مقالات

الماء : ثروة وطنيّة حياتيّة… فلنحافظ عليه جميعا !

الماء هو أساس الحياة. لا حياة لنا دون ماء. فهو كلّ الحياة والرّكيزة الأساسيّة في برامج التّنمية المختلفة وفي كلّ المجالات، وإحدى أهمّ القضايا البيئيّة التي تشغلنا في الوقت الرّاهن. لكن هل تعلمون أنّ تونس تعاني من نقص وشحّ في الموارد المائيّة، قد تتطوّر الازمة لتصبح أشدّ فتكا. بعض أسباب هذه الأزمة مرتبط بعوامل طبيعيّة والبعض الآخر نتيجة التغيّرات المناخيّة أو العوامل البشريّة.
ورغم أنّ الحقّ في الماء يضمنه الدّستور التّونسي وتؤكّده الضّمانات الدّوليّة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعديد الاتّفاقيات إلاّ أنّه لسوء الحظّ تبدو الصّورة المستقبليّة صادمة ومُربكة فيما يتعلّق بثروتنا المائيّة، فقد طال هذا المشكل مختلف الجهات التّونسيّة تقريبا، ما أدّى إلى تصاعد التحرّكات الاحتجاجية في مناطق عدّة نتيجة الانقطاعات المُتكرّرة للمياه، والّتي قد تصل في بعض الأحيان إلى قطع الطّرقات وتعطيل المجالات الحيويّة الأخرى. احتجاجات تراوحت بين التّنديد بانقطاع المياه والمطالبة بتوفير مياه الرّي أو الاحتجاج على نوعيّة مياه الشّرب. وقد تختلف الأسباب من منطقة لأخرى. وفق المرصد التّونسي للمياه، تمّ الإبلاغ في الثلاثي الأوّل من سنة 2021 عن 497 مشكلة في توزيع الماء، في حين بلغ عدد التبليغات 1345 سنة 2020.
تشكو عديد المناطق في تونس من غياب الماء الصّالح للشّرب ويعاني العديد من التّلاميذ في بعض المدارس النّائية أيضا من العطش حيث الصّهاريج فارغة والظّروف الصّعبة لا تشعرهم بالحياة. ما يدقّ ناقوس الخطر ويدعونا بصفة مُلحّة إلى الاهتمام بمستقبل المياه في تونس، فقد بلغ السّيل الزبى!

يرتبط الماء في تونس بقطاعات مختلفة كقطاع الفلاحة والصّناعة والسّياحة وعديد الصّناعات الأخرى الّتي تستهلك موارد مائيّة ضخمة مثل صناعة النّسيج و مغاسل الفسفاط بمنطقة الحوض المنجمي على سبيل المثال. ولكم أن تخيّلوا معي حجم الأضرار الجسيمة الّتي ستخلّّفها هذه الأزمة إن تجاهلنا امرها و زادت حدّتها!.
يعدّ القطاع الفلاحي أكبر مستهلك للموارد المائيّة في تونس حيث أنّ 77 بالمائة من الموارد المائيّة يحتكرها قطاع الفلاحة، ما يجعلنا نعيد ترتيب أولويّاتنا في استعمال المياه ونسعى إلى رسم خارطة وطنيّة واستراتيجيّة واضحة المعالم للتصرّف في الماء.
إذا حاولنا دراسة بعض الأسباب العميقة لأزمة المياه في تونس سنجد أنّ السّبب الرّئيسي لتراجع مخزون المياه هو المناخ والكثافة السكّانية وسوء التصرّف في الموارد المائيّة والسّياسات المائيّة غير الملائمة، وهي أسباب نشترك فيها مع بقيّة البلدان المجاورة وإن اختلفنا في بعض التّفاصيل.
لقد تطوّرت نوعا ما طريقة عيش التّونسي وارتفع عدد السكّان فارتفع بدوره الطّلب على المياه وزاد العبء على الموارد المائيّة المتاحة والّتي تشكو بدورها نُدرة وفقرا. كما أنّ الآبار العشوائيّة والضّخ العشوائي للأودية ساهما أيضا في اضطراب توزيع المياه في بعض المناطق فصار العطش يتهدّد خضراءنا.
وفق جمعيّة نوماد 8 تتمثّل أسباب ازمة المياه في قلّة التّساقطات وغياب استراتيجيّة وطنيّة للتصرّف في المياه حيث تهدر كميّات كبيرة من مياه الأمطار في الأودية والانهار عند نزول الأمطار ولا يتمّ التصرّف فيها بطريقة سليمة. إضافة إلى أنّ المجامع المائيّة في الأوساط الرّيفيّة فشلت في توزيع الماء.
من جهة أخرى أدّى ارتفاع درجات الحرارة إلى تبخّر المياه وساهم الاحتباس الحراري بشكل كبير في انخفاض نسبة التّساقطات السّنويّة وبالتّالي توالي سنوات الجفاف و ازدياد انخفاض المياه السّطحيّة.

لذلك من البديهيّ أنّ انعدام أو قلّة الوعي بخطورة هدر المياه وتبذيرها والاستخدام غير السّليم قد يفاقم حدّة الأزمة ويقودنا إلى تداعيات وخيمة قد تهدّد حياتنا وكوكبنا مستقبلا.
أن نتحلّى بعقل واع وتفكير سويّ ينصّ على المحافظة والاستخدام الحكيم لهذا المورد الحيويّ هو من أنجع الحلول الّتي يجب أن نتحلّى بها لترشيد استهلاك المياه والمحافظة على استدامة مواردنا المائيّة.
ثمّ إنّ وضع برنامج واستراتيجيّة مواكبة للتغيّرات المناخيّة والأزمة المائيّة الحاليّة من قبل الهياكل المعنيّة خطوة مهمّة للاهتمام بمواردنا المائيّة وضمان حقّ الإنسان في الحصول على كفايته من الماء، لتكون متاحة في كلّ مكان وزمان. فما أحوجنا إلى سياسة تجديديّة ناجعة وإصلاحات جذريّة وجوهريّة.
ما علينا اليوم سوى التّخمين في إدارة التحديّات المائيّة في مختلف المناطق واتّخاذ حلول جادّة تضمن حسن إدارة الموارد المائيّة وحماية مواطني الجهات من العطش.
حسب دراسة قام بها المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، يؤكّد خبراء وقادة منطقة شمال أفريقيا أنّ أزمة المياه تعدّ من أعظم التهديدات التي تواجه المنطقة، وهي أعظم من عدم الاستقرار السياسي أو البطالة. وقد تخلق انعكاسات سلبيّة في المستقبل كتزايد التحرّكات الاحتجاجيّة الّتي ستربك الوضع الاجتماعي بالبلاد وتؤدّي إلى خلق الصّراعات وارتفاع منسوب العنف والجرائم من أجل ضمان سياسة البقاء، وتعطّل الخدمات المرتبطة بالمياه كمجال الفلاحة والصحّة والتّغدية وبالتّالي عرقلة مسار التّنمية وتراجع الأنشطة الفلاحيّة ومواردها وغيرها من التّداعيات الخطيرة الّتي يطول شرحها.
من الضّروري أن نمضي قدما، نبحث عن الحلول، ونسعى إلى تطبيقها. كتهيئة الشّبكات المائيّة بالجهات وتحسين جودة الخدمات، ترشيد الممارسات الزّراعيّة الأكثر كفاءة وتوخّي الفلاّحين سياسات الرّي الجيّدة للحفاظ على الماء وضمان استدامته، ووضع برامج للحدّ من كميّات المياه المهدرة. تحسين طرق تخزين المياه وتطويرها وغيرها من الحلول الفعّالة لتجاوز هذه الأزمة. قد تكون لكم أفكارا بديلة ورؤى مختلفة. فماهي رؤاكم بخصوص أزمة المياه في تونس؟

ختاما عزيزي القارئ ما عليك إلاّ أن تضع تداعيات أزمة المياه نصب عينيك. تفكّر مليّا وبحكمة في الحلول، و تسعى للحفاظ على ثروتنا المائيّة. ولا تنس أن تفكّر بغيرك دائما لنحاول بناء بيئة صحيّة سليمة قادرة أن تجمعنا جميعا. اتّفقنا؟

نسرين يوسفي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى