
بقلم: الدكتور جابر غنيمي
المساعد الاول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمهدية
مدرس جامعي
تعتبر ظاهرة الاتجار بالمشروبات الكحولية بدون رخصة ظاهرة اجتماعية منتشرة بشكل كبير في تونس، ففي اغلب مناطق الجمهورية توجد نقاط لبيع الخمر خلسة، يتزود منها عدد هائل من المستهلكين، و هي تشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
و قد نظم القانون عدد 14 لسنة 1988 المؤرخ في 18 فيفري 1988 تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل حيث تخضع لرخصة مسبقة من وزير الداخلية يترتب عن غيابها عقوبات جزائية (الجزء الاول) و لكن هذا القانون يبقى محدودا الجزءثاني )
الجزء الاول: النظام القانوني لتعاطي تجارة المشروبات اللكحولية
يخضع تعاطي تجارة المشروبات اللكحولية لرخصة مسبقة ( الفقرة الاولى) و يجرم القانون تعاطي تجارة المشروبات الكحولية بدون رخصة ( الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى: الرخصة المسبقة شرط لتعاطي تجارة المشروبات الكحولية
ينص الفصل الاول من القانون عدد 14 المؤرخ في 18/2/1988 على ان تعاطي تجارة المشروبات الكحولية يخضع لرخصة مسبقة تسلم من وزير التجارة بعد اخذ رأي وزير الداخلية.
و يحدد القرار الصادر عن وزير التجارة والصناعات التقليدية ووزير الداخلية والتنمية المحلية المؤرخ في 14 ديسمبر 2006 شروط إسناد وسحب رخصة تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل.
1- شروط إسناد الرخصة: يخضع إسناد رخصة تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل بالنسبة إلى كل نقطة بيع في مرحلتي الجملة أو التفصيل إلى الشروط التالية :
ـ أن يقع تقديم ملف في الغرض إلى مصالح الوزارة المكلفة بالتجارة يتضمن الوثائق التالية:
*بطاقة إرشادات طبقا للأنموذج المعد للغرض، يتم سحبها من المصالح التابعة للوزارة المكلفة بالتجارة أو إنزالها من شبكة الأنترنات أو نسخها من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية،
* بطاقة عدد 3 تخص طالب الرخصة إذا كان شخصا طبيعيا أو للممثل القانوني بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين لم يمض على تسليمها أكثر من ثلاثة أشهر في تاريخ إيداع الملف،
* شهادة في عدم الإفلاس أو التحجير على طالب الرخصة إذا كان شخصا طبيعيا أو على الممثل القانوني بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين لم يمض على تسليمها أكثر من ثلاثة أشهر في تاريخ إيداع الملف،
* العقد التأسيسي بالنسبة إلى الشخص المعنوي،
* القائمة الاسمية للأعضاء المؤسسين للشخص المعنوي،
* نسخة من عقد الكراء أو من شهادة ملكية المحل والمخزن أو المخازن إن وجدت،
* مثال موقعي للمحل المخصص لممارسة النشاط،
* شهادة وقاية تتعلق بالمحل يسلمها الديوان الوطني للحماية المدنية.
ـ أن يستجيب المحل المخصص لتعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل في مجالات السلامة وحفظ الصحة والنظافة والتهيئة الترابية والتعمير وحماية المحيط،
ـ أن يكون المحل موجودا بمنطقة تتلاءم مع هذا الصنف من التجارة، ويجب أن تفصل هذا المحل مسافة لا تقل عن ثلاثمائة متر عن المعالم الدينية والمساجد والمؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية والرياضية والصحية. ولا ينسحب هذا الشرط على المغازات ذات الأجنحة المتعددة. ويتم حساب المسافة المشار إليها أعلاه بداية من منتصف واجهة المحل إلى منتصف واجهة المحلات أو المؤسسات المعنية،
ـ أن يخصص جناح منعزل لهذا النشاط وأن يهيأ له مدخل خارجي مستقل بالنسبة إلى المغازات ذات الأجنحة المتعددة،
ـ أن يكون الشخص الطبيعي أو الممثل القانوني للشخص المعنوي الراغب في تعاطي هذا الصنف من التجارة نقي السوابق العدلية أو مستردا لحقوقه.
وتسند الرخصة بقرار من الوزير المكلف بالتجارة بعد أخذ رأي وزير الداخلية خلال الثلاثة أشهر الموالية لتاريخ إيداع الملف وبعد الإدلاء بوصل خلاص للمعلوم المستوجب على الرخصة.
2- سحب الرخصة: يمكن للوزير المكلف بالتجارة، بعد أخذ رأي وزير الداخلية، سحب رخصة تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المعدة للحمل بصفة نهائية أو وقتية بقرار.
و تسحب الرخصة بصفة نهائية في الحالات التالية :
ـ التفويت في الرخصة أو المساهمة بها في رأس مال الشركات أو كراؤها.
ـ وفاة صاحب الرخصة،
ـ توقف صاحب الرخصة عن النشاط لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر بدون عذر شرعي أو تخليه عن ممارسة هذا الصنف من التجارة،
ـ التصريح بإفلاس صاحب الرخصة أو تحجير ممارسته للأنشطة التجارية أو التصرف في الشركات أو الحكم بإدانته من أجل جناية أو جنحة،
ـ الإخلال بالأمن العام.
وتسحب الرخصة بصفة وقتية مع غلق المحل لمدة شهر في صورة عدم إعلام مصالح الوزارة المكلفة بالتجارة بكل التغييرات التي تطرأ على المعطيات المصرح بها عند طلب الرخصة وذلك في أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما من تاريخ وقوعها.
وتسحب الرخصة بصفة وقتية مع غلق المحل إلى حين تسوية الوضعية في إحدى الحالات التالية :
ـ الإخلال بأحكام القوانين والتراتيب الجاري بها العمل في مجالات السلامة وحفظ الصحة والنظافة وحماية المحيط،
– عدم تعليق صورة من هذه الرخصة مشهود بمطابقتها للأصل في مكان بارز داخل المحل الذي يمارس فيه نشاطه.
ـ عدم دفع معلوم الاستغلال السنوي،
ـ الإخلال بالشرط المتعلق بتخصيص جناح منعزل لهذا النشاط وتهيئة مدخل خارجي له مستقل بالنسبة إلى المغازات ذات الأجنحة المتعددة.
و الرخصة شخصية و لا يمكن التفويت فيها بالبيع او الاحالة اوالكراء
و تكون الرخصة صالحة لمدة عامين اثنين قابلة للتجديد.
و يخضع اسنادها او تجديدها لدفع معاليم لفائدة خزينة الدولة قدرها 1500 دينار بالنسبة لتجار التوزيع بالجملة و 1000 دينار بالنسبة لتجار التوزيع بالتفصيل. و يتعين دفع المعلوم المستوجب عن كل نقطة بيع عند الحصول على الرخصة او تجديدها.
و يعتبر هذا المعلوم زهيد مقارنة بالمداخيل التي يحققها نشاط تجارة المشروبات الكحولية.
وتجدر الاشارة الى انه في المغرب نظم قرار المدير العام للديوان الملكي رقم 3.177.66 المؤرخ في17 جويلية 1967 الاتجار في المشروبات الكحولية او الممزوجة بالكحول.
و تختلف الشروط بحسب الشكل القانوني لمتعاطي تجارة المشروبات الكحولية سواء كان شخصا طبيعيا ( فردا) او شخصا معنويا (مؤسسة).
فإذا كان من يريد الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول حسب القارورة شخص طبيعي ( فرد) فيجب عليه أن يحصل سلفا على إذن تسلمه السلطة الإدارية المحلية بعد استشارة المصالح المحلية للشرطة أو الدرك، ويمكن أن يسحب هذا الإذن في كل وقت وآن من طرف السلطة التي سلمته إما على إثر إدانة أو بموجب تدبير تقتضيه المحافظة على النظام أو الأمن العمومي.
و اذا كان متعاطي تجارة المشروبات الكحولية شخص معنوي ( مؤسسة) فيجب أن يحصل سلفا على رخصة تسلم المدير العام للأمن الوطني.
ويمنح المدير العام للأمن الوطني الرخصة في استغلال مكان لبيع المشروبات أو يرفضها بعد استشارة لجنة تتألف ممن يأتي :
– ممثل لوزير الداخلية بصفة رئيس ؛
– ممثل لوزير العدل ؛
– ممثل لوزير الصحة العمومية ؛
– ممثل للوزير المكلف بالتجارة ؛
– ممثل للوزير المكلف بالسياحة ؛
– ممثل للمدير العام للأمن الوطني.
و قد ورد قي القرار التعقيبي الجزائي عدد 7350 المؤرخ في 4/1/1973 ان كل المشروبات الكحولية التي نص عليها القانون لا يجوز الاتجار فيها الا برخصة.
وقد يكون نظام التراخيص المعتمد مبررا، لكنه لا ينفي أن التراخيص الإدارية تشجع على الفساد وتوجد له مناخات تلائم تفشيه، فهي وزيادة عن كونها قيداً لحرية التجارة والاستثمار، هي أحد المداخل الهامّة للفساد، بما تؤدي له من منطق الزبونية والولاء واستغلال النفوذ والرشوة وهو ما يجعل هذه التجارة المربحة امتيازا تحتكره حفنة من المتنفّذين.
وهو ما دعى البعض الى القول بضرورة الغاء نظام التراخيص المسبقة بالنظر الى ان المشرع التونسي ينظر الى تعاطي تجارة المشروبات الكحولية بدون رخصة من زاوية اقتصادية و جبائية بحتة، و كمخالفة للقانون، و ليس من منظور ديني، حيث ان الاسلام يحرم شرب الخمر فما بالك ببيعه.
و يذهب البعض الآخر الى منع بيع الخمر مطلقا باعتبار ما يترتب عن شرب الخمر من جرائم مختلفة تصل الى حد ارتكاب جرائم القتل، علاوة على مضاره على الصحة،
و لتحريمه في الاسلام.
الفقرة الثانية: تجريم بيع المشروبات الكحولية بدون رخصة
تتممعاينة جريمة الاتجار بالمشروبات الكحولية بدون رخصة من قبل اعوان الضابطة العدلية و اعوان المراقبة الاقتصادية و اعوان التراتيب البلدية.
و يتحتم الحجز الفعلي للبضاعة موضوع الجريمة و احالتها رفقة محضر تفصيلي على قابض المالية المختص مقابل وصل ينهى اصله مع المحضر.
و يتولى قابض المالية بيع البضاعة المحجوزة طبق الاجراءات و التراتيب المعمول بها
و تامين محصول البيع في انتظار ما تقرره السلطة القضائية المختصة.
و يتعين على العون الذي قام بالحجز تسليم وصل للمخالف ممضى من قبل ذلك العون ينص فيه على كمية البضاعة المحجوزة و نوعيتها.
و ينص الفصل 3 من القانون عدد 14 المؤرخ في 18/2/1998 على معاقبة كل من يتعاطى تجارة المشروبات الكحولية بدون رخصة بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة اشهر و عام واحد و بخطية تتراوح بين مائة و الف دينار. و يتحتم الحكم بأقصى العقوبتين في صورة العود.
و المحاولة موجبة للعقاب . كما يمكن تتبع المخالف ايضا اذا ثبت وجود مخالفات ديوانية و جبائية .
و في المغرب يعاقب كل من يتعاطى تجارة المشروبات الكحولية بدون الحصول على اذن او رخصة بالسجن بين شهر واحد و ستة اشهر و بغرامة يتراوح قدرها بين 500 و 2500 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
الجزء الثاني: محدودية القانون عدد 14 المؤرخ في 18/2/1998 المتعلق بتعاطي تجارة المشروبات الكحولية
تظهر هذه المحدودية على مستوى نطاق التجريم ( الفقرة الاولى ) و على مستوى الردع ( الفقرة الثانية)
الفقرة الاولى: محدودية على مستوى نطاق التجريم
يتبين بقراءة للقانون عدد 14 المؤرخ في 18/2/1998 انه اقتضى الحصول على رخصة مسبقة بالنسبة لتعاطي المشروبات الكحولية فقط، دون ان يستوجب ذلك في المشروبات الممزوجة بالكحول مثلا ( القوارص او الكول) على خلاف المشرع المغربي، و هو ما جعل مادة القوارص تباع في جل الدكاكين و المحلات، و محل تزود من قبل عدد كبير من المستهلكين، و هو ما ادى الى عدة كوارث، حيث تسبب استهلاك مادة القوارص في عدة وفايات، و لعل حادثة حاجب العيون التي تتمثل في وفاة 7 اشخاص بسبب تناول مادة القوارص التي تبين انها تحمل مادة (الميثانول) خير دليل على ذلك.
و نلاحظ كذلك ان القانون المذكور لم يحدد مفهوم التجارة الذي يثير جدلا قانونيا، فقد ذهبت محاكم الى ضرورة توفر ركن البيع و الشراء، أي وجود مشتري، و بالتالي فان مجرد القاء القبض على شخص يتعاطى بيع الخمر بدون رخصة، و لو مع وجود محجوز دون وجود مشتري، يترتب عنه القضاء بعدم سماع الدعوى، في حين ذهبت محاكم اخرى الى القضاء بالادانة من اجل تعاطي المشروبات الكحولية بدون رخصة ضد شخص يتعاطى الاتجار بالمشروبات الكحولية و لو بدون وجود مشتري، لكن مع وجود محجوز، و هو ما يقتضي مزيد التدقيق في اركان التجارة.
و قد ورد في القرار التعقيبي الجزائي عدد 13822 بتاريخ 16/3/1987 ان جريمة الاتجار بالمشروبات الكحولية و نقلها بدون رخصة لا تتوفر اركانها بمجرد حجز كمية من الخمر داخل السيارة.
و ينص الفصل 5 من القانون المؤرخ في 18/2/1998 على انه يتحتم الحجز الفعلى للخمر موضوع الجريمة و هو ما دفع ببعض المحاكم الى اشتراط المحجوز لقيام الجريمة، و هنا تثار فرضية ماذا لو كان الشخص يتعاطى الاتجار بالمشروبات الكحولية، و قام ببيع كامل البضاعة، و لم يتم حجز أي شئ، فهل يفلت من التتبع؟ و هو ما يطرح مسألة صعوبة الاثبات في مثل هذه الجريمة.
و لم يجرم القانون المذكور المشاركة الذي عرفها الفصل 32 من المجلة الجزائية، و المتمثلة في الاعانة و المساعدة و الاخفاء و النقل…، و هو ما جعل بعض المحاكم تقضي بعدم سماع الدعوى في حق المشاركين كالشخص الذي يقوم بنقل البضاعة او يساعد على نقلها او اخفائها…
و لم يمنع القانون القبول في أماكن بيع المشروبات الكحولية القاصرين البالغون من العمر اقل من 18 سنة، كحماية للطفولة.
الفقرة الثانية: محدودية على مستوى الردع ( العقاب)
ينص الفصل 3 من القانون عدد 14 المؤرخ في 18/2/1998 على انه يعاقب كلّ من يتعاطى تجارة المشروبات الكحولية المعدّة للحمل بدون رخصة بالسجن لمدّة تتراوح بين ثلاثة أشهــر وعام واحـــد وبخطية تتـــراوح بين مائة وألف دينار. ويتحتّم الحكم بأقصى العقوبتين في صورة العود.
و نلاحظ ان هذه العقوبة تبقي مخففة وقاصرة على تحقيق الردع المطلوب، حيث كثيرا ما تتكرر جرائم تعاطي المشروبات الكحولية بدون رخصة من قبل نفس الشخص، لان العقوبة التي تسلط عليه تكون دائما خفيفة، و هو ما يقتضي التشديد في العقاب في مثل هذه الجرائم و عدم تمتيع مقترفيها بظروف التخفيف او السراح الشرطي.
و من المتجه التفكير في احداث فرق خاصة بمقاومة ظاهرة تجارة المشروبات الكحولية بدون رخصة، نظرا لما تمثله هذه الظاهرة من خطر على الامن العام، و للحد منها باعتبار انتشارها في كامل مناطق الجمهورية بشكل لافت للانتباه .