مجتمعمقالات

الهجرة غير النظامية: نزيف الأوطان وصمت السياسات

سعادة – بقلم من ذهب

لم تعد الهجرة غير النظامية ظاهرة عابرة أو أزمة ظرفية، بل تحوّلت إلى أحد أخطر التحديات البنيوية التي تواجه دول الجنوب، وإلى مؤشر صارخ على فشل السياسات العمومية، وغياب العدالة الاقتصادية، وانهيار العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها.

في إفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء واسعة من العالم العربي، يدفع ملايين الشباب نحو الهجرة القسرية بفعل الإقصاء، وغياب الفرص، وتدهور منظومات التعليم والصحة، واستشراء الفساد، وانسداد الأفق السياسي. هؤلاء لا يغادرون أوطانهم بحثًا عن رفاهية، بل هربًا من واقع فقد فيه الأمل والمعنى والكرامة.

والمفارقة الصادمة أن شعوبًا خاضعة للاحتلال والحروب، كالشعب الفلسطيني، ما زالت متشبثة بأرضها رغم آلة القتل والتجويع، في حين تُفرَّغ دول مستقلة من خيرة طاقاتها البشرية في زمن السلم. هذا النزيف الصامت لا يحدث صدفة، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات قصيرة النظر، وأنظمة فشلت في تحويل الإنسان إلى أولوية.

في المقابل، تستفيد دول الشمال من هذه المأساة الإنسانية عبر استقطاب الكفاءات والعقول الجاهزة، دون تحمّل كلفة تكوينها، بينما تكتفي بسياسات أمنية لردع الهجرة غير النظامية، بدل معالجة جذورها العميقة. هكذا تتحوّل الهجرة إلى معادلة غير عادلة: خسارة مزدوجة لدول المصدر، وربح استراتيجي لدول الاستقبال.

لقد أفرزت الهجرة غير النظامية منظومة موازية من العنف المنظّم: شبكات تهريب عابرة للحدود، اتجار بالبشر، استغلال اقتصادي، وقوارب موت أصبحت رمزًا لعجز المجتمع الدولي عن حماية الإنسان في لحظة ضعفه القصوى. إنها حرب بلا سلاح، ضحاياها من الشباب والأطفال، وساحاتها البحار والصحارى والمعابر المغلقة.

في هذا السياق، يطرح دور المنظمات الدولية المعنية بالهجرة تساؤلات جوهرية. فالاكتفاء بإنتاج الأرقام، أو إدارة الأزمات بعد وقوعها، لم يعد مقبولًا. المطلوب تحوّل استراتيجي في المقاربة، يقوم على الوقاية بدل المعالجة، وعلى الاستثمار في الإنسان داخل بلده بدل إدارة هجرته خارجه.

وتشمل هذه المقاربة الجديدة:

  • دعم فعلي للتكوين المهني وخلق فرص العمل في الدول المصدّرة للهجرة.

  • برامج توعوية جدية حول المخاطر القانونية والإنسانية للهجرة غير النظامية.

  • آليات حماية قانونية وإنسانية للمهاجرين، بعيدًا عن منطق الردع والعقاب.

  • دعم مشاريع اقتصادية محلية مستدامة تقلّص دوافع الهجرة.

  • مساءلة الحكومات عن سياسات تفريغ الأوطان من طاقاتها الشابة.

إن إدارة الهجرة ليست مسألة أمن حدود فحسب، بل قضية عدالة عالمية ومسؤولية مشتركة. فإما أن يُعاد بناء السياسات على أساس إنساني وتنموي شامل، أو ستتحوّل الهجرة غير النظامية إلى أزمة عالمية متفجّرة، تهدّد الاستقرار الإقليمي والدولي على حدّ سواء.

الهجرة حقّ إنساني، لكن تحويلها إلى قدر محتوم لشعوب بأكملها هو فشل سياسي وأخلاقي جماعي.

منصة شمس اليوم الإعلامية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى