أخبار العالم العربي

طارق الأنصاري.. الدبلوماسي الذي أعاد دفء العلاقات بين القاهرة والدوحة وجعل من السياسة رسالة إنسانية راقية

كتبت – رندة نبيل رفعت
في عالمٍ يتغير إيقاعه بسرعة، وتتشابك فيه المصالح وتتقاطع المواقف، يبرز بعض الرجال فيتحول عملهم من مجرد وظيفة إلى رسالة، ومن منصبهم إلى جسرٍ من الثقة والتواصل بين الشعوب. ومن بين هؤلاء، يأتي اسم سعادة السفير طارق بن علي الأنصاري، سفير دولة قطر السابق لدى جمهورية مصر العربية، الذي مثّل بلاده خير تمثيل، وترك بصمةً دبلوماسيةً راقية يشهد بها الجميع في القاهرة والدوحة على حدٍ سواء.
منذ تسلمه مهامه رسميًا في ديسمبر 2023، حمل السفير الأنصاري على عاتقه مهمة دقيقة في مرحلة حساسة من تاريخ العلاقات المصرية القطرية، مرحلة كانت تتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والحنكة والقدرة على بناء الثقة المتبادلة. وخلال فترة وجيزة، نجح في إعادة الدفء السياسي والإنساني بين البلدين، ليصبح رمزًا للدبلوماسية الهادئة القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
استطاع الأنصاري أن يُحوّل سفارة قطر في القاهرة إلى مساحة حوار مفتوحة ومركز تفاعل سياسي واقتصادي وثقافي، تجمع بين الرسمي والشعبي، وبين ما هو دبلوماسي وإنساني. فكانت السفارة في عهده خلية نشاط لا تهدأ؛ تستقبل الوزراء والمسؤولين ورؤساء الهيئات المصرية، وتبادر بمدّ جسور التعاون في مجالات النقل والصناعة والتعليم والإعلام، في ظل رؤية واضحة تؤمن بأنّ التعاون الحقيقي بين الدول يبدأ من التواصل الصادق بين البشر.
وفي مشهدٍ لا يُنسى، وقف السفير الأنصاري إلى جانب الأشقاء في مصر خلال المحطات المفصلية في المنطقة، مؤكدًا أن التنسيق المصري القطري كان ولا يزال ركيزة للاستقرار الإقليمي، خاصة في ملفات فلسطين وغزة وليبيا والسودان، حيث لعبت الدوحة والقاهرة أدوارًا متكاملة لوقف النزاعات ودعم الحلول السياسية. وقد كان الأنصاري خلال تلك الفترة صوت التفاهم والعقلانية، يحمل رسائل القيادة القطرية بثقة ووضوح، ويعبّر عن سياسة بلاده المتزنة تجاه الأشقاء في مصر والمنطقة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ساهم السفير في توسيع قاعدة التعاون الاستثماري والتجاري بين البلدين، حيث شهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعًا في حجم التبادل التجاري بنسبة تقارب 38%، إلى جانب إطلاق شراكات جديدة في مجالات النقل والطاقة والسياحة. وقد انعكست هذه الجهود في تعزيز الحضور القطري في السوق المصرية، ودعم الاستثمارات المشتركة التي تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين.
أما في الجانب الثقافي والإعلامي، فقد ترك الأنصاري أثرًا بالغًا في كسر الحواجز وبناء جسور التواصل مع الإعلام المصري، فكان حاضرًا في الفعاليات والمؤتمرات، قريبًا من الصحفيين والإعلاميين، يستمع ويناقش ويفتح أبواب السفارة لكل من أراد التعاون والعمل المشترك. وقد حظي بتقدير واسع في الأوساط الإعلامية، لما أبداه من تواضع جمّ واحترام مهني نادر، حتى أصبح أحد أكثر السفراء حضورًا وقبولًا لدى الرأي العام المصري.
لم تكن إنجازاته فقط في الملفات السياسية والاقتصادية، بل في قدرته على إدارة العلاقات الإنسانية، إذ عُرف عنه تعاطفه وتقديره لكل من عمل معه، من موظفي السفارة إلى أبناء الجالية القطرية في مصر، وكان مثالًا للرجل الذي يجمع القلوب قبل أن يجمع التفاهمات. لذلك لم يكن مشهد وداعه للقاهرة مشهدًا عاديًا، فقد ودّعه الجميع بمزيجٍ من الفخر والتأثر، تقديرًا لما قدّمه من جهدٍ مخلص ورؤية متزنة وخلقٍ دبلوماسي رفيع.
لقد حمل السفير طارق الأنصاري روح قطر الحديثة في أبهى صورها: دولة تجمع بين الثقة والانفتاح، وبين الثبات في المواقف والمرونة في الحوار. وغادر القاهرة بعدما ترك خلفه لوحةً سياسيةً متكاملة، تُعبّر عن تحالفٍ عربي يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون البناء.
واليوم، ومع عودته إلى الدوحة لتولي مهام جديدة في خدمة وطنه وقيادته، يودّعه المصريون قبل القطريين بكلمة واحدة:إنه السفير الذي ذاب الجليد بين القاهرة والدوحة، فكان عنوانًا للثقة المتبادلة، وجسرًا بين العقول والقلوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى