مقالاتمنوعات

الضابطة العدلية


بقلم: الدكتور جابر غنيمي
المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد
مدرس جامعي

ینص الفصل 9 من م.إ.ج. على أن “الضابطة العدلیة مكلفة بمعاینة الجرائم وجمع أدلتھا والبحث عن مرتكبیھا وتقدیمھم للمحاكم ما لم یصدر قرار في افتتاح بحث.”
بناء على التعریف للضابطة العدلیة یتجه التمییز بین أعمال الضابطة العدلیة وأعمال الضابطة الادرایة وإن كانت تمارس في بعض الأحیان من قبل نفس الھیكل أو السلطة.
فإن كان الضبط العدلي یقوم على معاینة الجرائم والبحث فیھا فإن الضبط الاداري یقوم على حمایة الأمن والوقایة من مخالفة التراتیب والقوانین. ولھذا تخضع الضابطة الاداریة لسلطة وزیر الداخلیة وتخضع الضبط العدلیة تمارس تحت اشراف الوكلاء العامین لدى محكمة الاستئناف الفصل 10 م.إ.ج.
كما یتجھ التمییز بین أعمال الضابطة العدلیة وأعمال التحقیق فلا یمكن الحدیث عن أبحاث الضابطة العدلیة الا خلال المرحلة التي تسبق قرار فتح التحقیق الذي یفترض التخلي وجوبا لفائدة قاضي التحقیق ولھذا لا تعد أعمال الضابطة العدلیة أعمالا قضائیة اذ لم یخضعھا المشرع الى شكلیات عدیدة لتوسیع مجال عملھا في الكشف عن الجریمة والقبض على الجناة.
وسنحاول في إطار ھذا المحور تحدید ھیاكل الضابطة العدلیة (المبحث الأول) ثم التوقف على الأعمال التي یمكن أن تتعھد بھا (المبحث الثاني).

المبحث الأول: ھیاكل الضابطة العدلیة
استنادا الى أحكام الفصل 10 م.إ.ج. الذي یحدد ھیاكل الضابطة العدلیة یمكن تقسیمھا الى صنفین بحسب انتمائھا الأصلي إما للسلطة القضائیة (فقرة اولى ( أو للسلطة الإداریة (فقرة ثانية( .
الفقرة الأولى: ھیاكل الضابطة العدلیة المنتمیة إلى السلطة القضائیة
ھم حسب الفصل 10 م.إ.ج. وكلاء الجمھوریة ومساعدوھم (أ) حكام النواحي (ب) وحكام التحقیق (ج).
أ- وكلاء الجمھوریة ومساعدوھم:
الى جانب الوظیفة القضائیة المسندة الى وكیل الجمھوریة ومساعدیه في إثارة الدعوى العمومیة وممارستھا فإن له دورا ھاما في إطار الضبط العدلي ویتجلى ذلك على مستویین:
المستوى الأول: یعھد لوكیل الجمھوریة ومساعدیه “معاینة سائر الجرائم وتلقي ما یعلمھ بھ الموظفون العمومیون أو أفراد الناس من الجرائم وقبول شكایات المعتدى علیھم”، ونظرا لأھمیة ھذا الدور لوكیل الجمھوریة فقد اعتبر المشرع بموجب الفصل 29 م.إ.ج. أنه “على سائر السلط والموظفین العمومیین أن یخبروا وكیل الجمھوریة بما اتصل بعلمھم من الجرائم أثناء مباشرة وظائفھم وأن ینھوا إلیھ جمیع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلقة بھا.”
المستوى الثاني: یعھد الى وكیل الجمھوریة وظیفة الاشراف الفعلي على أعمال الضابطة العدلیة فالى جانب التعلیمات الشفاھیة والكتابیة التي تؤطر عملیة البحث الأولي، ینفرد وكیل الجمھوریة بالإذن بالاحتفاظ والتمدید فیھ، ھذا اضافة الى أن جمیع الشكایات والمحاضر وأعمال البحث الأولي التي یتعھد بھا أعوان الضابطة العدلیة تجمع أخیرا لدى وكیل الجمھوریة لتقریر مصیرھا. كما أنھ یجوز دوما لوكیل الجمھوریة أن ینتزع القضایا من أیدي بقیة أعوان الضابطة العدلیة المجبرین بأحكام الفصل 16 فقرة أخیرة على التخلي على القضیة بمجرد ان یتولى الأعمال فیھا وكیل الجمھوریة أو مساعده أو حاكم التحقیق كما علیھم تسلیم ذي الشبھة حالا إلیھم مع التقاریر المحررة والأشیاء المحجوزة لكشف
الحقیقة.
ب- حكام النواحي:
یعد قاضي الناحیة مساعدا لوكیل الجمھوریة بموجب أحكام الفصل 11 إ.ج. وبالتالي یمكنها بموجب أحكام الفقرة الثانیة من الفصل 12 م.إ.ج. تلقي الاعلام بالجنایات والجنح المرتكبة بالجھة المباشر بھا وظیفتھ كما لھ بموجب أحكام الفقرة الأول من نفس الفصل أن یجري في حدود دائرتھ بنفسھ أو بواسطة المأمورین الأخرین من شرطة وحرس بجمیع أعمال البحث لجمع أدلة الجریمة.
الإشكال الوحید بالنسبة لقاضي الناحیة على مستوى تحدید صلاحیاته یبقى غموض أحكام الفصل 12 فقرة أولى التي تخول لھ أن یوقف “المظنون فیھم مؤقتا بالسجن بشرط تقدیمھم فورا الى أقرب محكمة”.
فماذا یقصد المشرع بالإیقاف المؤقت، فھل یقصد المشرع ھنا اجراء مختلفا عن الاحتفاظ أو الإیقاف التحفظي؟ لا یمكن أن نقر ذلك. فھل من المعقول أن یكون ھناك اجراء بھذه الخطورة وسالب للحریة وغیر خاضع لأحكام قانونیة تنظمھ على مستوى تحدید المدة والإجراءات.
ھل یقصد المشرع الإیقاف التحفظي ؟ مستبعد، لأن الإیقاف التحفظي ھو الإیداع بالسجن على ذمة التحقیق أو المحكمة فھو یتم عادة أو من حیث المبدأ بعد تجاوز البحث الأولي وإثارة الدعوى العمومیة.
الأقرب الى الصواب اذن أن یأخذ ھذا المفھوم حكم الاحتفاظ وھو إیقاف المشتبه به على
ذمة الضابطة العدلیة بمراكز الأمن والحرس الوطني ولكن حتى في ھذه الحالة یبقى الاشكال مطروحا حول تلاؤم الفقرة الأولى مع الفصل 13 مكرر كما وقع تنقیحھ في 16 فیفري 2016 ، والذي یجعل من وكیل الجمھوري السلطة الوحیدة التي یمكن أن تأذن بالاحتفاظ لأعوان الشرطة والحرس وحول القیود والضوابط الإجرائیة التي یجب ان یخضع الیھا خاصة وأن الفصل 12 لم یشملھ التنقیح المذكور.
ج- حكام التحقیق:
تعتبر صلاحیات قاضي التحقیق محدودة في مجال الضبط العدلي وھي لا تخرج عن صورتین حسب أحكام الفصل 14 م ا ج.
_ صورة الجنایة المتلبس بھا.
_ صورة معاینته للجریمة سواء ارتكبت بمحضره حال مباشرتھ للوظیفة (الاعتداء بالعنف من المتھم على متھم آخر…) أو اكتشفھا خلال عملیة بحث قانوني (اعتراف المتھم بجریمة أخرى…).
وتبقى صورة ثالثة غیر واضحة من حیث انتسابھا الى اعمال الضبط العدلي أم أعمال التحقیق القضائي وھي صورة الفصل 31 م.إ.ج. الذي ینص على أنه “لوكیـل الجمھوریة إزاء شكایة لم تبلغ حد الكفایة من التعلیل أو التبریر أن یطلب إجراء بحث مؤقتا ضد مجھـول بواسطة حاكم التحقیق إلى أن توجه تھم أو تصدر عند الاقتضاء طلبات ضد شخص معین.”

الفقرة الثانیة: ھیاكل الضابطة العدلیة المنتمیة إلى السلطة القضائیة
ھم حسب الفصل 10 م.إ.ج. أعوان الشرطة والحرس (أ) والعمد (ب) وأعوان الإدارات (ج).
أ- أعوان الشرطة والحرس:
ھم من أھم مساعدي وكیل الجمھوریة على معنى الفصل 11 م.إ.ج. وتعتبر الأعمال التي یقومون بھا على مستوى الضبط العدلي مھمة جدا وتكون في أغلب الحالات ھي الأساس الوحید في إحالة المشتبھ بھم على المحاكم، فبموجب أحكام الفصل 13 م.إ.ج. یختص أعوان الشرطة والحرس بتلقي التقاریر والاعلامات والشكایات المتعلقة بالجرائم والبحث في حدود نظرھم الترابي عن كل جریمة مھما كان نوعھا وتحریر المحاضر في ذلك كما یتوجب علیھم إخبار وكیل الجمھوریة بكل جریمة بلغھم العلم بھا أثناء مباشرة وظیفتھم وإحالة ما یتعلق بھا من الارشادات والمحاضر، كما یتعھدون بموجب تكلیف من وكیل الجمھوریة ومساعدیھ بما في ذلك قاضي الناحیة بإجراء البحث الأولي في الشكایات مع التقید بالتعلیمات الكتابیة أو حتى الشفاھیة، ویختص أعوان الشرطة والحرس بتحریر محاضر تتضمن محتوى الشكایات والاعلامات ونتیجة البحث الخاصة بالجریمة استنطاقا ومشاھدة ومعاینة وغیر ذلك. كما یختص بتحریر محاضر في الاحتفاظ بذي الشبھة أصبحت بموجب تنقیح 16 فیفري 2016 تخضع لجزاء البطلان في حالة عدم احترام الاجراءات التي استوجبھا التنقیح المذكور حمایة لذي الشبھة.
أما بقیة المحاضر فقد استوجب المشرع بشأنھا بعض الصیغ الشكلیة بالفصلین 18 و19 م.إ.ج. كضرورة امضاء العون والمعني بالأمر شاكیا أو شاھدا أو مشتكى به. كما نص صراحة صلب أحكام الفصل 155 م.إ.ج. على أن “المحضر لا یعتمد كحجة إلا إذا كان من الوجھة الشكلیة محررا طبق القانون وضمن بھ محرره ما سمعه أو شاھده شخصیا أثناء
مباشرته لوظیفه في مادة من اختصاصه”.

ب- العمد:
تعتبر سلطة العمدة كمأمور للضابطة العدلیة محدودة إذ یقتصر دوره حسب أحكام الفصل 15 فقرة أولى م.إ.ج.على معاینة الجنح والمخالفات المتعلقة بالأملاك الریفیة في حدود منطقته الترابیة فلھ حسب أحكام الفقرة 2 من نفس الفصل “تحریر التقاریر في الظروف التي وقعت فیھا الجریمة وجمع أدلتھا ویتتبعون الأشیاء المختلسة في الأماكن التي نقلت إلیھا ویحجزونھا.”
وكثیرا ما یكون نشاط العمدة من حیث الواقع مقتصرا على مساعدة بقیة أعوان الضابطة العدلیة والإعلام في صورة وقوع جریمة.
ج- أعوان الادارات:
ھؤلاء الأعوان لھم اختصاص محدد من حیث الموضوع بمعنى ألا یكون تدخلھم الا في حدود الجریمة التي لھا علاقة بنشاط الادارة والتابعین لھا على غرار أعوان ادارة الجبایة، البنك المركزي، الأعوان المكلفین بمراقبة شركات التأمین.
الفصل الثاني: أعمال الضابطة العدلیة
یتجھ التمییز في ھذه الأعمال بین أعمال البحث الأولي (فقرة اولى( وأعمال البحث في حالة التلبس (فقرة ثانية( .
الفقرة الأولى: البحث الأولي
یمكن تعریف البحث الأولي بأنه الإجراء المعتمد بعنایة الضابطة العدلیة مباشرة أو بتكلیف من وكیل الجمھوریة ومساعدیه بھدف الحصول على بیانات أولیة لھا علاقة بالجریمة بغایة تمكین وكیل الجمھوریة من اتخاذ القرار في إطار مبدأ ملائمة التتبع.
وقد أدت التنقیحات المتتالیة لمجلة الإجراءات الجزائیة وخاصة التنقیح الأخیر بموجب القانون عدد 5 لسنة 2016 المؤرخ في 16 فیفري 2016 الى حصول تحول في عمل الضابطة العدلیة من عمل ارشادي بضوابط محدودة (أ) الى عمل شكلي فیما یتعلق بالاحتفاظ (ب).
أ- البحث الأولي: عمل إرشادي بضوابط محدودة:
یعتبر البحث الأولي رغم أھمیتھ كعمل إرشادي لا غیر لأنھ لا یخضع من حیث المبدأ الى إشكالیات عدیدة مثل أعمال التحقیق التي یتعھد بھا قاضي التحقیق ویتجلى ھذا على مستویین: أن المشرع لم یحدد على سبیل الحصر أعمال البحث الولي اذ اكتفى ضمن احكام الفصل 9 م.إ.ج. على تحدید مھمة الضابطة العدلیة وھي “معاینة الجرائم وجمع ادلتھا
والبحث عن مرتكبیھا وتقدیمھم للمحاكم ما لم یصدر قرار في افتتاح بحث”.
وبالتالي ھناك ھامش من الحریة لفائدة أعوان الضابطة العدلیة على مستوى استعمال السبل التقلیدیة (الاستماع لشھادة الشھود، التوجھ على عین المكان، استنطاق ذي الشبھة…). أو السبل الحدیثة في البحث كالتنصت والكمین…
وفي ھذا المجال نشیر الى أن محكمة التعقیب سارت في اتجاه محاولة عقلنة اعمال الضابطة العدلیة واخضاعھا لمبدأ النزاھة في الاثبات من خلال نقضھا للحكم الجزائي بالإدانة المستند الى اعمال البحث الأولي التي قام فیھا أعوان الشرطة بالاستعانة بأحد الموقوفین من أجل الإیقاع ببعض مروجي المخدرات.
المستوى الثاني: أن أعمال الضابطة العدلیة لا تخضع لشكلیات محددة لغیاب النص القانوني الذي یفرض ذلك فلا یلزم المخبر او الشاكي بأداء الیمین ولیس من الضروري انتداب مترجم محلف بل یكفي الاعتماد على من یفھم لغة الشاكي ولیس ھناك طریقة قانون في استدعاء الشھود أو ذو الشبھة ویمكن سماع اي شاھد بصرف النظر عن وجود قوادح من عدمھا ودون أداء الیمین ولم یضع المشرع طریقة تلزم الشاھد أو ذي الشبھة بالحضور فلیس لأعوان الضابطة العدلیة استصدار بطاقة إیداع أو جلب في حقھم.
أما بالنسبة للضوابط المحدودة التي یخضع لھا البحث الأولي فھي تھم أعمال التفتیش والحجز.
بالنسبة للتفتیش فھو من اختصاص قاضي التحقیق عملا بأحكام الفصل 94 من م.إ.ج. ولا یمكن أعوان الضابطة العدلیة في إطار البحث الأولي التفتیش في محلات السكنى الا في حالة التلبس بالجنایة او الجنحة لكن لا شيء یمنعھم من التفتیش في حالة موافقة صاحب المسكن على ذلك.
فیما یتعلق بالحجز فھو من اختصاص قاضي التحقیق على معنى الفصل 97 من م.إ.ج. ولیس لأعوان الضابطة العدلیة في إطار البحث الاولي ان یحجزوا الأوراق او الأشیاء التي من شأنھا الاعانة على كشف الحقیقة والاطلاع علیھا الا في حالة الخطر الملم وذلك بموجب احكام الفصل 97 فقرة أخیرة والفصل 99 فقرة ثانیة.
ب- البحث الأولي: عمل شكلي فیما یتعلق بالاحتفاظ
یعرف الاحتفاظ بأنھ اجراء یخول لأعوان الضابطة العدلیة في حدود اختصاصھم وضع شخص معین على ذمتھم فترة من الزمن وذلك لمصلحة البحث.
لم تكن مجلة الإجراءات الى حدود سنة 1987 تحتوي على أحكام تنظم الاحتفاظ ثم بموجب القانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 اضیف الفصل 13 مكرر للمجلة لتنظیم الاحتفاظ ومدتھ وتعرض ھذا الفصل للتنقیح مرتین: مرة بموجب القانون عدد 21 لسنة 2008 المؤرخ في 4 مارس 2008 ومرة بموجب القانون عدد 90 لسنة 1999 المؤرخ في 2 أوت أصبح الفصل 13 مكرر بموجب التنقیحات المذكورة یخول لمأموري الضابطة العدلیة إمكانیة الاحتفاظ بذي الشبھة لمدة ثلاثة أیام مع ضرورة اعلام وكیل الجمھوریة الذي یمكنھ تمدید الأجل ویكون ذلك بموجب قرار معلل كما یحتوي الفصل المذكور على بعض الضمانات لفائدة المحتفظ بھ كضرورة اعلامه بإمكانیة عرضھ على الفحص الطبي وضرورة اعلام اقاربه بإجراء الاحتفاظ.
بعد دستور 2014 الذي ینص فصله 29 على أنه ” لا یمكن إیقاف شخص أو الاحتفاظ بھ إلا في حالة التلبس أو بقرار قضائي، ویعلم فورا بحقوقھ وبالتھمة المنسوبة إلیھ، ولھ أن ینیب محامیا. وتحدد مدة الإیقاف والاحتفاظ بقانون”.
حول المشرع الاحتفاظ الى عمل شكلي یخضع الى ضوابط شكلیة صارمة حمایة للحقوق والحریات وذلك بموجب القانون عدد 5 لسنة 2016 المؤرخ في 16 فیفري 2016 المتعلق بتنقیح وإتمام بعض أحكام مجلة الإجراءات الجزائیة.
بموجب ھذا التنقیح أصبح الاحتفاظ یخضع الى مجموعة من الشروط الشكلیة التي یترتب عن عدم احترامھا ترتیب جزاء البطلان وتتمثل ھذه الشروط في مجموعة من الإجراءات والشكلیات الواجب احترامھا من قبل مأموري الضابطة العدلیة:
الاجراء الأول: ضرورة الحصول على اذن من وكیل الجمھوریة ولو في حالة التلبس ویجب أن یتم ھذا الاذن بأي وسیلة تترك أثرا كتابیا.
ویطرح ھذا الاجراء الملاحظات التالیة:
أولا: اختلافھ عن مجرد الاعلام بالاحتفاظ الذي كان یشترطھ الفصل 13 مكرر قبل التنقیح.
ثانیا: صیغتھ تعتبر أكثر شدة من الفصل 29 من الدستور الذي أجاز الاحتفاظ إما في حالة التلبس أو بقرار قضائي بینما اشترط الفصل 13 مكرر الاذن حتى في حالة التلبس بالجنایة أو بالجنحة.
ثالثا: أن النص كما وقع تنقیحھ جعل الاذن بالاحتفاظ مقتصرا على وكیل الجمھوریة دون إشارة الى مساعدیه وھذا أدى الى قراءتین مختلفین: قراءة أولى اعتمدت التأویل الضیق واعتبرت أن وكیل الجمھوریة ھو الوحید المؤھل للإذن بالاحتفاظ. قراءة ثانیة اعتمدت مبدأ وحدة النیابة العمومیة كأساس إقرار اختصاص مساعدي وكیل الجمھوریة في إعطاء الاذن بالاحتفاظ.
رابعا: اشتراط النص لأن یكون الاذن بأي طریقة تترك أثرا كتابیا تعرض الى النقد نظرا لنقص الإمكانیات ببعض مراكز الأمن.
الاجراء الثاني: یتعلق بمدة الاحتفاظ فبعد أن كانت في حدود ثلاثة أیام قابلة للتجدید مرة واحدة لنفس المدة أصبح الفصل 13 مكرر یمیز بین 3 حالات بحسب طبیعة الجریمة.
بالنسبة للجنایة: مدة الاحتفاظ 48 ساعة قابلة للتجدید لنفس المدة – 96 ساعة.
بالنسبة للجنحة: مدة الاحتفاظ 48 ساعة قابلة للجدید لمدة 24 ساعة – 72 ساعة.
بالنسبة للمخالفة المتلبس بھا: یمكن الاحتفاظ بذي الشبھة المدة اللازمة لأخذ أقواله على ان لا تتجاوز مدة الاحتفاظ 24 ساعة غیر قابلة للتجدید.
ویشترط الفصل 13 مكرر بعد انقضاء مدة الاحتفاظ عرض المحتفظ به مصحوبا بملف البحث على وكیل الجمھوریة الذي یتوجب علیھ سماعھ حینا الفصل.
ویطرح ھذا التنقیح لمدة الاحتفاظ الملاحظات التالیة:
أولا: أن ھناك عدید الآراء لرجال القانون الذین یعتبرون مدة الاحتفاظ قصیرة وغیر كافیة لإجراء الأبحاث خاصة مع قلة الإمكانیات بالنسبة لأعوان الشرطة والحرس.
ثانیا: أن مسألة الاحتفاظ لمدة 24 ساعة في حالة المخالفة المتلبس بھا تطرح اشكالا، حول مفھوم المخالفة المتلبس بھا (ذلك أن الفصل 33 م.إ.ج. لم یعرف الا الجنایة والجنحة المتلبس بھا). وكذلك حول عدم تمییزھا بین المخالفات التي تستوجب العقوبة البدنیة والمخالفات التي تقتصر على الخطیة مما یترك لوكیل الجمھوریة سلطة تقدیریة في الاذن بالاحتفاظ.
ثالثا: الصعوبة التطبیقیة للإجراء المتمثل في العرض الوجوبي للمحتفظ به على وكیل الجمھوریة ووجوبیة سماعه حینا في نھایة مدة الاحتفاظ (بعد المسافات في بعض الأحیان، ضغط العمل بالنسبة لوكیل الجمھوریة، إمكانیة تزامن انتھاء مدة الاحتفاظ في نھایة أسبوع أو یوم عطلة) مع ضرورة ضمان حصص استمرار للنیابة العمومیة وضرورة تعزیز الإطار البشري ولما لا تقدیم حوافز.
الاجراء الثالث: یھم التنصیصات الوجوبیة بمحضر الاحتفاظ ذلك أن الفصل 13 مكرر أوجب على مأموري الضابطة العدلیة بإعلام المحتفظ بھ بلغة یفھمها بالإجراء المتخذ ضده ومدتھ الكاملة مع التمدید وبمجموعة الحقوق التي یضمنھا لھ القانون من طلب العرض على الفحص الطبي وحقه في اختیار محامي كما أوجب علیھم ضرورة اعلام أھل المحتفظ به أو السلط الدبلوماسیة أو القنصلیة إذا كان ذا الشبھة أجنبیا بإجراء الاحتفاظ وبطلب تكلیف المحامي من قبل المحتفظ به، وأوجب علیھم أیضا تسخیر طبیب یتعھد بالفحص الطبي للمحتفظ به إذا طلب ذلك ھو أو أحد أقاربھ أثناء مدة الاحتفاظ أو عند انقضائھا.
كما استوجب نفس الفصل ضرورة تضمین كل ھذه الإجراءات بمحضر الاحتفاظ وذلك تحت طائلة ترتیب جزاء البطلان.
الفقرة الثانیة: البحث في الجریمة المتلبس بھا
البحث في الجریمة المتلبس بھا ھو الإطار القانوني الذي یسمح باستعمال طریقة قسریة لجمع الأدلة وذلك في حالة حینیة أو قرب زمن ارتكاب الجریمة.
وبناء على ھذا التعریف یمكن القول أن أساس خصوصیات البحث في الجریمة المتلبس بھا یكمن في تأكد وضرورة جمع الأدلة الموجودة بشأن جریمة مرتكبة حدیثا.
ویترتب عن ھذا نتیجتان:
أولا: جعل مجالھا محدودا في الجرائم الأكثر خطورة وھي الجنایة والجنحة حسب أحكام الفصل 37 من م.إ.ج. وھذا یجرنا الى الحدیث في نقطة أولى الى مفھوم الجریمة المتلبس بھا (أ)،
ثانیا: إعطاء صلاحیات موسعة لمأموري الضابطة العدلیة مقارنة لما لھم من صلاحیات في إطار البحث الأولي، ولھذا سنخصص نقطة ثانیة للطابع القسري والاستثنائي للبحث في الجریمة المتلبس بھا (ب).
أ – مفھوم الجریمة المتلبس بھا:
على مستوى تحدیده لمفھوم الجریمة المتلبس بھا اقتصر المشرع فقط على نوعین من الجرائم نظرا لخطورتھا وھي الجنایة والجنحة كما أنھ لم یعتمد المفھوم اللغوي للتلبس بمعنى ساعة اقتراف الجریمة وانما اعتمد مفھوما قانونیا یستند فقط الى حداثة أو قرب زمن ارتكاب الجریمة الذي یختلف من حیث مدتھ بحسب حالات أربعة یتعرض لھا تباعا.
1 .الحالة الأولى: حالة مباشرة الفعل في الحال:
وھي الحالة التي یكون فیھا ھناك تزامن بین ارتكاب الفعل ومعاینتها من قبل أعوان الضابطة العدلیة.
الاشكال بالنسبة لھذه الحالة الأولى ھو أن ھناك بعض الجرائم التي لا تكون ظاھرة للعیان رغم انھا مرتكبة في الحال نظرا لأنھا من الجرائم المتواصلة مثل جریمة إخفاء المسروق، حوز المخدرات، حمل سلاح دون رخصة… فھل یمكن الحدیث بشأنھا عن تلبس؟
محكمة التعقیب الفرنسیة في ھذا الإطار اعتبرت أن لمأموري الضابطة العدلیة صلاحیة تكییف أو تحدید حالة التلبس بالنسبة لھذه الجرائم لكن مع احترام شرطین متلازمین.
الشرط الأول، ھو معاینة التلبس یجب أن تكون سابقة لاستعمال الطریقة القسریة في جمع الأدلة (كالتفتیش القسري مثلا) لا العكس اي لا یمكن استعمال ھذه الطریقة من أجل اكتشاف التلبس.
الشرط الثاني، ان معاینة التلبس یجب أن تكون موضوعة على أساس بعض العلامات الظاھریة أو العناصر الموضوعیة التي تجعل المأمور یرجح توفر حالة التلبس (اشتمام رائحة مخدرات اثناء عملیة مراقبة إداریة عادیة، وشایة من شخص معرف بھویته وممضي على المحضر…) أما مجرد الحدس والشك أو الوشایة من شخص مجھول الھویة فھي حسب محكمة التعقیب الفرنسیة لا تعتبر من العناصر الموضوعیة الكافیة لتكییف الجریمة على
أساس أنھا متلبس بھا.
2 .الحالة الثانیة: حالة مباشرة الفعل في زمن قریب من الحال: في ھذه الصورة لیس ھناك تزامن بین ارتكاب الفعل ومعاینتها وانما یفصل بینھما زمن قصیر یمكن منطقیا من
القاء القبض على الفاعل مع بقاء وسائل الاثبات على حالھا (صورة مغادرة الفاعل موطن الجریمة منذ زمن قصیر).
الاشكال بالنسبة لھذه الحالة أن المشرع لم یحدد المدة الزمنیة القصیرة ھذه مما یترك المجال لاجتھاد قاضي الموضوع (ھو یوم تقریبا بالنسبة لفقھ القضاء الفرنسي والتونسي).
3 .الحالة الثالثة: حالة التلبس المفترض:
یفترض التلبس في ھذه الصورة الثالثة في حالتین:
حالة مطاردة الجمھور لذي الشبھة صائحا وراءه من أجل القاء القبض علیھ وھي حسب فقه القضاء الفرنسي تختلف عن حالة الاشاعة المنتشرة بین الجمھور.
حالة وجود ذي الشبھة حاملا لأمتعة أو وجدت بھ آثار أو علامات تدل على احتمال ادانته.
مع العلم أن الافتراض لا یقوم في ھاتین الحالتین الا بتوفر عنصر زمني وھو أن تكون المطاردة أو اكتشاف العلامات في زمن قریب جدا من زمن وقوع الفعلة.
وفي ھذه الحالة لم یحدد المشرع ھذا الفاصل الزمني الذي یمكن أن یمتد من 20 ساعة الى یومین حسب رأي البعض (الأستاذ محمد الزین).
4 .الحالة الرابعة: حالة التلبس بالتشبیه:
ھي لیست حالة تلبس حقیقیة وإنما تشبھ بحالة التلبس وذلك عندما تقترف جنایة أو جنحة بمحل سكني استنجد صاحبه بأحد مأموري الضابطة العدلیة لمعاینتھا ولو لم یحصل ارتكابھا في الظروف المبینة بالحالات السابقة أي دون اشتراط أن تكون الجریمة ارتكبت في ومن قریب من زمن اكتشافھا من قبل صاحب المسكن (مع العلم أن ھذه الحالة وقع
الغاؤھا سنة 1999 من م.إ.ج الفرنسیة وتعویضھا بحالة اكتشاف جثة مع الجھل بأسباب الوفاة).
ب – الطابع الاستثنائي والقسري لأعمال البحث في الجریمة المتلبس بھا:
یبدو ھذا الطابع القسري على مستویین اثنین:
1 .المستوى الأولى: تداخل الھیاكل والأعمال:
في إطار الإجراءات الجزائیة یقع التمییز عادة بین أعمال البحث التي یتعھد بھا أعوان الضابطة العدلیة في حدود القانون وبین اعمال التحقیق التي ھي من اختصاص قاضي التحقیق (دائرة الاتھام أحیانا) ویمكن أن تشمل عملیات الاختبار والتفتیش والحجز والإیقاف التحفظي والتي ینفرد بھا. الا انه وبصفة استثنائیة في حالة الجنایة والجنحة المتلبس بھا تختلط اعمال الضابطة العدلیة بأعمال التحقیق وتصبح صلاحیات مأموري الضابطة العدلیة موسعة لتشمل حتى صلاحیات قاضي التحقیق.
فبالنسبة لوكیل الجمھوریة ینص الفصل 34 من م.إ.ج. على أنھ “لوكیل الجمھوریة في جمیع صور الجنایات أو الجنح المتلبس بھا مع سلطة التتبع جمیع ما لحاكم التحقیق من السلط” مما یجیز لھ إضافة الى اعمال البحث الأولي أن یقوم بالتفتیش والحجز والاختبار وإصدار بطاقة الإیداع.
بالنسبة لحكام النواحي ومأموري الضابطة العدلیة فلھم بموجب الفصل 11 جمیع ما لوكیل الجمھوریة من الصلاحیات في حالة الجنایات والجنح المتلبس بھا بشرط أن یعلموه حالا بما قاموا بھ من الاعمال.
بالنسبة لحاكم التحقیق فموجب الفصل 35 فقرة أولى م.إ.ج یمكنھ في صورة الجنایة المتلبس بھا القیام بجمیع الاعمال المخولة لوكیل الجمھوریة من دون اذن في فتح بحث من قبل وكیل الجمھوریة على أن یقع اعلامھ حالا من قبل حاكم التحقیق.
2 .المستوى الثاني: تقلص الشكلیات التي تخضع لھا اعمال مأموري الضابطة العدلیة
وھو ما یترتب عنھ تقلیصا للضمانات التي یمكن أن یتمتع بھا المتھم ویبدو ھذا على مستویین أساسا، التفتیش وإمكانیة إیقاف المتھم.
بالنسبة للتفتیش وطبق احكام الفصل 95 من م.إ.ج. فانھ یمكن أن یتم في حالة الجنایة أو الجنحة المتلبس بھا خارج المجال الزمني الذي حدده نفس الفصل والممتد من الساعة السادسة صباحا الى الثامنة لیلا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى