أخبار عالمية

سكان غزة رهائن بين الحصار والمساومة السياسية

يارا المصري
في ظلّ الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، يتزايد الغضب الشعبي تجاه قيادة حركة حماس، التي تُتَّهم على نطاق واسع باستخدام سكان القطاع كورقة مساومة سياسية.
وبحسب تقارير ميدانية وشهادات محلية، يرى كثير من الغزيين أن استمرار الحركة في رفض تنفيذ الاتفاق المتعلق بإعادة جثامين الجنود الإسرائيليين والمفقودين بات سببًا مباشرًا في تعطيل مشاريع الإعمار وإطالة معاناة المدنيين.
قال أحد سكان مخيم الشاطئ في غزة، وهو أب لثلاثة أطفال:
“حماس تحتجزنا جميعًا كرهائن. لا تُعيد الجثامين، ولا تسمح بأي اتفاق، ونحن ندفع الثمن. لا كهرباء، لا ماء، لا عمل — فقط قرارات تُبقي القيادة في موقعها.”
هذه الكلمات تعبّر عن إحساس عام يسود الشارع الغزّي، حيث يشعر المواطنون بأنّ الهدنة التي كان يُفترض أن تفتح باب الأمل تحوّلت إلى جمود سياسي واقتصادي خانق.
ويرى كثيرون أن قيادة حماس ما تزال تتمسك بـ“الأوراق القديمة” — الجثامين، الأسرى، والسكان أنفسهم — كأدوات تفاوض تبقيها في الحكم.
في الشوارع المدمَّرة التي ما تزال تحمل آثار الحرب الأخيرة، يسود الإحباط واليأس.
آلاف المنازل ما تزال مهدّمة، شبكات الكهرباء والمياه شبه منهارة، والبطالة بلغت مستويات غير مسبوقة.
ورغم الاستعدادات الدولية لتمويل مشاريع إعمار بقيمة مليارات الدولارات، فإن الشرط الدولي واضح:
لا إعمار قبل إعادة الجثامين وتوضيح مصير المفقودين.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط:
“الكرة الآن في ملعب حماس. بمجرد حلّ المسألة الإنسانية المتعلقة بالجثامين، يمكن إطلاق مشاريع الإعمار فورًا. لكن في الوقت الراهن، لا يوجد تعاون حقيقي من جانبهم.”
ورغم الخوف من القمع، بدأ مزيد من سكان غزة يعبّرون عن احتجاجهم — ولو بهدوء.
فقد ظهرت منشورات مجهولة الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي تتّهم حماس بتعميق الحصار وتعطيل الإعمار.
وكتبت إحدى النساء:
“يقولون إنهم يحموننا، لكنهم في الواقع يسجنوننا. نحن نعيش في خوف — ليس فقط من العالم الخارجي، بل منهم أيضًا.”
منظمات حقوقية فلسطينية ذكرت أن أجهزة حماس الأمنية اعتقلت العشرات خلال الأسابيع الأخيرة بسبب منشورات انتقادية، فيما أفادت مصادر محلية بأنّ بعض المعتقلين اختفوا دون أثر، وأنّ الأجهزة الأمنية تصادر الهواتف والكاميرات لمنع توثيق الانتهاكات.
الانتقادات لحماس لم تعد مقتصرة على الداخل.
فمصر وقطر والأمم المتحدة — وهي أبرز الوسطاء في محادثات التهدئة — حمّلت الحركة مسؤولية تعطيل تنفيذ اتفاقات الإعمار.
وقال مصدر رسمي مصري:
“فشل تنفيذ الاتفاق يتحمّله قادة حماس بشكل مباشر.”
كما عبّر دبلوماسيون قطريون عن قلقهم من أن أموال المساعدات لا تصل إلى المواطنين بل تُحتجز داخل أجهزة الحركة.
وفي الغرب، أكدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنه لن تُقدَّم أيّ مساعدات إضافية لغزة ما لم تُنفّذ صفقة إعادة الجثامين.
وقال مسؤول أميركي كبير:
“إسرائيل أبدت استعدادًا للتسوية، لكن حماس تمارس لعبة مزدوجة — تطلب التسهيلات بيد، وتستخدم الجثامين كورقة ابتزاز باليد الأخرى.”
بالتوازي مع الجمود السياسي، يتدهور الوضع الإنساني في القطاع بشكل حاد.
المستشفيات تفتقر إلى الأدوية والمعدات، مياه الشرب ملوثة، والأمراض المعدية تنتشر بسرعة.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان:
“الوضع في غزة كارثي، والعوائق ليست تقنية فقط، بل سياسية بالدرجة الأولى.”
وأضاف أحد أطبائها:
“السكان يُعاقبون مرتين — مرة بسبب الحرب، ومرة أخرى بسبب قيادتهم التي تمنع وصول المساعدات باسم شعارات المقاومة.”
في المقابل، شددت الحكومة الإسرائيلية مجددًا على أن إعادة الجثامين والمفقودين شرط لا تنازل عنه قبل أي عملية إعمار.
وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء:
“لا يمكن المضيّ قدمًا في الاتفاقات بينما تحتجز حماس جثامين وجنودًا أحياء. العالم كله يعرف أن حماس هي من تمنع تخفيف المعاناة عن سكان القطاع.”
وأضاف مسؤول أمني:
“إذا أرادت حماس مستقبلًا لأهالي غزة، فعليها أن تدرك أن احتجاز الجثامين لن يجلب سوى مزيد من العزلة والمعاناة.”
في أحاديث مع عدد من سكان غزة، يتضح حجم الغضب الشعبي المتصاعد.
قال شاب في الخامسة والعشرين من عمره:
“إنهم يحتجزون الأحياء والأموات معًا. لا يفرجون عن أحد — لا الجثامين ولا نحن. نحن فقط نريد أن نعيش، لكن حماس اختارت أن تجعلنا وسيلة ابتزاز، فبدل أن تُعيد الجثامين وتعيد لنا الحياة، تحتجز الاثنين معًا.”
وبينما يتحدث العالم عن “مرحلة جديدة من الإعمار”، تبدو الصورة في غزة مختلفة تمامًا: جوع، يأس، وانسداد أفق.
الأنقاض لم تُرفع، المشاريع لم تبدأ، والمساعدات لم تصل.
ومع استمرار تعنّت القيادة، يتساءل السكان بمرارة عن جدوى “المقاومة” التي أصبحت، في نظر كثيرين، مقاومةً ضدّهم لا لأجلهم.
الرسالة التي يرددها الغزيون اليوم في شوارعهم واضحة وبسيطة: “أعيدوا الجثامين… وأعيدوا إلينا حريتنا.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى