ثلاث دقائق

لا سطوة لنا على الموت فلنحيا مع من نحب
منذ حوالي أسبوعين ذهبت مع مجموعة من الاصدقاء و الصديقات لقضاء يوم في أحد شواطئ مدينة بنزرت ( رأس إنجلة)،
نزلنا للسباحة و انشغلنا بالحديث و اللعب و المزاح، بعد مدة إكتشفنا أن التيار البحري قد سحبنا نحو الداخل و بدأت الأمواج تغطينا، “
إننا نغرق” كانت صرخة جماعية صدحنا بها. أصابتنا حالة من الهلع و التوتر و بدأنا بالسباحة نحو الشاطئ، للامانة لست سباحا ماهرا او بطلا مقداما في مواجهة بحر يريد ان يبتلعني،
إستجمعت ما لديا من رغبة في البقاء و تابعت التقدم للخارج، في تلك اللحظة و انا أصارع الأمواج خطر ببالي أؤلائك الذين غادروني قبل الآوان تاركين جرحا في قلبي لا يلتئم، أبي و مالك و يوسف،
قلت في نفسي علّه ندائهم يحثون على اللحاق بهم!!
ثم تذكرت قمري الصغير ” جوليا” و نجمتي اللامعة مروى
و قلت هل ستموت يا فتى دون أن تكون قد إرتويت منهن وأمتلأن منك ؟
تذكرت كل الأوقات التي كان يمكن أن أكون معهم و لكنني تغافلت عنهم بأشياء أخرى مهما عَظُمت لا تساوي شيئا أمام أن اكون بينهما ، حضرت صورة أمي في ذهني و تخيلت شعورها حين يقولون لها أن إبنها قد غادر الحياة، كيف لها أن تتحمل خسارة أخرى بعد غياب والدي المبكرا،
تذكرت أؤلائك الذين أحبهم و يحبونني ، الذين مهما بعدت المسافات يظلون في القلب، الذين يتركون في كل شيء مذاق كيف أغادرهم دون وداع. مر ببالي أؤلائك الحقيرين، السيئين اتركهم دون عقاب !دون أن أنهي حسابا دنيويا معهم.
كانوا أطول ثلاث دقائق مروا في حياتي، خرجت زاحفا نحو الشاطئ، منتصرا بالنجاة، لم تكن لي أمنية حينها إلا أن يصبح لي جناحين فأطير لأتجول بين أحبتي أقضي معهم كل الاوقات التي خلفتها و أشاهد رفقة حبيبتي و إبنتي فيلما ركيكا يتحدث عن رجل سقط في جزيرة و بقي فيها خمس سنوات منتظرا النجاة، معتذرا عن كل الحماقات و عن الغياب و عن الإساءة.
ملاحظة : هذه الكلمات ليست لطلب اللطف أو الدعاء بطول العمر، فها أنا اكتب لكم ما أكتب الآن حيا أرزق، بل دعوة للناس كي يعرفوا بأن لا شيء أثمن من وقت تقضيه مع من تحبون و لا شيء أهم من لحظات حب و مودة صادقة و لا شيء أعظم من دردشة عائلية بسيطة.
الاستاذ عبد الرحمان بن شعبان