مقالات قانونية

جريمة الدخول لمحل الغير رغم إرادة صاحبه

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي

نصّ الفصل 256 م.ج على أنّ : ” الإنسان الذي يدخل أو يستقر بمحل معدّ للسكنى و ذلك بالرغم من إرادة صاحبه يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر.
و المحاولة موجبة للعقاب “.
يؤخذ من هذا الفصل أن المشرع أقرّ حماية جزائية للمسكن و ذلك بجعل الإستقرار به أو الدخول إليه جريمة موجبة للعقاب )المبحث الثاني( إذا ما توفّرت عناصرها من جهة (المبحث الأول)
المبحث الأول : العناصر المكوّنة للجريمة
لقد تعرّض المشرع التونسي على غرار جلّ التشريعات المعاصرة إلى تجريم الإعتداء على المسكن باعتباره امتدادا للحق في الحياة، هذا إضافة إلى أنّ عبارة المسكن توحي بالطمأنينة و السكينة بآعتبار أن الشخص ينعم داخله بالأمان و الراحة مستترا فيه و بعيدا عن أعين الغير و لذلك فقد حضي بعناية كبيرة من المشرع من خلال وضع أحكام و سنّ قوانين تحميه و تقي حرمته من كلّ ما يمكن أن ينتهكه أو يتسلّط عليه من آعتداءات.
و القول بتجريم الإعتداء على المسكن يستوجب توفّر المسكن محلّ الاعتداء (فقرة أولى) و الدخول و الاستقرار به بالرّغم عن إرادة صاحبه (فقرة ثانية) و توفّر القصد الإجرامي (فقرة ثالثة(.
الفقرة الأولى : المسكن محل الاعتداء
يقول الفقيه كاربونيي ” قلعة الفرد مسكنه “.
من هذا المنطلق نلاحظ أن المسكن هو مستودع أسرار و خصوصيات الأفراد فبداخله يمكنهم أن ينعموا بالراحة و الأمان و السكينة و أن يتمتّعوا بالهدوء، و قد آهتم المشرع بالمسكن محاولا إقرار ما يمكن من ضمانات لحماية هذا الحق الدستوري متجاوزا التضييق الذي يقتصر على حماية حق الملكية إلى حماية أمن وراحة الأفراد .
لم يتعرّض المشرع التونسي إلى تعريف قانوني للمسكن لكنّنا, نجده صلب الفصل 267 م.ج يعرّف المحل المسكون بأنّه : ” كلّ بناء أو مركب أو خيمة أو مكان مسيّج معدّ لسكنى الإنسان و يعتبر المحل مسكونا بالمعنى المقصود بالفصل 260 و لو لم يكن أحد نازلا به عند وقوع الجريمة “.
لكنّ هذا التعريف يبقى قاصرا عن تعريف المسكن تعريفا واضحا وشاملا ذلك أنّه يرتبط بجريمة السرقة الموصوفة التي نصّ عليها الفصل 260 و لذلك فهو يبقى تعريفا ناقصا و محدودا في نطاق معيّن لا يمكن تجاوزه للحديث عن الاعتداءات الأخرى التي تتسلّط على المسكن.
إضافة لذلك نجد أحكام الفصل 268 م.ج تنص على أنّ : ” الصحون و محلات تربية الطيور و الإسطبلات و المباني الملاصقة لإحدى المحلات المبيّنة بالفصل المتقدّم و لو كان لها سياج خصوصي في السياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحلاّت المسكونة “.
إذا ما اعتمدنا كذلك أحكام هذا الفصل فإنّنا لن نتوصّل إلى مفهوم حقيقي للمسكن باعتبار أنّ هذا الفصل كذلك يتصل بمفهوم المسكن في جريمة السرقة الموصوفة لوقوعها ببعض الوسائل المحددة قانونا و ذلك في محاولة منه لحماية المسكن من الاعتداء المسلّط عليه وهو ما أقرّته محكمة التعقيب في قرارها الجزائي عدد 1664 المؤرّخ في 15/2/1962 الذي جاء به: ” و قد أراد المشرع حماية المساكن و صيانتها و معاقبة كل من يتعمد آرتكاب السرقة داخل تلك المساكن بإحدى الوسائل التي نصّ عليها الفصل 260 من المجلة الجنائية ” .
لذلك فإنّ هذا التعريف لا يمكن الأخذ به لقصوره عن تحديد مفهوم المسكن
و نظرا لضيقه يتّجه البحث في فقه القضاء لإيجاد تعريف أوسع و أشمل للمسكن.
تبنّت محكمة التعقيب تعريفا موسّعا للمسكن فاعتبرت أنّ : ” المقصود بالمحل المسكون هو كلّ بناء أو مركب أو خيمة أو مكان فسيح معدّ لسكنى الإنسان و يعتبر المحل مسكونا بالمعنى الأتم و لو لم يكن أيّ أحد نازلا به عند وقوع الجريمة ” .
كما اعتبرت في نفس القرار بأنّ المسكن يشمل ” كلّ الأماكن التي يعدّها الإنسان ليأوي إليها كالمنازل و البيوت و الخيام “.
نلاحظ أنّه رغم أهمية هذا المفهوم إلاّ أنّه يتّجه التوسيع فيه أكثر ليشمل عدّة أماكن أخرى اعتاد الإنسان الإقامة فيها و لذلك يمكننا الالتجاء إلى ما توصّل إليه الفقه و فقه القضاء الفرنسي بشأن مفهوم المسكن.
عرّف الفصل 184 من المجلة الجنائيّة الفرنسية المسكن بأنّه : ” المكان الذي يكون مقرا رئيسيا للشخص “.
كما عرّفه الفقيه ” قارو ” على النحو التالي :” المسكن حسب الفصل 184 جنائي هو المكان المخصص للسكنى و الإقامة الحقيقية للمواطن ” .
أما الفقيه ” قارسون ” فقد عرّف المسكن بأنّه :” المنزل أو الإقامة الخاصة للفرد وهو كلّ محل سكنى مشغول من الشخص وهو بيت كلّ إنسان ” .
أمّا محكمة التعقيب الفرنسية فقد عرّفته في قرارها المؤرخ في 24 جوان 1893 بأنّه : ” كل مكان يشغله من له الحق في ذلك أو غيره بعد مصادقته بصفة متواصلة أو مؤقتة “.
و لكن و بما أنّ المسكن لا يقتصر على المقر الأصلي للشخص فقط و إنّما يشمل كذلك كل مكان يتمتع فيه بحق الإقامة, فقد قامت محكمة التعقيب الفرنسية بتجاوز المفهوم الذي آعتمدته لتعتبر في قرارها المؤرخ في 26 فيفري 1963 بأنّ
” المسكن لا يعني فقط المكان الذي يوجد به المقر الأصلي للشخص بل هو المكان الذي سواءا كان يسكن به أولا، يخوّله بأن يعتبر نفسه في بيته و ذلك بقطع النظر عن الصفة القانونية لشغوله أو الوصف المعطى للمحلاّت ” .
لقد أرسى هذا القرار مفهوما موسّعا للمسكن يشمل صورا جديدة له تشملها بالحماية الجزائية فأصبحت توابع المسكن تبعا لذلك مشمولة بالحماية.
إضافة إلى ذلك فقد أصبح لكلّ شخص الحق في حماية مسكنه و ذلك مهما كانت صفته أي سواء كان مالكا لهذا المسكن أو مكتريا أو يتمتّع بالإقامة فيه فقط و هو ما يستشف منه أنّه من غير الضروري أن يكون شاغل المسكن مالكه لأنّ حماية المسكن لا ترمي إلى حماية الملكية بل إلى ضمان راحة و أمن الأفراد القاطنين به و بالتالي فإنّ صفة شغول المسكن بأيّ وجه لا تهمّ بقدر ما تهم الحماية المسبغة على المكان بقصد مجابهة الإعتداءات المسلّطة عليه.
هذه الحماية تمتدّ لتشمل توابع المسكن كالشرفات و السطوح و الدهاليز و الحدائق إذا كانت مغلقة و كذلك العربات المجرورة المستعملة كمسكن .
من هذا المنطلق نستنتج أنّ المشرع سوّى بين المحل المسكون و بعض الأماكن التابعة له و ذلك بالفصل 268 م.ج الذي أقرّ أنّ :” الصحون و محلات تربية الطيور و الإسطبلات و المباني الملاصقة لإحدى المحلات المبيّنة بالفصل المتقدّم و لو كان لها سياج خصوصي في السياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحلات المسكونة “.
نلاحظ أنّ المشرّع شمل بالحماية توابع المسكن و جعلها خاضعة لنفس أحكامه و ذلك لأنّها مخصّصة لمنفعته و متّصلة به و لو كان لها سياج خصوصي داخل السياج العام و مثال ذلك ” غرفة الغسيل ” و ” محلات تربية الطيور و الإسطبلات “…, و بناءا عليه, فإنّ التوابع الموجودة داخل السّور المحيط بالمسكن و التي تكوّن جزءا منه وآمتدادا له تشملها الحماية و كلّ آعتداء عليها هو آعتداء على المسكن ذاته يستوجب تسليط العقوبات التي أقرّها المشرع لحماية المسكن و مثال ذلك : الدهاليز أو حديقة المنزل أو الشرفات أو السطوح.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي لم يقتصر على ما أقرّه صلب أحكام الفصلين 267 و 268 م.ج بل إنّه واصل آتجاهه الموسّع في تعريفه للمسكن أو للمحل المسكون أو المكان المسيّج المعدّ لسكنى الإنسان و ملحقاته و توابعه إذ نصّ بالفصل 269 م.ج على أنّه :” تعدّ معاطن أو مرابض أو أماكن مسيّجة كل أرض محوطة بحفير أو مواثيق أو بمشبك من القصب أو غيره أو باللوح أو تخوم من نبات حيّ أو يابس أو بحائط كيفما كانت مواد تركيبه و كيفما كان آرتفاع و عمق و حالة و قدم تلك الأنواع من المسيّجات و لو لم تكن لها أبواب تغلق بمفاتيح أو غيرها أو كانت الأبواب ذات فرج أو مفتوحة عادة، و المعاطن أو المرابض القارّة المعدة لوضع الحيوانات بالأراضي بأيّ كيفيّة كان صنعها تعتبر أيضا مسيّجات “.
تجدر الإشارة إلى أنه رغم هذا التوسيع التشريعي الذي آعتمده المشرع في تعريفه للمحل المسكون فإنّ ذلك لم يمنع الفقه وفقه القضاء من تأكيد هذا التوسيع و على آنتهاج نفس المنحى و ذلك في محاولة لوضع مفاهيم متعددة للمسكن تنصهر فيها مختلف تطبيقاته و تكون مشمولة بالحماية من كلّ ما يمكنه أن يتسلّط عليها من آنتهاكات و تعدّيات.
آعتمد الأستاذ عبد الله الأحمدي في تعريفه للمسكن مفهوما موسّعا فقد آعتبر أن المسكن قد يكون ” منزلا أو شقة أو باخرة أو خيمة أو كوخا و كذلك العربات المجرورة المستعملة كمسكن متنقّل “.
هذا التعريف جاء شاملا لحالات متعددة, و الملاحظ أن فقه القضاء توخّى هذا التوجه كذلك فآعتبرت محكمة التعقيب أنّ : ” المراد بالمسكن هو المكان المعدّ للسكنى بطبيعته أي للإقامة فيه ليلا و نهارا لمدّة طويلة أو قصيرة و من تلك المنازل الفنادق إذ يقيم فيها الإنسان كما لو كان في منزله إذ بها يتناول الطعامو يستريح و ينام كما يفعل بمنزله الخاص ” فالمقصود بالمسكن و ملحقاته هو كل مكان غير مباح للجمهور الدخول إليه بدون سبب أو إذن، بل أكثر من ذلك فقد ذهب فقه القضاء التونسي إلى آعتبار أن الدكّان الذي يباشر فيه صاحبه نشاطه و يستخدمه للسكنى في نفس الوقت يعدّ محلاّ مسكونا و هو ما يستشفّ من قرار محكمة التعقيب التي أكّدت أنّ:” دكان التجارة إذا آتخذه صاحبه مسكنا له زيادة على مباشرته لنشاطه التجاري فيه يعدّ محلاّ مسكونا ” .
آعتبر فقه القضاء الفرنسي من جهته أنّ المسكن يشمل كذلك غرفة النزل المؤجّرة لمدّة و جيزة لا تتعدّى اليوم الواحد.
و لكنّ المشرّع التّونسي لم يتعرّض إلى حماية مباشرة لغرفة النّزيل إذا ما آستهدفها آنتهاك و لكنّ هذه الغرفة بما أنّها معدّة للسّكنى و تقع الإقامة بها, فإنّ أحكام الفصل 256 م.ج يمكن أن تشملها و لا يهمّ إن كان كراءها لمدّة يوم واحد أو أكثر و نتيجة لذلك, فإنّ دخول صاحب النزل إلى غرفة النّزيل دون علمه أو بدون رضاه يمثّل خرقا لحرمة المسكن.
كذلك فإنّ الدّخول لغرفة النّزل لضرورة القيام بخدمة فيها تقتضيها مصلحة الحريف لا يشكّل جريمة وآنتهاكا و لكن إذا كان الدّخول بسبب غير شرعي و خارج عن نطاق الخدمة, فإنّ ذلك يعتبر خرقا لحرمة المسكن, و تبعا لذلك فالحماية التي أضفاها المشرّع على المساكن تنسحب على الغرفة في النّزل.
و مع كل ذلك فقد كان الفقه و فقه القضاء الفرنسي أكثر جرأة في تأويل عبارة المحل المسكون فآعتبر الفقيه قارسون أنّه يكفي لآعتبار المحل مسكونا أن يكون مكانا للإقامة المنتظمة باللّيل أو النهار كالمكتب أو المصنع الذي يقضي به العمّال كامل اليوم و بصفة منتظمة بحيث لا يعودون إلى منازلهم إلاّ ليلا.
لقد أرسى هذا القرار مفهوما موسّعا للمسكن يشمل صورا جديدة له تشملها بالحماية الجزائية فأصبحت توابع المسكن تبعا لذلك مشمولة بالحماية.
إضافة إلى ذلك فقد أصبح لكلّ شخص الحق في حماية مسكنه و ذلك مهما كانت صفته أي سواء كان مالكا لهذا المسكن أو مكتريا أو يتمتّع بالإقامة فيه فقط و هو ما يستشف منه أنّه من غير الضروري أن يكون شاغل المسكن مالكه لأنّ حماية المسكن لا ترمي إلى حماية الملكية بل إلى ضمان راحة و أمن الأفراد القاطنين به و بالتالي فإنّ صفة شغول المسكن بأيّ وجه لا تهمّ بقدر ما تهم الحماية المسبغة على المكان بقصد مجابهة الإعتداءات المسلّطة عليه.
هذه الحماية تمتدّ لتشمل توابع المسكن كالشرفات و السطوح و الدهاليز و الحدائق إذا كانت مغلقة و كذلك العربات المجرورة المستعملة كمسكن .
من هذا المنطلق نستنتج أنّ المشرع سوّى بين المحل المسكون و بعض الأماكن التابعة له و ذلك بالفصل 268 م.ج الذي أقرّ أنّ :” الصحون و محلات تربية الطيور و الإسطبلات و المباني الملاصقة لإحدى المحلات المبيّنة بالفصل المتقدّم و لو كان لها سياج خصوصي في السياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحلات المسكونة “.
نلاحظ أنّ المشرّع شمل بالحماية توابع المسكن و جعلها خاضعة لنفس أحكامه و ذلك لأنّها مخصّصة لمنفعته و متّصلة به و لو كان لها سياج خصوصي داخل السياج العام و مثال ذلك ” غرفة الغسيل ” و ” محلات تربية الطيور و الإسطبلات “…, و بناءا عليه, فإنّ التوابع الموجودة داخل السّور المحيط بالمسكن و التي تكوّن جزءا منه وآمتدادا له تشملها الحماية و كلّ آعتداء عليها هو آعتداء على المسكن ذاته يستوجب تسليط العقوبات التي أقرّها المشرع لحماية المسكن و مثال ذلك : الدهاليز أو حديقة المنزل أو الشرفات أو السطوح.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي لم يقتصر على ما أقرّه صلب أحكام الفصلين 267 و 268 م.ج بل إنّه واصل آتجاهه الموسّع في تعريفه للمسكن أو للمحل المسكون أو المكان المسيّج المعدّ لسكنى الإنسان و ملحقاته و توابعه إذ نصّ بالفصل 269 م.ج على أنّه :” تعدّ معاطن أو مرابض أو أماكن مسيّجة كل أرض محوطة بحفير أو مواثيق أو بمشبك من القصب أو غيره أو باللوح أو تخوم من نبات حيّ أو يابس أو بحائط كيفما كانت مواد تركيبه و كيفما كان آرتفاع و عمق و حالة و قدم تلك الأنواع من المسيّجات و لو لم تكن لها أبواب تغلق بمفاتيح أو غيرها أو كانت الأبواب ذات فرج أو مفتوحة عادة، و المعاطن أو المرابض القارّة المعدة لوضع الحيوانات بالأراضي بأيّ كيفيّة كان صنعها تعتبر أيضا مسيّجات “.
تجدر الإشارة إلى أنه رغم هذا التوسيع التشريعي الذي آعتمده المشرع في تعريفه للمحل المسكون فإنّ ذلك لم يمنع الفقه وفقه القضاء من تأكيد هذا التوسيع و على آنتهاج نفس المنحى و ذلك في محاولة لوضع مفاهيم متعددة للمسكن تنصهر فيها مختلف تطبيقاته و تكون مشمولة بالحماية من كلّ ما يمكنه أن يتسلّط عليها من آنتهاكات و تعدّيات.
آعتمد الأستاذ عبد الله الأحمدي في تعريفه للمسكن مفهوما موسّعا فقد آعتبر أن المسكن قد يكون ” منزلا أو شقة أو باخرة أو خيمة أو كوخا و كذلك العربات المجرورة المستعملة كمسكن متنقّل “.
هذا التعريف جاء شاملا لحالات متعددة, و الملاحظ أن فقه القضاء توخّى هذا التوجه كذلك فآعتبرت محكمة التعقيب أنّ : ” المراد بالمسكن هو المكان المعدّ للسكنى بطبيعته أي للإقامة فيه ليلا و نهارا لمدّة طويلة أو قصيرة و من تلك المنازل الفنادق إذ يقيم فيها الإنسان كما لو كان في منزله إذ بها يتناول الطعام و يستريح و ينام كما يفعل بمنزله الخاص ” فالمقصود بالمسكن و ملحقاته هو كل مكان غير مباح للجمهور الدخول إليه بدون سبب أو إذن، بل أكثر من ذلك فقد ذهب فقه القضاء التونسي إلى آعتبار أن الدكّان الذي يباشر فيه صاحبه نشاطه و يستخدمه للسكنى في نفس الوقت يعدّ محلاّ مسكونا و هو ما يستشفّ من قرار محكمة التعقيب التي أكّدت أنّ:” دكان التجارة إذا آتخذه صاحبه مسكنا له زيادة على مباشرته لنشاطه التجاري فيه يعدّ محلاّ مسكونا ” .
آعتبر فقه القضاء الفرنسي من جهته أنّ المسكن يشمل كذلك غرفة النزل المؤجّرة لمدّة و جيزة لا تتعدّى اليوم الواحد.
و لكنّ المشرّع التّونسي لم يتعرّض إلى حماية مباشرة لغرفة النّزيل إذا ما آستهدفها آنتهاك و لكنّ هذه الغرفة بما أنّها معدّة للسّكنى و تقع الإقامة بها, فإنّ أحكام الفصل 256 م.ج يمكن أن تشملها و لا يهمّ إن كان كراءها لمدّة يوم واحد أو أكثر و نتيجة لذلك, فإنّ دخول صاحب النزل إلى غرفة النّزيل دون علمه أو بدون رضاه يمثّل خرقا لحرمة المسكن.
كذلك فإنّ الدّخول لغرفة النّزل لضرورة القيام بخدمة فيها تقتضيها مصلحة الحريف لا يشكّل جريمة وآنتهاكا و لكن إذا كان الدّخول بسبب غير شرعي و خارج عن نطاق الخدمة, فإنّ ذلك يعتبر خرقا لحرمة المسكن, و تبعا لذلك فالحماية التي أضفاها المشرّع على المساكن تنسحب على الغرفة في النّزل.
و مع كل ذلك فقد كان الفقه و فقه القضاء الفرنسي أكثر جرأة في تأويل عبارة المحل المسكون فآعتبر الفقيه قارسون أنّه يكفي لآعتبار المحل مسكونا أن يكون مكانا للإقامة المنتظمة باللّيل أو النهار كالمكتب أو المصنع الذي يقضي به العمّال كامل اليوم و بصفة منتظمة بحيث لا يعودون إلى منازلهم إلاّ ليلا.
و تأسيسا على ما تقدّم بسطه يمكن القول بأنّ للمسكن مفهوما واسعا فهو كلّ مقرّ دائم أو مؤقت يشغله من له حق فيه أو الغير بموافقة صاحبه إذ ليس من الضروري أن يكون شاغل المسكن مالكه ليجابه الإعتداءات المسلّطة عليه و تبقى الحماية هي الهدف من التصدّي للإنتهاكات التي تسلّط على المسكن سواء كان مسكونا أو معدّا للسكنى, كما تبقى التوابع مثل الشرفات و السطوح و الدهاليز إذا كانت مغلقة إضافة إلى العربات المجرورة المستعملة كمسكن منصهرة في مفهوم المسكن محل الإعتداءات.
و إذا كان المسكن يمثّل عنصرا جوهريّا عند وقوع الإعتداءات بما أنّه موضوع الإعتداء و ركنا مكوّنا للجريمة, فإنّ الدخول و الإستقرار لا يقلّ أهميّة خاصّة و أنّ هذا الفعل سيسلّط على المسكن الذي سيكون مستهدفا للإعتداءات
و الإنتهاكات من خلال فعل الدخول و الإستقرار بدون رضاء صاحب المسكن.
الفقرة الثانية : الدخول و الإستقرار بالمسكن بدون رضاء صاحبه
ينصّ الفصل 256 م.ج أنّ ” الإنسان الذي يدخل أو يستقرّ بمحل معدّ للسكنى و ذلك بالرغم من إرادة صاحبه يعاقب بالسّجن مدة ثلاثة أشهر
و المحاولة موجبة للعقاب “.
تطرّق المشرع من خلال هذا الفصل لموضوع حماية حرمة المسكن من آعتداء الأفراد عليه من خلال تقرير جريمة الدخول لمحل الغير رغم إرادة صاحبه، فالحماية الجزائية الناجعة للمسكن وقع إقرارها بجعل الإستقرار أو الدّخول لمحل الغير جريمة مستوجبة للعقاب أحد أركانها الدخول أو الإستقرار بدون رضاء صاحب المحل و ذلك بقطع النظر عن طريقة الدخول أو مدّة الإستقرار.
و الملاحظ أنّ المشرع التونسي لم يشترط كمثيله الفرنسي آستعمال الخزعبلات أو العنف أو الإكراه لأنّ المهم هو آنعدام رضاء شاغل المسكن.
غير أنّه يلاحظ في هذا الإطار أنّ المشرع و إن آكتفى بذكر الدخول فقط فإن عموميّة هذه العبارة تجعله يشمل كل صوره ذلك أنّ العبرة ليست بكيفيّة الدخول و إنّما بغياب رضاء المجني عليه الواقع الإعتداء على مسكنه.
إنّ عدم رضاء صاحب المسكن يمكن أن يكون متزامنا مع فعل الدّخول و يكون في شكل معارضة معلنة و مقاومة لذلك التعدّي و قد يكون مفترضا و هي الحالة التي لا يكون فيها صاحب المسكن موجودا عند آرتكاب الجريمة و هو ما أقرّته محكمة التعقيب في عدم آشتراط المعارضة و آكتفت بعدم الرضاء، حيث أقرّت ” إنّ جريمة الدخول لمحل الغير المنصوص عليها بالفصل 256 م.ج لا تستلزم معارضة صاحب المحل بل يكفي أن يقع الدخول إلى المحل بالرّغم عن إرادة صاحبه أي عدم رضائه مثلا ” .
لذلك يعتبر توافر الإرادة آنتفاء للجريمة من أصلها مهما كانت صفة الفاعل، و من هنا يمكن الإستخلاص بأنّ عدم الرضاء لا يأخذ فقط شكل معارضة أي آمتناع المقيم بالمحل عن السّماح للمعتدي بالدخول و إنّما جميع الأشكال التي يستشفّ منها عدم القبول مثل عدم تواجد صاحب المحل بمحلّه عند دخول المعتدي.
و تتضّح قيمة التجريم من خلال آعتبار الركن المادي لتجريم الدخول إلى المسكن يقوم بمجرّد محاولة الدخول أو البقاء بالمحل المحمي قانونا و ذلك بقطع النظر عن وجود عنف من عدمه عند الدّخول.
و ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد هو أنّه إذا كان من الممكن حصر محاولة الدّخول من حيث أنّها تتكوّن من آقتراف أعمال تؤدّي مباشرة إلى آرتكاب الجريمة و لو لم تكن هذه الأعمال من الأفعال المكوّنة للجريمة نفسها إضافة إلى أنّها تثبت ما آعتزم الجاني القيام به ، فإنه يكون من الصّعب تحديد محاولة البقاء أو الإستقرار بالمسكن.
و تأسيسا على ذلك آعتبر الفصل 256 م.ج أنّ الإستقرار يصيّر الجنحة مستمرّة و قائمة و لا ينتهي العمل الإجرامي إلاّ بآنتهاء حالة الإستقرار التي يسهّل دوامها إثبات الجنحة التي لا تقوم بطبيعة الحال إذا توافر رضاء شاغل المسكن.
الفقرة الثالثة : القصد الإجرامي
تعتبر جريمة التعدّي على حرمة المسكن من الجرائم القصدية التي يشترط لقيامها تحقّق ركنها المادي و ركنها المعنوي.
و للقصد الإجرامي مكوّنان أساسيّان لا يمكن التخلّي عن أحدهما و هما العلم و الإرادة.
فمن ناحية أولى يجب أن تكون الإرادة موجودة أي أنها صادرة عن شخص مسؤول جزائيّا سواء من حيث الحالة العقلية أو من حيث سنّ المؤاخذة الجزائية بحيث لا يمكن مساءلة من لا تتوفّر فيه الإرادة السليمة سواء كان ذلك متعلّق بالحالة العقليّة أو بالسّن.
أمّا من ناحية ثانية, فإنّه يجب أن يكون المعتدي على علم مسبق بأنّ ما يقوم به مخالف للقانون و موجب للعقاب, فالمعتدي يجب أن يكون على علم بأنّه بصدد الدخول إلى محل الغير دون موافقة هذا الأخير و ذلك بقطع النظر عن الدافع أو الباعث الذي أدّى به إلى الإتيان بذلك الفعل، هذا و تجدر الملاحظة بأنّ وجود القصد من عدمه مسألة تقديريّة ترجع لقاضي الموضوع مع ضرورة التعليل.
لكن أحيانا قد نجد بعض المعطيات المؤثّرة في القصد الجنائي متمثّلة خاصّة في الجهل و الغلط في القانون و رغم أن المشرّع التونسي تعرّض لمسألة الجهل في القانون بالفصل 545 م.إ.ع الذي نصّ على أنّ : ” جهل القانون لا يكون عذرا في آرتكاب ممنوع أو فيما لا يخفي حتّى على العوام و ذلك بعد نشره و مضيّ المدّة المعيّنة لإجراء العمل به “, فعدم العلم بوجود القانون و جهله لا يعدّ عذرا في آرتكاب ما هو ممنوع، فإنّه لم يتعرّض إلى الغلط في القانون في المادّة الجزائيّة خلافا للمادّة المدنية لأنّ الجهل بالقاعدة القانونية هو آنتفاء العلم بها، أمّا الغلط فيها فهو العلم بها على نحو يخالف الحقيقة و كما هو معلوم فإنّ المبدأ العام يقتضي ألاّ يعذر أحد بجهله للقانون.
و بذلك يكون القصد الإجرامي ركنا هامّا في جريمة التعدّي على مسكن من خلال الدّخول إليه و هذا الرّكن لا يتوافر إلاّ بتعمّد الدخول و الإستقرار مع العلم بعدم رضاء صاحب المحلّ.

المبحث الثاني: العقاب
يختلف العقاب حسب ما ان كانت الجريمة بدون ظروف التشديد )الفقرة الاولى( او مقترنة بظرف التشديد )الفقرة الثانية(
الفقرة الاولى: الجريمة بدون ظروف التشديد
الإنسان الذي يدخل أو يستقرّ بمحل معدّ للسكنى وذلك بالرغم عن صاحبه يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر.
والمحاولة موجبة للعقاب.
الفقرة الثانية: الجريمة مقترنة بظرف التشديد
اذا وقعت الجريمة ليلا فالعقاب يكون بالسجن مدة ستة أشهر وإذا كان وقوعها
باستعمال وسيلة التسوّر أو الخلع أو كان وقوعها من جمع مر ّ كب من عدة أفراد أو كان واحدا أو أكثر من المجرمين حاملا للسلاح فالعقاب يكون بالسجن مدة عامين.
والمحاولة موجبة للعقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى