دولة التلاوة يعيد الهوية المصرية في قراءة القرآن الكريم

بقلم : نورهان البطريق
في ظل عتمة الإعلام التي نعاني منها منذ زمن بعيد ، وسطحية البرامج وأحيانا كثيرة جهل مذيعين تلك البرامج ، أطل علينا من أيام قليلة ماضية برنامج يطلق عليه ” دولة التلاوة ” يتلو فيه مجموعة من الشباب بعض آيات القرآن الكريم في دقائق معدودة أمام لجنة من كبار القراء والمشايخ ، فكان لكل صوت هويته التي تميزه ، واحد يمتاز بالقوة التي يهتز لها مسامعك وكأنها تطهر روحك من هوى الدنيا ،و آخر يرتل بصوت عذب مفعم بالسكينة ليبدد قلقك و يغمرك بالطمأنينة.
أكثر ما لفت الأنظار و جذب الانتباه هو مشاركة الأطفال ،فلم يشترط البرنامج سن معين، ولكنه استطاع أن يحتضن أيضا الصغار في لقاء يملؤه الألفة و يغلبه العاطفة ، مما دفع الأطفال أن تلتف حول التلفاز -فقد تكون هذه المرة الأولى لهم- الذين يجلسون فيها أمام التلفاز لمتابعة برنامج ومشاهدة أطفال في نفس مراحلهم الدراسية استطاعت أن تحفظ القرآن الكريم كاملا بجانب تفوقهم الدراسي، يكفي أن يكون فخورا بمن هو نفس عمره ،وينظر اليه وهو يتلو آياته بشجاعة ، وتمكن أمام عينيه أن يهزم خوفه حتى يلقى استحسان و قبول من قبل لجنة التحكيم ،فهو في الحقيقة طفل لا يتعدى عمره عشر سنوات، ولكنه استطاع أن يكون قدوة ومثل يحتدى به للكبار قبل أن يكون لأصدقاءه، فكل واحد منهم لم يتوقف حلمه عند المشاركة بالبرنامج فقط،إنما يحلم بالحصول على اللقب.
أبدى رواد التواصل الاجتماعي إعجابهم بالبرنامج من خلال منشورات أو نشر مقاطع فيديو للمتسابقين ، وهذه الإشادة تعكس ذوق الرأي العام ورغبة الجمهور إلى هذه النوعية من البرامج ، ويضرب بفكرة نقل الواقع، وأن هذا ما يطلبه المشاهدون عرض الحائط، وأن كل ما يعرض سواء كان برامج او أعمال درامية يفرض على المشاهد، ولا يمت بصلة إلى ذوق الجمهور بدليل أن السوشيال ميديا استطاعت أن تستغل هذه النقطة لجذب كل الفئات العمرية إلى تطبيقاتها الالكترونية، يكفي أنها نجحت في أن يكون المتابع هو المتحكم فيما يرغب متابعته ،وله الحرية الكاملة في أن يقوم بعمليات البحث عن مايروق له وقتما يشاء.
برنامج واحد كان كفيلا أن يترك الآباء أبناءهم أمام شاشات التلفاز دون خوف أو مراقبة بين الحين الآخر، برنامج واحد نجح في إعادة تشغيل إذاعة القرآن الكريم ،و اصطحاب المصاحف لمراجعة الورد اليومي داخل المواصلات العامة، فكيف سيكون حالنا لو تبنت القنوات الفضائية إنتاج مثل هذا البرنامج في كافة المجالات الدينية و التربوية و الأخلاقية ، كيف ستصبح الأجيال القادمة لو أن كل ما تبثه البرامج يحث على ايقاظ القيم وتهذيب السلوك و انتقاء الكلمات و حسن التصرف، ماذا لو التفت الأطفال حول برامج تفسر آيات القرآن وتعلم التجويد وتروي لهم قصص الأنبياء وتحكي لهم عن يسر وعظمة دينهم الإسلامي.










