المتطورة؟
ومع أن الأقمار الصناعية اليوم تكشف معظم تضاريس الأرض، إلا أن بعض مناطق القطبين لا تزال غامضة أو محدودة التفاصيل.
وفي تطبيقات الخرائط الحديثة، مثل “Google Earth”، تظهر بقع مطموسة أو غير واضحة في أماكن نائية.
قد يكون ذلك لأسباب تقنية أو أمنية أو بيئية، لكنّ هذا الغموض يترك باب التساؤل مفتوحًا أمام العقول المتأملة.
إن قصة( يأجوج ومأجوج )ليست أسطورة، بل وعدٌ قرآني بالخروج في آخر الزمان، كما ورد في نصوص صحيحة، والسد ليس مجرد رمز، بل مكان فعلي صنعه بشر بأمر من الله، ولا يزال قائمًا حتى يأذن الله بخرقه.
لكن العلم الحديث لم يقدّم بعد دليلاً مادياً واضحًا على موضعه، وهو ما يجعل البحث في هذا الموضوع أقرب إلى التأمل الإيماني منه إلى الاكتشاف الجغرافي.
فربما لم تكن “الواق واق” خيالًا، ولا “الجدار الجليدي” وهمًا، ولا “يأجوج ومأجوج” رموزًا، بل حقائق تنتظر من يزيح الستار عنها…
غير أن السؤال الأهم الذي يبقى معلقًا هو:
من يملك الجرأة للبحث؟ ومن يستطيع أن يرى ما وراء الممنوع؟
ومهما تعددت النظريات أو الفرضيات، فإن اليقين الذي لا خلاف عليه هو أن ما أخبر به القرآن حق، وأن ما سكت عنه الغيب لا يُدرك إلا بإذن الله.
فـ “العوالم الخفية” ستبقى دائمًا بين الإيمان بالغيب وفضول الاكتشاف، بين العلم الذي يبحث، واليقين الذي ينتظر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى