مقالات

جرائم الرشوة

إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد


الرشوة هى متاجرة الموظف العام فى أعمال وظيفته عن طريق الطلب أو الأخذ أو قبوله لنفسه أو لغيره عطية من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يعد من أعمال وظيفته أو الاخلال بواجب من واجبات وظيفته
ولم تتفق التشريعات كما لم تتخذ كلمة الفقه على تكييف واحد لجريمة الرشوة بل انقسما إلى مذهبين متنافرين الأول يخضع الرشوة في تجريمها لنظام وحدة الرشوة والثاني يخضعها لنظام ثنائية الرشوة و كلا المذهبين له مبرراته فضلا عن اعتناق أحدهما يرتب نتائج قانونية مغايرة عن الأخر.

  • نظام وحدة الرشوة: وفقا لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها الأصلي هو الموظف المرتشي أما صاحب الحاجة (الراشي) فليس إلا شريكا في هذه الجريمة الأصلية، و تقوم هذه النظرية على أن جوهر الرشوة إنما يتمثل في الاتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما لا يتصور وقوعه إلا من جانب الموظف الذي وضعت فيه السلطة العامة ثقتها. فالمرتشي إذن هو المعول عليه في مشروع الرشوة فهو أكثر إجراما من الراشي لأنه يخل بواجبات الأمانة التي تلقيها الوظيفة على عاتقه وهي واجبات لا تقيد الراشي في شيء ومؤدى مذهب وحده جريمة الرشوة إذن هو اعتبار الموظف الفاعل الوحيد لها أما غير الموظف سواء كان راشيا أو وسيطا بين الراشي و المرتشي أي الرائش إذ يعتبر شريكا إذا توافرت بالنسبة لع جميع شروط الاشتراك و في ظل عدا المذهب ينعدم التمييز و التفرقة بين كل من الرشوة السلبية بحيث لا توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام.
    ويأخذ بهذا النظام القانون الدانمركي والبولوني والايطالي وكذلك القانون المصري واللبناني وبالرغم من كون نظام وحدة الرشوة يتفق والمنطق القانوني في الميدان العملي تواجهه صعوبتان تتجسد فيما يلي:
  • الصعوبة الأولى: حين يطلب الموظف العام المقابل فلا يستجاب له من قبل صاحب الحاجة أو ما يسمى بحالة الطلب الهائب للرشوة من جانب الموظف العام بمعنى الطلب الذي لا يصادف قبولا من جانب صاحب الحاجة وعليه فعقاب هذا الموظف يقف عند حد الشروع.
  • الصعوبة الثانية: تكمن في حالة عرض الراشي المقابل فيلخصه المرتشي وهنا لا يعاقب صاحب الحاجة لأن العبرة بالموظف فهو الفاعل الأصلي وهنا لم تقع الجريمة لأنه رخصها وهاتان الحالتان لا يعرفهما نظام الرشوة نظرا لاستقلال جريمة المرتشي عن جريمة الراشي.
    واحتياطا للمجال العملي قامت بعض التشريعات بتخطي هاتين الحالتين بالنص على أنه بمجرد طلب الرشوة يعد جريمة تامة رغم عدم استجابة صاحب الحاجة الذي يقدم على عرض رشوته ويرخصها الموظف العام وهو ما يتبع حاليا في التشريع المصري و اللبناني.
    إلا أن الأخذ بنظرية وحدة الرشوة يرتب نتائج قانونية هامة تؤدي و لا شك إلا إمكانية إفلات الراشي والمرتشي أحيانا من العقاب و يمكن حصرها فيما يلي:
  • بصفة عامة يتوقف تقرير المسؤولية الجنائية للراشي وإمكانية عقابه على مصير الدعوة الجنائية المرفوعة في مواجهة المرتشي وبالتالي انقضاء تلك الدعوة بالتقادم أو العفو أو الوفاة يحول ذلك دون مساءلة الراشي. كما أن انتفاء قيام جريمة المرتشي قانونا لانعدام قصده الجنائي أو لأي سبب آخر يمتنع معاقبة الراشي، وتلك أمثلة لأعمال نتائج نظرية استعارة الجريمة التي تقتضيها قواعد الاشتراك الجنائي.
    فاعتبار الراشي مجرد شريك للموظف المرتشي (الفاعل الأصلي للجريمة) يخضع للقاعدة المعروفة في مجال المساهمة الجنائية و هي الشريك يستعير إجرامه من الفاعل الأصلي.
    يترتب على ذلك أن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة فيرفضها هذا الأخير لا يخضع للمساءلة الجنائية حيث يقتصر في هذا الغرض على مجرد الشروع في الاشتراك غير معاقب عليه في القانون الجنائي.
  • و يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى وقوف مساءلة الموظف الذي يطلب رشوة فيرفض صاحب الحاجة طلبه عند حد الشروع فلا يكون مرتكبا لجريمة تامة.
    ويبدو من المشكوك فيه أخيرا إمكانية معاقبة شركاء صاحب الحاجة (الراشي) في ظل مذهب وحدة الرشوة وفقا للقواعد العامة في المساهمة الجنائية فان الاشتراك في الاشتراك غير معاقب عليه.
    وهكذا يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى خروج فرضين يغلب وقوعهما في العمل من دائرة العقاب إذ تعرض الرشوة من صاحب الحاجة حين يرفضه الموظف وطلب الرشوة من الموظف حين لا يستجيب إليه صاحب الحاجة فلا يعد جريمة تامة، يضاف إلى ذلك ما وجه من انتقاد للأساس النظري لهذا المذهب فمن الصعوبة في مجال نظرية الاشتراك اعتبار الراشي مجرد شريك في جريمة الرشوة ذلك أن الشريك ما هو في الحقيقة إلا مساعد في الجريمة، يسهلها ولا ينشئها بمعنى أنه لا يساهم في ارتكابها بطريقة أصلية ومباشرة وفي الرشوة على العكس من ذلك يقوم المرتشي والراشي سويا بدورين رئيسيين في تنفيذها فكلاهما يقومان على قدم المساواة مع الآخر في إتيان الأفعال المكونة للرشوة التي لا تتم بدون تدخل من جانب الراشي وما دام الأمر كذلك فلا يمكن تصور وجود جريمة رشوة بدون تدخل الراشي. وتحت وطأة هذه الانتقادات ومن أجل تفادي النتائج السابقة التي تؤدي إليها مبدأ الوحدة يستمد مذهب ثنائية الرشوة مبرر وجوده.
  • نظام ثنائية الرشوة: المذهب الثاني في تكييفه للرشوة ينظر إليها باعتبارها جريمتين مستقلتين: رشوة سلبية ورشوة ايجابية:
    · – الرشوة السلبية: تلك التي تقع من جانب الموظف العام بطلب أو قبوله للوعد أو عن طريق الأخذ و ذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن أداءه.
    · – الرشوة الايجابية: و هي تلك التي تقع من جانب صاحب الحاجة بإعطائه المقابل للموظف العام أو عرضه عليه أو وعده به
    ان المصلحة القانونية المهدورة بارتكاب جريمة الرشوة هي حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي ضمان نزاهتها، والاتجار في أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع و يجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة لأفراد الشعب، والنتائج المترتبة على ذلك وخيمة العواقب بالنسبة للفرد و بالنسبة للمجتمع على حد سواء:
    – الرشوة خرق لمبدأ المساواة بين الأفراد المتساوين في المركز القانوني حيث تؤدي خدمات مرافق الدولة إلى من يدفع المقابل للموظف العام وتحجب هذه الخدمات أو تعطل عن الأفراد غير القادرين أو العازفين عن أداء ذلك المقابل، وتفشي مثل تلك الظاهرة من شأنه أن يهدر ثقة المواطنين الأسوياء في نزاهة الجهاز الإداري للدولة من ناحية وأن يدخل في ذهن المواطنين غير الأسوياء الاعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خلال موظفيها من ناحية أخرى وذلك من أخطر ما يصيب الأداة الحكومية في دولة من الدول
    – الرشوة فوق ذلك مدخل للانحراف بالوظيفة العامة وفساد موظفيها، فهي انحراف بالوظيفة العامة من حيث أنها تجعل الأولوية في أداء الخدمات العامة للأفراد أكثرهم مالا و تأثيرا و معرفة بفنون غواية الدولة بينما الأصل أن الأولوية في أداء الخدمات العامة ينعقد للأفراد الذين تتوافر فيهم شروط الانتفاع بها.
    – الرشوة مدخل لفساد موظفي الدولة لأنها تؤدي إلى إثرائهم دون سبب مشروع، بينما الأصل أنهم ملزمون بأداء الخدمات للمواطنين دونما مقابل وهكذا يستثري بين الموظفين أنفسهم صنف جديد من صنوف المنافسة القذرة الموظف المرتشي بما يحصل عليه من دخل يحتذي به من غيره من الموظفين وهنا نكمل الخطورة إذ تصبح الوظيفة العامة سلعة رائجة، وتلك مقدمات الفساد التي تصب إلى وظائف الدولة الأخرى.
    يمكن اعتبار الرشوة إحدى الجرائم التعزيزية في النظام الجنائي الإسلامي و أدلة تجريمها ثابتة بنصوص القرآن والسنة.
    وتستقل كل من الجريمتين عن الأخرى في المسؤولية و العقاب بمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان أحداهما دون أركان الأخرى، لأن الراشي لا يعد مساهما في عمل المرتشي بل فاعلا لعمل مستقل عن عمله وتسري بالتالي على كل جريمة مستقلة عن الأخرى قواعد الاشتراك والشروع، ويطلق على هذا المذهب مذهب ثنائية الرشوة لأنه ينظر إليها باعتبار أنها تشكل جريمتين مستقلتين في المسؤولية والعقاب بحيث تقع الأولى من طرف الموظف العام ويطلق عليها كلمة “الارتشاء” أو “الاسترشاء” وتقع الثانية من صاحب الحاجة ويطلق عليها “الارشاء” وعلى هذا المذهب يسير القانون الألماني والروسي والعراقي والسوداني و الفرنسي.
    تظهر أهمية الأخذ بهذا المذهب أو ذاك في حالة العرض الخائب للرشوة على الموظف من جانب صاحب الحاجة، فلا جريمة في هذا العرض من جانب صاحب الحاجة على مذهب وحدة الرشوة والذي يعتبرها “جريمة الموظف العام” وبالتالي فإن عرضها من صاحب الحاجة أو وسيطه لا يشكل بدء في تنفيذ لأن البدء في التنفيذ المشكل للركن المادي في الشروع في الرشوة لا يقع إلا من الموظف باعتبارها جريمة تامة مستقلة بذاتها أي جريمة الرشوة الايجابية، هذا الخلاف حول نتائج تكييف الرشوة يزول بطبيعة الحال إذا تدخل المشرع لتجريم عرض الرشوة وهو ما فعله المشرع المصري
    تتكون الرشوة من جملة من الأركان )الفقرة الأولى( و يترتب عنها جزاء )الفقرة الثانية(
    الفقرة الأولى: أركان جريمة الرشوة:
    جريمة الرشوة تقوم على ثلاثة أركان هى: الشرط المفترض للجريمة )أ( و الركن المادى )ب( و الركن المعنوى )ج(
    أ- الشرط المفترض للجريمة ( صفة الجانى(:
    نص الفصل 82 م ج ” يعتبر موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي.
    ويشبه بالموظف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي ومن انتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعيّنه العدالة للقيام بمأمورية قضائية”.

الرشوة هي إحدى جرائم الوظيفة العامة وجوهرها إخلال الموظف بالتزامات وظيفته ومن ثم كان في مقدمة أركانها اتصاف مرتكبها بصفة الموظف العام وأن يكون مختصا وعلى هذا النحو تنتمي جريمة الرشوة إلى فئة (جرائم الصفة).
وعلى هذا الأساس فان صفة المرتشي في تطبيق أحكام الرشوة تضم إلى جانب الموظف العام أشخاصا ليسوا بموظفين وإن اعتبرهم القانون في حكمهم فإذا تحقق فعل الأخذ أو القبول أو الطلب لعطية أو وعد من غير هؤلاء فلا تتحقق الرشوة إن جاز أن تحقق جريمة النصب.
ولإيضاح أكثر فان جريمة الموظف في القانون الجنائي يختلف عنه في القانون الإداري بالنسبة لجريمة الرشوة و يحدد الفقهاء هذا الخلاف بالنظر إلى المصلحة المحمية في كل من القانونين لكن وضع تعريفا للموظف العام مجرد بحث قانوني بلا فائدة عملية ولكنه اجتهاد له آثار قانونية بعيدة المدى وشديدة الخطر في كافة نواحي القانون سواء كان ذلك في نطاق القانون العام أو في نطاق القانون الخاص بل و في كافة فروع هذين القسمين من أقسام القانون.
فالفقه الإداري يعرف الموظف العام بأنه (شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من العتياد والاعتياد والانضمام في مرفق عام تديره الدولة أو احد الأشخاص المعنوية العامة “إدارة مباشرة”).
أما الفقه الجنائي فعرفه بأنه (كل شخص يعين أو ينتخب قانونا لممارسة عمل عام دائم لأداء خدمة عامة أو القيام على مال فيلتزم بتنظيم الحريات أو الحقوق أو الأموال العامة مع إمكانية المساس بها عند الاقتضاء في حدود القانون سواء كان إسناد العمل إليه طواعية أو جبرا بمقابل أو دونه بصفة دائمة أو لمدة محددة(.
فالفكرة الإدارية للموظف العام اعتمدت على اعتبارات ترد أساسا إلى الصلة القانونية بين الموظف والدولة و تهدف إلى تحديد الحقوق والالتزامات التي تربط بينهما، والموظف العام وفق هذه الاعتبارات ينبغي أن تكون علاقته بالدولة ذات مصدر صحيح وقانوني أي تكون في ذاتها صلة قانونية وهو يخضع في الغالب للسلطة التأديبية للدولة وتسأل عن أعماله ويعني ذلك أن النظرية الإدارية نظرية عضوية تركز اغلب اهتماماتها على الوضع القانوني للموظف في داخل الجهاز الإداري ولكن قانون العقوبات يقيم نظريته على أساس مختلف فهو يهدف بتجريم الرشوة إلى حماية نزاهة الوظيفة العامة أي ثقة الجمهور في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها ومن ثم كانت العبرة لديه في كون الموظف العام يتصدى في مواجهة الناس للعمل باسم الدولة ولحسابها أي أنه يمارس في مواجهتهم بعض اختصاصات الدولة بل واحد فقط من هذه الاختصاصات بحيث لو انحرف في ممارسته اهتزت ثقة الناس بالدولة وقامت تبعا لذلك الحاجة إلى تجريم التصرف والنتيجة الحتمية لذلك أن لصفة الموظف العام لا تتأثر بالعيوب التي تشوب علاقته بالدولة طالما أنها لا تجرده في نظر الآخرين من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها وكذلك من ناحية أخرى فانه لها أهمية لكونه يمارس العمل الوظيفي على عارض نحو مؤقت وهذا يعني أن النظرية الجنائية للموظف العام تهتم بالعلاقة بين الدولة والجمهور وتجتهد في صيانة نقاء هذه العلاقة و الضابط لديها في اعتبار الشخص موظفا أنه وسيط في هذه العلاقة وفي ضوء هذه الاعتبارات ترى تعريف الموظف العام في المدلول الجنائي يركز على اعتبارات أخرى في جريمة الرشوة تقتضيها نزاهة الوظيفة وحماية الجمهور ولطلك فانه يعتبر كل من يواجه الجمهور باسم الدولة ولحسابها ولو كان له قدر ضئيل من السلطة هو موظف عام ولو شاب علاقته بالدولة بعض العيوب التي لا تجرده من صفته أمام الناس باسم الدولة وبمصلحتها ومنه نلخص إلى انه كل من يعد موظفا عاما في المعنى الإداري فهو حتما لذلك في المدلول الجنائي و لكن بعض من لا يعتبر موظفا عاما في القانون الإداري يعتبر كذلك موظفا في القانون الجنائي.)
و النتيجة أن الاهتمام بالموظف العام في المفهوم الجنائي يرجع إلى سببين:
الأول هو أن الوظيفة العامة تفترض صلة خاصة تربط من يشغلها بالدولة تلك هي صلة الولاء والتي تستلزم توفر الأمانة في شخص الموظف العام في القيام بواجبه الوظيفي الذي ينوب فيه عن الدولة بصفتها شخصا معنويا في ممارسة سلطتها
أما السبب الثاني فيتمثل في أن الموظف العام وهو يمارس قدرا من أحد فروع نشاط الدولة تعتبر مظهر للسلطة العامة فيها
ولا يكفي أن تتوفر صفة الموظف العام بالتحديد السابق وإنما يجب أن يكون هذا الموظف مختص بالعمل الذي يطلبه منه صاحب الحاجة أو الراشي.
ويقصد باختصاص الموظف في الفقه الإداري مجموعة ما خول له من صلاحيات تمنحه سلطة القيام بأعمال معينة في نطاق هذه الصلاحيات فلا يكفي إذن لثبوت اختصاص الموظف محض السلطة المادية التي له على العمل الذي يؤديه، بل لا بد من علاقة قانونية تربطه وهذا العمل فهذه العلاقة القانونية هي التي تضفي على السلطة المادية شرعية ما وتؤدي إلى صيرورة الموظف في نهاية الأمر مختص من الناحية القانونية بعمله الوظيفي وهكذا لا بد لقيام جريمة الرشوة قانونا أن يكون الموظف المنسوب إليه التهمة مختصا بالعمل الوظيفي الذي يسببه طلب أو قبل العطية أو الوعد بها واختصاص الموظف على هذا النحو كما تقول محكمة النقض، ركن في جريمة الرشوة يتعين على الحكم إثباته بما ينسجم به أمره ولابد أن يستظهر الحكم في مدوناته اختصاص المتهم بالعمل الذي طلب الجعل وأخذه مقابل الامتناع عن القيام به.
ويثبت الاختصاص لموظف بعمل ما إما بمقتضى القوانين واللوائح وهو ما يكون في حالة الوظائف الكبرى بالدولة وإما بناءا على تفويض من رؤسائه تفويضا صحيحا كما يختلف اختصاص الموظف بالعمل في حالة إذا حضر القانون القيام به وكذلك إذا ما حصر هذا الاختصاص في نوظف أو موظفين آخرين ويكون الموظف غير مختص بالعمل يستوي في ذلك أن يكون عدم الاختصاص نوعيا أو مكانيا.
إما في حالة انعقاد اختصاص الموظف بالعمل فمناط ذلك الانعقاد أن يكون العمل داخلا في الاختصاص القانوني للوظيفة التي يتقلدها ولا أهمية بعد ذلك لمصدر هذا الاختصاص فقد يكون هو نص القانون مباشرة أو اللوائح والقرارات الصادرة عن السلطة الإدارية بناءا على تفويض صريح أو ضمني أو وفقا للعرف الداخلي أو بقرار إداري من رئيس يملك قانونا سلطة إصداره سواء كان هذا القرار مكتوبا أو شفاهيا
والوقت الذي يعتمد به في تحديد ما إذا كانت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل الوظيفي متوفرين أم لا وهو الوقت الذي يرتكب فيه الفعل الذي يقوم به الركن المادي للرشوة بمعنى وقت اخذ المقابل أو قبول الوعد به أو طلبه فشرط حمل هذه الصفة أمر ضروري ومن ثم كان التعاصر بين الصفة والفعل عنصر للرشوة لأنه متى زالت عنه صفته كموظف بالاستقالة أو العزل وصدر عنه فعل، لأخذ، الطلب، القبول، فهو لا يعد مرتشيا وإنما يرتكب جريمة النصب أو جريمة استغلال النفوذ وان تذرع في مواجهته بنفوذ حقيق أو مزعوم فلا خلاف فيما يتعلق بتوفر الاختصاص إذا كان العمل المطلوب أداءه أو الامتناع عنه داخلها لكنه في اختصاص أعمال عدة موظفين ولكل منهم نصيب من الاختصاص.
والرأي المتبع هنا انه لا يلتزم لاعتبار العمل داخلا في أعمال وظيفة الموظف أن يكون وحده المختص بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص فيه ولو بإبداء رأي استشاري وان يكون قد اتجر بنصيبه في هذا الاختصاص المشترك ومسالة الاختصاص هذه هي مسالة موضوعية يترك أمر تقديرها إلى محكمة الموضوع دون رقابة من المجلس الأعلى إلا أننا نجد انتشار حالة الزعم أو الادعاء بالاختصاص وتعني أن الموظف العام غير مختص أصلا بالعمل ولكنه يزعم اختصاصه به مما يدفع صاحب الحاجة على الاعتقاد بأنه مختص به وقد سوى المشرع ضمن نشاطه الملحوظ في توسيع نطاق جريمة الرشوة بين الاختصاص الفعلي وبين زعم الاختصاص بالعمل الوظيفي كشرط لقيام جريمة الرشوة.
ب- الركن المادي:

  • العنصر الأول: النشاط بمعنى السلوك المادي للموظف وهو نشاط معين يبذله المرتشي والمتمثل في القبول أو الطلب أو هو تغيير صادر عن الإدارة المنفردة للموظف العام المختص يطلب فيه مقابلا لأداء عمله الوظيفي أو الامتناع عن أدائه وعليه فالاستجابة الصادرة من جانب صاحب المصلحة عن طريق الإعطاء للعطية تقابله اخذ لها من جانب الموظف العام أو عن طريق الوعد لإعطاء من جانب الراشي الذي يقابله قبول من طرف المرتشي وفي هاتين الحالتين تعتبر جريمة الرشوة قائمة على أساس الأخذ والقبول
    أما إذا لم تكن هناك استجابة من صاحب الحاجة على طلب الموظف فهناك رأيان رأي ذهب إلى اعتبار طلب الرشوة من جانب الموظف العام وعدم استجابة صاحب الحاجة إليه شروعا فيها باعتباره بدا في التنفيذ بالنسبة للأخذ والقبول والرأي الثاني وهو الراجح نظرا لمسايرته التشريع في تجريم الرشوة ويعتبر مجرد إيجاب الموظف هو عمل تنفيذي وذلك باعتبار أن الطلب يعد عنصرا أساسي من عناصر الركن المادي للرشوة متى وصل الطلب إلى علم صاحب الحاجة أو وسيلة وحتى ولو حالة أسباب غير إرادية في عدم وصوله أي (الطلب) فانه رغم ذلك يعتبر شروعا أو بدءا في تنفيذه وهو بذاته يشكل جريمة تامة في القانون.
    والشيء الملاحظ هنا أن الطلب لا يشترط فيه شكل خاص فقد يكون شفاهة أو كتابة أو صراحة أي اللفظ أو الكتابة أو الإشارة، وقد يكون الطلب ضمنا كان يفتح الموظف درج مكتبه أمام صاحب المصلحة بما يوحي رغبته في وضع مبلغ النقود فيه وقد يكون ذلك باماءة لصاحب الحاجة باستعداده للتغاضي عن المخالفة الجمركية نظير ما يقدمه له من مال.
    ومن الأمور التي لا تأثير لها أيضا على الطلب هو أن يكون الطلب للموظف نفسه أو غيره حيث يستوي ذلك في التجريم والعقاب بين الطلب الموظف العمومي الرشوة لنفسه أو لغيره ومن ثم فلا مصلحة للمتهم.
    كما لا يهم أن يكون الطلب محددا لقيمة الفائدة أو الوعد بها حيث يكفي أن يطلب الموظف ثمنا للعمل المراد منه تاركا تحديد قيمة هذا الثمن أو أشكاله لتقدير صاحب الحاجة.
  • القبـول:
    هو اتجاه إرادة الجاني أو المرتشي إلى الرضي بتلقي المقابل في المستقبل ايجابيا أو عرضا من صاحب الحاجة يعبر فيه عن إرادته بتعهده بتقديم الوعد إذا ما قضى له المصلحة فهو دفع مؤجل ولا يشترط في القبول أن يتم بصف معينة فقد يتحقق بالكلام والكتابة أو الإشارة صريحا أو ضمنيا أو بأي شيء آخر يدل عليه، وتقع جريمة الرشوة بمجرد تلاقي قبول الموظف مع إيجاب صاحب الحاجة سواء نفذ الراشي وعده أو يعدل عن التنفيذ بإرادته أو نتيجة لظروف خارجة عن إرادته، فالشرط إذن يجب أن يكون عرض الراشي جديا في ظاهره على الأقل فيجب أن يكون قبول الموظف جديا حتى إذا ما تلاقى مع الإيجاب الجدي لصاحب الحاجة يتحقق الاتفاق الذي تقوم به ماديات جريمة الرشوة ويكشف عن معنى الاتجار بالوظيفة العامة واستغلالها.
  • الأخـذ:
    هو التلقي وهي الصورة العادية لجريمة الرشوة حيث تسليم الشيء موضوع الرشوة من الراشي إلى المرتشي وعليه فلا يثور الشك في تجريم افعل الأخذ للهدية أو المنفعة وان كان قد سبقه طلب من الموظف وقبول من صاحب الحاجة ثم قام هذا الأخير بالتسليم الفعلي إلى الموظف المرتشي كما لا يوجد شك حول تجريم فعل الأخذ إذا كان لاحقا أو معاصرا لقبول الموظف للهدية أو المنفعة التي عرض عليه صاحب الحاجة وفي هذه الحالة يكون الموظف قد قبض فعلا ثمن اتجاره بوظيفته ولذا يطبق عليه الرشوة المعجلة وهي مادية ولا عبرة بمظهر الأخذ فقد يتخذ شكل التسليم إذا كانت الفائدة ذات طبيعة إذ تدخل الفائدة إلى حيازة المرتشي بإرادته بمجرد تسليمها وقد يتم الأخذ عن غير تسليم كان ترسل العطية عن طريق البريد فالجريمة تتحقق عندئذ بمجرد احتفاظ الموظف بها مع عمله بالغرض من إرسالها.
  • محل نشاط الرشوة:
    ويقصد بمحل النشاط في جريمة الرشوة هو الموضوع الذي ينصب عليه نشاط المرتشي ويكون في صورة هدية أو وعد أو منافع أو فوائد أخرى والفائدة في المحل الذي يرد عليه طلب المرتشي أو قبوله لها معنى واسع يشمل كل ما يشبع الحاجة والنفس أيا كان اسمها ونوعها وسواء كانت الحاجة مادية أو غير مادية ومع ذلك فان هناك قيود يفرضها المنطق القانوني وتقتضي بها طبائع الأشياء في تحديد تلك الفائدة وهذه الأخيرة لها معنى واسع لتشمل صورا عديدة فقد تكون نقودا أو أوراقا مالية أو سندات أو غيرها أو أشياء أخر له قيمة كما تأخذ شكل الحصول على وظيفة أو ترقية للموظف أو غيره أو تأخذ شكل بيع وشراء عقار اقل من ثمنه مثلا وليس هاما أن تكون الرشوة صريحة أو مقنعة ولا اعتداد بالشكل الذي تأخذه وكما يستوي أن تكون فائدة مادية والتي يمكن تقويمها عادة بالمال أو أن تكون الفائدة غير مادية وهي التي لا تقوم بالمال وإنما تكون خدمة يقدمها طالب الحاجة إلى المرتشي مقابل امتناع هذا الأخير عند القيام بعمل من أعمال وقيامه به في غير محله فالفائدة الغير مادية تؤدي هي أيضا إلى العقاب فالموظف يقوم بأداء عمل أو الامتناع عنه مقابل حصوله على مقابل غير مقوم بالمال متمثل في حصوله هو أو أحد أقاربه على وظيفة أو ترقية أو غير ذلك من صور الترقية فحقيقة الرشوة تتمثل في الهدف الذي اخذ من اجله المقابل لا في قيمة هذا المال أو تناسبه مع ما قام به الموظف من إخلال أو قيام أو امتناع عن أداء عمل وظيفي تابع له من اجل الحصول على هذا الأخير، فإذا كانت الهدية أو الوعد في نظر الموظف العام المرتشي مقابلا أو سببا في القيام أو الامتناع أو الإخلال بواجباته الوظيفية تحققت جريمة الرشوة مهما صغرت أو انخفضت قيمة الهدية أما إذا كانت الهدية أو الوعد ليست مقابلا أو سببا في قيام المرتشي بالعمل أو الامتناع أو الإخلال انتفت جريمة الرشوة مهما ارتفعت قيمة الهدية أو المقابل.
    وعلى هذا الأساس ينتفي مقابل الرشوة إذا كان ما حصل عليه الموظف المرتشي مجرد سداد الدين خال فيشترط إذا أن تكون الفائدة التي يتلقاها الموظف غير مستحقة له والملاحظ هنا انه لا يشترط لتحقيق جريمة الرشوة أن تكون فائدة في ذاتها مشروعة بل تتحقق حتى إذا كانت الفائدة هي ذاتها غير مشروعة كالأشياء المسروقة والشيك بدون رصيد وغيرها.
    إضافة إلى هذا الحد انه لا يشترط تقديمها إلى المرتشي نفسه بحيث يمكن تقديمها إلى شخص أخر يعينه هو ويستوي كذلك تقديمها لشخص آخر لم يعينه المرتشي وان علم به فيما بعد ولم يعترض عليه وسواء أكانت له مصلحة في ذلك أو لا ولقاضي الموضوع سلطة في ذلك.
  • الغرض من نشاط الرشوة:
    من استطلاعنا للعناصر السابقة للركن المادي في الرشوة نرى انه لا يكفي لقيامه أن يأخذ موظفا عموميا امن في حكمه فائدة غير مستحقة له أو أن يقبل وعدا بها لنفسه أو لغيره وإنما يلزم ويشترط أن يكون مقابل هذه الفائدة أداء عمل وممكن من الناحية الواقعية فان كان مستحيلا استحالة مطلقة فلا تقوم الجريمة فصاحب الحاجة حين ما قدم المنفعة او وعد بها إنما يستهدف غرضا معينا من الموظف ويتمثل هذا الغرض في قيام الموظف بالعمل الذي له فيه مصلحة، والأصل أن يحدد العمل الوظيفي بشكل عام وهو الذي يحدد تفصيلاته بناء على مصلحة صاحب الحاجة هذا ويستوي أن يكون العمل واحدا أو مجموعة الأعمال وان يكون قابلا للتحديد بحيث يكون للموظف سلطة على وظيفته يستطيع بها تحقيق مصلحة صاحب الحاجة فإذا ما انتفت هذه الشروط عن العمل الذي يريده الراشي انتفت بدورها فكرة الرشوة ذاتها لان العمل الذي ينتظره صاحب المصلحة يمثل المحل في الاتفاق ويكون إما في صورة أدار العمل أو الامتناع عنه وهي الصورة الأكثر غلبة لتحقيق الغرض من الرشوة، فان كان العمل يباشره الموظف أو يستطيع مباشرته بحكم وظيفته ويدخل في اختصاصه القانوني وسواء أكان هذا العمل حقا أو غير حق، عادلا أم ظالما فهي حالة قيام الموظف بعمل مخالف لواجبات وظيفته إلى الحالة التي ترتكب فيها الرشوة لأداء عمل تقتضيه واجبات الوظيفة.
    فتتحقق جريمة الرشوة إذا قبل الموظف وعدا من آخر أو أخذ منه هدية أو غيرها ليقوم له بعمل من أعمال وظيفته ولو كان العمل حقا، فمثلا يعد مرتشيا ضابط البوليس أو الشرطة الذي يقبل وعدا أو عطاء ليحرر محضر عن جريمة توجب عليه وظيفته تحرير محضر عنها كذلك تتحقق الرشوة إذا قبل الموظف وعدا أو أخذ هدية أو غيرها للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته ولو ظهر له أنه غير حق وظلم مثلا كالامتناع عن تحرير محضر من طرف ضابط الشرطة بالإضافة إلى حالة ما إذا شرع الموظف بعمله وتقبل عطاء أو وعدا بالامتناع عن إتمامه وفي هذه الحالة نجد أنه يعفى من جريمة الرشوة وإذا وقع تحت تأثير الإكراه مثلا: إذا دفع الرشوة ليخلص من عمل ظالم قام به الموظف أو شرع في القيام به لا ينبغي بذلك شراء ذمة الموظف و إنما يريد الخلاص من شر محيق به ودفع مضرة لا يبررها القانون.
    وفي اغلب الحالات يجتمع الامتناع والإخلال بواجبات الوظيفة باعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات وظيفته هو إخلال واضح بها.
    أو في صورة الإخلال بواجبات الوظيفة فأدى الموظف عملا وظيفيا أو امتنع عنه مخالفا بذلك القواعد التنظيمية التي تحكم النشاط الوظيفي وليس لهذا التعبير دلالة خاصة فهو مطلق من التقليد و يتسع مدلوله لإستعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل سلوك أو تصرف ينسب لهذه الأعمال يعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجري سنن قويمة وقد نص التشريع المصري على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجري على سنن قويمة وقد نص التشريع المصري على أن المخالفة واجبات الوظيفة بعد من صور الرشوة مدلولا عامل وأوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين و اللوائح و التعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها وعليه فهو يشير إلى أمانة الوظيفة بصفة عامة وليس إلى عمل وظيفي محدد في ذاته أو في جنسه هي كذلك واجبات تستلهم من المصلحة العامة التي هي الهدف الوحيد الذي تتجه إليه أعمال الوظيفة وتطبيقا لذلك فإن الرشوة تقوم و يشدد عقابها إذا ما تقاضى الموظف المقابل هذا دون أن تنتفي عن العمل الوظيفي صفة التحديد التي سبق التطرق إليها و التي تطلبها فكرة الرشوة
    وكذلك في صورة يكون العمل متطابقا ومع تلك المقتضيات للوظيفة أو غير متطابق، ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل كي يقوم بعمل يلزمه به القانون كما يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل كي يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالامتناع عنه، فرجل الشرطة يرتكب الرشوة إذا طلب مالا كي يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب أم لا
    ج- الركن المعنوي:
    الرشوة جريمة عمدية يتشكل الركن المعنوي فيها من القصد الجنائي. هذا القصد الجنائي هو قصد عام يتكون من العلم والإرادة؛ علم الموظف بأن هناك فائدة قدمت له، مع علمه بأن تقديم تلك الفائدة هي في مقابل قيامه بعمل أو امتناع أو مخالفة لواجبات وظيفته، وإرادته أن يحصل عليها. فإذا ترك صاحب الحاجة في منزل الموظف مبلغا أو هدية دون علم الموظف بذلك، فإن الرشوة لا تقوم. كما لا تقوم جريمة الرشوة إذا حصل الموظف على مبلغ من المال بصفته قرضا قابلا للرد، مادام تقديم هذا القرض غير مشروط بأدائه خدمة معينة لمن يقدم هذا القرض. كما أن تقديم الهدايا في عيد الميلاد أو في المناسبات المختلفة ليست من قبيل الرشوة مادام أنها غير مرتبطة بخدمة معينة يؤديها الموظف في مجال وظيفته.
    ونتساءل عن مدى تطلب القصد الجنائي الخاص في الرشوة؛ أي هل يلزم أن تنصرف نية الموظف إلى تحقيق غاية معينة من وراء الحصول على الرشوة (القصد الخاص) وهي الاتجار بأعمال الوظيفة؟ يرى الاتجاه الراجح في الفقه إلى أنه لا يلزم توافر تلك النية أي يكتفى بالقصد الجنائي العام. فالمشرع يفترض أن الموظف الذي يعلم ويقصد إلى الحصول على الرشوة يتاجر بأعمال وظيفته. وبناء عليه يكفي توافر العلم والإرادة (القصد الجنائي العام) ولا يلزم توافر قصد خاص

الفقرة الثانية: عقوبة جرائم الرشوة.
يفرق المشرع بين عقوبة الارتشاء )أ( و الارشاء )ب( و التوسط في الرشوة )ج(
أ- عقوبة الارتشاء:
نص الفصل 83 م ج على ان كل شخص انسحبت عليه صفة الموظف العمومي أو شبهه ويقبل لنفسه أو لغيره بدون حق سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها لفعل أمر من علائق وظيفته ولو كان حقا لكن لا يستوجب مقابلا عليه أو لتسهيل إنجاز أمر مرتبط بخصائص وظيفته أو للامتناع عن إنجاز أمر كان من الواجب القيام به يعاقب بالسجن لمدة عشرة أعوام وبخطية قدرها ضعف قيمة الأشياء التي قبلها أو ما تم الوعد به على أن لا تقل الخطية عن عشرة آلاف دينار.
وتقضي المحكمة بنفس الحكم بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العمومية ومن تسيير المرافق العمومية ونيابة المصالح العمومية.
وإذا كان الموظف العمومي أو شبهه هو الباعث على الإرشاء فإن العقاب يرفع إلى عشرين عاما وبخطية قدرها ضعف قيمة الأشياء التي قبلها أو ما تم الوعد به على أن لا تقل الخطية عن عشرين إلف دينار
واذا قبل الموظف العمومي أو شبهه عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها جزاء عما فعله من أمور من علائق وظيفته لكن لا يستوجب مقابلا عليها أو عما امتنع عن فعله وكان من الواجب عليه عدم القيام به يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار.
ويعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل موظف عمومي أو شبهه يقبل لنفسه أو لغيره بدون حق سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة عطايا أو وعودا بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها لمنح الغير امتيازا لا حق له فيه وذلك بمقتضى عمل مخالف للأحكام التشريعية والترتيبية الضامنة لحرية المشاركة ولتكافؤ الفرص في الصفقات التي تبرمها المؤسسات العمومية والمنشآت العمومية والدواوين والجماعات المحلية والشركات التي تساهم الدولة أو الجماعات المحلية في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
ويعاقب بالسجن مدة عشرين عاما القاضي الذي يرتشي بمناسبة جريمة تقتضي عقاب مرتكبها بالإعدام أو بالسجن بقية العمر سواء كان أخذ الرشوة لمصلحة المتهم أو لمضرته.
وتحجز لخزينة الدولة الأشياء المعطاة أو المأخوذة في كل صور الرشوة.

ب- عقوبة الارشاء:
يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل شخص يرشو أو يحاول أو يرشو بعطايا أو بوعود بالعطايا أو هدايا أو منافع كيفما كانت طبيعتها أحد الأشخاص المشار إليهم بالفصل 82 من المجلة الجزائية لفعل أمر من علائق عمله ولو كان حقا لكن لا يستوجب مقابلا عليه أو لتسهيل إنجاز أمر مرتبط بخصائص عمله أو للامتناع عن إنجاز أمر كان من الواجب القيام به.
وهذا العقاب ينسحب على كل شخص توسط بين الراشي والمرتشي.
ويرفع العقاب إلى ضعفه إذا وقع جبر الأشخاص المشار إليهم بالفصل 82 من هذه المجلة الجزائية على اقتراف الأفعال المذكورة تحت طائلة العنف أو التهديد المسّلط عليهم شخصيا أو على أحد أفراد عائلتهم.
ويكون العقاب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار إذا لم يحصل من محاولة الإرشاء أثر بالفعل. ويكون العقاب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها ألفا دينار إذا لم يحصل من محاولة الجبر بالضرب أو التهديد أثر بالفعل.
لا عقاب على المرشي أو الواسطة الذي قبل كل محاكمة يخبر من تلقاء نفسه بالارتشاء ويأتي في آن واحد بما يثبت ذلك.
وتحجز لخزينة الدولة الأشياء المعطاة أو المأخوذة في كل صور الرشوة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى