
بقلم الهادي كرو
اصدرت رئاسة الجمهورية التونسية يوم 25 جويلية 2021 بلاغا جاء فيه :
” بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب،
وعملا بالفصل 80 من الدستور، اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم 25 جويلية 2021، القرارات
التالية
حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة:
- اعفاء رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي،
تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة 30 يوما، - رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب،
تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية،
هذا، وسيصدر في الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتّمتها الظروف والتي ستُرفع
بزوال أسبابها.
وتدعو رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة الشعب التونسي إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى .
ما هي طبيعة القرارات التي إتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية 2021 يوم عيد الجمهورية
قبل الجواب على السؤال لا بد من الوقوف على ردود الفعل الصادرة في الحين عن راشد الغنوشي
بصفته رئيس مجلس نواب الشعب أولا وبصفته رئيس حزب النهضة ثانيا وعن استاذين توليا المبادرة
بالدفاع. عن الفصل 80 من الدستور بما هو صالح لديهما .
.
ان رد الفعل العاجل صدر عن راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب في بيان نشره على صفحته الرسمية
بفيسبوك يفيد ان
” رئيس مجلس نوّاب الشّعب ينفي استشارته البتة من قبل قيس سعيد رئيس الجمهورية حول تفعيل
الفصل 80 من الدستور، وأن غير ذلك فهو ادعاء كاذب ” .
وتابع الغنوشي قائلا:
” تجميد أعمال مجلس نواب الشعب دعوة لا دستورية وغير قانونية ولا تستقيم، وأن مجلس نواب
الشعب بالجمهورية التونسية قائم وسيستكمل أشغاله، ونطمئن الشعب التونسي وأصدقاء تونس في
العالم أن صوتها الحر لن يخبو أبدا بإذن الله تعالى “..
وفي تدوينة منفصلة قال الغنوشي بصفته رئيس حركة النهضة :
” تدعو حركة النهضة منخرطيها وانصارها وكل الأحرار للتوجه الى مجلس نواب الشعب حماية
للثورة ولإرادة الشعب “.
لا يحتاج رد الفعل هذا الى التعليق سوى ان صاحبه يؤكد انه متحصن ب ” أصدقاء ” في الداخل و
في الخارج وانه ولئن طمان الجميع في الوقت الراهن فإنه يطلب من أنصاره في الداخل التوجه الى
مجلس نواب الشعب حماية للثورة ولإرادة الشعب دون ان يفصح عن فحوى ما يطلبه من أصدقائه
في الخارج ..
.
اما الفصل 80 من الدستور فقد راى بعض المحللين انه تعرض الى الخرق والتحريف نكتفي بذكر ما
صرح به استاذين إثنين
إعتبر الأول ان قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد امس الاحد 25 جويلية بتفعيل الفصل 80 من
الدستور يشكل إنقلابا باتم معنى الكلمة .
وأشار الى ان تفعيل الفصل 80 من الدستور يستوجب شروطا جوهرية وشكلية .
اما الشروط الجوهرية فتقول
” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وامن البلاد وإستقلالها يتعذر معه السير
العادي لدواليب الدولة “
وعليه فإن هذا الشرط غير متوفر ودواليب الدولة في الوقت الحالي ليست متوقفة وبالتالي من الناحية
الجوهرية لا يستوجب تفعيل الفصل 80 من الدستور .
واما بخصوص الشروط الشكلية فاوضح انه يستوجب أعلام رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس
المحكمة الدستورية لافتا ان قيس سعيد اكد وانه اعلم كلا من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان بقرار
تفعيل الفصل 80 لكنه لم يعلم رئيس المحكمة الدستورية بإعتبارها غير موجودة ولم ترتكز بعد .
وعلّق على حشود المحتفلين بقرار قيس سعيد قائلا: ” ما حدث لا يعرف عواقبه الشعب لأن اللجوء
للديكتاتورية قد يمهد لانتصاب الديكتاتورية “.
اما المدافع الثاني عن الفصل 80 من الدستور فقد أفادت وهي استاذة ان قرارات سعيد مخالفة للدستور
وصرحت للإعلام المحلي ان ما اعلنه سعيد ” دجل ” ومخالف تماما للدسنور وان الدستور واضح وان
الفصل 80 الذي إستند اليه قيس سعيد في ما اعلنه لا ينص باي حال على ما إتخذه من قرارات
. وتابعت:
” الرئيس يدجّل علينا.. أنا خائفة من المجهول الخطير الذي ينتظرنا
وأضافت:
” سعيد فما سقف متع مؤسسات هو طيّرو “.
.
لا جدال ان القرارات التي إتخذها رئيس الجمهورية يوم ذكرى عيد الجمهورية من سنة 2021 وصفت
باوصاف مختلفة وعديدة من طرف من يؤيدها وهم كثر ومن طرف من يعارضها دون التطرق الى
السير غير العادي الذي أصبحت عليه دواليب الدولة وهو يجسم الحالة الإستثنائية التي تعرض لها
الفصل 80 من الدستور والتي تجيز إتخاذ التدابير التي تحتمها تلك الحلة .
لا يمكن بحال إهمال الواقع الذي عاشته وتعيشه البلاد بعد الثورة في ظل ما يسمى بالجمهورية الثانية
ودستور 2014 .والذي لا يستجيب لتطلعات الشعب ولما يريد ان يتحقق بعد الثورة .
لقد ارسى دستور 2014 نظام حكم يخدم مصلحة حزب سياسي معين ويجمد السلط المكونة للدولة عندما
ترفض تفعيل إرادته الرامية الى الإقصاء وعدم المساوات بين المواطنين .
لقد تعطل من اجل ذلك السير العادي لدواليب الدولة واصبح تغيير نظام الحكم ضرورة إجتماعية .
لا جدال ان المجتمع التونسي بلغ الحد الادنى من الرداءة في كل الميادين ودون إستثناء وان نظام الحكم
صار معطلا وفي حالة من العطب لا تقبل الترقيع وان العلاج الجذري اصبح ضرورة حتمية .
لا جدال ان نظام الحكم في دستور 2014 مبني على الباطل لصدورة نتيجة لقرارات ” رئاسية ” باطلة
صدرت ونفذت وفي التذكير بها وبظروفهاعبرة لمن يعتبر
لا يمكن ان ينسى المهتمون بالقرارات التي إتخذها يوم 25 جويلية 2021 رئيس الجمهورية قيس سعيد
المنتخب مباشرة من الشعب وان لا يتذكروا القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية الموقٌت محمد فؤاد
المبزع في اول عهد الثورة والتي اسست لقيام الجمهورية الثانية واإبطال العمل بدستور 1959 وسن
دستور 2014 .
.
قرارت تأسيس الجمهورية الثانية
من الثابت أن رئيس مجلس النواب في عهد الرئيس زين العابدين بن علي هو محمد فؤاد المبزع الذي
تولى مهام رئاسة الجمهورية موقتا بعد ان ثبت الشغور النهائي للمنصب تطبيقا لدستور 1959 الذي
يقضي بأن يتولى موقتا رئيس مجلس النواب القيام بمهام رئاسة الجمهورية لأجل أدناه خمسة واربعون
يوما وأقصاه ستون يوما
ماذا فعل رئيس الجمهورية الموقت
بدا رئيس الجمهورية الموقت ممارسة مهامه بتقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب ومجلس
المستشارين ليتم التفويض له في إتخاذ المراسيم .
لقد ترآى للمجلس الدستوري أن مشروع القانون لا يتعارض مع الدستور وهو ملائم له ولا يثير أي
إشكال دستوري حسب الرأي عدد 2 ـ 2011 للمجلس الدستوري وهو أمر غريب.
لقد صدر القانون المتعلق بالتفويض الى رئيس الجمهورية الموقت في اتخاذ مراسيم طبقا للفصل 28 من
الدستور ونشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 10 المؤرخ في 10 فيفري 2011 ..
لقد اصدر رئيس الجمهورية الموقت المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في23 مارس 2011
المتعلق بالتنظيم الموقت للسلط العمومية وتولى بمقتضى الفصل التاني منه حل
مجلس النواب
مجلس المستشارينت
المجلس الاقتصادي والإجتماعي
المجلس الدستوري
تلك إذن هي القرارات التي إتخذها رئيس الجمهورية الموقت
وبها يتم الرجوع دون تعليق إلى القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد يوم 25 جزيلية 2021
والتي لا شك فرح بها البعض وصدمت البعض الآخر ويبقى المهم بالنسبة للدراسة هو الوقوف على
قيمتها القانونية
..
القيمة القانونية لقرارات يوم 25 جويلية 2021
الفصل 80 والحالة الإستثنائية
يفيد الدستور انه اذا داهم البلاد خطر هدد كيان الوطن او امن البلاد او إستقلالها وتعذر معه السير
العادي لدواليب الدولة فإن الفصل 80 يمكن رئيس الجمهورية من إتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة
الإستثنائية .
لا ينكر احد ان السير العادي لدواليب الدولة يجسم الحالة الإستثنائية التي تعرض لها الفصل 80 من
الدستور .
اما التدابير التي تحتم إتخاذها الحالة الإستثنائية فان لها في الدستور شان آخر .
يتوقع القاريئ البريئ للفصل 80 من الدستور المتعلق بالحالة الإستثانية ان يفعيل هذا الفصل يزيد رئيس
الجمهورية صلاحيات تمكنه من علاج الوضع وتؤمن عودة السير العادي لدواليب الدولة إلا ان تفعيل هذا
الفصل يفضي الى وضع مجلس نواب الشعب والحكومة في حصن منيع يقي الأول من الحل وهو في حالة
إنعقاد دائم ولو في مدة عطلته في شهري اوت وسبتمبر حسب الفصل 57 من الدستور ويقي الثاني وهي
الحكومة من لائحة لوم يقدمها رئيس الجمهورية ضدها .
وكان مجلس نواب الشعب والحكومة معصومين دستوريا من إحداث الحالة الإستثنائية التي تعرض لها
الفصل 80 من الدستور وهما في حل من كل ما من شانه ان يعطل السير العادي لدواليب الدولة والحال
ان التعطيل يتاتى من الداخل ومن سلط الدولة .
لا ينكر احد ان الدولة بلغت حدا من التعطيل اصبح بعده إستمرارها مهددا وان رئيس الجمهورية هو
المسؤول دستوريا عن إستمرار الدولة وان الدستور لم يمكنه بصفة جدية من إتخاذ الإجراء اللازم
للقيام بهذا الواجب والإضطلاع به
لا جدال ان دواليب الدولة فقدت سيرها العادي وان الضرورة تقتضي في مثل هذه الحال اللجوء الى
الاحكام التي لها قيمة تفوق الدستور والإعتماد على الدستور .
يكون السند التشريعي لقرارات 25 جويلية 2021 – أولا- دستور 27 جانفي 2014 و- ثانيا- القواعد
العامة التي لها قيمة تفوق قيمة لدستور
1 – دستور 2014
ينصٌ الفصل 172 من الدستورعلى ما يلي
رئيس الجمهورية يضمن إستمرارية الدولة .
إن الإضطلاع بواجب ضمان إستمرارية الدولة يجعل من القرارات التي إتخذها رئيس الجمهورية يوم
25 جويلية 2021 تستمد شرعيتها من ضرورة إتخاذها المستمد من الاحكام فوق الدستور .
إن ما يبرر تطبيق هذه الاحكام إرادة الشعب الملحة من التخلص من حكومة ومجلس نواب الشعب من
اجل فشلها الذريع وقد عززتها الافراح العارمة التي غمرت اغلب فئات المواطنين انطلقت التظاهرات
السلمية في كل مدن البلاد والمساندة لرئيس الجمهورية ومعتبرة ان هذه القرارات جاءت متاخرة .
فبخصوص الاحكام فوق الدستور
لا جدال في ان الدستور يرتب القوانين حسب قيمتها القانونية في سلم يحتل الدستور درجته الأولى
وتحتل المعاهدات المصادق عليها درجته الثانية ويحتل القانون درجته الثالثة ولا جدال أيضا ان القانون
الدستوري يعترف بوجود احكام لها قيمة تفوق احكام الدستور تطبق بإعتبارها الملاذ والطريقة الازمة
لعلاج الأوضاع وإرجاعها لحالتها الطبيعية .
ان الإصلاح اصبح ضرورة تقتضي اللجوء الى الاحكام التي لها قيمة تفوق احكام الدستور.
لقد تعامل القانون النونسي مع هذه الاحكام بإعتبارها قواعد عامة تهيمن على القانون المعمول به عند
عدم وجود الدستور وقد نصت عليها المجلات في وقت لم يكن للبلاد دستور ومنها مجلة الإلتزامات
والعقود الضادرة سنة 1906 في الفصول من 534 الى 563 والمجلة الجزائية الصادرة سنة 1913
في فصلها الأول ومجلة الأحوال الشخصية الصادرة سنة 1956 في فصليها 5 و88 .
تقتضي ضرورة الإستند على الفصل من دستور 2014 والمبادي التي لها قيمة تفوق قيمة احكام
الدستور والتي يقرها القانون الدستوري ويعترف بها .
.
الهادي كرو
يوم الإربعاء 18 اوت 2021