
بقلم : عادل كعنيش محامي ورئيس ودادية قدماء البرلمانيين
جاءت مقدمة الدستور اسيرة لقراءات تاريخية فردية وقع التعرض فيها لاحداث عابرة فى التاريخ كالزمام الاحمرفى القرن السابع عشر مع القفز على محطات هامة تمثلت فى الاستقلال وتاسيس الدولة الوطنية ووضع اول دستور نابع من ارادة شعبية الا وهو دستور 1959 ثم دستور 2014..
لذلك كانت المقدمة فاقدة للابعاد التاريخية الحقيقية لنضالات الشعب والاسس التى سيقع تبنيها لتاسيس المرحلة الجديدة والاصلاحات التى يتطلع اليها الشعب من خلال وضع الدستور الجديد اخذا بعين الاعتبار بالمبادىء العليا لحقوق الانسان فى بعدها الشمولي.
و فى قراءة غريبة تبنت المقدمة تمجيد النهج الثورى لما حدث يوم 17 ديسمبر 2010باسلوب مبالغ فيه وغير مالوف فى الدساتير الحديثة .
ثم توالت فصول الدستور لترسى نظاما اكثر من النظام حيث ان الرئاسوي كل السلطات تقريبا هى بين يدى رئيس الجمهورية الذى اصبح موسسة فوق كل الموسسات الاخرى و نص على انه يترشح لهذا المنصب من بلغ الاربعين عاما وكان مسلما من ابوين وجدين تونسيين .
تساعد رئيس الجمهورية حكومة يقوم بتعيين رئيسها دون ان يكون التعيين بالضرورة من الحزب الفايز بالاغلبية لكن هنالك مسوولية للحكومة امام المجالس النيابية تسمح باقالتها او بحل المجلسين .
ان تمسك رئيس الجمهورية بذلك دون ان يكون هنالك اية امكانية لعزل رئيس الجمهورية من المجلسين مهما كانت الوضعيات الى جانب ذلك فان المشروع حجر على اعضاء المجالس النيابية القيام باى عمل الى جانب مهامهم بمقابل اوبدون مقابل مما يعنى ان الاطباء والمحامين والمهندسين والخبراء المحاسبين ورجال الاعمال سوف لن يكون بامكانهم الانتماء للمجالس النيابية اذا لم يتخلوا نهاءيا عن نشاطهم .
كما خول المشروع سحب الوكالة من اعضاء مجلس نواب الشعب دون المجلس الثانى وهو توجه لم تالفه الدساتير السابقة اذ هو شبيه بما يعرف بالتصعيد والعزل فى بعض البلدان التى تبنت انظمة جماهيرية ومنع المشروع السياحة الحزبية والغى الحصانة بالنسبة لجرائم القذف المرتكبة بالمجلس وجراءم تعطيل العمل البرلماني وهى تنصيصات كان من المفروض ان تترك للمجلة الانتخابية.
.
لم يعتمد المشروع مصطلح السلط عند الحديث عن السلطة التشريعية او القضا ئية بل استعمل مصطلح وظا ئف وهو ما يوكد ان هذه الوظايف لا ترتقى لمصاف السلطة بل هى اقل من ذلك اذ تستمد شرعيتها من ر ئيس الجمهورية الذى تكون صلاحياته واسعة وتمتد حتى لتعيين القضاة باقتراح من المجلس الاعلى للقضاء الذى لم يعد موسسة دستورية بل سينظم بقانون نص المشروع على ان الدور التشريعى هو وظيفة وليست سلطة .
كذلك يباشرها مجلسين هما مجلس نواب الشعب ومجلس الاقاليم وجعل رئيس المحكمة الدستورية هو الذى يتولى رءاسة الجمهورية فى حالة الشغور لمدة موقتة دون ان يكون له حق الترشح مع تعويض اعضاء المحكمة الدستورية كلما بلغ اى عضو سن التقاعد على ان تكون اقصر مده لعضو المحكمة الدستورية عام واحد.
ودائما فى خصوص المحكمة الدستورية فانها تتركب من تسعة اعضاء يعينون من بين اقدم روساء الدوائر بالتعقيب والمحكمة الادارية و محكمة المحاسبات فانحصرت تركيبة هذه المحكمة فى قضاة يتمتعون بالاقدمية وكان المحكمة الدستورية محكمة قانون لا غير ليست لها اجتهادات اجتماعية او دينية او سياسية .
فتحولت المحكمة الدستورية الى نادى للقضاة على ابواب التقاعد وكل ذلك لضمان محكمة موالية لرئاسة الجمهورية اما فى خصوص الاضراب فهو حق دستورى ولكنه محجر على القضاة وقوات الامن الداخلى والديوانية كما وقع التنصيص على احكام انتقالية تجعل الدستور يطبق منذ تاريخ الاستفتاء ويواصل رئيس الجمهورية اصدار المراسيم حتى انتخاب المجالس النيابية بقى ان الموسسات الدستورية خارج الرياسة والحكومة والمجالس النيابية اقتصرت على الهيىة العليا للانتخابات والمحكمة الدستورية والمجلس الاعلى للتربية والتعليم والجماعات العمومية والمحلية فى حين لم تقع الاشارة الى موضوع العدالة الانتقالية والى مقتضيات الفصل 148 من الدستور السابق مما يعنى ان احكامه لم تعد قائمةهو ما سيزيد فى صعوبة انهاء مسار العدالة الانتقالية .
اما فى خصوص الهوية فانه وقع تغيير الفصل الاول وجزء الى اربع فصول على الاقل فضمن بالدستور ان تونس جزء من الامه الاسلامية والدولة تعمل على تطبيق مقاصد الاسلام فى العرض والنفس والمال والدين وهى تعابير ستخلق تفسيرات ويكون لها مخرجات لم يالفها المشرع التونسي خاصة ولا المواطن عامة وستثير بلاشك جدلا واسعا اكثر مما كان عليه الوضع من قبل فى خصوص تاويل الفصل الاول من الدستورين السابقين ذلك ان الحفاظ على مقاصد الاسلام الحنيف هى من ثقافة الشريعة وليست من ثقافة العقيدة وهو ما يمس من مدنية الدولة كما اضاف المشروع ان اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد وهو امر لاخلاف حوله .
بقى انه فى المجال الاجتماعى والاقتصادى فالجديد ان الدستور اكد على المساواة فى الحقوق بين الجنسين وهو ما سيجعل موضوع المساواة فى الارث خيارا دستوريا بالرغم من امكانية تعارضه مع مقاصد الاسلام الذى هو بحر بلا قاع كما تضمن الدستور بعض المفاهيم الجديدة اهمها ان الدولة توفر الشغل للمواطن باعتباره حق من حقوقه مع الزامية التعليم حتى سن 16 عاما وحق المواطن فى الصحة والمعالجة المجانية لفاقدي السند مع التاكيد على الدور الاجتماعى للدولة وحق المواطن فى توفير الماء الصالح للشراب له .
هذه قراءة اولية ساعود الى تعميقها عندما يتسنى لى دراسة فصول المشروع بكل دقة ولكنى لا اخفى احترازى من غالبية فصوله التى اتصفت بالغموض والضبابية ولا ادرى الى الان كيف سيتم انتخاب مجلس نواب الشعب اذ لا حديث مطلقا عن الانتخاب الحر والمباشر مما يجعل الوضع قابل لكل الاحتمالات فضلا على ان بلادنا ليست مقسمة الى حد الان الى اقاليم فكيف ستتكون الاقاليم ومن هو الذى سيحددها وهل ان هذا التقسيم يتطلب وقتا طويلا مما سياخر تنصيب هذا المجلس لمدة غير محددة وفى انتظار ذلك يتواصل التشريع وسن القوانين عن طريق المراسيم فتبقى البلاد عرضة لكل المفاجات.