مقالات

الهجمات الإيرانية على الكيان الصهيوني… تغيّر استراتيجي وتعقيدات ميدانية جديدة

بقلم سمير باكير –

شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، حيث أطلقت إيران موجات من الهجمات الصاروخية المنظّمة والمركّبة، كشفت عن تحوّل جذري في العقيدة العسكرية الإيرانية، سواء من حيث التوقيت أو الأدوات أو التكتيكات.

 

نقطة التحوّل: من النمطية إلى الديناميكية

 

في المراحل الأولى من المواجهة، اعتمدت إيران على نمط محدد للهجمات، تمثّل في إطلاق صواريخ مجمّعة خلال ساعات الليل المتأخرة. لكن هذا النمط كشف عن ثلاثة عيوب واضحة:

 

سهولة التنبؤ بالهجمات من قِبل العدو.

 

قابلية منصات الإطلاق للتدمير خلال الردّ المضاد.

 

منح العدو وقتًا كافيًا لاختيار أهدافه بدقة.

 

غير أن اليوم الرابع من المعركة شكّل نقطة انعطاف بارزة، حيث اتبعت إيران استراتيجية جديدة متعدّدة الأبعاد، تميّزت بما يلي:

 

1. هجمات على مدار الساعة

 

أصبحت الضربات تُنفّذ في أوقات مختلفة من اليوم، ما أربك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وأفقدها القدرة على التنبؤ أو التأهب الكامل، وقلّل فرص تدمير منصات الإطلاق.

 

2. اللامركزية في الإطلاق

 

تنوعت مواقع الإطلاق، ما عقّد عمليات الرصد والتتبع، وجعل من الصعب على العدو تحديد مصادر الضربات بدقة أو استهدافها بشكل فوري.

 

3. تسليح متنوّع وتقنيات جديدة

 

دخلت أنواع جديدة من الصواريخ إلى الميدان، منها صواريخ كروز دقيقة التوجيه وصواريخ باليستية متطورة، بعضها مزوّد بتكنولوجيا متقدّمة، مما رفع القدرة التدميرية والدقة بشكل ملحوظ.

 

4. تكتيكات مركبة وأبعاد إقليمية

 

اعتمدت طهران على أنماط إطلاق معقّدة، ودمجت بين الهجوم العسكري والحرب النفسية، مع إشارات إلى تنسيق ميداني مع محور المقاومة في اليمن، ما أضفى على المعركة طابعًا إقليميًا واسع النطاق.

 

5. إدارة ذكية للذخائر

 

تحوّلت سياسة الإطلاق من الكثافة العددية إلى ضربات مركزة متعددة الأمواج، ما يدلّ على إدارة واعية للمخزون الاستراتيجي، تحسّبًا لمعارك طويلة الأمد.

 

الهدف الاستراتيجي: استنزاف الدفاعات وتحطيم المعنويات

 

الهدف الرئيسي من هذه الحملة، وفق مصادر عسكرية مطّلعة، يتمثّل في استنزاف منظومات الدفاع الجوي الصهيونية، وإدخالها في حالة من الإنهاك الميداني والتقني. بالتوازي، تسعى إيران إلى خلق ضغط نفسي واجتماعي داخلي في صفوف الكيان.

 

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه الهجمات رغم تعقيدها، لا تكفي وحدها لقلب موازين الصراع، ما دام الكيان الصهيوني يواصل عدوانه.

هؤلاء يعتقدون أن استهداف العمق الأمريكي في المنطقة هو العامل الحاسم، باعتبار أن بقاء الكيان مرتبط بشكل مباشر بالحماية الأميركية. ومن هذا المنطلق، فإن دخول واشنطن المباشر على خط المواجهة قد يُمثّل فرصة لإيران لضرب المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة، وتوسيع نطاق الردع بشكل غير مسبوق.

 

فصل جديد في قواعد الاشتباك

 

الهجمات الإيرانية الأخيرة ليست مجرد ردّ على عدوان، بل تمثل نقلة نوعية في فهم وتطبيق فن الحرب في الشرق الأوسط.

ومع استمرار التصعيد، يبقى من الضروري مراقبة التحولات بدقة، خصوصًا في ظل تراجع فاعلية المنظومات الدفاعية لدى إسرائيل، وتصاعد الحديث عن خيارات الرد الأميركي المحتملة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى