الأخبارتونس

المسؤولية الجزائية الناجمة عن انتهاك حقوق الإنسان

STP LA TUNISIENNE DE PUBLICITÉ


إعداد: جابر غنيمي
دكتور في القانون
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي

مقدمة:
المسؤولية لغة تعني المطلوب الوفاء به و تعني أيضا المحاسب عنه وهي اسم مفعول منسوب إليه مأخوذ من سأل يسأل سؤالا.
والمسؤولية القانونية نوعان مسؤولية مدنية و أخرى جزائية.
المسؤولية المدنية تقوم على ضرر يصيب الفرد و الجزاء فيها هو إلزام المسؤول بتعويض ذلك الضرر.
و يقصد بالمسؤولية الجزائية صلاحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي عما يرتكبه من جرائم فارتكاب شخص لفعل يمنعه القانون الجنائي يثير فكرة المسؤولية .
وتنقسم حقوق الإنسان من حيث مضامينها والتسلسل الزمني لظهورها وبلورتها إلى ثلاثة أجيال:
1- الجيل الأول: ويتمثّل في الحقوق المدنيّة والسياسيّة المرتبطة خاصّة بالحريات، وتشمل الحق في الحياة والحرية الفرديّة وحرّية الرأي والتعبير والتفكير والعقيدة والتنظيم.
وهي حقوق تقتضي من الدولة احترامها وعدم التدخّل فيها أو قمعها.
2- الجيل الثاني: ويشمل الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، مثل الحق في الغذاء والصحّة والتعليم والمأوى والعمل والملكيّة، وهي حقوق تتطلّب تدخّلا إيجابيا من الدولة لضمانها.
3- الجيل الثالث: ويشمل حقوق البيئة والتنمية البشريّة، ويسمّى كذلك حقوق التضامن أو حقوق الجماعات أو الحقوق التكافليّة، وهي الحق في العيش بسلام والحق في بيئة سليمة والحق في التنشئة والحق في التراث المشترك للإنسانية والحق في المساعدة الإنسانية.
ويُعرف انتهاك حقوق الإنسان بأنّه: “حرمان مجموعة من الأشخاص من حقوقهم الأساسية الثابتة لهم بموجب الشرع والقانون”، ومن الممكن أيضًا تعريف انتهاك حقوق الإنسان على أنّها: “ممارسة جميع أعمال العنف ضد بعض البشر وتعذيبهم، بالإضافة إلى معاملتهم معاملة أقل ممّا يستحقون على اعتبار أنّهم بلا قيمة ولا يستحقون إلّا ذلك” .
مصادر حقوق الإنسان: مصدر دولي و مصدر وطني
مصدر دولي: مصدر عالمي و مصدر اقليمي
مصدر عالمي:
ميثاق منظمة الأمم المتحدة: اعتمد في 26 جويلية 1945
الشرعة الدولية لحقوق الإنسان: و تتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان )تبنته منظمة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948( و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية )اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر1966( و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966(
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة: اعتمدتها الجمعية العامة في القرار 39/46 المؤرخ في 10 ديسمبر 1984
اتفاقية حقوق الطفل: اعتمدت في 20 نوفمبر 1989

مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين: اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المورخ في 17 ديسمبر 1979
المادة 2
يحترم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها.
مصدر إقليمي:
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان
الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان
الميثاق العربي لحقوق الإنسان
مصدر وطني:
الدستور التونسي
الحق في الحياة:
الفصل 22 – الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون.
حماية الحرمة الجسدية:
الفصل 23 – تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم.
حماية الحياة الخاصة:
الفصل 24 – تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية. لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته.
الاحتفاظ:
الفصل 29 – لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محاميا. وتحدد مدة الإيقاف والاحتفاظ بقانون.
حرية الرأي و التعبير:
الفصل 31 – حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.
حرية تكوين الأحزاب:
الفصل 35 – حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مضمونة. تلتزم الأحزاب والنقابات والجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستور والقانون وبالشفافية المالية ونبذ العنف.
الحق النقابي:
الفصل 36 – الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون. ولا ينطبق هذا الحق على الجيش الوطني. ولا يشمل حق الإضراب قوّات الأمن الدّاخلي والدّيوانة.
حرية الاجتماع:
الفصل 37 – حرية الاجتماع والتظاهر السلميـين مضمونة.
حق الملكية:
الفصل 41 – حق الملكية مضمون، ولا يمكن النيل منه إلا في الحالات وبالضمانات التي يضبطها القانون. الملكية الفكرية مضمونة.
المجلة الجزائية
مجلة حماية حقوق الطفل
مجلة الشغل
مجلة الأحوال الشخصية
مرسوم الجمعيات
 و دراسة موضوع المسؤولية الجزائية الناجمة عن انتهاكات حقوق الإنسان يقتضي التعرض إلى أركان المسؤولية الجزائية ) المبحث الأول( و موانع المسؤولية الجزائية ) الجزء الثاني(
المبحث الأول: أركان المسؤولية الجزائية
تقوم المسؤولية الجزائية عند توفر الركن الشرعي أو القانوني )الفقرة الأولى( و الركن المادي ) الفقرة الثانية( و الركن المعنوي )الفقرة الثالثة(
الفقرة الأولى:  الركن الشرعي أو القانوني:
يجب العلم بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون ومن هنا وجود أي جريمة وفرض العقوبة عليها يعود إلى وجود نص قانوني ثم وجود قانون العقوبات الذي يجرم الفعل ويفرض العقوبة المُناسبة على الجاني ووجود الركن القانوني مُهم جداً وبصورة كبيرة في أي جريمة وبدونه لا وجود لأي جريمة ولا عقاب على أي جريمة إلا بوجود الركن القانوني أي الشرعي.
الفقرة الثانية: الركن المادي:
يقع الركن المادي بحق شيء يحميه القانون ويكون عبارة عن أي اعتدات أو إنتهاك يقع بحق الغير اي الأشياء المادية والملموسة مثل إزهاق روح أحد الأفراد بعد إطلاق الرصاص عليه ويتكون الركن المادي من ثلاث عناصر وهي:
الفعل:  وهو السلوك الجرمي.
النتيجة:  وهي ردت الفعل الناتجة عن الفعل وما يترتب فيما بعد الفعل مثل وضع السم في كأس أحد الأشخاص النتيجة هي إزهاق روح المُجنى عليه.
العلاقة السببية:  وهو وجود الرابطة بين الفعل والنتيجة مثل أنه وفات المُجنى عليه نتيجة شرب كمية كبيرة من السم الذي وضعه الجاني بالكأس وليس بفعل وجود سبب اخر.
وعند توفر تلك الأركان جميعها يكون هنا لدينا ركن مادي.
الفقرة الثالثة: الركن المعنوي: 
وهو توافر الإرادة الآثمة والقصد الإجرامي لدى الجاني من أجل إحداث نتيجة سيئة مع العلم بماديات الجريمة ونتائج الفعل مع ذلك أقدم الجاني على الفعل من أجل إحداث نتيجة معينة وسيئة وترك أثر قانوني، وجود الركن المعنوي يعني وجود الأصل ويكون خاص بالجريمة بشكل مُباشر، ويوجد الركن المعنوي بالحرائم المقصودة لأنه لا يتصور وجود الركن المعنوي فيه الجرائم الغير مقصود دون توافر النية فيه احداث نتيجة مثل: جرائم القتل الناتجة عن العمليات الطبية، كمان أن الركن المعنوي بوجود بالجرائم الإيجابية مثل السرقة والخطف والاغتصاب والقتل والايذاء وغيرها..
اعتداء موظف عمومي بدون موجب على الناس حال مباشرته لوظيفته او بمناسبة مباشرتها:
الفصل 101 م ج
يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا الموظف العمومي أو شبهه الذي يرتكب بنفسه أو بواسطة الاعتداء بالعنف دون موجب على الناس حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها.

التعذيب:
الفصل 101 مكرر م ج
يعاقب بالسجن مدة ثمانية أعوام الموظف العمومي أو شبهه الذي يخضع شخصا للتعذيب وذلك حال مباشرته لوظيفه أو بمناسبة مباشرته له.
ويقصد بالتعذيب كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول منه أو من غيره على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على فعل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو تخويفه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق الألم أو العذاب الشديد لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيّا كان نوعه.
دخول مسكن دون مراعاة الموجبات القانونية:
الفصل 102
يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها اثنان وسبعون دينارا الموظف العمومي أو شبهه الذي يدخل دون مراعاة الموجبات القانونية أو دون لزوم ثابت لذلك مسكنا دون رضاء صاحبه
الاعتداء على حرية الغير الذاتية دون موجب القانوني:
الفصل 103
يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا الموظف العمومي الذي يعتدي على حرية غيره الذاتية دون موجب قانوني أو يباشر بنفسه أو بواسطة غيره ما فيه عنف أو سوء معاملة ضد متهم أو شاهد أو خبير للحصول منهم على إقرار أو تصريح أما إذا لم يقع إلا التهديد بالعنف أو بسوء المعاملة فالعقاب يحط إلى ستة أشهر.

القتل العمد:
الفصل 201
يعاقب بالإعدام كل من يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت.
القتل العمد المسبوق باضمار:
الفصل 205
يعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر
الاعتداء بالعنف:
الفصل 218
من يتعمد إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالفصل 319 يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار.
وإذا كان المعتدي خلفا للمعتدى عليه أو زوجا له، يكون العقاب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها ألفا دينار.
ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار في صورة تقدم إضمار الفعل.
وإسقاط السلف أو الزوج المعتدى عليه حقه يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب.
والمحاولة موجبة للعقاب.

افتكاك حوز بالقوة:
الفصل 255
يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من ينزع بالقوة من يد غيره ملكا عقاريا دون أن يمنع ذلك من العقوبات الأكثر شدّة المستوجبة لأجل التجمّع بسلاح أو حمله أو التهديد أو العنف أو الضرب أو غير ذلك من الجرائم.
والمحاولة موجبة للعقاب.
السرقة:
الفصل 258
من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة.
ويلحق بالسرقة اختلاس الانتفاع بما هو ممنوح للغير من الماء أو الغاز أو الكهرباء.
الفصل 264
يكون العقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا بالنسبة إلى كل أنواع السرقات والاختلاسات الواقعة في غير الصور المبيّنة بالفصول من 260 إلى 263 من هذه المجلة.
والمحاولة موجبة للعقاب.
الاضرار عمدا بملك الغير
الفصل 304
من يتعمد بغير وسيلة الانفجار أو الحريق إلحاق الضرر بما يملكه غيره من العقار أو المنقول يعاقب بالسجن مدة ثلاث سنوات وبخطية قدرها ألفا دينار.
وإذا كانت المفاسد قاضية بصيرورة صحة الشيء أو وجوده في خطر فالعقاب يكون بالسجن مدة خمس سنوات وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار.
والمحاولة تستوجب العقاب.
المبحث الثاني: موانع الجزائية المسؤولية
و هي أسباب تعفي مرتكب الجريمة من تحمل المسؤولية  الجزائية و بالتالي من تسليط العقاب عليه و تتمثل في انعدام الأهلية )الفقرة الأولى( و انعدام القصد الجنائي )الفقرة الثانية( و الدفاع الشرعي )الفقرة الثالثة(
الفقرة الأولى: انعدام الأهلية
الفصل 38 م ج
لا يعاقب من لم يتجاوز سنه ثلاثة عشر عاما كاملة عند ارتكابه الجريمة أو كان فاقد العقل.
ويمكن للقاضي أن يأمر مراعاة لمصلحة الأمن العام بتسليم المتهم المعتوه للسلطة الإدارية.

  • صغر السن: الصغير الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره بعد دون تمييز وإدراك وبالتالي منعدم المسؤولية الجنائية و لا تجوز إقامة الدعوى ضده ٬ وإذا أقيمت على القاضي أن يقضي بانعدام المسؤولية الجنائية.
  • الجنون :
    الفصل 160 م ا ش
    المجنون هو الشخص الذي فقد عقله سواء أكان جنونه مطبقا يستغرق جميع أوقاته أم متقطعا تعتريه فترات يثوب إليه عقله فيها. أما ضعيف العقل فهو الشخص الغير كامل الوعي السيئ التدبير الذي لا يهتدي إلى التصرفات الرائجة ويغبن في المبايعات.
    فقدان العقل، يقصد به حالة الجنون التي تصيب المرء فيصبح بذلك عديم الادراك، وبالتالي فإن الجريمة تصبح فاقدة لركنها المعنوي سواء كانت من الجرائم القصدية أو المترتبة عن خطإ، فملكة الادراك والتمييز هي من الاركان الجوهرية لقيام المسؤولية الجنائية في الجرائم القصدية، اذ يشترط ان يرتكب الجاني جناية عن قصد أي عن إرادة حرة وإدراك تام، وقد يقع اللجوء إلى الخبراء لتحديد مسؤولية الجاني عن الافعال المنسبة اليه وتكون اجابة الخبير إمّا بتأكيد تمتع الجاني بكامل مداركه، أو بإصابته بمرض يجعله عديم الميز والادراك، او انه يشكو من بعض الامراض التي من شأنها تخفيف المسؤولية، ومن بين الأمراض العقلية أو النفسية الهوس أو الذهان والانفصام في الشخصية وجنون العظمة والتخلف الذهني والجنون والاختلال العصبي وهي اضطرابات لها تأثير على الفهم والادراك والمرض العقلي، ويكون الشخص عاديا في ظاهره، لكنه يشكو من نقص عاطفي أو إرادي والتأثر الغير العادي إلى حدّ الفزع في صورة تعرضه للمضايقة وإتيان الجرائم الجنسية مثل حالات الشذوذ والعلاقات الشاذة، ويحدث ان يكون الشخص سليم المدارك العقلية عند ارتكابه للجريمة، غير انه يصاب إثر ذلك بالعته أو بالجنون، وفي هذه الحالة لا يمكن التصريح بإنتفاء المسؤولية، وانما يؤجل تقديمه للمحاكمة الى حين ان يعود له صوابه، وذلك ما نص عليه الفصل 77 من مجلة الإجراءات الجزائية.
    الفقرة الثانية: الإكراه أو انعدام القصد
    الفصل 37 م ج
    لا يعاقب أحد إلا بفعل ارتكب قصدا عدى الصور المقرّرة بوجه خاص بالقانون.
    يتجسد الإكراه في المبدأ الأصولي الذي ينص على انه «لا يعاقب أحد إلاّ بفعل ارتكب قصدا»، ذلك ما يؤكده الفصل 37 من المجلة الجزائية، اذ يشترط مبدئيا ألاّ يكون الفعل الصادر عن الجاني مترتبا عن ارادة حرة وإدراك لخطورة أفعاله، أما اذا كان عديم الإرادة أو مسلوبا منها فإن مسؤوليته تنتفي. وقد أقرت محكمة التعقيب ذلك في قرارها عدد 31598 الصادر في 7 ماي 2003 والذي نص على انه «من الأركان الجوهرية لقيام المسؤولية الجنائية ان يرتكب الجاني جريمته عن قصد أي عن ارادة حرة وإدراك تام وتمييز»، وتبعا لذلك يتضح انه يجب ان تكون إرادة الجاني حرة، فإذا ما اكره على اتيان الفعل المجرم سواء كان الإكراه ماديا أو معنويا، فإن ذلك ينفي عنه الجريمة لانتفاء ركن من أركانها. وقد نص الفصل 251 من المجلة الجزائية على أن العقاب يكون بالسجن مدة 20 عاما وبخطية قدرها 20 ألف دينار اذا تم التهديد بقتل الرهينة أو ايذائها وذلك من اجل اكراه شخص أو دولة القيام أو الامتناع عن القيام بفعل، ويكون العقاب بقية العمر اذا تجاوز القبض أو سجن وحجز الرهينة مدة شهر، وكذلك إن انجر عنه سقوط بدني أو مرض. وما كان صادرا عن إرادة واختيار لا يرقى إلى صنف الاكراه ولا تأثير له على المسؤولية. ولم تحدد محكمة التعقيب التونسية موقفها من الإكراه، وبالتالي يمكن الالتجاء الى القانون المقارن ، ومن ذلك القانون الفرنسي الذي نص في فصله 122 من مجلته الجزائية «انه لا يؤاخذ جزائيا الشخص الذي ارتكب الفعل تحت تأثير القوة أو الاكراه والذي لم يكن له ان يرده»،
    وقد فرّق الفقهاء وفقه القضاء الاكراه الى صنفين: اكراه مادي ويتمثل في وجود عنصر خارجي مثل استعمال القوة كقيام مجموعة بتجريد شخص من ملابسه وجبره على السير في الشارع عاريا، هنا رغم ارتكاب هذا الشخص جريمة التجاهر بالفاحشة فإنه لا يعاقب، اذ تنتفي لديه المسؤولية الجزائية. اما الاكراه المعنوي فينصبّ على إرادة الشخص وليس على جسمه مثل التهديد بخطف احد افراد اسرته لحمله على اتيان الجريمة او تهديده شخصيا بالقتل في صورة عدم الاستجابة للطلبات.
    الفقرة الثالثة : الدفاع الشرعي
    الفصل 39 م ج
    لا جريمة على من دفع صائلا عرّض حياته أو حياة أحد أقاربه لخطر حتمي ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر.
    والأقارب هم:
    أولا: الأصول والفروع،
    ثانيا : الإخوة والأخوات،
    ثالثا : الزوج والزوجة.
    أما إذا كان الشخص المعرّض للخطر من غير هؤلاء الأقارب فللقاضي الاجتهاد في تقدير درجة المسؤولية.
    الفصل 40 م ج
    لا جريمة:
    أولا : إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليلا لدفع تسور أو خلع مسيجات أو ثقب جدران أو
    مدخل مسكن أو مح ّ لات تابعة له،
    ثانيا : إذا كان الفعل واقعا لمقاومة مرتكبي سرقة أو سلب بالقوة.
    الفصل 20 من قانون عدد 4 لسنة 1969 مؤرخ في 24 جانفي 1969 يتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرت والتجهمر
    – فيما عدا حالات الدفاع الشرعي التي اقتضتها الفصول 39 -40 -42 من القانون الجنائي فإن أعوان الأمن لا يلجؤون لاستعمال الأسلحة إلا في الحالات الاستثنائية التالية:
    1- إذا كانوا لا يستطيعون الدفاع بطريقة أخرى عن المكان الذي يحتلونه أو المنشآت التي يحمونها أو المراكز أو الأشخاص الذين عهد إليهم بحراستهم أو إذا كانت المقاومة بكيفية يستحيل التغّلب عليها بصفة أخرى إلا باستعمال الأسلحة.
    2- إذا دعوا شخصا مشبوها فيه بنداءات متكررة وبصوت مرتفع “قف شرطة” ولم يمتثل الشخص وحاول الفرار ولم يبق مجال لجبره علي الوقوف إلا باستعمال الأسلحة.
    3- إذا أشاروا إلى عربة أو سفينة أو وسيلة نقل أخرى بالوقوف ولم يمتثل سائقها للوقوف ولم يبق مجال لجبرهم علي ذلك إلا باستعمال الأسلحة.
    الدفاع الشرعي هو استعمال القوة لدفع خطر حال غير مشروع يتضمن اعتداء على حق يحميه القانون و هو حق الشخص يمكنه أن يتولى رد الخطر الذي يحدق به إما للحيلولة بين بدء التعدي أو وقف استمراره عند بدئه بالفعل .
    اولا : شروط الدفاع الشرعي .
    1- شرط الخطر:
  • عدم مشروعية الخطر : يجب ان يكون الخطر الذي يبرر الدفاع الشرعي أمرا غير مشروع يقتضي ارتكاب جريمة معينة عل المدافع كتهديد جسمه بالسلاح ٬ أما إذا انتفى عن الخطر صفة عدم المشروعية فلا محل للدفاع الشرعي.
  • تهديد الخطر للنفس و المال يشترط أن يهدد الخطر نفس المدافع أو نفس غيره مما يهمه أمره أو ماله ٬ و حق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة لرد أي فعل يعتبر جريمة تمس بالمال و النفس .
    2- شروط رد الفعل :
  • ضرورة الدفاع : لقيام سبب الإباحة يتعين أن يكون ما أثاره المدافع أن يتناسب ضروريا و لازما لدرء الخطر و بالتالي إذا كان رد الفعل غير لازم باعتبار انه كان في إمكان المدافع أن يلجا إلى السلطات العامة فان رد الفعل يكون قد وقع دون مقتضى ويشكل اعتداءا ينتفي معه سبب الإباحة .
  • تناسب رد الفعل مع جسامة الخطر : يتعين في رد الفعل الذي يأتيه المدافع أن يتناسب مع فعل الاعتداء غير متجاوز للحدود اللازمة لدرء الخطر ففعل الدفاع هو في الحقيقة جريمة ،و يجب ألا يدعي القدر اللازم و الضروري لدرء الاعتداء.

الفقرة الثالثة: إذن القانون أو السلطة المختصة
الفصل 42 م ج
لا عقاب على من ارتكب فعلا بمقتضى نص قانوني أو إذن من السلطة التي لها النظر.
من ينفّذ القانون وما يقتضيه يكون في حل من العقاب، ومن ذلك من تصدى لشخص يهدد غيره بسلاح وذلك بإصابته بعصى على معصمه فأصيب بكسر، أو عون الأمن أو الحماية المدنية الذي يتجاوز السرعة المحددة بإعتبار أنه مكلف بمهمة تستدعي الاستعجال. لكن الإشكال الذي يطرح هو معرفة مدى انطباق احكام الفصل 41 في صورة ما إذا كان الاذن الصادر عن الرئيس لمرؤوسه مخالفا للقانون بصفة جلية وواضحة وقد ذهب فقه القضاء التونسي الى اعتبار ذلك الاذن غير معفي من العقاب، اذ انه في حد ذاته مخالف للقانون ولا تخفى عدم مشروعيته على أي كان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى