مقالات

الموارنة عاشوا نفس الظروف الشيعية: رؤية لإنقاذ الطائفة الشيعية.

 

*ناجي علي امهز*

أكتب اليوم من موقعي المستقل الذي اخترته لنفسي، والذي ربما اختاره لي قدري. لا أنتمي لأي محور سياسي ولا أتحدث باسم أي حزب. وهذه المسافة، التي قد يراها البعض غربة أو نبذاً، هي ما تمنحني حرية القول ومسؤولية الشهادة على ما أرى، وهي ما فرضت صوتي على الساحات الإعلامية ليس بالدعوة بل بقوة الأحداث التي صدّقت على تحليلاته مراراً وتكراراً.

 

أتوجه اليوم بهذا النداء ليس إلى قيادة سياسية بعينها، مع كامل الاحترام للجميع، بل إلى العقل الشيعي الجمعي؛ إلى القيادات والنخب، والشباب، وإلى كل فرد في هذه الطائفة يرى بأم عينه كيف تُبنى جدران العزلة حولنا يوماً بعد يوم.

 

المشكلة اليوم أعمق من مجرد نقاش حول قرار الحكومة بالنسبة الى السلاح. المشكلة تكمن في الهوة السحيقة بين الشيعة ومكونات لبنانية وعربية، بسبب اخطاء سياسية واعلامية وضعت الطائفة الشيعية بوجه امريكا والكثير من الدول العربية، وأوصلتنا إلى معادلة خطيرة: انه لا مكان للشيعة لا بسلاح ولا دون سلاح.

 

كما إن هذه العزلة السياسية ليست وليدة الصدفة، ولا هي مؤامرة مفاجئة حيكت بالأمس. إنها نتيجة طبيعية ومباشرة لمسار سياسي وخيارات استراتيجية، كان يمكن قراءة نتائجها بوضوح. ومن باب الشهادة للتاريخ، أعود إلى ما كتبته ونشرته حرفياً في مقال عام 2016 تحت عنوان “حزب الله بخطر”، حيث وصفت بدقة ما سيجري بحال الإصرار على إيصال العماد ميشال عون إلى الرئاسة. لقد تضمن المقال حينها خمس نقاط أساسية، تحققت اليوم جميعها:

1. سيصبح الدكتور جعجع الزعيم المطلق للمسيحيين، وهذا الأمر حصل.

2. سيعتزل الرئيس سعد الحريري، وهو السني المعتدل، السياسة ويخسره الحزب، وهذا الأمر حصل.

3. سيتقلص دور الوزير سليمان فرنجية سياسياً ونيابياً، وهذا الأمر حصل.

4. بعد وصول الجنرال عون إلى الرئاسة، سيصبح أي طلب يطلبه ولا ينفذه الحزب اعتباراً لنقض العهد، وهذا الأمر حصل.

5. أكدت بأن التنازل عن النواب المسيحيين الذين كانوا من حصة الرئيس بري إلى الرئيس عون، سيكون كارثياً على الشيعة لأنهم يخسرون ورقتهم بالتعايش، وهذا ما حصل.

 

إن استحضار هذا الكلام اليوم ليس من باب لوم الذات أو توزيع المسؤوليات، فتلك معارك الماضي. بل هو لإثبات حقيقة واحدة: أن قراءة السياسة بعقل بارد ومستقل، بعيداً عن الشعارات والعواطف، يمكن أن يجنبنا الوصول إلى حافة الهاوية.

 

من هنا كنت ارجو من القيادات الشيعية، ان تقوم بمحاسبة هذه الابواق التي روجت ومدحت وبخرت لحلفاء الحزب حتى اصبح حلفاء الحزب يشعرون انهم اكبر من الحزب والطائفة الشيعية، وشاهدنا واستمعنا كيف انقلب الحلفاء السياسيين وايضا حتى الابواق الاعلامية التي صنعها الحزب، على الحزب والشيعة.

 

المحاسبة ضرورية وحتى اغلاق المؤسسات الاعلامية جميعها والاكتفاء بالمنار، كي يعرف العالم والطائفة ان هناك محاسبة تجري لكل من اخطأء مما يمنحنا بعض الوقت لايجاد مخارج سياسية، او اقله يعرف العالم بان الشيعة يعيدون ترتيب اولوياتهم.

 

لكن الامريكي والعربي وحتى في الداخل اللبناني لن يرحموا الطائفة وهم يشاهدونها بعد تاريخها الوطني والنضالي العريق، تُختزل صورتها في مشاهد الدراجات النارية الهادرة أو في خطابات بضعة أبواق إعلامية.

 

لذلك اكرر نشر مشروع انقاذي كنت اطالب فيه منذ سنوات واليوم اعيد نشرها كمبادرة وطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه:

 

1. “منتدى العقل الشيعي”: ضرورة وليس ترفاً

يجب أن تبادر النخب الفكرية والثقافية والاقتصادية المستقلة، والتي وعيها عالٍ، إلى تأسيس “منتدى فكري” دائم. مهمته ليست سياسية حزبية، بل استراتيجية بحتة: أن يكون “العقل الرديف والمحرك الفكري” للطائفة، يقرأ المتغيرات الدولية، ويحلل السيناريوهات الداخلية، ويقدم أوراق سياسات بديلة للقيادات القائمة. وجود هذا المنتدى سيقول للعالم إن العقل الشيعي ليس أُحادياً، وأن لدينا من الكفاءات ما يكفي لرسم مستقبلنا بحكمة.

 

2. “إعلان المبادئ الوطنية”: رسالتنا التي تأخرت

يجب أن يصدر عن هذا المنتدى، أو عن أي تجمع واسع من نخب الطائفة، وثيقة تاريخية بعنوان “إعلان المبادئ الوطنية للطائفة الشيعية في لبنان”. وثيقة لا تتحدث عن السلاح لأنه يدخل في إطار الاستراتيجية الدفاعية، بل عن كل شيء آخر: رؤيتنا للدولة المدنية، والمواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، وعلاقتنا بالعالم العربي، ودورنا في الاقتصاد اللبناني. هذه الوثيقة ستكون جسرنا لإعادة بناء الثقة مع شركائنا في الوطن، ورسالتنا الواضحة التي تقول إن مشروعنا هو لبنان، ولبنان فقط.

 

3. “حماية الصورة والهوية”: معركة الوعي

يجب أن ندرك أن تشويه صورة الطائفة هو جزء من الحرب علينا. ولا يمكن مواجهة ذلك إلا بمبادرة واعية وممنهجة “للدفاع عن هويتنا”. وذلك عبر دعم كل صوت عقلاني ومعتدل من أبناء الطائفة، وتجميد أصوات النشاز التي تسيء إلينا، وإبراز إنجازات علمائنا ومثقفينا ومبدعينا. يجب أن نروي نحن قصتنا، قبل أن يرويها خصومنا نيابة عنا.

 

خاتمة:

حتما قد يتنكر البعض لهذه المبادرة خاصة المؤسسات الاعلامية وبعض الاكواع والابواق الذين سعوا لتغييب صوتي وحذف مقالاتي واستهانوا بالحراك الذي كنت ومازلت اقوم فيه لاجل الطائفة، لكن بالختام تبين كم كنت حريصا على الطائفة ودمائها وانجازاتها، بينما هم اليوم مسؤولين عن كل حجر تدمر وكل نقطة دم سقطت لانهم كانوا ينطقون بما لا يعرفون، همهم فقط التبجيل والتبخير ونفخ القصدير والظهور عبر الفضائيات والتواصل الاجتماعي على اطلال دمار الشيعة.

 

وجريمة هذه الابواق والاعلام لم تتوقف عند الاثار المدمرة على الطائفة بل اليوم اتخذت من خطاب سماحة الشيخ نعيم قاسم وسيلة للمزايدات والبهورة وعرض العضلات، مع ان كلام سماحة الشيخ نعيم قاسم عن عدة سيناريوهات مختلفة هو من اجل الضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها وتجنيب لبنان الفوضى التي قد تؤدي الى تظاهرات وربما بحال تفلتت الامور قد يصل لبنان الى الحرب الاهلية.

 

سماحة الشيخ نعيم يتحدث بطريقة مختلفة تماما عم تشيعه هذه الابواق التي تعمل دون علمها على سحق الطائفة الشيعية.

فالثنائي الشيعي يدرك، ان الامريكي والاوروبي وبعض الدول العربية لم ترتجل الضغط من اجل حصرية السلاح. ومن الطبيعي ان تكون هذه الدول قد وضعت على طاولتها كل السيناريوهات المحتملة، وجهزت لكل فعل ردت فعل مضاد ومدروس.

سيناريو التظاهرات؟ تم التحضير له وكيفية احتوائه أو استغلاله لإظهار الطائفة كمعرقلة للدولة ومصدر للفوضى.

سيناريو المواجهة المحدودة؟ هو فخ لاستنزاف الطائفة وعزلها دولياً وعربياً وطائفيا أكثر فأكثر.

 

حتى سيناريو الحرب الأهلية الشاملة، وهو الكابوس الأكبر، ليس خارج حساباتهم، بل ربما هو الهدف المنشود لتحقيق الفوضى الكاملة التي تسمح بإعادة تركيب لبنان والمنطقة على أسس جديدة لا مكان للطائفة الشيعية فيها كقوة فاعلة.

 

بالختام، النهاية واضحة ومؤلمة في هذا المسار. لن يكون هناك منتصر. فحتى لو دُمرت الدولة ومؤسساتها، وحتى لو خسر خصوم الحزب، فإن الثمن الأكبر ستدفعه الطائفة الشيعية. ستجد نفسها معزولة، منهكة، في وطن مدمر، وقد خسرت كل رصيدها التاريخي والوطني. سيخسر الجميع، سيخسر المسيحي والسني والدرزي، وسيحملون الطائفة الشيعية مسؤولية هذا الخراب الشامل أمام الله والتاريخ.

 

كما كل اللبنانيين حملوا الموارنة نتائج الحرب الاهلية مع العلم بان الموارنة عندما دخلوا الحرب الاهلية كانوا قد وصلوا الى نفس النقطة التي وصلها الشيعة اليوم فكان القرار الامريكي ضدهم بل يعمل على اجلائهم من لبنان، وكان المجتمع الدولي والعربي اتخذ القرار بتفويض السوريين بحكم لبنان، كما كانت المنظمات الفلسطينية والقوى الوطنية تحاصر الموارنة وعندما دخلوا الحرب وجدوا انفسهم بالختام ملزمون بتسليم السلاح وحل احزابهم ونفي واعتقال قياداتهم، وقد خسروا 90% من نفوذهم الدستوري باتفاق الطائف و 50% من وجودهم الشعبي، و70% من دورهم الاقتصادي.

 

ونحن نتكلم عن الموارنة الذين لهم في كل دولة امريكية او اوروبية كنيسة ولوبيات فاعلة بل الكثير من قيادات الجيوش والمستشارين ورجال الاقتصاد هم من الموارنة في هذه الدول اضافة الى احتضان كامل من الفاتيكان ومع ذلك حاولوا ان يحاربوا القرارات الدولية طيلة 25 سنة ولم يحققوا اي شيء.

 

المصير الذي ينتظر الجميع في نهاية هذا الطريق ليس نصراً لاحد على احد، بل هو تيه وضياع في صحراء الفوضى. لم يتبق لدينا إلا طريق واحد: طريق العقل والحوار والمبادرة السياسية، قبل أن يُفرض علينا جميعاً مصير لم يختره أحد، لكننا سِرنا إليه نحن اللبنانييون بأقدامنا.

ناجي امهز

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى