فن و ثقافة

الناقد الكويتي عبدالستار ناجي يكتب من مهرجان كان:الفيلم السعودي “نوره” : اشكاليات الكتابة والدلالات !

شهدت قاعة كلود ديبوسي في قصر المهرجانات في مدينة كان جنوب فرنسا وضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي عرض الفيلم السعودي ( نوره )   الذي ياتى ضمن تظاهرة – نظره ما – وبحضور مخرج الفيلم توفيق الزايدي (شارك في كتابة السيناريو والانتاج ) بالاضافة الى نجوم العمل يتقدمهم النجم القدير عبدالله السدحان والفنان المتميز يعقوب الفرحان ووماريا بحراوي وكوادر وقيادات مهرجان البحر الاحمر والهيئة السعودية للافلام وحشد كبير من نقاد السينما العالمية وجمهور السينما في مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته ال 77 ، وحري بالذكر ان الفيلم كان قد عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الاحمر وحصد جائزة افضل فيلم سعودي .

يرحل بنا فيلم ( نوره ) الى منتصف التسعينيات من القرن الماضي الى حكاية قرية بعيدة عن الزمن رغم الاشارة الى ان الاحداث تجري في تسعينيات القرن الماضي عن حكاية فنان تشكيلي ( نادر ) يعقوب الفرحان ترك الرسم الى التدريس في تلك القرية ليتعرف على (نوره ) ماريا بحراوي التى اضطرت هي وشقيقها الى الذهاب والعيش في  القرية منتقله من المدينة بعد وفاة والديها ..

حكاية تعاني من ايقاع بطئ يقترب من السكون بل الانغلاق التام في وجه كل شئ يدعو الي التغيير من الدراسة الى الكهرباء وغيرها . حتى هنا تبدو الدلالات منطقية وواقعية .

ايقاع لا يتحرك  ولا يكاد يتطور في تلك القرية ( صورت المشاهد في العلا – ويقترن اسم العمل حسب بروشوره بانه اول عمل سعودي تم تصويره في تلك المدينة الساحرة ) . علاقة بالكاد تتقدم خطوات عبر مسيرة الفيلم . حيث تحلم الصبية  ( نوره ) لان يرسمها المدرس ( نادر ) لانها تتمني ان تري صورتها في المتاحف وهي الفتاة التى تتابع المجلات التى تهرب اليها من قبل صاحب البقالة الهندي .

وتمضي الاحداث بذلك الايقاع المترهل المتراخي الذى كان بأمس الحاجة الى نقله بالذات بعد اللقاء الذى راح يتكرر بين ( نوره ) و( نادر ) وفي المقابل غيره ابن عمها وتحفظ المجتمع الذى كان معزولا عن الحدث ففي تلك القرية لا نري بشر سوي اسرة نوره رغم وجود عدد من الاطفال في الفصل فاين اسرهم وايقاع حياتهم وتفاصيل معيشتهم الا من هوامش لا تثري الحدث بل تزيده عزله كمشهد ( العزومة ) و( رغبه احد اولياء الامور الاخذ ابنه لمساعدته في العمل .. هوامش لتعبئة الوقت وليس لمزيد من العمق والتحليل للشخصيات والحالة والمنطقة الرافضة للتغيير والتطور . وهنا جانب من الخلل في الورق ونقصد الكتابة .

وبعد مسيرة طويلة ترفض القرية وجود المدرس ليتم طرده ورفض كل شي يخص التغيير والتدريس وبناء الانسان والمجتمع . وما هو اخطر من كل ذلك اننا نكتشف بان ( المدرس ) جاء بطلب من جد ( نوره ) الذى يريد استرجاعها وليس من قبل وزارة التربية لتدريس الطلبة وتعليمهم . لذا نحن امام مدرس هارب من ذاكرة الامس ( يحرق صورة نسائية كان يعرفها ) وهو اجير للجد وهدفه رسم ( نوره ) فقط . هذة الالتباسات سببها الورق ونعني السيناريو الذى لا يتحرك ومشبع بالهوامش والخلل . بل ان تلك ( الجملة ) التى جاءت على لسان ( نادر ) بانه جاء بطلب من والدها تجعل تلك الشخصية تتقزم من دوره كمدرس يسعي الى التغيير الى ( فنان تشكيلي اجير ) جاء من مهمة ضيقة هامشية امام قيم التعليم والتغيير .

التباسات تشكل علامات استفهام فمن هو شيخ القرية ذلك الذى طلب حضور مدرس كبديل للمدرس السابق نراه لاحقا يرفض وجود المدرس الذى نكتشف بانها ( اجير لرسم نوره من قبل جدها ) وقرية ساكنه ترفض التغيير ولو ما رسنا الاسقاط على اللحظة سنكون امام علامات استفهام كبيرة فنحن امام قرية لا تريد التغيير وهذا ما يخلص اليه الفيلم وهو بلا شك امر خطير قياسا بما يتحقق من متغيرات وقفزة حضارية واجتماعية جبارة بتوجيهات رسمية وتفاعل ومشاركة شعبية شاملة .

فلماذا تلك الالتباسات . التى تصدح بالاسئلة وكيف لنوره التى رضخت في ان تبقي فى القرية بطلب واوامر ابن عمها في ان تشاهد لاحقا ( في المشهد الاخير ) صورتها في احد المعارض . أسئلة نظل نبحث لها عن اجابة .

تلك التقليدية ( الكلاسيكية ) في السياق اعتبارا من وصول المدرس ( والسيارة المعطوبة في الطريق ) الي مضي الاحداث بايقاعها لم تكن بحاجة الى تلك الاستعادة للاحداث لمعرفة اسباب وجود نوره  مع شقيقها في القرية في بيت عمتها لان الاحدث مرت عليها .

وحينما نذهب الى جملة بان فيلم ( نوره ) هو اول عمل سعودي صور في العلا فأين العلا في الفيلم . لقد ظلت العلا دائما في الخلفية غير فاعلة وغير مؤثرة وليس جزءا اساسيا من الحدث وهو امر يعود مجددا الى الورق ( السيناريو ) فالعلا ليست مجرد اصطياد ( ضب ) ! او جبال صامتها لم يستطيع النص استطاقها وهنا تاتى الحاجة لمزيد من العمق في استثمار المكان ليكون جزءا اساسيا ومحوريا في الحدث والبناء الدرامي .

ثيمه ( الفن كوسيلة للتواصل ) لم تتحق بالشكل الذى يدعو للتغير الانساني والمجتمعي بل ان ( الحب ) لم يثمر ولم يزهر وهنا خلل محوري اخر لان العلاقة بين نوره ونادر ظلت متشظية هى تريد العودة لجدها ولا تفكر بشئ اخر وهو يريد رسمها لتحقيق اهدف ذلك الجد ولا يفكر بشئ اضافي حتى رغم اشاره ( حرق ) صورة صديقة سابقة وهو ما توقعنا بأنه يؤسس الى علاقة وحب وتغيير .. وفي الفيلم اشاره الى حرق صالات العرض والمعارض وهو امر يدعو الى حتمية التغيير وهذا لا يتحقق لان سطوه المجتمع وعدم الرغبة في التغيير تعيق ذلك الخطاب والموقف حتى يخلو الفصل من الطلاب بقرار جماعي ويتم قمع العلاقة والتواصل والبذرة التغيير لتبقي القرية في ظلمتها .

في الاداء نحن امام تجربة تدعونا للمطالبة بمزيد من الاهتمام بالتمثيل واساليب الاداء وهو امر يحتاج الى مزيد من الاشتغال على (الممثل ) لذا يتفاوت الاداء بين اداء متماسك متطور من قبل الفنان يعقوب الفرحان ( المدرس ) الذي يعيش الشخصية وتطورها مع تفاوت صريح من قبل بقية الشخصيات . وان كان حضور النجم القدير عبدالله السدحان يتطلب مساحة اكبر لاستثمار تلك الخبرة العريضة وليس مجرد مشاهد ضيقة مستعادة حوراتها هشه رغم ما تمثلة الشخصية من ثقل . ولكنه وكما اسلفنا ( الورق ) الذى ظلم ايضا ماريا البحراوي حتى رغم الانشغال ( مدير التصوير ) بتفاصيل ملامحها عبر ( كلوز اب) غطي كل ملامح وجهها دون الذهاب الى عمق الشخصية . وهي بلا ادنى شك موهبة فنية عليها ان تطور قدراتها لاننا امام طاقة تستحق المزيد من الفرص .

في الفيلم غابت اللغة البصرية التى تحقق للفيلم هويته وهذا ما لاحظناه ايضا مع الموسيقي التصويرية للفيلم التى ظلت بعيدة كل البعد عن مناخات العمل واحداثة حتى الاستعانه باغاني تلك الحقبة الزمنية جاء كحل هامشي لا يعمق بل هو مجرد حل توفيقي . ونشير هنا الى التصوير تم على يد مدير التصوير شاين هارلي لي امام الموسيقي التصوير فكانت لعمر فاضل .

ونعود الى بيت القصيد ..فيلم ( نوره ) يعاني من خلل صريح في الكتابة ( السيناريو والحوار ) انعكست على المضامين التى حينما نسقطها على الواقع والمتغيرات تشكل علامة استفهام كبيرة لاننا امام عمل سينمائي يقول .. القرية لن تتغير .. بينما الواقع يقول عكس ذلك لاننا امام شمس اشرقت ولن تغيب .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى