مقالات
شجون حسن تكتب : صفعة على وجه الإنسانية

في شارع ضيق، يملأه ضحك الأطفال وصخب الحياة، وقف رجلٌ مسنّ في السادسة والستين من عمره، جسده منهكٌ من غسيل الكلى، وملامحه تحكي سنوات طويلة من التعب والصبر.
كان يعيش مع زوجته في شقة صغيرة استأجراها منذ أعوام، شقةٌ احتضنت أحلامهما البسيطة، وساهمت في حفظ هدوء روحهما، رغم ضيق العيش.
لم يطلبا من الحياة سوى سقفٍ يأويهما، وهدوءٍ ينعش أعصابهما، وكرامةً تبقى لهما كما تبقى الذكرى للأرواح الصافية.
لكن صاحب البيت، الذي ضاق قلبه بالرحمة، لم يرَ إلا مستأجرًا يُثقل عليه البقاء.
اقترب من الشيخ في وضح النهار، رفع يده وصفعه بالقلم، صفعةٌ لم تصب جسده وحده، بل كادت تمزق روح الكرامة التي عرفها كل من عاش، وكأن العمر كله أصبح بلا وزن، بلا قيمة، أمام قسوة اللحظة.
زوجته ارتجفت بجواره، لا تدري أين تلجأ بعينها، ولماذا أصبح البيت الذي كان مأواها حلقةً من الألم.
ابنتهما الصغيرة، قلبها الصغير، لم تتحمّل الصمت. أمسكت هاتفها وصوّرت المشهد، لتوثّق لحظة السقوط أمام الجميع.
الفيديو انتشر سريعًا على صفحات الفيسبوك، وتفاعل الناس بغضب ووجع، لكن الدموع كانت أثقل من كل التعليقات.
الغضب الرقمي لم يخفف من وجع الشيخ، ولم يبرد حرارة الخجل التي غمرت قلب الزوجة، لكنه جعل العالم يرى ما يراه أهل الشارع كل يوم: قسوةٌ بلا رحمة، وظلمٌ بلا سبب.
المشهد كان صامتًا لكنه صرخ في وجدان كل من شاهد.
كان درسًا قاسيًا، لكنه صادق: أن ضعف الإنسان أمانة، وأن الكرامة ليست شيء يمكن اقتلاعه بالقوة أو بالمال.
كان الشيخ يقف بصمت، وكأن كل لحظة من حياته تُختصر في هذه الصفعة.
وكأن زوجته وكل من حوله يعلمون أن العالم، أحيانًا، يصفع الأبرياء أمام العيون، ويترك القلوب ترتجف بلا سند.
لقد صوّرت ابنته الفيديو بعفوية وبراءة، لكنها حملت رسالةً أعمق من كل كلمات الغضب.
لقد جعلت العالم يرى، وجعلت كل من شاهد يشعر بالوجع، وكأن الصفعة لم تكن مجرد قلم على وجه رجل مسن، بل كانت صفعة على وجه الإنسانية كلها.
الصفعة لم تقع على الشيخ وحده، بل على وجوه كل من صمت، وكل من مرّ دون أن يمد يدًا، وكل من اعتاد مشاهدة الظلم بلا فعل.
انتشر الفيديو وأصبح حديث الناس، وكل من رآه شعر بالوجع، لكن الصفعة بقيت على وجه الشيخ، وعلى قلب زوجته، وعلى أرواح كل ضعفاء العالم.
الدرس هنا لا يحتاج إلى صراخ، ولا إلى لوم.
هو دعوة لنتذكر الرحمة، لنعيد الإنسانية إلى قلب كل بيت، لنعلم أن قسوة صغيرة اليوم يمكن أن تمزق حياة كاملة.
وأن تصوير الألم أحيانًا أصدق من أي كلام، لأنه يجعل كل من يراه يشعر بما يشعر به الضحية، حتى ولو لبضع ثوانٍ.
وفي النهاية، تبقى الصورة في عيون كل من شاهد: رجلٌ مسنّ، وجهه مغطى بدمعة وصمت، زوجته إلى جانبه، وطفلتهما الصغيرة تحمل هاتفًا، تُعلن للعالم حقيقة مؤلمة:
الضعفاء يحتاجوننا أكثر من أي وقت، والصفعة التي وُجهت لهم لم تكن مجرد حدث، بل صرخة:
صفعة على وجه المجتمع.










