بين التهديد والعجز: رسالة غالانت إلى السيد خامنئي تعكس مأزق كيان الاحتلال لا قوّته

حسين مرتضى
في توقيت بالغ الحساسية، اختار وزير الحرب الصهيوني السابق يوآف غالانت أن يوجه رسالة علنية إلى قائد الثورة السيد علي خامنئي، حملت لهجة تهديدية مباشرة، ودعته إلى «وقف الحرب ضدّ إسرائيل»، متحدثاً عن ما وصفه بـ»فشل الاستراتيجية الإيرانية» في الإقليم.
لكن ما حملته الرسالة في المضمون لم يكن إلا انعكاساً لحالة القلق المتصاعد داخل المؤسسة الإسرائيلية، ومحاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن الإخفاقات العسكرية والسياسية التي تواجهها تل أبيب داخلياً وخارجياً.
*المقاومة خيار شعبي لا مشروع إيراني،
من المثير للسخرية أن تُحمّل إيران مسؤولية وجود مقاومة شعبية ضدّ الاحتلال. فالمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسورية، ليست نتاج تعليمات مركزية من طهران، بل هي نتاج طبيعي لعقود من الاحتلال والإذلال والتهميش والتدخل الخارجي.
القائد خامنئي نفسه أكد مراراً أنّ إيران تدعم خيار الشعوب، لكنها لا تتحكّم به، وأنّ هذه الحركات نمَت من معاناة الناس، لا من الأوامر السياسية.
بل قبل الثورة الإيرانية عام 1979، خاضت «إسرائيل» حروباً دامية مع جيرانها العرب، وكان الحصار حولها قائماً دون أيّ دور إيراني. بالتالي، فإنّ التذرّع بالدور الإيراني لتبرير استهداف حركات المقاومة، ليس إلا تهرّباً من مواجهة الجذور الحقيقية للصراع: الاحتلال والعدوان والتمييز العرقي.
*أزمة كيان الاحتلال مع الشعوب لا مع إيران،
في حديثه عن «حزام النار» الذي تزعم «إسرائيل» أنّ إيران أنشأته حولها، تجاهل غالانت حقيقة أنّ «إسرائيل» اصطدمت مع أنظمة متحالفة مع إيران ومع أخرى معادية لها.
فقد شنّت ضربات عسكرية ضدّ سورية في عهد الأسد، حليف طهران، واستهدفتها كذلك حين كانت تحت قيادة سياسية مناوئة لها. ما يعني أنّ الصراع ليس مع المحاور، بل مع الإرادة الشعبية التي ترفض وجود «إسرائيل» كقوة فوق القانون في المنطقة.
*الداخل «الإسرائيلي» يغلي والخارج يلفظ…
تشهد «إسرائيل» أسوأ أزماتها السياسية منذ عقود. الشارع منقسم، والاحتجاجات على الحكومة تتصاعد، فيما يُتهم نتنياهو باستخدام الحرب وسيلة للتهرّب من المحاكمة في قضايا فساد.
خارجياً، تواجه تل أبيب اتهامات دولية متزايدة بارتكاب جرائم حرب في غزة، ومذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، وتدهوراً واضحاً في صورتها الأخلاقية، خصوصاً في الغرب.
وسط هذا الانهيار في السمعة الدولية وتآكل شرعية القوة، تأتي رسالة غالانت كمحاولة للتغطية على فشل المؤسسة العسكرية في إخضاع المقاومة، وإخفاق الدولة سياسياً في تبرير عنفها.
*من يتكبّد الخسائر إيران أم الاحتلال؟
في الميدان، الصورة واضحة: المقاومة لم تُهزم في غزة رغم أشهر من القصف، ولم تفقد قدراتها في لبنان واليمن وسورية، رغم استهدافات إسرائيل المتكرّرة.
في المقابل، تعيش «إسرائيل» تحت وطأة تعطيل مستمر لمطاراتها، وتزايد خسائرها الاقتصادية، وسقوط جنودها بشكل يومي تقريباً.
أما إيران، فبينما تتحدث تل أبيب عن تأخير مشروعها النووي، تعمل طهران بصمت على إعادة بناء قدراتها الدفاعية والاقتصادية، وتوسيع حضورها السياسي، دون الانجرار إلى معارك دعائية.
*النووي الإيراني: موقف ديني لا تكتيك سياسي،
التهديد الإسرائيلي بـ»عرقلة البرنامج النووي الإيراني» لم يعد يحمل وزناً جاداً، لا سياسياً ولا عسكرياً. فإيران لطالما أكدت أنّ برنامجها سلمي، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تُخضع منشآتها لرقابة وكالة الطاقة الذرية.
المرشد الإيراني أعلن صراحة أنّ إنتاج واستخدام السلاح النووي محرّم شرعاً، وأنّ موقف طهران من هذا السلاح ليس وليد الخوف أو الضغط، بل التزام أخلاقي وديني.
*ختاماً… الرسالة التي كشفت أزمة المُرسِل،
رسالة غالانت، بما تحمله من لهجة تهديد، لا تعكس قوة «إسرائيل» بل تكشف حجم الارتباك داخل مؤسساتها الأمنية.
فالدولة التي تعاني من فقدان السيطرة على الحدود، وتآكل الردع، والتدهور الدولي، ليست في موقع من يحدّد شروط اللعبة، بل في موقع من يحاول احتواء تراجع خطير في موقعه الإقليمي والدولي.
في المقابل، أثبتت إيران أنها دولة مستقلة في قرارها، عقلانية في تحركاتها، ومتماسكة في بنيتها السياسية، بينما يترسخ واقع جديد في المنطقة يقول:
لا أمن للكيان المحتلّ دون عدالة للفلسطينيين،
ولا استقرار في الشرق الأوسط دون إنهاء الاحتلال،
ولا نهاية قريبة لخيار المقاومة ما دام الظلم قائماً.