فن و ثقافة

الغافولي يعزز حضوره الطربي بإطلاق قراءة حديثة لواحدة من كلاسيكيات أم كلثوم

محمد قناوي

يواصل الفنان المغربي زكرياء الغافولي سلسلة نجاحات مشروعه الموسيقي “جلسات مع زكرياء الغافولي” بإطلاق عمل جديد يستعيد إحدى روائع كوكب الشرق أم كلثوم، مقدما الأغنية برؤية فنية معاصرة تبرز حسه الطربي وقدرته على إعادة قراءة الذاكرة الغنائية العربية بمنهج حديث ومتميز. ويأتي هذا العمل ليكرس حضور الغافولي كأحد الفنانين المغاربة الذين استطاعوا بناء مشروع غنائي واضح الملامح، قائم على إعادة تقديم الروائع العربية في قالب جلسات طربية تجمع بين الشفافية والعمق والتركيز على جمالية الصوت.

ومن خلال هذا المشروع، يسعى الغافولي إلى إعادة وصل الجمهور المعاصر، خصوصا الشباب، بعالم الطرب العربي الكبير. فهو لا يكتفي بإعادة أداء الأغاني الكلاسيكية، بل يمنحها صياغة جديدة تحافظ على روحها الأصلية وتُبرز في الوقت ذاته بصمته الخاصة. هذا الاختيار يكشف عن وعي فني متقدم، يُدرك أن الحفاظ على الذاكرة الطربية لا يتم عبر تكرارها حرفيا، بل عبر إعادة تأويلها بلغة هذا الزمن، مع احترام المقامات ومناخ الجملة الموسيقية، والالتزام بفلسفة الجلسات التي تحتفي بالهدوء والسمع العميق والتعبير الرقيق.

ويؤكد هذا العمل الجديد قدرة الغفولي على إجادة اللون الطربي بعيدا عن الاستسهال أو الاستعراض، فهو يشتغل على أدق تفاصيل الأداء، من مخارج الحروف ودفء النبرة وحضور الإحساس في أدق لحظات الجملة. هذا المستوى من الاحترافية يعكس تراكما فنيا وتجربة تمزج بين هويته المغربية ووعيه بالمدارس الموسيقية العربية الكبرى، خاصة المدرسة المصرية والخليجية التي تشكل مرجعا أساسيا لهذا النوع من الجلسات.

أما على مستوى التفاعل، فقد وجد العمل صدى واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث لفت انتباه المتابعين الذين رأوا في أداء الغفولي محاولة معاصرة لإحياء أغنية خالدة دون المساس بهيبتها أو عمقها الفني. وقد اعتبر كثيرون أن المشروع يفتح نافذة ضرورية أمام الجيل الجديد للتعرف إلى كنوز الذاكرة الغنائية العربية المصرية، مما يجعله أكثر من مجرد إعادة توزيع أو أداء، بل مبادرة فنية تعيد رسم علاقة الجمهور بالتراث بروح جديدة ورؤية تتجاوز الزمن.

ومع هذا الاهتمام المتزايد، تتأكد ملامح الخط الفني الذي يسلكه الغفولي، خط ينحاز للطرب والجلسات الراقية باعتبارها مساحة تسمح للصوت بأن يتنفس وللمشاعر أن تتدفق بعيدا عن إيقاعات السرعة السائدة في الموسيقى المعاصرة. ومن خلال سلسلة “جلسات مع زكرياء الغافولي”، يرسخ الفنان المغربي نموذجا فنيا يزاوج بين الأصالة والانفتاح، ويؤسس لأسلوب مغربي عربي يعيد الاعتبار للقيمة الجمالية في الغناء.

ويبدو أن هذا المشروع يشكل بالنسبة للغافولي أكثر من مجرد تجربة عابرة، بل خطوة مدروسة نحو تكوين أرشيف فني يعكس تطور مساره وقدرته على التحرك بين الألوان الموسيقية دون أن يفقد هويته. فهو يُعيد من خلاله التأكيد على أن الطرب ما زال قادرا على استعادة جمهوره حين يُقدم بإحساس صادق، وأن الجلسات بصيغتها الهادئة ما تزال قادرة على منافسة المشهد السمعي البصري حين تعتمد على الجمال لا على الصخب.

إن ما يقدمه الغفولي اليوم هو مشروع فني له ملامحه الواضحة ولغته الخاصة، مشروع يستعيد روح الأغنية القديمة ليضعها في قالب معاصر، ويجمع بين الأداء المتمكن والرؤية الفنية المتوازنة. ومع كل خطوة جديدة، يبرهن الفنان المغربي أنه صوت قابل لتجديد علاقته بالتراث العربي، وقادر على تقديمه بإبداع يليق بعمقه ورحلته الطويلة في وجدان الجمهور العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى