زيارة قيس سعيد الى فرنسا تضعه امام امتحان عسير …زيارة اعد لها في الكواليس…. نتائجها قد تكون مخيبة للامال …

يمكن القول أن زيارة العمل و الصداقة التي يؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى فرنسا تمثل أول إختبار حقيقي له في ما يتعلق بقدرته على إدارة أحد أهم الملفات المنوطة بعهدته بمقتضى الدستور و هو العلاقات الخارجية بكل أبعادها المعقدة و المتشعبة و التي تتسع من التمكن من ” لعبة ” المجاملات و السلوكات النمطية البروتوكولية إلى قراءة كل المتغيرات و الاكراهات السياسية و الإقتصادية و إتخاذ موقف يضمن حقوق و مصالح البلاد. و من هذه الزاوية يمكن اعتبار ” الرحلة الباريسية ” أول زيارة يقوم بها الرئيس قيس سعيد لأن زيارته للجزائر لم تكن ” امتحانا عسيرا ” إذ تحول إلى دولة يتحدث معها بنفس “اللغة ” و نتقاسم معها منذ سنوات نفس المواقف تقريبا علاوة على أن ما يشبه الإجماع يحدد موقف الشعب التونسي من الجزائر. الأمر يختلف اختلافا تاما مع فرنسا و ذلك في عدة مستويات كشف بعضها مشروع لائحة إعتذار فرنسا الذي وقع تقديمه منذ أسبوع إلى مجلس نواب الشعب. فإذا كانت العلاقة بين تونس و فرنسا ظلت ” مستقرة ” و لم تعرف هزات تذكر منذ الاستقلال فإن بعض الرواسب قد ظلت فاعلة بما في ذلك تصفية الإرث الاستعماري و الدور الإقتصادي و السياسي لفرنسا في تونس و الذي يمثل موضع تجاذبات سياسية تزداد حدة. و يدرك الرئيس قيس سعيد أكثر من غيره في هذا الصدد أن جانبا من قاعدته الانتخابية لا تحمل في قلوبها الكثير من الود للسياسات الفرنسية بل أن بعضها يشكو من عداء مرضي يقترب من العنصرية تجاه فرنسا و هؤلاء لم ينظروا بارتياح لعدم إبداء رئيس الجمهورية لموقف داعم لمسألة الإعتذار حتى و إن ” صمت ” الرئيس قد يكون مفهوما من الناحية الدستورية و في سياق فهم خيوط اللعبة السياسية الداخلية و محاولة التموقع في الجهة المقابلة لمنافسي الداخل. و هذا يعني أن القدرة على المزج الدقيق بين صرامة المبادىء و مقتضيات اللحظة سيكون أحد أهم الإمتحانات التي سيخوضها قيس سعيد في الرحلة الباريسية لأن ابتعاد قيس سعيد المترشح للانتخابات الرئاسية عن قيس سعيد الرئيس ستؤثر على شعبيته و لأنه في المقابل لا يمكن أن “يعادي ” بشكل مجاني و طفولي فرنسا التي تبقى رقما مهما في المعادلات السياسية و الإقتصادية و الثقافية العالمية. و هذه الأهمية تتجلى بالنسبة لتونس في الحصول على مزيد من الدعم المالي و في توظيف مكانة فرنسا لتحسين القدرة على النفاذ إلى أوروبا علاوة على أن التوترات التي تعيشها المنطقة ترفع من أهمية التعاون الأمني و العسكري و لكنها تضع رئيس الجمهورية أمام إمتحان صعب في ما يتعلق بالوضع في ليبيا لأن الخلاف حول الملف الليبي قد تحول إلى خلاف سياسي حاد بين فرنسا و تركيا و لا نخال قيس سعيد ينسى أن لتركيا حضورا لدى بعض الأحزاب في تونس و هو ما يعني أنه مدعو لقراءة جيدة للموقف الذي سيعبر عنه في قصر الأليزيه. و لا شك أن زيارة العمل و الصداقة التي سيؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى باريس ستثير ” فضول ” الفرنسيين و لكنها تمثل خاصة مبعث إهتمام التونسيين و التونسيات المقيمين بفرنسا. الفضول الفرنسي قد يكون مرده أن الرئيس التونسي هو أول رئيس أجنبي يزور فرنسا منذ جائحة كورونا و أنه رئيس “لانمطي ” تسلل إلى عالم السياسة دون رصيد يذكر سوى شعارين معلنين و شخصية ” غامضة” في أدائها و علاقاتها. هذا ” الغموض ” انعكس على الكيفية التي وقع بها إعداد هذه الزيارة التي لا تشارك فيها “السيدة الأولى ” رغم أن البروتوكول يفترض حضورها في مأدبة العشاء الرسمية التي سيكون قصر الاليزي مسرحا لها. و لا شك أن أهمية العلاقات الاقتصادية بين تونس و فرنسا لا تنسجم مع غياب متوقع لرجال الاعمال لأنه لا يمكن تخيل تعاون بين البلدين ثنائيا أو في إطار متعدد الأطراف دون حضور للفاعلين الاقتصاديين. لقاء قيس سعيد بممثلين عن الجالية التونسية بفرنسا قد لا يكون مثمرا إذا اقتصر على الجانب الشكلي و ” الفلكلوري ” لأن التونسيين بالخارج يشعرون باحباط متزايد من السياسات المتبعة تجاهمم و يريدون قرارات تبدد احباطهم و مخاوفهم و من بين القرارات التي تأخرت سد الشغور على مستوى سفارة تونس في باريس و هو شغور طال أكثر مما ينبغي و قد يؤثر سلبيا على مجريات هذه الزيارة لأن للسفراء عادة دورا هاما في التمهيد لزيارات الرؤساء…في كل الحالات ننتظر ما هي نتائج زيارة أعدها بعيدا عن الأنظار و المشاركة ثنائي ” رئيس الجمهورية و مديرة ديوانه “