
إعداد: جابر غنيمي دكتور في القانون المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي
لقد وردت النميمة كجريمة في القانون التونسي وذلك بعد التنصيص على تجريمها صراحة صلب الفصلين 246 و247 من المجلة الجزائية، إذ ينص الفصل 246 م.ج. على التالي:
” تحصل النميمة:
أولا: إذا ظهر بوجه عدلي أن ما وقع به القذف ليس بثابت
ثانيا: إذا لم يكن للقاذف أن يثبت القذف عندما يسمح له القانون بذلك.
والنميمة موجبة للعقاب ولو كان وقوعها بكتابة لم تنشر لدى العموم ولكن وقع إطلاع شخصين فأكثر عليها أو أنها أرسلت إليهم”.
بينما ينص الفصل 247 من نفس المجلة على أنه:
“يعاقب مرتكب القذف بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا.
ويعاقب مرتكب النميمة بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا”
ومن أول وهلة يمكن أن نستنتج بأن المشرع التونسي يلحق النميمة كجريمة بجريمة القذف العلني المنصوص عليها صلب الفصل 245 م.ج. وكأنهما مسألة واحدة مع فوارق بسيطة في التمييز ولما لا وهو الذي وضع الجريمتين تحت نفس القسم الذي ورد تحت عنوان (في هتك شرف الإنسان وعرضه) لتكون هاتين الجريمتين أخلاقيتين بامتياز.
- التمييز بين جريمة القذف وجريمة النميمة:
*في توضيح جريمة القذف:
من الواضح أن المشرع لم يسند تعريفا للنميمة ولكنه اكتفى فقط بتعريف القذف الذي ورد صلب الفصل 245 من المجلة الجزائية بفقرته الأولى التي تنصّ على أنه: “يحصل القذف بكل ادّعاء أو نسبة أمر لدى العموم فيه هتك شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية”.
إلا أنه وبالنظر لهذا التعريف فإننا لا نتبيّن صورة واضحة له لأن العبارات الواردة بالنص هي عبارات عامة لا تحدد بشكل واضح فعل القذف اللاأخلاقي.
ولكن بالعودة للفقه الإسلامي، نجد عدة تعريفات لمصطلح القذف والذي نتبنى منها التالي:
يعرّف القذف في الفقه الإسلامي اصطلاحا بأنه الرمي بالزنا أو اللواط أو الاتهام بالفاحشة لذات شخص معيّنة بما يجعل الشخص المقذوف عرضة للعقاب.
وبالتالي يكون القذف مجرما بدوره في الفقه الإسلامي نظرا لخطورة أثره على الشخص الذي تعرّض له لأنه سوف يكون عرضة للعقاب ممن له النظر.
ويستنتج من ذلك أن علّة التجريم هي المساس بشرف الشخص المقذوف واعتبار أن ما أسند له من ممارسات غير أخلاقية دون التثبت من صحتها ووجاهة الاتهام ودون دليل في الإدانة مع تصديق تلك الواقعة قد يؤدي إلى تعريض المجني عليه إلى اتهام غير صحيح ثم إلى عقاب لا يستحقه.
أما بالنسبة للقضاء التونسي، فقد تبنت محكمة التعقيب مثل هذا التوجّه في تعريف القذف واعتبرت أن ما يندرج ضمن مصطلح القذف يجب تمييزه عن بقية الممارسات الأخرى اللاأخلاقية التي لا تدخل ضمنه مثل الشتيمة وبالتالي يكون القذف قائما على قاعدة: نسبة فعل مشين لشخص معيّن ( أنظر قرار تعقيبي جزائي تحت عــ40783ـدد مؤرخ في 16/06/1992(.
وعليه يكون القذف عبارة عن نسبة تهمة تمس الشرف والعرض والاعتبار لشخص ما أو هيئة ما دون بيان أو تبيين.
*في توضيح جريمة النميمة:
لم يقم المشرع التونسي بتعريف جريمة النميمة واكتفى بإلحاقها ضمن جريمة القذف وكأنها صورة أخرى من صور القذف والحال أن الأمرين مختلفين عن بعضهما البعض. ويظهر بأن المشرع كان في أخذ ورد حول مسألة جعل النميمة جريمة مستقلة عن فعل القذف اللاأخلاقي إلا أنه لم يقم بالفرز وجعلها تابعة لهذه الأخيرة على اعتبار أنها الأصل وعلى اعتبار أنهما يخضعان تقريبا لنفس التعريف والحال أن ذلك غير صحيح.
إذ بالعودة للفقه الاسلامي نجد أن الفقهاء قد خصصوا تعريفا مستقلا للنميمة دونا عن بقية الأفعال اللاأخلاقية الأخرى وذلك أسوة بما ورد عن رسول الله الكريم محمد (ص)، إذ جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال: ألا أنبّئكم مالعضة (وهي الكذب والبهتان الذي لا حقيقة له)؟ هي النميمة، القالة بين الناس.
ولقد ورد عن الإمام الغزالي في كتابه “الإحياء” (3/208): “اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا”.
ويستنتج من هذا التعريف أن النميمة هي قيام الشخص بنقل كلام عن شخص آخر لشخص ثالث يستمع إليه ويكون ما نقله مغايرا لما قيل له فعلا بغرض إيقاع الكراهية بين الطرفين.
ومن خلال ما سبق بسطه يظهر وأن القذف والنميمة يختلفان من حيث موضوع التعبير، فالنميمة تعتمد على نقل حديث ورد على لسان أحدهم بحيث يكون النقل منمّقا ومكذوبا بشكل يمسّ من قيمة واعتبار الشخص المنقول منه الحديث المكذوب أو له ويكون على مسامع شخص آخر فأكثر، بينما القذف هو نقل حصول واقعة خبيثة على شخص ما يدعي فيها الناقل بأنها حصلت له أو أنه أقدم عليها ويكون هذا النقل بشكل يمسّ من شرف واعتبار هذا الأخير.
و قد اعتبرت محكمة التعقيب في القرار الجزائي عدد 2964 مؤرخ فى 12/03/1979 – لا تخضع جريمتا القذف والنميمة لاجراءات قانون الصحافة اذ جاءت بهما وبعقابهما الفصول 245-246-247 من القانون الجنائي ولم ينص قانون الصحافة على ابطال العمل بهاته الفصول.
و سنتعرض إلى دراسة النميمة من خلال أركانها )الفقرة الأولى( و عقوبتها )الفقرة الثانية(
الفقرة الأولى: أركان النميمة
تتطلب النميمة توفر ركنين الركن المادي )أ( و الركن المعنوي )ب(
أ- الركن المادي:
تعتبر النميمة جريمة إذا ما توفرت فيها الشروط التالية:
- إذا كان القذف غير ثابت من الناحية العدلية
- إذا استشكل إثبات القذف عندما يسمح له القانون بذلك (علما وأن القانون لم يسمح إلا بشروط في هذه الحالة(
- إذا حصلت بكتابة اطلع عليها شخصان فأكثر .
و بالنظر لهذه الشروط فإن إمكانية اتهام أي شخص بالنميمة وارد إذا ثبت من تدويناته الكتابية مهما كانت طريقة الكتابة (افتراضية كانت أو تقليدية). لكن النميمة خارج إطار هذه الشروط لا تعتبر جريمة وهو أمر غريب في الاعتماد خصوصا وأن المسألة أخلاقية بالأساس وتتطلب الردع: فهل هنالك إرادة في ردع النميمة ككل أم أن هذا الحل مجرد رتق للفساد الأخلاقي فحسب؟.
الفقرة الثانية: العقاب
ينص الفصل 247 م ج على معاقبة مرتكب النميمة بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا.
فمرتكب النميمة تسلط عليه عقوبة سالبة للحرية )أ( و عقوبة مالية )ب(
أ- عقوبة سالبة للحرية:
و تتمثل في السجن مدة عام
ب- عقوبة مالية:
و تتمثل في خطية قدرها مائتان وأربعون دينارا.