د.طلال أحمد أخصائي الجراحة بمستشفيات الحمادي..في حديث عن: أخلاقيات الطبيب أمام الألم البشري

الاحساء
زهير بن جمعه الغزال

الألم البشري ليس مجرد ظاهرة طبية،بل هو صرخة إنسانية عميقة،تحمل في طياتها الخوف،والأمل،والضعف، والتطلع إلى يد حانية وقلب مطمئن،وهنا تتجلى أخلاقيات الطبيب،لا بوصفها قواعد مهنية جافة،بل كقيمة إنسانية رفيعة، وموقف أخلاقي يجمع بين العلم والرحمة.
الطبيب لا يُنتظر منه أن يصف الدواء فحسب،بل أن يقدّم للمريض إنسانية صافية، تنعكس في اهتمامه بنظراته، وصدق كلماته،ودفء تعامله. المريض حين يدخل العيادة، يترك خلفه أدوار المجتمع، وينزع عن نفسه ألقابه،ليقف مجردًا من كل شيء إلا من حاجته إلى العافية والطمأنينة.
الأخلاقيات الطبية في مواجهة الألم تفرض على الطبيب أن يكون مستمعًا قبل أن يكون متحدثًا،مشفقًا قبل أن يكون معالجًا،وصادقًا قبل أن يكون خبيرًا،وعليه أن يحترم خصوصية المريض وسريته، وألّا يستخف بآلامه مهما بدت صغيرة،وألّا يجعل من الحالة مجرّد رقم في سجل أو موضوع في محاضرة.
وفي مجتمعنا السعودي،الذي يستمد قيمه من الشريعة الإسلامية،تتعزز هذه المبادئ الأخلاقية بمرجعيات دينية وأصيلة.قال تعالى:﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، وقال النبي ﷺ:«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»،وهذه النصوص تجعل من الرحمة والرفق ركيزتين أساسيتين في تعامل الطبيب مع الألم.
ثم إن الطبيب مطالب بأن يوازن بين الصراحة واللطف، فلا يخدع المريض بآمال كاذبة، ولا يصدمه بحقائق قاسية دون تمهيد ورحمة،وإن الحكمة في توصيل المعلومة،والتدرج في كشف الحقائق،من صميم الأخلاقيات الطبية التي تصون المريض نفسيًّا وتدعم قدرته على مواجهة مرضه.
كذلك،على الطبيب أن يبتعد عن استغلال حاجة المريض أو عجزه،وأن يترفع عن أي ممارسات تجارية قد تسيء إلى قدسية المهنة؛فالطب رسالة قبل أن يكون مهنة،وخدمة قبل أن يكون تجارة.
إن الألم البشري سيظل دائمًا تذكرة للطبيب بإنسانيته، واختبارًا مستمرًّا لقيمه وأخلاقه،وكلما تذكّر الطبيب هذه الرسالة،كلما ازداد قربًا من الله،ومحبةً في قلوب الناس، وصدقًا مع ضميره.
فالطبيب الحقيقي هو من يجعل من لحظات الألم جسورًا إلى الرحمة،ومن غرفة الفحص ساحة للأمل،ومن يده أداة للشفاء ورمزًا للعطف والإنسانية.
———————-
د.طلال محمد أحمد
أخصائي الجراحة العامة بمستشفيات الحمادي بالرياض