الأخبار
حكومة هشام المشيشي و تفادي المنعرج السياسي المجهول

للمرة الثانية يتيح الدستور لرئيس الجمهورية تعيين الشخصية الاقدر لرئاسة الحكومة،
- الاولى، بعد فشل حزب حركة النهضة في تشكيل الحكومة وهو الحزب المتحصل على اكثر الاصوات و المقاعد بمجلس نواب الشعب في الانتخابات التشريعية ليوم 6 اكتوبر 2019 و التى اختار لها إلياس الفخفاخ لتشكيلها (وهو الذي ينتمي الى حزب التكتل الذي انهزم في الانتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2019 ) سميت في البداية بحكومة الرئيس و اصبحت فيما بعد تسمى حكومة الضرورة نظرا لضرورة مصادقة النواب عليها بخلفية تجنب حل مجلس نواب الشعب الذي يدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية في حال اسقاطها –
- الثانية كانت اثر استقالة رئيس الحكومة وهي تخفي محاولة للاقالة و اخرى لسحب الثقة في نفس الوقت بعد كشف تضارب مصالح لرئيس الحكومة، حيث وضع السلطة التنفيذية (حكومة و رئاسة) في حرج امام الاحزاب و الراي العام الوطني و الدولي إذ إختار من رئيس الجمهورية هشام المشيشي الذي يراه الشخصية الاقدر لتكوين حكومة جديدة رغم انه لم تات به المشاورات الكتابية التي اجراها مع الاحزاب في اقتراح ريئس حكومة
•• المشاورات “الجافة”
ان كانت مشاورات رئيس الحكومة المكلف مع الاحزاب بالاتصال المباشر بالاحزاب خلافا لآلية التراسل الكتابي الذي اعتمده رييس الجمهورية، فهي اكتست طابع جاف وفق مراحل من الاستماع الى تقييم الوضع و الاولويات الى الاسماع عن طريق ظهور إعلامي مقتضب مر فيه مرور الكرام على اهم عناصر برنامجه ثم انطلق في تبادل الراي حول طبيعة الحكومة التي قرر ان تكون من الكفاءات المستقلة تماما و التي لم يفصح عن تشكيلها الا لبعض روساء الكتل او الاحزاب و في جزء منها فقط لكن إعتمدآليةر التسريبات التي مكنته بدون شك من راي اعظمه فايسبوكى كشف عدة جوانب لبعض الاطارات السامية و الشخصيات التي تدخل في اطار اهتمامه لتوزيرها
•• الاعلان على تشكيلة الحكومة
كان الاعلان عن تشكيلة الحكومة في الدقائق الثلاثة الاخيرة من الاجال الدستورية للاعلان عليها توحي برغبة في التستر عن اعضائها ، لاحقتها في الاعلام معلومات مختصرة جدا عن السيرة الذاتية لاعضائها ٠ و أكد بعض ممثلي الاحزاب انهم اتصلوا بالقائمة نصف ساعة قبل الاعلان عليها وهو ما يوحي ان تركيبتها غير قابلة للنقاش رغم ما وعد به الاحزاب من الاخذ بكل فيتو منهم عن اي عضو من جهة و المراجعات التي استغرقت لوقت طويل في اطار حلقة مضيقة يروج انها بين رئيس الحكومة المكلف و رئاسة الجمهورية و بعض الاحزاب خاصة في الوزارات السيادية من جهة أخرى
•• في استقلالية اعضاء الحكومة المقترحين
لم يحدد مفهوم الاستقلالية لكن تركز على الانتماء الحزبي بحكم ان المنطلق في خيار الكفاءات المستقلة جاء نتيجة الاختلافات و التجاذبات الكبيرة بين الاحزاب في تقييم الوضع و في التعاطي السياسي المشترك بينها٠ لكن ما أُعتُمد من معيار الاستقلالية كان بمكيالين تارة الاستقلالية الفكرية و أخرى الاستقلالية الحزبية اذ ان هناك شيء من ترابط مباشر او غير مباشر بالاحزاب لبعض الاعضاء
•• في الكفاءة في الحقيبة المسندة
ما يفهم من الكفاءة في حكومة اعضاؤها مستقلون تماما هو الاختصاص لكل حقيبة، لكن هذا العنصر لم يكن الطاغي اذ وقع اقتراح وزراء في غير اختصاصهم و ربما كان نتيجة الضغوط التي ادت الى توسيع العدد (28عضو) اكثر مما اعلن عنه الى اخر وقت (لا تتجاوز 23) و رغم ذلك تبقى اصغر حكومة منذ سنة 2011 ، تتميز بتشريك المراة (8)، بتواصل مع حكومة إلياس الفخفاخ ب 5 وزراء و مع كل من حكومة يوسف الشاهد و على العريض بوزير واحد
و تجدر الاشارة الى تواجد بعض اعضاء الحكومة في مواقعهم مشهود لهم بالنجاعة بحكم تجربتهم المهنية و الادارية و الاجتماعية و حصافة سلطتهم التقديرية (التي عادة ما تنقص التكنوقراط و التى تبقى من الضروريات في معالجة القضايا ذات البعد السياسي ) مثل وزير السياحة و الصناعات التقليدية و وزيرة الصناعة و الطاقة و المناجم و وزير الشؤون الاجتماعية و وزيرة المراة و الاسرة و كبار السن و وزير الشؤون الخارجية و وزير تكنولوجيات الاتصال على سبيل الذكر لا الحصر بحكم عدم معرفتنا بهؤلاء الرجال و النساء
•• الحاضنة المهنية او الاكاديمية لاعضاء الحكومة
-منتمون الى المدرسة الوطنية للادارة : اكثر من 6 - قضاة : 5
- مهندسون: 5
- مهن حرة: 5
- صحافة: 3
- استاذة جامعيون : 5
•• في هندسة الحكومة
تختلف كثيرا في مجالات الوزارات عن بقية الحكومات رغم محاولة هشام المشيشي إكساءها طابعا تجديديا مثل وزارة الاقتصاد و المالية و دعم الاستثمار و وزارة الشباب و الرياضة و الادماج المهني و وزارة التجارة و تنمية الصادرات و كاتب دولة مكلف بالمالية العمومية و الاستثمار و تبقى وزارة الشؤون الخارجية و الهجرة و التونسيين بالخارج من المبادرات القديمة التي تهمش فيها الرعاية و التاطير للجالية التونسية بالخارج٠
و في مسالة التكوين و التشغيل، يفهم من خلال هذه التركيبة الحكومية ان هذين القطاعين سيكونان من مهام كل الوزارات (و لا شييء يجعل من وزارة الشباب و الرياضة و الادماج المهني ان تكون مؤتمنة على التكوين و التشغيل) لكن لابد من التنسيق بينها في مستوى والوكالة الوطنية للتكوين و الوكالة الوطنية للتشغيل التي يجب ان يصبح لهما ادوارا محورية في كل الوزارات التي نجد في كل منها ادارة عامة للتكوين و ادارة عامة للموارد البشرية علاوة على ان مجالات التكوين موزعة على عدة هياكل وزارية تتعامل مع المؤسسات التربوية و الجامعية في منظومة تكوين وطنية حان الوقت لتفعيلها بدعم قوي و اجراءات عملية حتى يكون التكوين و التشغيل من مهام الجميع باعتبارهما اولوية مطلقة افضل من الحاقهما بوزارات اخرى اثر الغاء الوزارة التي تجمعهما و رب ضارة نافعة
•• الحزام السياسي
من البديهيات ان يكون لاي حكومة حزام برلماني ييسر لها العمل الحكومي و حزام سياسي يساعدها على تفعيل و تثمين برنامجها ، و لابد لهذه الحكومة ان تتنازل عن سقف تعاملها مع الاحزاب و مع البرلمان لتؤمن الحد الادنى من الانجازات العاجلة ، و تترك وراءها الصراعات بين السلطة التشريعية و هرم السلطة التنفيذية الذي بامكانه ان يؤدي الى منعرجات سياسية خطيرة يكون عبؤها ثقيلا على الشعب
و ان توحي تركيبة الحكومة و طبيعة اعضائها المنتمية في جلهم الى الادارة بقوة التضامن و التآزر بينها و الى مركزة تصورات برامجها و المتابعة الدقيقة لها في شخص ريئس الحكومة، فان بعض كفاآتها المتمرسة على ضوابط و إكراهات الحكم من خلال تعاطيها الاداري بحيادية مع كل اشكال الحكومات بامكانها ان تتموقع من خلال وزاراتها في المشهد الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي لتدعم مزيد المرونة في تعامل الحكومة مع البرلمان و مع المجتمع المدني و يبقى اساس نجاح الحكومة في ممارسة صلاحيتها بكل استقلالية و في كنف التعاون الوطيد مع كل مكونات و فئات المجتمع في تعاطي سياسة القرب و الاتصال المباشر وفق برنامج عاجل و مخطط وطني على مدى الاربع سنوات الباقية حتى تتفادى الدخول في منعرج مجهول مثلما دخلت فيه جل الحكومات السابقة ادى الى الوضع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي عليه تونس اليوم
و في كل الحالات تبقى هذه الحكومة التي ستمر للضرورة (ان مرت) كسابقتها منسوبة لرئيس الجمهورية الذي يتداول البعض في تعيينه لبعض الوزراء و حتى في تمسكه بالبعض منهم ، و يبقى نجاحها نجاح مشترك بينه و بين رئيس الحكومة و الحزام الذي ستسقطبه و فشلها سيكون فشل رئيس الجمهورية لضعف سلطته التقديرية في اختياره للشخصية الاقدر لتسيير الشان العام للمرة الثانية على التوالي و الذي سيجد فيه خصومه السياسيين و منظومة الاحزاب التي لا يستسيغها الحجة لاثبات عدم وجاهة مشروعه السياسي الذي روجه خلال حملته ” التفسيرية” في الانتخابات الرئاسية التي اوصلته الى قصر قرطاج
الازهر الضيفي
قيادي دستوري و برلماني سابق