شبوة تروي حكاية أبطالها: ثوار حطيب والعوالق الذين سطروا ملاحم الخلود في ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة

تقرير خاص
رياض الزواحي
بين أحضان جبال شبوة الشامخة ووديانها السحيقة، تحكي الأرض قصة رجال رحلوا بأجسادهم لكن أساطيرهم مازالت تقض مضاجع المحتلين. في الذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، تبرز من عمق المحافظة صفحات نضالية خالدة لأبطال صنعوا مجد الثورة بدمائهم.
شبوة: معقل المقاومة ومنبع الأبطال
لم تكن ثورة 14 أكتوبر مجرد لحظة عابرة في تاريخ الجنوب، بل كانت تتويجاً لسنوات من الكفاح المتواصل، وشبوة كانت أحد أبرز معاقله. من مديرية حطيب وصولاً إلى جبال كور العوالق، انطلقت شرارات المقاومة الأولى، وخرج رجال بسطوا بقوة إرادتهم أن الحرية تُؤخذ ولا تُمنح.
أسد حطيب.. الشيخ علي بن صالح معور الربيزي
في أوائل الخمسينيات، عندما حاولت القوات البريطانية مد نفوذها إلى وادي حطيب، وقف في وجهها الشيخ علي معور وقبيلته “الربيز” كالجبال الراسيات. رفض أن تطأ أرضه قدم محتل، ورفض كل محاولات المساومة والخداع البريطانية.
مواقف خالدة تهز عروش المستعمرين
في لقاء مفاوضات مع الضابط البريطاني “جونسون”، وبعد أن حاول الأخير تهديده بسخرية، كانت إجابة الشيخ علي معور نابعة من إيمان راسخ بعدالة قضيته: “أنا بهذه الرصاصات الأربع سأجعلك تستدين لقواتك، وسأحاربك حتى يضحك النبي في قبره!”.
ثوار العوالق.. صفحات مجيدة من الكفاح المتواصل
شهدت محافظة شبوة صفحات مشرقة من تاريخ الكفاح اليمني ضد الاستعمار البريطاني، حيث انطلقت من جبال كور العوالق الصعيد ثورات متتالية شكلت ضغطاً مستمراً على قوات الاحتلال.
الخمسينيات: الانطلاقة الأولى للمقاومة المنظمة
في بداية الخمسينيات، انطلقت الثورة الأولى بمشاركة نخبة من أبناء العوالق الأبطال، عملوا ضمن تنظيمات وطنية مثل “رابطة أبناء الجنوب” و”جبهة التحرير”. كان من أبرز هؤلاء الثوار:
* آل بوبكر بن فريد – القادة التاريخيون للمقاومة
•الشيخ علي بن عوض المدحجي – أحد أعمدة الثورة
•السادة آل علوي بن علي الجفري
•صالح بن حيدرة لبتر العتيقي
•صالح علي باراسين العتيقي – أحد رواد الثورة الأوائل
•علي أحمد نمير السالمي
•أحمد البعم السالمي
•ناصر المركدة العتيقي
•سعيد بن سالم القروة
الستينيات: تصاعد وتيرة الكفاح المسلح
لم تهدأ شبوة بعد الموجة الأولى، فشهدت ستينيات القرن الماضي ثورة ثانية بقيادة البطل أحمد صالح بن لحمر السالمي، الذي قاد عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال، مدعوماً بعدد كبير من الثوار في جبال كور العوالق.
الشيخ الثائر صالح علي عوض باراسين العتيقي.. رمز من رموز النضال
تمثل صورة الشيخ الثائر صالح علي عوض باراسين العتيقي العولقي التي تعود إلى عام 1950، وثيقة تاريخية تروي قمرحلة نضالية مبكرة. انضم الشيخ صالح إلى دائرة النضال مع كوكبة من الأبطال الذين شكلوا نواة المقاومة الأولى.
التضامن الثوري: لوحة نادرة للوحدة الوطنية
لم تكن الثورة حكراً على فئة دون أخرى، بل شملت شرائح المجتمع كافة، حيث انضم إلى صفوفها العديد من أبناء:
* قبائل آل علي بن أحمد
•آل محمد بن حمد
* قبائل العوالق بمختلف فروعها
•السادة آل علوي بن علي الجفري
•أبناء آل دافر عبدربه ورويس بن دافر اليسلمي
المواجهات: بطولة تواجه آلة حرب جبارة
واجه الثوار بشجاعة نادرة آلة الحرب البريطانية الجبارة، حيث:
* استهدف الطيران الحربي البريطاني مواقع الثوار في جبال كور العوالق
•قام المحتل بتفجير بيوت المشايخ ومنازل الثوار
•أقدم على حرق بيت السادة آل علوي بن علي الجفري
•دمر بيت آل بوبكر بن فريد وبيت أولاد آل دافر
إرث مجيد وتضحيات خالدة
شكلت هذه الثورات المتعاقبة إرثاً مجيداً في تاريخ المقاومة اليمنية، حيث:
* أثبت أبناء شبوة والعوالق أن الكفاح المسلح كان الخيار الوحيد للتحرير
•كانت جبال كور العوالق والحطيب الحصن المنيع للثورة
•سطر الرجال أروع أمثلة البطولة والتضحية
•كتب الأبناء بدمائهم تاريخاً مجيداً خالداً
كلمة حق تزلزل الجبال
وتحكي إحدى الروايات أن مسؤولاً بعد الاستقلال قال للشيخ سالم بن معور: “جبناك… تصلح وتلتزم للدولة!” فأجاب الشيخ بكرامة الأبطال: “يوم جاني النصارى قلتَ لي: نباك تصلح! والآن… ماعاد أدري من هو المعتَل: أنا… أم إنت؟!”
ذكرى خالدة
تبقى هذه الصفحات النضالية شاهدة على مرحلة مهمة من ثورة شبوة الباسلة، التي شكلت حلقة أساسية في سلسلة النضال الطويلة التي توجت بطرد المحتل البريطاني. وتظل صور الأبطال وذكرى تضحياتهم خالدة في ذاكرة الوطن، تذكر الأجيال بأن الحرية التي ينعمون بها اليوم جاءت ثمرة لتضحيات الأجداد وبسالة الأبطال.
رحم الله شهداء شبوة الأبرار، وجزاهم خير الجزاء عن وطنهم وأمتهم.