تونس محطة استثمارية بحرية مستقبلية ورؤية جديدة لإنقاذ الاقتصاد الوطني

في وقت تتسارع فيه الدول نحو إعادة رسم اقتصاداتها وفق التحولات المناخية والجيوسياسية العالمية، تقف تونس أمام خيار تاريخي: إما مواصلة النموذج الاقتصادي التقليدي أو الانخراط في رؤية مستقبلية تجعل من البحر ومن الاقتصاد الأزرق محرّكًا جديدًا للنمو الوطني.
يمثل الموقع الجغرافي لتونس على المتوسط فرصة استراتيجية نادرة، لكن استخدامها بقي محدودًا لعقود. اليوم، تتزايد المؤشرات على أن الاستثمار في الاقتصاد الأزرق قد يكون المنقذ الحقيقي للاقتصاد التونسي, إذا ما تم اعتماده كرؤية وطنية شاملة.
أولًا: تونس في قلب المتوسط… موقع جغرافي قادر على صناعة اقتصاد كامل
تقع تونس على واحد من أهم طرق التجارة البحرية في العالم، حيث تمر عبر المتوسط ما يقارب 20% من حركة النقل البحري الدولي.
ومع ذلك، لم تستغل البلاد سوى جزء صغير من قدراتها، في وقت نجحت دول أصغر وأكثر فقرًا في تحويل سواحلها إلى أقطاب اقتصادية فاعلة.
ما الذي يجعل الموقع التونسي استثنائيًا؟
-
التواصل المباشر مع أوروبا (إيطاليا، مالطا، فرنسا).
-
قرب الموانئ التونسية من ممرات الشحن الكبرى.
-
إمكانية لعب دور الوسيط التجاري بين إفريقيا وأوروبا.
-
بُعد استراتيجي يتيح خدمات إعادة الشحن والصيانة البحرية.
ثانيًا: الموانئ التونسية… من البنية التقليدية إلى منصات ذكية
الموانئ هي قاطرة أي اقتصاد بحري. لكن الموانئ التونسية اليوم تعاني من بطء الإجراءات، محدودية التكنولوجيا، وضعف القدرة الاستيعابية.
ماذا تحتاج تونس؟
1. ثورة لوجستية
-
رقمنة العمليات
-
تحسين الخدمات الجمركية
-
تطوير مناطق لوجستية محيطة بالموانئ
2. موانئ جديدة تنافس إقليميًا
ميناء النفيضة العميق قادر على أن يكون أكبر مشروع بحري في شمال إفريقيا إذا أُنجز وفق رؤية عالمية.
أما ميناء رادس، فيحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة تجعله أول ميناء ذكي منخفض الكربون في المغرب العربي.
ثالثًا: المياه… من مورد طبيعي إلى قطاع اقتصادي كامل
تونس بلد يعاني شحّ المياه، لكن البحر يمنحها فرصة ذهبية عبر:
1. تحلية مياه البحر
-
تقليل الاعتماد على السدود
-
ضمان الأمن المائي للمدن الصناعية والسياحية
-
استقطاب صناعات تكنولوجية تعتمد على الماء المحلّى
2. الطاقات البحرية المتجددة
-
الطاقة المولّدة من الأمواج
-
طاقة الرياح البحرية
-
البنى التحتية البحرية المنتجة للطاقة النظيفة
3. تربية الأحياء البحرية
قطاع عالمي ضخم بإمكان تونس أن تصبح فيه مصدّراً إقليمياً للأسماك عالية الجودة.
رابعًا: تونس كقطب أزرق إقليمي… رؤية تحتاج إلى هيكلة
لكي تصبح تونس قوة بحرية، تحتاج إلى:
1. إصلاح تشريعي جذري
-
تسهيل الاستثمار البحري
-
إحداث إطار قانوني خاص بالاقتصاد الأزرق
-
اعتماد عقود شراكة مرنة بين القطاعين العام والخاص
2. استقطاب استثمارات دولية
دول مثل:
-
إيطاليا
-
الصين
-
مالطا
-
تركيا
أبدت في فترات مختلفة اهتمامًا بتطوير الموانئ التونسية… لكن غياب الرؤية عطّل المشاريع.
3. تكوين جيل جديد من خبراء البحر
-
مهندسون بحريون
-
مختصون في الطاقات البحرية
-
خبراء في اللوجستيات
-
تقنيون في تربية الأحياء البحرية
خامسًا: الأثر الاقتصادي… كيف ينعكس على المواطن؟
الاقتصاد الأزرق ليس مجرد مشاريع ضخمة، بل قطاع قادر على:
خلق أكثر من 100 ألف موطن شغل خلال 10 سنوات
في مجالات مثل: اللوجستيات، الطاقات المتجددة، الهندسة البحرية، الصيانة.
دعم مداخيل العملة الصعبة
عبر التصدير وخدمات الشحن البحريتقليص العجز التجاري
من خلال تنشيط الصناعات البحرية والتحويلية.
إنعاش الاستثمار الداخلي والخارجي
لأن الموانئ والممرات البحرية تجلب الشركات العالمية.
خاتمة: البحر… مستقبل تونس إذا وُجد القرار
المعادلة الحقيقية واضحة:
تونس قادرة على التحول إلى قوة اقتصادية عبر البحر، لكن فقط إذا توفرت الإرادة السياسية ورؤية استراتيجية طويلة المدى.
الاقتصاد الأزرق ليس مشروعًا نظريًا، بل فرصة واقعية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وإعادة تونس إلى موقعها الطبيعي كقوة متوسطية مؤثرة.










