مقالات

الكلام الأميركي: دعوة للشيعة إلى صياغة ورقة سياسية جديدة

 

*بقلم: ناجي علي أمـهز*

 

في الأيام الأخيرة، توالت المواقف الأميركية كما لو أنها تعيد تلاوة ما كنت أقوله منذ أشهر.

 

12 – 12 – 2025: دونالد ترامب يصرّح بأنّ “دولاً ترغب في التدخل للتعامل مع حماس وحزب الله، لكن لا ضرورة لذلك الآن”.

 

11 – 12 – 2025: السفير الأميركي ميشال عيسى يعلن بوضوح: “المطلوب احتواء السلاح”.

 

8 – 12 – 2025: المبعوث الأميركي توم بارّاك يقول: “ليس من الضروري نزع السلاح… الهدف أن نمنعه من استعماله”.

أما في 4 – 7 – 2025 فقد كتبتُ بوضوح أن المطلوب ليس نزع السلاح، بل تنفيذ مشروع لبنان الجديد.

وقلت يومها إنني لست بحاجة إلى لقاء مبعوث أميركي لأفهم ما يجري، لأن الصورة واضحة لمن يريد أن يرى.

مشكلتنا ليست مع سلاح حزب الله، ولا مع الضغط الأميركي، ولا مع إسرائيل أو الخليج.

مشكلتنا الحقيقية هي أزمة نُخب… أزمة عقل سياسي وإعلامي لم يعد يُنتج إلا الضجيج.

 

كما جاء في نفس المقال: 4 – 7 – 2025 رغم كل طبول الحرب التي كانت تقرع انه قلت لكم لا حرب هذه الصيف ومر الصيف:

بكلام أوضح، أمريكا لا تريد نزع سلاح حزب الله كأولوية، بل تريد تنفيذ مشروعها، وإذا وافق الحزب على الانكفاء إلى مناطقه وعدم عرقلة الخطة الأمريكية، فلن يتعرض له أحد، بل ستُمنع أي قوة أخرى من التدخل ضده.

 

ولن تكون هناك حرب هذا الصيف.

باراك، المبعوث الأمريكي، ليس مفوضًا بالتفاوض مع أحد، بل هو مجرد ناقل للرسائل. التفاهمات الفعلية تُحضَّر لتُسلَّم لفريق جديد، سيُكلَّف بالملف اللبناني خلال السنوات الأربع المقبلة.

 

وايضا اخبرتكم في حينها ان كلام باراك هو فقط لجس النبض انما هو غير مفوض بالتفاوض، والذي سيحسم موضوع جدلية السلاح هو من سيكلف بالملف لمدة اربع سنوات وعنيت في السفير الامريكي الجديد وها انتم سمعتم بالامس كلام السفير الامريكي الجديد. ” المطلوب احتواء السلاح”

 

للاسف انه اصبح الامريكي والفرنسي يشرحان لسياسيّي لبنان التفاصيل كأنهم أمام صفّ أطفال.

فقدنا القدرة على قراءة الإشارة، وفقدنا معها دورنا الطبيعي في لعبة الأمم.

 

واليوم، إذا كانت إدارة ترامب تقول للبنانيين إنّ الأزمة سياسية، فربما آن الأوان أن يسمع الشيعة هذا الكلام جيّداً.

 

ثلاثة عشر عاماً من التحليلات والبهورات والسيناريوهات لجوقة محللين واستراتيجيين وسياسيين لم تصدق مرة واحدة.

وفي كل مرة كنّا نُغرق أنفسنا بـ“سُرّب وقيل واجتمع واستقبل وودّع”، ويُعاد إنتاج الضجيج نفسه بلا أي نتيجة.

والحقيقة أنّ الشيعة ليسوا بحاجة إلى كل هذا الصخب.

ما أكتبه اليوم ليس رأياً عابراً.

إنه دعوة للانتقال من موقع “المظلومية والقتال” إلى موقع “الشراكة والتأثير”.

العالم يعرف أنّ لدى الطائفة قوة، لكنه بسبب الاعلام وما ينشر اصبح مقتنع أيضاً بأننا نملك “عقلاً لا يريد أن يستيقظ”.

والحقيقة أننا نملك تاريخاً سياسياً وثقافياً وإنسانياً أعظم ألف مرة من هذه الصورة الضيقة التي يُحشر فيها الشيعة اليوم.

لقد حققت الطائفة انتصارات كبيرة في السنين الماضية، لكنها اليوم مهددة بأن تخسرها وتتحول هذه الانتصارات إلى عبء يدفع الشيعة ثمنه… بينما المطلوب استثماره.

فالمنطقة تتغيّر تحت تأثير موجة تسونامي سياسية تعيد تشكيل الخرائط والتحالفات.

الإخوان المسلمون يُرحَّلون من الدول العربية، وما جرى مع الداعية طارق السويدان في الكويت مثال واضح.

ومع انتهاء الأعياد، قد تبدأ مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب، وتحديداً على داعش.

وهنا السؤال: أين سيقف الشيعة؟ وما هو موقعهم؟

لا يمكن أن تبقى الأمور على حالها.

ولا يجوز أن يبقى مستقبل الطائفة مرهوناً بردود فعل أو بأصوات إعلامية لا تتقن إلا الظهور والتصوير والثرثرة… بينما الشيعة يقفون على حافة خطر وجودي.

لهذا، المطلوب خطوة واضحة وشجاعة:

وضع وثيقة تلخظ دقة وتاريخ المرحلة، وتُحدّد هوية الطائفة ودورها، وتفتح باب المستقبل بعد كل هذه المتغيرات.

 

اليوم اعلن انتهاء حزب البعث في لبنان وهو اخر دولة على الكرة الارضية كان يوجد فيها حزب البعث، فهل يُعقل أن تبقى الطائفة الشيعية تقرأ في الكتاب القديم، وتستمع إلى اعلاميين ومحللين لا تعرف شيئاً ولا تجيد إلا البقاء في الواجهة؟

 

هل يُعقَل أن طائفة بحجم الطائفة الشيعية تُقاد خلف مؤتمرات يعقدها بعض القوميين واليساريين، في مشهد فلكلوري لا يحمل أي قيمة سياسية أو إعلامية، سوى أنه مناسبة لتوزيع الألقاب والمناصب؟

معقول هذا الكلام؟

 

عن جد—مش مزح—طائفة تقف أمام أزمة وجودية، ودول تُعاد صياغتها من جديد في المنطقة، وفجأة يخرج إعلام محور المقاومة بعنوان عاجل: “مؤتمر دولي حضره 70 شخصية”… ليصدروا توصيات من نوع: شجب، إدانة، مطالبة.

 

يا جماعة… موسكو نفسها عاجزة هذه الأيام عن إصدار توصيات ذات وزن، فكيف لهذه المجموعة أن تفعل؟

هؤلاء الـ70 شخصية هم أنفسهم الذين يجتمعون يومياً في القهوة أو المطعم نفسه او حتى اونلاين.

ولو كتبوا عشرات الأطنان من بيانات الشجب والإدانة، ماذا سيحققون؟

وما هو أثرهم الدولي الحقيقي؟

 

مشهد كهذا لا يضيف شيئاً… بل يكفي وحده كي يستفز العالم بأسره، ويطرح السؤال ماذا يفعل او كيف تفكر الطائفة الشيعية.

 

صدقوني: إذا كتب الشيعة برنامجاً سياسياً واضحاً، سيأتي العالم إليهم.

وسيمدّ يده قائلاً: “لا بديل عنكم في العالم الإسلامي”.

فالتاريخ الشيعي أوسع بكثير مما جرى، وأعمق مما سيجري. وهو وحده قادر على حماية الطائفة وضمان استمرارها.

لكن إن بقي الوضع كما هو اليوم، فالأمر واضح وصريح:

الشيعة يتجهون نحو الخطر… لا نحو الدور.

والوقت لم يعد يسمح بتأجيل الصحوة السياسية أكثر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى