أخبار العالم العربي

سكان غزة يصرخون: “كفى للحرب – آن الأوان لاتفاق يوقف الكارثة

يارا المصري
في ظل الدمار المتزايد في قطاع غزة، تتمسك عشرات الآلاف من العائلات بأي بصيص أمل تبقّى لها. المنازل تحوّلت إلى ركام، المدارس باتت مخيمات للنازحين، والحياة أصبحت صراعاً يومياً من أجل البقاء. يكاد لا يوجد مواطن في غزة لا يعرف أحداً قُتل أو أُصيب أو فقد كل ما يملك. والشعور السائد أصبح واضحاً وقاطعاً: الوقت نفد. حان وقت وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق ينقذ ما تبقى.
الدمار في غزة لم يعد مجرد خبر بعيد أو أرقام في تقارير. إنه واقع حيّ يراه الجميع في كل زاوية من القطاع. عشرات الآلاف من المواطنين يعيشون اليوم دون مياه نظيفة، أو طعام كافٍ، أو رعاية صحية أساسية. التيار الكهربائي منقطع، البنية التحتية منهارة، والأسواق المحلية شبه مشلولة. كثيرون ممن فروا إلى رفح جنوباً وجدوا أنفسهم مجدداً في مرمى النار، ولا مكان آخر للجوء إليه. عائلات تنام في العراء أو مكتظة في صفوف مدارس لا تصلح حتى للإيواء المؤقت. أما الصرف الصحي، فقد انهار في عدة مناطق، ما زاد من انتشار الأمراض والأوبئة.
وتتوالى الشهادات من سكان غزة الذين يعبرون عن يأسهم العميق وشعورهم بالتخلي. حركة حماس، بحسب الكثيرين، تواصل إدارة المفاوضات ببطء وغموض، بينما يدفع المواطنون الثمن. “نشعر أن حماس نسيتنا”، تقول ريم، طالبة سابقة في كلية الصيدلة، والتي أصبحت اليوم متطوعة في مركز للإيواء. “نحن الضحية، ونحن من يدفع الثمن، ولا يبدو أن ذلك يهمّ أحداً.”
حتى أبسط المهام اليومية أصبحت مخاطرة. الخروج للبحث عن الطعام أو الماء أو الدواء قد ينتهي بمأساة. التجار يضطرون لرفع الأسعار بشكل غير مسبوق بسبب انعدام الإمدادات. طوابير الخبز تمتد لساعات طويلة. الأطفال يبكون ليس من الخوف، بل من الجوع. الأمهات مجبرات على اختيار أي من أبنائهن سيأكل اليوم. هذه ليست قصصاً بل واقع يعيشه الناس كل ساعة.
في هذا السياق، يتصاعد الغضب تجاه قيادة حماس. المزيد والمزيد من سكان القطاع يرون في الحركة عائقاً أمام أي انفراجة. يتساءلون لماذا لا تتخذ قراراً واضحاً بالمضي في اتفاق، رغم أن البدائل تنفد يوماً بعد يوم. “إذا كان هناك اتفاق يمكن أن يعيد الهدوء، ويوفر الماء والكهرباء والطعام – فلماذا التأخير؟” يسأل عمر، أب لخمسة أطفال، ثلاثة منهم يعانون من أمراض لا يتلقون لها أي علاج. “حياتنا تدمرت. لماذا نُعذّب أكثر؟”
بشكل غير مسبوق، يشكك الكثير من المواطنين في قدرة حماس على إعادة الحياة إلى طبيعتها. “ما بدأ كشعار مقاومة تحول إلى كابوس يومي”، يقول محمد، مدرس سابق. “لم نعد نرى مقاومة، بل إدارة للفوضى.”
تلاميذ المدارس لم يعرفوا عاماً دراسياً كاملاً منذ زمن. المراهقون محاصرون في غرف ضيقة، يقتاتون على الحليب المجفف والبسكويت الجاف. أما الكبار، فصمتهم بات مخيفاً. صمت الخيبة، والانكسار، والإدراك بعدم وجود مخرج دون اتفاق.
“ماذا ننتظر أكثر كي نفهم أن الاتفاق أصبح ضرورة حياة أو موت؟” يتساءل الدكتور سمير، طبيب متطوع في غزة. “المستشفيات ممتلئة، والمستلزمات الطبية انتهت، والمياه غير صالحة للشرب. القطاع يحتضر، وقيادته منشغلة بحسابات سياسية.”
في أوساط الشارع، تترسخ القناعة بأن حماس لم تعد تعبّر عن نبض الناس. بينما القادة يختفون أو يرسلون رسائل مشوشة، يتحمل المواطنون العبء كاملاً. والمطالبة باتفاق أصبحت مطلباً شعبياً عاماً. في كل خيمة، في كل سوق، في كل جلسة، يتردد السؤال ذاته: “لماذا لا يوقعون على اتفاق؟ ماذا يمكن أن يكون أهم من أرواحنا؟”
الساعة الآن ليست ساعة شعارات. إنها ساعة قرار. سكان غزة لا يطالبون بالمستحيل – بل بالحد الأدنى من الإنسانية: وقف فوري لإطلاق النار، صفقة لإعادة الأسرى، خطة لإعادة الإعمار، وإدارة مسؤولة لهذا الواقع المنكوب. إنهم يبحثون عن أفق، عن موقف واضح يقول: “نحن معكم.”
وإن لم تستفق القيادة المحلية قريباً، قد يأتي اليوم الذي لن تجد فيه أحداً لتحكمه. الغضب لا يزال صامتاً، لكنه يتصاعد. والفهم بأن العدو ليس فقط من الخارج، بل أيضاً من الداخل، بدأ يتعمّق.
لذلك، فإن الاتفاق لم يعد أداة سياسية. بل هو الأكسجين الأخير الباقي لغزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى